خديعة الاستفتاء على فلسطين
25 ذو القعدة 1428

يلوذ المفاوضون الفلسطينيون _حين يُواجَهون بالحجج الدالة على تهافتهم وتفريطهم _ بـ"الاستفتاء"؛ فهم سوف يعرضون أي اتفاق يتنازلون فيه عن 78% من فلسطين, أو أكثر, معترفين بشرعية الكيان الغاصب؛ مقابل كيان منزوع السيادة, ومتعهدين بالوقوف في وجه كل من يقاومه...سيعرضون ذلك على الشعب؛ للاستفتاء عليه!!<BR><BR>وما ذلك إلا تسويف يأملون أن يتاح لهم به تجريع الناس ذلك الإثم العظيم, وحتى يهدِّئوا من روع المتخوفين على مصيرهم, ولاسيما فلسطينيي الشتات من (اللاجئين).<BR><BR>وبطلان الاستفتاء يتضح بالناحيتين: الشرعية والسياسية. <font color="#ff0000">فأما الشرعية</font>, فإنها في غاية الوضوح, إذ من أخطر ما يمكن أن يصيب دينَ المسلمين تعريضُ ثوابته, وأحكامه القاطعة البينة إلى رأي الناس؛ ليعقِّبوا , والعياذ بالله, على مَنْ لا معقبَّ لحكمه!!!<BR><BR>والأدلة على حرمة التخيير فيما قضى الله من أحكام, واضحة متضافرة, ومنها قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36]<BR>قال القرطبي: " لَفْظَة " مَا كَانَ , وَمَا يَنْبَغِي " وَنَحْوهمَا , مَعْنَاهَا الْحَظْر وَالْمَنْع . فَتَجِيء لِحَظْرِ الشَّيْء وَالْحُكْم بِأَنَّهُ لَا يَكُون , كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَة . <BR><BR>...وقَوْله تَعَالَى : { أَنْ يَكُون لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ "... الْخِيَرَة بِمَعْنَى التَّخْيِير , فَالْخِيَرَة مَصْدَر بِمَعْنَى الِاخْتِيَار ... ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُوله فَقَدْ ضَلَّ } [تفسير القرطبي]<BR><BR>فلا يحل شرعا أن يُخيَّر المسلمُ ويُستفتى في أمر قد حسمته الشريعة بالحرمة, أو الفرضية, أو النَّدْب, أو الكراهة, فالصواب في ذلك متعيِّن, والتحسين والتقبيح, وهما لله وحده, واضحان, وإنما تكون الشورى وأخذ الرأي في الأمور المباحة التي سَوَّى الشارع الحكيم بين فعلها وتركها؛ فإن كانت تلك الأمور مما يصح أن يتناولها عامةُ الناس بالرأي, ولم تكن من المسائل التي تتطلب الخبرة والتخصص, جاز حينها عرضُها على الاستفتاء, والأخذ برأي الناس فيها. <BR><BR>جاء في تفسير الطبري :" قال سفيان بن عيينة في قوله : { وشاورهم في الأمر } قال : هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر . " [تفسير الطبري] وقد " اتفق الفقهاء على أن محل مشاورته صلى الله عليه وسلم لا تكون فيما ورد فيه نص ؛ إذ التشاور نوع من الاجتهاد, ولا اجتهاد في مورد النص . أما ما عدا ذلك : فإن محل مشاورته صلى الله عليه وسلم إنما هو في أخذ الرأي في الحروب وغيرها من المهمات, مما ليس فيه حكم بين الناس ، وأما ما فيه حكم بين الناس فلا يشاور فيه ؛ لأنه إنما يلتمس العلم منه ، ولا ينبغي لأحد أن يكون أعلم منه ، بما أنزل عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }" [الموسوعة الفقهية]<BR><BR>وقضية فلسطين الحكمُ الشرعي فيها واضح, لا خلاف عليه بين عامة المسلمين, فضلا عن علمائهم, وهو الجهاد لتحريرها من يهود كما جاهد المسلمون زمن الصالحين من القادة, صلاح الدين وقطز, وخلصوها من رجس الصليبيين والتتار؛ فإن لم يستطِعْ المسلمون اليوم فعل ذلك؛ لأسباب تعود إلى تقصيرهم والوهن الذي أصابهم؛ فلا يتطرق البحث في الحكم الشرعي الثابت, ولا يصح تجاهله, والقفز عليه بالاستفتاء!!! <BR><BR>ولا يملك أهل فلسطين البتَّ في فلسطين, فهي ليست حقا لهم وحدهم, إنما هي أرض وقفٍ إسلامي, وهي خراجية يملك مَنْ عليها منفعتَها ولا يملكون رقبتها؛فمن لا يملك شيئا لا يستفتى في التنازل عنه.