الترويع بالإبادة..لا الصدمة والترويع؟
24 شوال 1428

الآن، وبعد كل ما جرى، ثمة حاجة لأن نتناول بالفهم والتحليل ما جرى، حيث التجربة التي جرت في العدوان على العراق باتت أوراقها مفتوحة بكل ما شملت في اتجاهاتها وملامحها العامة، وكذا لأن التجربة قابلة للتكرار خاصة وقد كشف القائد العسكري الأمريكي السابق ويزلى كلارك أن الخطة العسكرية الأمريكية التي وضعت فور وصول بوش إلى الحكم، قد أقرت شن اعتداءات عسكرية ضد 7 دول، منها أفغانستان والعراق ولبنان ويضاف إليها السودان وسوريا وليبيا وإيران.<BR>في هذه السلسلة من التأملات سنعالج القضايا العامة والكواشف والاتجاهات والمؤشرات، التي تفيد في التعامل مع قضايا الصراعات بصفة عامة استخلاصا من التجربة العراقية، والتي هي ذات علاقة مباشرة بقضايا المقاومة للهجمة العدوانية الأمريكية الشاملة ضد الأمة الإسلامية. <BR>وفي البداية نتناول الطريقة والفهم لخطة العدوان على العراق في مرحلة الصراع مع النظام والجيش العراقي، كما سنعالج من بعد قضايا المقاومة..الخ.<BR>في الهجوم الرئيس على بغداد، كان القصد أن يحدث نفس تأثير جريمة القاء القنبلة النووية على هيروشيما وقتل الآلاف في لحظة واحدة وكل 4 دقائق. لم يكن ارتكاب تلك الجرائم أمرا عفويا أو مجرد عمل عسكري ضد الجيش العراقي، بل كان جريمة مخططة مقصود فيها كل قتل وأجرم فيها. قبل العدوان على العراق بدا التخطيط لهذا العمل الإجرامي هناك في واشنطن في المكتب البيضاوي حين قدم الدكتور <font color="#ff0000">هارلان اولمان –أحد مستشاري البيض الأبيض والأستاذ في كلية الدفاع الوطني الأمريكية أو أحد مجرمي الحرب</font> -مذكرة بعنوان "الصدمة والرعب، للرئيس بوش المسئول عن قتل ما يزيد عن مليون عراقي،تلك المذكرة لم تكن سرية بل نشرتها الصحف الأمريكية وقتها جاء فيها :<BR><font color="#0000FF">"أن الولايات المتحدة عليها أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المركزة والمكثفة والكاسحة بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب إلى آخر ثانية. ويتم تقطيع أوصاله وتكسير عظامه وتمزيق لحمه دون فرصة يستوعب فيها ما يجرى له. </font><BR>وبعد ذلك شرح اولمان نظريته فقال: إن استعمال أقصى درجات العنف من أول لحظة كفيل بتوليد إحساس لدى العدو يجعله مأخوذا بطغيان تفوق عليه لا مثيل له.وقال بان تكون الضربة الأولى على بغداد حاملة 800 صاروخ من طراز كروز متلاحقة بمعدل صاروخ كل 4 دقائق،لكي يتم تدمير كافة محطات الطاقة والمياه، ليكون اليوم الثالث هو يوم يكون فيه سكان العاصمة العراقية قد تأكد استهلاكهم نفسيا ومعنويا –قبل ماديا وجسمانياً. <font color="#ff0000">واختتم انه يطلب من ذلك تأثير قنبلة هيروشيما. </font><BR>هي الإبادة والترويع أو الترويع بالإبادة وليست مجرد الصدمة والترويع أو الترويع بالصدمة.<BR>هم أسموها الصدمة والترويع لكنها في واقع الحال ليست إلا نمطا من الإبادة والترويع، أو هي نمط من استخدام القتل والإبادة للمدنيين وسيلة للترويع أو هي أشد أنماط الحرب النفسية وحشية عن طريق القتل والإبادة أو هي باختصار استخدام أفظع درجات القتل الجماعي لسرقة وطن بأكمله. في التاريخ البشري كان المقاتلون حال تقدمهم يزارون..