الدعم الأمريكي العسكري للهند.. رسالة مزدوجة تسلمتها الصين!!
17 شوال 1428

في إطار مذهب الحرب الاستباقية والتحضير المسبق لمهاجمة الخصم الذي اتبعته الولايات المتحدة وأعلنت عنه في بداية القرن الحادي والعشرين الميلادي، خططت لإقامة قواعد متقدمة لها في باكستان وأفغانستان وعملت من أجل تعزيز الشراكة العسكرية قبل الاقتصادية والسياسية مع الهند مع احتفاظها بوجودها العسكري المكثف في كوريا الجنوبية واليابان وكل هذا من أجل احتواء النفوذ المتنامي للصين في المسارات العسكرية والسياسة والاقتصادية. <BR><BR>والولايات المتحدة تقدم للهند جميع التقنيات التي تحتاجها في مختلف المجالات وخاصة في مجال التقنية النووية في حين يتبارى مرشحو الرئاسة الأمريكية وكبار المسؤولين في إدارة بوش في الحديث بدون استحياء عن ضرورة غزو باكستان، ومن كان لديه منهم بقية من اعتبار لدور باكستان في مساعدتهم فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب فإنهم يطالبون فقط بقيام قواتهم المتمركزة في أفغانستان وما يساندها من قوات الدول الأخرى المتحالفة معها بشن حملات عسكرية خاطفة ولكن مدمرة في عمق الأراضي الباكستانية من دون التشاور مطلقا مع سلطاتها.<BR><BR>وفي إطار تعزيز العلاقات العسكرية مع الهند نظمت الولايات المتحدة في الشهور القليلة الماضية مناورات عسكرية ضمت خمس دول على الرغم من معارضة اليساريين الشركاء في التحالف السياسي الحاكم في نيودلهي. وتعتبر تلك المناورات البحرية هي الأعقد من نوعها والأضخم التي تشارك فيها الهند وأستراليا واليابان وسنغافورة. وشاركت في المناورة ذات الطابع العسكري الممزوج بأهداف سياسية ثلاث حاملات للطائرات اثنتان أمريكيتان والأخرى هندية بالإضافة إلى غواصة نووية وقطع بحرية أخرى. والمناورات هي السابعة في سلسلة من التدريبات المشتركة بين الولايات المتحدة والهند. وتقام معظم التدريبات عادة قبالة الساحل الغربي للهند ولكن التدريب الأخير شذ في انه عقد قبالة شواطئ البنغال بالقرب من ميناء مدينة فيزاخاباتنام التي تحتضن القيادة الشرقية للأسطول البحري الهندي.<BR><BR>قادة الأحزاب اليسارية الهندية قادوا مظاهرتين ضد هذه التدريبات انطلقتا من مدينتي كالكوتا وجيناي لتلتقيا بمدينة وميناء فيزاخاباتنام بعد عقد جلسات عديدة على الطرق العامة. احتجاجات اليساريين على التدريبات تقوم على حجة أنها سوف تؤدي إلى المزيد من دفع الهند إلى أحضان الولايات المتحدة، الأمر الذي تؤكده تحولات السياسة الخارجية الهندية بمقدار 180 درجة، فبعد أن كانت عضوا مؤسسا وقياديا في حركة عدم الانحياز،وتحالفها السياسي وتعاونها العسكري مع الاتحاد السوفياتي البائد في حقبة الحرب الباردة، تقوم اليوم بمزج ذاتها بالكامل في الأجندة الدولية للولايات المتحدة كغيرها من دول كثيرة أخرى ولكن الفرق يتمثل في أن نيودلهي تستفيد استفادة حقيقية من الولايات المتحدة وفي كافة المجالات وخصوصا النووية والتقنية والتعليمية والصحية ناهيك عن الدعم الاقتصادي الذي جعل خزانة الهند تتشبع بالعملات الصعبة رغم ان نصف سكانها يعيشون وبهدوء كامل تحت خط الفقر. والهند تلعب دورا بارزا في الأجندة الأمريكية رغم معارضتها الظاهرية للجوانب الأمنية والسياسية منها ولكن الواقع يكذب ذلك.