غزة كيان معادٍ .. ما الجديد؟!
20 رمضان 1428

في الوقت الذي كان عباس يرقص على أنغام السلام مع رئيس الوزراء الصهيوني وسط أقاويل وتصريحات عن اتفاقات أو بيانات تحدد أسس الحل النهائي. وكذا في مناسبة حضور رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لتعزيز ودفع فكرة أو لعبة مؤتمر السلام في واشنطن (في الخريف .. القادم)، جاء الإعلان الصهيوني بأن "غزة كيان معادي". تلقفت رايس الفكرة لتعلن بدورها وفي تناغم مع الرؤية الصهيونية أن حماس منظمة معادية، لنعود مرة أخرى ومجدداً لمشاهدة نفس السناريو الأمريكي الصهيوني، حيث يجري الحوار مع طرف فلسطيني (حركة فتح سابقًا والآن)، ليخرج على الأمة من يروج الآمال ويعظم من التوقعات بنصر ديبلوماسي لصالح القضية الفلسطينية، ثم وما أن يبتلع البعض "الطعم" حتى يجري اصطياده ومن عاش الوهم، ليظهر الواقع أن ما جرى لم يكن سوى تعميقًا للشروخ داخل البناء الفلسطيني، وجذبا لمن علق في "سنارة" الموقف الأمريكي والصهيوني، ليقدم تنازلات أشد، وليصبح هو الأداة التي باستخدامها يجري حصار الرافضين والمقاومين، للإستراتيجية الأمريكية والصهيونية وله هو أيضا.<BR>انكشفت اللعبة، بعد أن صار عباس بلا قدرة على الحراك تراجعا، وحيث لم يعد يملك إلا تنفيذ الأوامر، التي صارت الآن، الإيغال في القطيعة مع الشعب الفلسطيني في غزة، وتعميق تفكيك التواصل الفلسطيني، أو ليس عباس الآن في دورة تفاوض وتباحث مع القادة الصهاينة؟ وأليس هو يتفاوض ويتباحث حول بنود مؤتمر "السلام" في واشنطن؟ إذن كيف له أن يقبل بأي تعامل أو تفاوض أو حوار مع من هم "كيانا معاديا" لمن يفاوضهم من الأمريكان والصهاينة؟<BR><BR><font color="#0000FF">لا جديد في اللعبة</font><BR>في اللعبة الراهنة لا جديد إلا في التفاصيل، أو نحن أمام ترجمة للاستراتيجية الأمريكية والصهيونية في التعامل مع دول النظام الرسمي العربي والقيادة الفلسطينية القابلة للعلاقات والاقتراحات والمفاوضات مع القادة الصهاينة والأمريكيين.<BR><BR>في كل مرحلة من المراحل أو في الانتقال من مرحلة استراتيجية لأخرى، كانت الولايات المتحدة _والكيان الصهيوني بطبيعة الحال_ تعلن عن مؤتمر للسلام أو مفاوضات للتسوية، ليصبح الطرف "العربي" أمام ضغط جديد مطالب فيه بأن يقول نعم أو لا، وهو دوما كان يختار أو يجبر على أن يقول: نعم، وإلا خاطر بأنه معادي للسلام وداعية للحرب.<BR><BR>بعدها كانت المفاوضات واللقاءات والزيارات تجري .. تعلو وتهبط، وفي الطريق كانت الإعلانات الأولى التي أصدرها الجانبين الأمريكي والصهيوني، تتضاءل ويصيبها الهزال، كما في ذلك كان الطرف العربي يجد نفسه متهمًا بأنه السبب في تلك التراجعات، ليصبح في حالة دفاع عن النفس. إذ هل يقبل أن يصبح متهمًا بأنه الرافض لقبول ما يقدم إليه؟<BR><BR>وبعدها كانت الألاعيب الديبلوماسية والإعلامية تجري وتعلو وتهبط أيضًا، وفق نمط واحد موحد في كل المفاوضات: لا تتوقعوا نتائج كبيرة، حيث الأمور صعبه والمواقف متباعدة، والجهود منصبة على تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر.<BR><BR>وهنا، كانت المفاجآت تتوالى ببداية واحدة أيضًا في كل الحالات. البداية دوما كانت بأن يطرح الجانب الأمريكي أو الصهيوني شرطًا يستحيل على الطرف العربي أو الفلسطيني القابل في الدخول في تلك اللعبة، أن ينفذه خوف ردود الفعل الشعبية.<BR> مثلاً: كان الطرف الصهيوني يقوم بعملية إجرامية ضد الشعب الفلسطيني ثم يعلن أن على الطرف العربي أن يمنع "الاعتداءات" على "إسرائيل"، وهنا ما أن تقوم المقاومة بالرد أو بمواجهة العدوان الجاري، حتى كان الطرف الصهيوني يخرج ليعلن أن الجانب العربي أو الفلسطيني غير جاد في الوصول إلى تسوية سلمية. وبعدها كانت "إسرائيل" تصعد من إجراءاتها، طالبة من الأطراف العربية الضغط على الطرف الفلسطيني أن يتوقف عن ممارسة "الإرهاب .. ضد دولة "إسرائيل" ... وتظل الأمور على هذا الحال حتى يتصاعد الانشقاق والاختلاف بين الأطراف العربية وبعضها البعض، وفي الداخل الفلسطيني، لتكون "إسرائيل" والولايات المتحدة قد حققت جملة من الأهداف، أهم من التفاوض ونتائجه، قبل أن تنعقد أية مفاوضات:<BR><BR>- هي كانت تحدث الشرخ في الموقف الفلسطيني، أو تضيف ورقة جديدة في جدول خلافاته أو صراعاته، لتدير الطرف الفلسطيني بخلافاته الداخلية من خلال التصريحات وأوراق التفاوض. واللافت هنا، أن الصهاينة والأمريكيين هم دوما من كان يكشف أبعاد التنازلات التي يقدمها الطرف الفلسطيني لهم!<BR><BR>- وهي كانت تحدث الشرخ في المواقف العربية بين كل دولة وأخرى، لتستخدم كل واحدة ضد الأخرى، وتستخدم كل واحدة منها _وكلها_ للضغط على الطرف الفلسطيني ، أي هي كانت تدير الأطراف العربية بخلافاتها الداخلية بين بعضها البعض، وتحدد مواقفها طوال "التلاسن" التفاوضي، على هذا الأساس لتطوير الصراعات بين الأطراف العربية وبعضها البعض.<BR><BR>- وهي كانت تحقق عزلاً للأطراف الرافضة للتنازلات المطلوبة عن الأطراف الفلسطينية والعربية الأخرى وتضعف قدرتها على الفعل في مواجهتها هي، من خلال كل الأطراف العربية والفلسطينية المشاركة في لعبة التفاوض.<BR><BR><font color="#0000FF">جديد اللعبة</font><BR>وما الجديد إذن في لعبة إعلان غزة "كيانًا" معاديًا؟. من الأصل لم يشكك أحداً في أن غزة لا تعادي الكيان الصهيوني، ولا أن هذا الكيان يعدها أرض وحضارة وشعبا وشجراً .. كيانًا معاديًا . وكذا لم يشكك أحدا بأن غزة تعادي الولايات المتحدة والعكس صحيح وأصيل. لكن ومع ذلك فنحن أمام جديد في الأمر. بل نحن أمام جديد كثير في "اللعبة" هذه المرة.<BR><font color="#ff0000">فمن جانب</font>، نحن أمام توصيف غزة بأنها "كيان"، وفي ذلك فإن التصريحات الصهيونية استهدفت استحداث فصل كامل على مستوى التوصيف السياسي دوليًا، لغزة بأنها كيان منفصل ومختلف عن الضفة، أو بالدقة نحن أمام فصل لغزة عن الضفة، والضفة عن غزة، إذ كلاهما وفق هذا التصنيف، كيان "مختلف" عن الآخر. وإذ انصب التوصيف الأمريكي على حماس (النص الأمريكي تحدث عن أن حماس منظمة معادية)، فإن ذلك يستهدف نقل التوصيف من خارج غزة إلى سوريا وإيران والدول العربية التي ستصبح جميعًا من الآن فصاعدًا، مطالبة بتقديم تفسيرات للولايات المتحدة وربما "إسرائيل" في بعض الحالات في حال اتصالها مع حماس المعادية للولايات المتحدة.