<BR><BR><BR><font color="#ff0000">أما السياسية</font>, فإن السياسة هي فن الممكن, واللاعبون السياسيون إنما يتعاملون وَفْق الخيارات المتوفرة لهم, وهنا نحن أمام عملية تفاوضية محكومة بمرجعيات صريحة, يُحكم بها المفاوضون في قضايا التفاوض, ومنها مسألة اللاجئين, فقد تم شطب قرارات دولية استكثرتها "إسرائيل" عليهم؛ فليس القرار 194 الذي ينص على حق العودة من بين المرجعيات, بل ثمة مرجعيات تنسفه, وقد أقرتها الإدارة الأمريكية, وهي التي تنادي بحلٍ لقضية اللاجئين يحافظ على يهودية الدولة؛ فهل يملك الجانب الفلسطيني المفاوض, والمفاوض فقط, أوراقا من الضغط تستطيع الفعل أمام أمريكا و( إسرائيل). وهذه مسألة من المسائل الجوهرية العالقة, وما يقال عنها يقال عن الأخريات: القدس والمستوطنات والحدود؛ فمن الذي سيفرض إرادته؟! ومن الذي سيطلب منه ( ترويض) شعبه, وقمعه حين يلزم؟! <BR><BR>ولا تعرض أمة من الأمم قضية بهذه القداسة إلى استفتاء يُمَهد له بظروف اصطناعية تآمرية تترك الحليم حَيْران, ثم تقوم جهات غير بريئة ولا نزيهة بالإشراف على ذلك الاستفتاء؛ فيصادرون بذلك حقوق الأجيال القادمة من أهل فلسطين وغيرهم من المسلمين بالتنازل والاعتراف بشرعية الغصب والاحتلال؛ فيرتبون على تلك الأجيال استحقاقات باطلة بالمحافظة على أمن ذلك الكيان, والالتزام بتلك المعاهدة التي لا تُلزم أحدا؛ فيجبرونهم على الإثم, والرضا بالدَنِّية!!<BR><BR>ثم إن من يقبل بتعريض كل ما توصل إليه بعد جهود مضنية, ومتابعات دولية, وأمريكية على وجه الخصوص لاستفتاء, ما باله يضيق ذرعا بمجرد التعبير عن الرأي في (أنابوليس)؛ فيُفْرِط في القمع المفضي إلى القتل وتكسير العظم؟!!! <BR><BR>إنهم_ في الحقيقة_ كما يصف القرآن من يسير في طرق الشيطان والمعاصي والفجور, يعسر عليه, وأحيانا يتعذر أن يعود , وكيف لا يحدث ذلك, وهم يريقون كرامتهم وماء وجوههم بالاستخذاء تلو الاستخذاء؟! كيف لهؤلاء أن يستطيعوا بعد كل ذلك أن يتمنعوا؟! وقد قال الشاعر: <BR><BR>من يَهُنْ يَسهُلِ الهوانُ عليهXXX ْْ ما لِجُرحٍ بميِّتٍ إيلامُ<BR><BR><font color="#0000FF">لماذا الاستفتاء؟</font><BR><BR>من الواضح أن ما يطالب المفاوضون بالتجرؤ عليه حيال فلسطين أمرٌ فوق قوتهم, فلذلك تراهم ساعين إلى إشراك أهل فلسطين في تحمل هذا الوزر العظيم؛ حتى يتنصلوا هم من ذلك, أو تتوزع الجريمة على الجميع. وثمة سبب آخر يتعلق برغبة "إسرائيل" والدول الكافرة الراعية لعملية التسوية في انتزاع اعتراف بشرعية ذلك الكيان الغاصب من الشعب؛ لعلمهم بضآلة من يمثله المفاوضون من شعب فلسطين.<BR><BR><font color="#0000FF">الاستفتاء لا لزوم له: </font><BR><BR>وإذا نظرنا في الموقف "الإسرائيلي" فإنه المراوغة أحيانا, والصَّلَف والتغطرس أحيانا أخرى, وكل ذلك مسنود, بل مسكون بهاجس من الساسة "الإسرائيليين" من شعبهم الذي يتجه نحو اليمين المتطرف, ويرفض تقديم أي (تنازل) يرى نفسه غيرَ مضطرٍ إليه، وقد أخبرنا الله سبحانه بما يعلمه منهم: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}[النساء:53] فهم يمنعون الحقوق, ولا يعطون منها شيئا, مهما قلّ؛ لبخلهم وحسدهم...<BR><BR>وإذا سألنا عن الموقف الحقيقي الراسخ في وجدان أهل فلسطين, فهو عدم التفريط بالحقوق؛ فلِمَ نتلهى بالوقت, ونخدر المخدوعين؟! والوقت يعمل لغير صالحنا, ما دمنا في هذا الحال من الانتظار والاستجداء ونقصان الفعل. إذن علامَ يعوِّل من يلوذ بالاستفتاء؟!<BR><BR>وما الجديد الذي سيطرأ عند التوصل لتلك الحلول التي سيستفتى الشعب عليها؟ هل هو شَرْذمةُ الشعب وإنهاكه في الخارج والداخل في دوامات من الأزمات المفتعلة على الصُعُد المعيشية والأمنية... حتى يذهل عن حجم المؤامرة التي يأملون في تمريرها عليه؟! <BR><BR>لعلهم هكذا يفكرون, ولكن هل يصدق توقعهم, ويفلح سحرهم؟! <BR>نقول هذا, ونحن ندرك ونطمئن إلى أن الغالبية الساحقة من أهل فلسطين في الداخل والخارج لا يمكن أن يقبلوا بهذا التفريط, والدلائل واضحة للعيان.<BR>إن من يخطط لهم, ويمكر بهم, هي جهات غريبة عن الأمة الإسلامية, ولا يمكن إلا أن تفكر متأثرة بفكرتها هي عن الحياة, وطريقة تعاطيها مع صراعاتها؛ القائمة على المساومة والحلول الوسط, وهم لا يدركون حق الإدراك خصوصية الأمة الإسلامية لسبب بسيط, هو أنهم ليسوا مؤمنين, ولا يدرك الإيمانَ إلا من ذاقه.<BR><BR> والأمثلة المحسوسة تؤكد ذلك فها هو الشعب المصري بأجمعه ما زال يحتقر المطبعين وينبذهم, كما يفعل مع الغاصبين, وقد مر على ( الصلح) معهم عقود, وهو لا يخطر بباله أن يساوم على ذلك, مهما أرهقته, أو أغرته العوامل الاقتصادية, مثلا. <BR><br>