<BR><BR>فالأهداف المعلنة للتدريبات البحرية هي زيادة التعاون المتبادل بين الأسلحة البحرية المشاركة فيها، وتقاسم المعلومات وروابط الاتصال والقيام بحملات بحرية الهدف منها مراقبة السفن المختلفة التي تبحر في المحيط الهندي، وفحص الدفاعات الجوية والتدرب على ضرب الشواطئ والأهداف القائمة في عرض البحر والتدرب على تنقل الطائرات العمودية المقاتلة على السفن. <BR><BR>والمراقبون على البر يقولون إن هذه الأسلحة البحرية تحاول أن تتعلم بعضها من بعض ما يمكنها من رفع قدراتها على القيام بعمليات مشتركة فيما بينها على أن تطبق ذلك عمليا وأن توسع نطاقه فيما بعد ليشمل كلا من سلاح الجو والقوات البرية. ومن شأن ذلك أن يمكن قيادات هذه الأسلحة من شن عمليات مشتركة كتلك التي يقوم بها الحلفاء الفعليون. العمليات المشتركة بين القوات المسلحة الهندية ونظيرتها تعني أن العسكري الهندي بغض النظر عن أي سلاح هو فيه يستطيع ان يستخدم معدات العسكري الأمريكي والعكس صحيح ويكون بمقدور كل منهما التحرك بفعالية تامة في إطار عمل الفريق الواحد ذي الأهداف المشتركة بالكامل وبكل دقة. ولهذا فان الهدف من المناورات سياسي بقدر ما هو عسكري وربما فاقه الى مستويات اعلى ويحمل رسالة استراتيجية غاية في الأهمية وهي أن الهند ترغب في أن تزيد من تقاربها مع الولايات المتحدة إلى أقصى درجة ممكنة وأن هذا أصبح خيارا استراتيجيا لها.<BR><BR>وهذه الرسالة وصلت بكل تأكيد إلى صانعي القرار الصيني الذين يرون أن تعاون الهند بهذا المستوى العميق مع دول حليفة بقوة مع الولايات المتحدة مثل استراليا وسنغافورة واليابان إضافة إلى تعاونها المباشر مع الولايات المتحدة إنما يهدف إلى إقامة ما يشبه حلف ناتو آسيوي يسعى في نهاية المطاف إلى احتواء الصين والإحاطة بها، كما أن باكستان وبرنامجها النووي ليست في منأى هي الأخرى عن مخطط الاحتواء والإحاطة هذا. وقد حاولت الحكومة الهندية جاهدة أن تقنع بكين بأنها ليست المستهدفة إطلاقا بتلك التدريبات العسكرية وأن الهند لا تنوي إقامة تحالف أمني جديد بالمنطقة، لكن الصين تدرك الحقيقة تماما ولذلك احتجت بشدة في مايو الماضي على عقد "اجتماع المبادرة الرباعية" بالعاصمة الفلبينية مانيلا بين الولايات المتحدة واليابان والهند واستراليا. وفي الخفاء يعرب المسؤولون الهنود عن ابتهاجهم لأن الصين تسلمت الرسالة متطلعين إلى أن تنظر بكين إلى الهند بشكل أكثر جدية بعد هذه التطورات. لكن المراقبين ينظرون إلى هذه المستجدات على أنها مقدمة لزيادة عدم الاستقرار بقارة آسيا والمحيط الهادي وربما كانت أيضا مؤشرا على مرحلة جديدة من الحرب الباردة بالمنطقة لأن تعاون الهند بهذه الصورة مع قوة عظمى ترمي مخططاتها إلى فرض الهيمنة أمر يتعارض مع سياسة عدم الانحياز التي تتبناها نيودلهي وتحرص على لفت الانتباه إليها كلما خبا بريقها بسبب ما تقوم به على أرض الواقع. فالهند لم تنظم أي مناورات عسكرية ضخمة مع الاتحاد السوفييتي السابق حتى بعد أن وقعت معه معاهدة السلام والصداقة في عام 1971م. <BR><BR>المناورات العسكرية جزء بسيط فقط من مستويات التعاون والعلاقة الاستراتيجية المتنامية بين الهند والولايات المتحدة. وهذا يتضمن إشكالات أخرى عديدة من التعاون العسكري كذلك مثل شراء الهند لكميات ضخمة من الأسلحة الأمريكية والاتصالات والزيارات المكثفة المتبادلة بين القيادات العسكرية في البلدين وتبادل وتقاسم المعلومات الاستخباراتية كذلك. ووقع البلدان في واشنطن على بروتوكول "الإطار الجديد للعلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة" في