<BR><font color="#ff0000">ومن جانب ثان</font>، فإن القيادتين الصهيونية الأمريكية أرادتا بوضوح وبضربة استباقية منع كل محاولات التوافق والحوار بين فتح حماس –على الصعيد الفلسطيني– وتوجيه رسالة للدول العربية بوقف كل مساعيها التي تصاعدت أخيراً بهدف إعادة الطرفين الفلسطينين –فتح وحماس- إلى طاولة التفاوض، أو أننا أمام مناورة التفاف وتطويق للجهود التي بذلتها حماس مؤخراً للعودة إلى التوافق الفلسطيني.<BR><font color="#ff0000">ومن جانب ثالث</font>، استهدفت المناورة الصهيونية والأمريكية توجيه إشارة حمراء لأي احتمال لدخول حماس رفضًا وتعطيلاً على خط التفاوض الجاري حاليا سواء بشأن إعلان بيان مشترك بين عباس و أولمرت، أو بشأن المؤتمر الدولي تحت الرعاية الأمريكية المقرر انعقاده في واشنطن في الخريف. وذلك بالإعلان أن حماس ليست مشمولة بأي اتفاق ولا معنية بأي تفاوض. أو ليست كيانا معاديا؟!<BR><BR><font color="#ff0000">ومن جانب رابع</font>، فإن تلك الخطوة الأمريكية والصهيونية جاءت كبداية لهجوم سياسي وعسكري واقتصادي واسع ضد غزة وحماس، إذ تلك التصريحات تحدد الأساس السياسي والديبلوماسي والقانوني لهذا الهجوم. من الآن فصاعدا ستكون الجملة المتكررة في كل فعل صهيوني ضد غزة، هو أن هذه الخطوة أو تلك ضد غزة سببها أن غزة كيان معادي. الحصار الاقتصادي سيتصاعد إلى درجة الخنق المباشر، والاعتداءات والاجتياحات ستكون بوتائر أعلى قد تصل إلى درجة الحرب الشاملة. والهجوم السياسي على الدول التي ستسمح بوجود قيادات حماس، سيكون بأنها دول راعية "للإرهاب"، وكل ذلك وغيره سيكون المرجع السياسي والديبلوماسي والقانوني الأساس فيه، هو أن غزة وحماس كيانا معاديا!<BR><BR><BR><font color="#0000FF">حماس .. والاختراق</font><BR><BR>هنا يبدو أن حماس والقيادة في غزة باتت مطالبة في الإطار الاستراتيجي لخطة المواجهة إلى إحداث اختراق استراتيجي مضاد، على نفس مستوى "اللعبة" الاستراتيجية الراهنة. قد يكون هذا الاختراق باتجاه تصعيد المواجهات في الضفة مع الجيش الصهيوني، لإفشال اللعبة من المنبع ولفتح جبهة أخرى ضد الخطة والاستراتيجية الصهيونية، والقصد هنا هو أن حماس قد ترى أن الاختراق الاستراتيجي يأتي بتوسيع رقعة المواجهة خارج إطار "لعبة غزة كيان معادي" لتصبح الضفة في المواجهة، أو بالتوسع بالعمل الفدائي إلى داخل الأرض المحتلة انطلاقا من الضفة لا من غزة (عبر الصواريخ)، أو إعلاء من المواجهة في الضفة ضد الاتفاقات والمفاوضات والمؤتمر المزمع انعقاده في واشنطن.<BR>وقد يكون هذا الاختراق عن طريق زيارات إلى دول عربية أخرى كبرى (روسيا- الصين ... الخ)، بهدف توجيه ضربات استباقية لفكرة وخطة العزل والخنق، وإنهاء امتداد فكرة أن غزة أو حماس كيانًا معاديًا، إلى الساحة العربية وإلى الوضع الدولي.<BR><BR>وقد يكون التوجه الاستراتيجي هو أن تعمل حماس على رهن وتقييد "الكيان الصهيوني والولايات المتحدة"، بفكرة المفاوضات مع عباس والمؤتمر الدولي في واشنطن بالهجوم على الأطراف الثلاثة، ثم التحول خلال مرحلة الانعقاد إلى توجيه الضربات القادرة على إفشال تحقيق نتائج المؤتمر على الأرض، أي العودة إلى الاستراتيجية التي تبنتها خلال مواجهة أوسلو.<BR><br>