وكانوا يشعلون النار..وكانوا يستخدمون الحيوانات لإخافة الجند. وكانت الحرب النفسية خلال الحرب العالمية الثانية تستخدم الدعاية للاكتساح النازي لإخافة الجند والمدنيين قبل وصول قوات النازي إليهم ليفرون أو يستلمون ومن يبقى يكون يائسا أو خائر القوى والعزيمة. وفى الاعتداءات الصهيونية المتواصلة ضد امتنا استخدمت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر لجعل الجنود العرب يدخلون كل معركة خائفين.<BR>البعد الحضاري<BR>لكن الصدمة والترويع وفق الممارسة الأمريكية هي الأشد دموية عبر التاريخ الإنساني من كل ما سبق.ما جرى ضد أهلنا في العراق منذ العدوان الأول في التسعينات وحتى الآن من إبادة، هو النمط الأشد دموية عبر التاريخ الإنساني. هي النمط الأمريكي الذي يقوم على الإبادة، أو هو التطبيق العصري الحديث لإبادة الهنود الحمر، إذ الولايات المتحدة قامت على إبادة شعب وحضارة كاملة.وهو تكرار الإبادة ضد اليابان وهي أعمال لمفاعيل الإبادة في الحرب الفيتنامية والكورية وفق صيغة اشد عدوانية وإجرامية.<BR>والصدمة والترويع لم تكن خطة تتعلق بحجم الضربة العسكرية الأولى. لم تتعلق فقط بنمط الحرب النظامية من 20 مارس حتى 9 ابريل، بل هي خط شامل انتظمت فيه وقامت على أساسه الحملة العدوانية الأمريكية ضد العراق التي استهدفت وما تزال تستهدف القتل والإبادة والترويع.الشاهد على ذلك أن حجم الشهداء في العراق زاد عن المليون في فترة زمنية قصيرة وفى زمن يصعب سقوط مثل هذا العدد الا وفق رؤية وخطة محددة تستدف اابادة المدنيين،ولكن الشاهد الأكبر هو أن الترويع بالإبادة امتد عبر كل التصرفات الأمريكية من يوم بدء العمليات وحتى الان.يكفى أن نلق نظرة على أسماء العمليات العدوانية لنكشف البعد الحضاري المفاهيمي للحملة القائم على الإبادة. ولكي نفهم أي حضارة تلك التي يدعونها نذكر هنا ببعض من الأسماء التي أطلقها الجيش الأمريكي على "الحملات" العدوانية على الشعب العراقي.<BR> عملية عقرب الصحراء (15 حزيران-29 حزيران 2003) - عملية لدغة العقرب -عملية العقرب الإسبارطي -عملية العقرب الحفار-عملية الثعبان سايدواندر (29 حزيران-7 تموز 2003) -عملية الثعبان آيفي (12 تموز- 21 تموز 2003) -عملية الرصاصة الحديدية (تموز 2003) -عملية تفتيش النمر التام (7 أيلول 2003) -عملية المطرقة الحديدية (تشرين الثاني 2003) -عملية حجاب النسر (تشرين الثاني 2003) -عملية نمر كل الأمريكان (6 تشرين الثاني 2003) - عملية إعصار اللبلاب (7 تشرين الثاني 2003؟) <BR>عملية بووت-هل (10 تشرين الثاني 2003) - عملية البندقية الخاطفة (20 تشرين الثاني 2003) -عملية تمشيط البندقية (26 تشرين الثاني 2003) -عملية عصرة النمـر (10 كانون الأول 2003) - عملية الطرق الخلفية للنمر (15 كانون الأول 2003)- عملية البندقية الغاضبة (21 كانون الأول 2003) - <font color="#ff0000">عملية معبر الشيطان (23 كانون الأول 2003) -عملية الخنق المستمر (30 كانون الأول 2003) </font>-عملية الحل الحديدي (كانون الثاني 2004) -عملية الحـانة (17 