يونيو 2005م وقبل بضعة أسابيع من توقيعهما على صفقة نقل التقنية النووية الأمريكية للهند وبه يوسعان تعاونهما إلى الخطوة التالية من برنامج التعاون الاستراتيجي الذي تم التوقيع عليه في عام 2001م من جانب حكومة الحزب الهندوسي المتطرف بهارتيا جاناتا حينها. يهدف هذا الإطار إلى تحقيق الأهداف الأمنية المشتركة بين الجانبين. أما حكومة حزب المؤتمر الحالية برئاسة مانموهن سنج فإنها تبحث مع الجانب الأمريكي اتفاقية سبل التعاون اللوجستي وفي مجال الخدمات. والولايات لم توقع على مثل هذه الاتفاقية إلا مع دول أعضاء بحلف الناتو وعدد قليل آخر من الدول غير العضوة فيه، وهي الاتفاقية التي تسمح للسفن والطائرات الأمريكية بالتزود بالوقود والوصول الكامل إلى المرافئ والمطارات. <BR><BR>وستصبح الولايات المتحدة في مقدمة الدول المزودة للهند بالسلاح حيث تزمع الأخيرة شراء أسلحة بقيمة 30 بليون دولار في الفترة من 07-2012م. وهذا الرقم يعني أن الهند من أكثر الدول النامية شراء للسلاح. وتعقد الهند اتصالتها مع شركات السلاح الأمريكية من خلال العدو الصهيوني، وذلك لان معظم الأنظمة العسكرية اليهودية قد تم تطويرها من خلال مشاريع مشتركة بين الولايات المتحدة وتل أبيب أو أنها تعتمد على التقنيات والقطع والمعدات الأمريكية. وقد برزت دولة العدوان والتوسع في العقد الأخير كثاني اكبر مزود بالسلاح للهند. كما أن الهند تعد السوق الأول لصادرات السلاح الصهيونية، فقد اشترت الهند منها معدات عسكرية بقيمة 5ر1 بليون دولار في الفترة ما بين 02-2006م من مجموع ما باعته الدولة اليهودية لدول العالم الأخرى والذي بلغت عوائده 76ر2 بليون دولار بالفترة ذاتها. <BR><BR>ودائما ما تكتنف صفقات السلاح الهندية الكثير من التساؤلات والشكوك المتعلقة بأنواع هذه الأسلحة ومدى صحة ما تتضمنه الصفقات من معلومات عنها. وتأتي الآن شركات السلاح الصهيونية والأمريكية لتزيد من الغموض الذي يحيط بصفقات الدفاع والتسلح الهندية. وحتى مع تزايد مبيعات السلاح الأمريكي للهند فانه من غير المتوقع أن تنخفض مبيعات العدو الصهيوني من الأسلحة لها لان الولايات المتحدة عادة ما تبيع أنظمة السلاح الكاملة وتقوم تل أبيب ببيع ملحقات تلك الأنظمة بما يكملها، في الوقت الذي تعترض فيه الولايات المتحدة على صفقة عقدتها الهند لشراء طائرات عمودية من طراز يوروكوبتر والتي تصنعها شركات من كل من فرنسا وألمانيا وأسبانيا واضطرت الهند لتأجيل الصفقة بسبب الضغوط الأمريكية.<BR><BR>وزيادة في التقارب العسكري والسياسي مع الكيان الصهيوني، قامت لجنة الشؤون الأمنية في الحكومة الهندية بالموافقة مؤخرا على مشروع هندي – يهودي للإنتاج المشترك للصواريخ. وسيتم وفق هذا المشروع إنتاج صاروخ متوسط المدى قادر على ضرب أهداف جوية حتى مسافة 70 كيلومترا والذي سيتم إنتاجه بتكلفة إجمالية تصل إلى 5ر2 بليون دولار. ويقول المسؤولون الهنود: إن الصاروخ سيكون امتدادا لطراز باراك -8 الإسرائيلي. كما تشتري الهند من إسرائيل من حين لآخر صواريخ بحرية وأنظمة عسكرية اليكترونية ورادارية. ويستمر التعاون بعد أن قامت الهند بنقل وفد عسكري صهيوني مؤخرا إلى منطقة كشمير الخاضعة لسيطرة الهند للمساعدة في وضع استراتيجيات لمنع ما تصفه الهند بالتسلل من الجانب الباكستاني حيث يستخدم الجيش الهندي معدات معظمها من العدو الصهيوني لمراقبة حدوده مع باكستان.<BR><br>