الغلط الخفي
25 رجب 1428

الذي لا يتابع ما يجري على الساحة الإقليمية والدولية ولا ينتبه للتحولات التي تقع والأمور التي تتغير، والذي يظن أن الأمور مستقرة على ما كان يعهد قبل سنة أو سنوات أو حتى قبل أشهر فإنه سوف يقع في أغلاط كثيرة. <BR><BR>ما زال بعض الناس يعتبرون أمريكا هي كل شيء وأن ما تريده يحصل، وتسمعهم يقولون: أمريكا تريد هذا، ولكن المتتبع لما يجري سوف يلاحظ تخبط السياسة الأمريكية في العراق وأنها تعكس حالة خداع النفس والارتجال والاستعجال في القرارات التي يتخلون عنها بسرعة، كما تجابه هذه السياسة معارضة قوية في الداخل من قبل الحزب الديمقراطي، وقد انكشفت أعمالها غير الإنسانية كالسجون السرية في أوروبا وكيف بدأت روسيا تناكفها وتعترض على سياستها بلهجة صريحة: إذا فعلتم كذا فسنرد ونفعل المقابل. وكيف أقام الأوروبيون علاقة جيدة مع الصين والهند، فالعالم يتوسع والتكتلات الآسيوية لها أهميتها وقوتها وكذلك تكتلات أمريكا الجنوبية (فنزويلا، كوبا، بوليفيا) <BR><BR>بعض الناس جمد على مقولات تتردد عن علاقة أمريكا مع إيران بينما في الواقع نرى المباحثات السرية والعلنية قائمة بينهم على قدم وساق. وكلام العنتريات الذي يطلقه رئيس إيران والمظاهرات الشبابية في طهران ليست سوى سماح للتعبير العاطفي والدعاية وذر الرماد في عيون المغفلين أما (الملالي) فهم يخططون من وراء الستار.<BR><BR>لم تهتم أمريكا بمجلس الأمن ما بين (1991-2005) ولكن هذا المجلس أصدر قرارات ونفذ بعضها، مثل تفكيك يوجسلافيا السابقة ويبحثون في هذه الأيام موضوع استقلال كوسوفا، والقرارات التي صدرت حول مشكلة لبنان نفذ أكثرها. وهناك جدل حول توسيع منظمة الأمم المتحدة وزيادة عدد الدول التي لها حق الفيتو. وفي داخل أمريكا تراجع بعض المحافظين الجدد عن مواقفهم السابقة، يقول ( فوكوياما ) صاحب كتاب نهاية التاريخ : "المحافظة الجديدة قد تطورت إلى شيء لا أستطيع بعد ذلك أن أسانده".<BR> <BR>لابد أن تطامن أمريكا ويطامن الغرب من غروره في أن يدير العالم من مركز واحد وفي إطار منظمة واحدة مثل حلف الأطلسي، وأمريكا لا تستطيع وحدها حل الصعوبات الدولية.<BR>تنبه العلامة ابن خلدون قديما إلى هذا الداء فقال : "ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الإعصار ومرور الأيام ، وهو داء دوي شديد الخفاء ، فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة، وذلك أن أحوال العالم والأمم لا تدوم على وتيرة واحدة، وكما يكون ذلك في الأشخاص فكذلك يقع في الأقطار والدول" (1) وقد ضرب ابن خلدون مثلا على هذا الغلط الخفي وذلك عندما يظن القاضي في القرن التاسع الهجري أنه يستطيع أن يصل إلى منصب الإمارة أو الولاية كما وقع لبعض القضاة في القرون الأولى ولم يتفطن إلى الفارق في تغير الأحوال وتغير منصب القضاة.<BR>ومن الأمثلة ما كتبه عبد الرحمن بدوي في مذكراته أن أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة كتب رسالة إلى كل من (هتلر)و (موسوليني ) يدعوهما لاعتناق الإسلام على غرار الرسائل التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وصاغ الرسائل بالطريقة نفسها؟<BR>ألم يقل ابن خلدون إنه داء خفي.<BR><BR>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>(1) مقدمة ابن خلدون.<BR><br>