كانون الثاني 2004)- عملية القَصَة النهائية (28 كانون الثاني 2004)- <font color="#ff0000">عملية المسحال الناري (شباط 2004) -عملية خطافة الشيطان (21 شباط 2004) - عملية ملوك الانتحار (17 آذار 2004)-عملية محق وتقطيع الاوصال (12 نيسان 2004) - عملية الطعنة النجلاء (ايار 2004) </font>-عملية قضمة الذئب (4 ايار 2004) -عملية انتصار التنين (19 حزيران 2004) <font color="#ff0000">-عملية المثقاب الصليبي (24 حزيران 2004) (سلاح استعمل في الحروب الصليبية) - عملية نقار شواهد القبور (15 تموز 2004) </font>- عملية مدافع الشبح (4 آب 2004) -عملية اللعبة الثلاثية (31 كانون الأول 2004- 2 كانون الثاني 2005) - عملية شبكة العنكبوت (6-10 أيار 2005) - عملية حلبة مصارعة الثيران (7-14 أيار 2005) <BR><font color="#0000FF">تلك هي أسماء العمليات العدوانية ما بعد الحملة الأولى وفيها كل الكواشف. فأي حضارة تلك؟ وأي ديمقراطية وحقوق الإنسان التي يدعون؟ وأي مجرمين هؤلاء؟ هل هؤلاء ببشر؟، أن الفارق الحضاري هنا بين الحضارتين الإسلامية والغربية يظهر حتى من اختيار الأسماء الكودية للعمليات، فحين اختاروا هم تلك الأسماء والمسميات تجد الأسماء الكودية للعمليات التي تقوم بها الجيوش والجماعات المقاومة، تدور حول معاني ومضامين رفيعة بدر،الوعد الحق،فجر،غسق..الخ</font><BR>لكن الكاشف الأكبر لنمط تلك الحضارة المعتدية ولأهداف الصدمة والترويع هو أن شركات تجارية تقدمت إلى البنتاجون الأمريكي، لتحصل على مسمى الصدمة والترويع كعلامة تجارية.<BR>إبادة نحو المليون عراقي يصبح علامة تجارية لشركات تبيع منتجاتها لبشر.لم تنته الدلالات بعد،إذ الشركات التي تقدمت وعددها 15 شركة لتطلب الصدمة والترويع كان من بينها شركات مبيدات حشرية.!<BR>وهنا يبدو من الأهمية الإشارة إلى أن فرعا لشركة لشركة يابانية يعمل في الولايات المتحدة قد تقدم ضمن الشركات الأمريكية التي تقدمت لنيل اسم الصدمة والترويع كعلامة تجارية،لكن إدارة الشركة في اليابان طلبت منه سحب الطلب وأعلنت اعتذاراً لهذا الفعل قائلة إنه أمر لا يليق.<BR><font color="#0000FF">صدمات وليست صدمة </font><BR>الصدمة والترويع لازمت الحملة العدوانية ومنذ بدايتها وحتى الآن،إذ بنفس طريقة العدوان الأول، جرت الاعتداءات على المدن العراقية الرافضة الاستسلام (الفلوجة-الرمادي –تلعفر-..الخ ) إذ خلال العدوان العسكري كان مقصودا اختيار خطط وأسلحة عسكرية تحدث دمارا واسعا وشديدا ومرعبا،لتكون تلك المدن نموذجا يخيف السكان المدنيين في المدن الأخرى، كما كانت تلك النظرية ماثلة في أبي غريب، حيث جرت عمليات تعذيب جرى التخطيط لها لأحداث صدمة نفسية للإنسان الفرد العراقي في معتقداته وقيمه وأفكاره، كما أن ما جرى في القبض على صدام حسين والتمثيل والتنكيل به حيا وفي محاكمته وحتى إعدامه، كان مستهدفا إحداث صدمة نفسية.وفى تفجير المساجد والمآذن، وفى الاعتداء على الشيوخ والعجزة في المساجد (وإذاعة تلك المشاهد بإذن من السلطات العسكرية العاملة في العراق ) كلها جرت ضمن خطة الصدمة والترويع.<BR>إن من يتابع الحملة العدوانية يلحظ أن الإبادة والترويع كانت هي المنهج الهمجي المعتمد في كل خطة تصرف وسلوك..الخ. <BR><font color="#0000FF">منظومة هتلر والصهاينة</font><BR><font color="#0000FF">ومن يتابع الجرائم المرتكبة لأجل أحداث الصدمة والترويع يجد أنها : </font><BR>1- إعادة إنتاج لتجربة هتلر في الانقضاض على الدول والتدمير والقتل للبشر لتحقيق الأهداف السياسية،مع دعاية كثيفة من أجهزة الإعلام النازية نفسها حول الإبادة التي ترتكبها.<BR>2- وهى إعادة إنتاج لتجربة الكيان الصهيوني في استخدام المذابح وسيلة لتدمير الروح المعنوية ونشر الذعر.وهى جرائم نشرتها في حينها أجهزة الإعلام الصهيونية لتوسعة تأثير الصدمة في أوساط المواطنين الفلسطينيين.<BR>3-لكنها وإن كانت إعادة إنتاج أمريكي للنمطين الأشد إجراما في التاريخ الإنساني، فإنها بالأساس والأصل إعادة إنتاج للسلوك الأمريكي نفسه في كل الحروب الأمريكية، إذ الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين دول العالم التي استخدمت السلاح النووي، والذي جرى استخدامه تحديدا ضد المواطنين غير المحاربين. كما هي الدولة الأكثر استخداما للأسلحة الكيماوية والبيولوجية في حروبها،وللقنابل المحرمة دوليا كما هو الحال في قنابل النابالم.<BR>4- والاهم في فهم تلك "النظرية" هو أن ندرك أن الجوهري فيها هو أنها تعتمد قتل وإبادة المدنيين خلال الحروب وليست موجهة بالدرجة الأولى للعسكريين، وان ذلك هو ما غاب في إدراك جوهرها وأهدافها.<BR>5-إن الصدمة والترويع كانت تستهدف في حقيقتها ألا تجرى مقاومة ضد قوات الاحتلال بعد وصول القوات البرية داخل المدن. كان ذلك هدف أساسي يرتبط بما بعد نهاية الأعمال العسكرية ضد الجيش العراقي والنظام العراقي السابق، وهو ما يذكرنا بقصف هيروشيما ونجازاكى بالقنابل النووية رغم أن الحرب العالمية الثانية كانت قد انتهت تقريبا. قصد بإلقاء القنابل التأسيس لما بعد استسلام اليابان وبشكل خاص على صعيد الشعب الياباني.<BR><font color="#0000FF">الصدمة المضادة ! </font><BR>وهكذا، فان الأهم في النظر لخطة الصدمة والترويع والتأمل فيها هو نفهم مدى العمق الإيماني للإنسان المسلم الذي واجه كل ذلك، ثم ومن فوره قاوم. فالذي أدهش المحتل وصدمه أن العراقيين رغم كل ما جرى في القصف الأول قاوموا فور دخول القوات البرية للاحتلال، وأنهم رغم استمرار خطط الصدمة والترويع عبر كل ممارسات الاحتلال،فان المقاومة لم تضعف ولم تهتز.<BR>من بين الركام الذي خلفته آلة الدمار الأمريكية من خلال القصف الإجرامي، خرجت لمقاومة وصدمت المحتل. والأكثر أهمية هو أن الإرادة العراقية هي التي لم تنكسر،حيث المجتمع العراقي ظل يعيد إنتاج إرادته من بين الركام والقتل،بينما القوات العسكرية هي من انكسرت إرادتها.<BR><BR>لقد بدأت تحت مسمى الصدمة والترويع لكن ظهر أنها خطة للترويع بالإبادة.<BR>لكن لا الصدمة أرعبت ولا روعت بما يكسر الإرادة <BR>ولا الإبادة كسرت الإرادة بل هي تحولت لتحقيق رد فعل كسر إرادة المعتدى.<BR>لقد كانت صدمة إرادة المقاومة وعدم مهابة الموت، أو كانت الإرادة المتسلحة بالإيمان أقوى من كل صدمة وترويع. ولا يروع الموت مؤمنا.<BR> <BR><br>