تحرير جونستون: نقطة جديدة في رصيد حماس!!
20 جمادى الثانية 1428

"لا شك عندي أن الأمر كان سيكون مختلفا لو أنه كان متعلقا بصحفيين فلسطينيين مختطفين في بريطانيا، لأنهم لن يحظوا بكل تأكيد، بالتعاطف و الدعم العالمي الذي لقيته منذ اليوم الأول لاختطافي". كانت هذه هي أبرز جملة قالها الصحفي البريطاني مراسل محطة البي بي سي، ألن جونستون الذي تم تحريره فجر هذا اليوم من قبل رجال حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' بعد أن أسر لمدة 144 يوما لدى تنظيم 'جيش الإسلام'.<BR>طبيعي إذن أن يشعر كل الذين يكرهون حماس بالامتعاض فمسلسل الرعب الذي استمر منذ 12 آذار/مارس الماضي، انتهى بشكل غير مناسب لهم لأن هؤلاء بكل تأكيد كانوا يرجون أن تنتهي حياة هذا البريطاني، أو يتأخر أمر تحريره على الأقل، حتى لا تنال الحركة زخما و بريقا عالميا فهم يجتهدون في سبيل إثبات العكس و لا يتوانون في وصف رجالها الذين حرروا مراسل أكبر شبكة تلفزيونية دولية، بالميليشيا الخارجة على القانون و لكن الحرص على شيطنة حماس هذه المرة، على ما يبدو لم يؤت أكله بدليل أن رئيس وزراء بريطانيا الجديد نفسه، اضطر إلى الثناء على الجهود التي بذلتها قيادة الحركة في سبيل إنهاء مأساة جونستون و إن كان براون قد قرن تشكراته وفقا للأعراف الدبلوماسية من خلال إضافة اسم الرئيس محمود عباس أيضا، إلا أن هذا لا ينفي حقيقة أن الأسير المحرر لم يفعل ذلك لأن هذا الأخير شكر حماس إلى جانب الصحفيين الفلسطينيين و كل الذين سعوا لأجل تحريره دونما أن يشير إلى السلطة في رام الله و في هذه التصريحات إشارة واضحة إلى أن أجهزة حكومة الطوارئ لم تستطع فعل أي شيء و بالتالي فالرجل الذي هو خبير في الشأن الفلسطيني لأنه عمل في غزة أكثر من ثلاث سنوات لم يسقطها سهوا حينما قال مثلما أوردت ذلك جريدة لوفيغارو الفرنسية، التي ظهر عليها الامتعاض غير المباشر هي الأخرى: "لولا الضغوط الهائلة التي مارستها حماس التي أكدت أنها لن تتراجع عن سعيها لأجل ضبط المسائل الأمنية في القطاع، فإنني كنت ربما سوف أبقى في تلك الغرفة لمدة أطول" !!<BR> من المتوقع الآن أن يلجأ الذين يتهمون غيرهم باستحسان التفسير 'التآمري' إلى الجزم أن الأمر ما كان ليقع لولا أن حماس كانت تعلم مسبقا بمكان تواجد جونستون و أنها إنما فضلت تأخير تحريره لأجل تحقيق مكاسب سياسية و إعلامية و هذا أمر صحيح من زاوية و لكنه يؤدي ذات معنى من يكتفي بقول: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة.." لأن حركة المقاومة إنما اضطرت إلى تأخير التضييق على الجماعة المختطِفة لأسباب تتعلق بالسلامة الجسدية للأسير أولا فهي تعلم أن حصول أي مكروه له سوف يستثمر عالميا و على أوسع نطاق لأجل البرهنة على أنها غير قادرة على فرض الأمن و مراقبة الأوضاع في قطاع غزة و في هذا الصدد تورد جريدة الغارديان اللندنية على لسان وزير خارجية حكومة حماس الأولى، الدكتور محمود الزهار قوله: "لقد كان أفراد حماس يترصدون خاطفي جونستون حينما كان هؤلاء ينقلونه من منزل إلى آخر، لقد كنا نستطيع التدخل في أكثر من مرة إلا أننا راعينا السلامة الجسدية له".<BR>ما وقع هذا اليوم إذن دليل إضافي على أن الأوضاع الأمنية في غزة تحسنت و بشكل كبير منذ استيلاء حماس الفعلي على زمام الأمور هناك فالذين ينفون صحة هذه الأخبار و ينذرون من خطر انهيار الحالة صوب الاقتتال مجددا ملزمون حاليا على أن يجيبوا و هم يسمعون جونستون نفسه حينما يقول: "لقد تغيرت أمزجة الخاطفين عندما سيطرت حركة حماس على القطاع خلال الشهر الماضي" ثم يضيف: "كان هؤلاء (الخاطفون) مرتاحين قبل أن تصير الأمور إلى الوضع الحالي فمنذ استيلاء حماس على الأوضاع، باتوا أكثر عصبية إلى درجة أنني بدأت أحس أن نهاية الكابوس الذي أعيشه ربما غدت قريبة" و لعل في هذا الكلام دلالة مباشرة على أن 'جيش الإسلام' ما كانت لتتواجد لولا فوضى السلاح ثم إن حركة حماس أعلنت صراحة لأكثر من مرة أن هذا التنظيم مدعوم من قبل الأجهزة الأمنية قبل أن تقرر اللجوء إلى خيار الحسم مع هذه الأجهزة فمن هو المتورط في تلطيخ سمعة القضية الفلسطينية بعد هذا الدليل الجديد؟ !!<BR>في جريدة يديعوت أحرونوت لهذا اليوم، يمكننا أن نقرأ تعليقا كتبه الصحفي الفلسطيني علي واكد، يقول فيه: "على عكس مظاهر البهجة و الفرح التي سادت في غزة و ظهرت واضحة على وجوه قيادات حماس هناك، ما زال العبوس سيد ملامح المحيطين بعباس" و الأمر بهذا المعنى يصف مبلغ الأسى ففرحة حكومة الطوارئ التي سارعت إسرائيل إلى مدها بعائدات الضرائب الفلسطينية لأجل امتصاص الغضب و الإسراع في تفريق الناس من حول حماس، لم تستمر طويلا و لم يكد الفريق الذي يرأسه فياض يبدأ في الاستثمار السياسي لذلك، حتى حملت الأنباء خبرا صاعقا من القطاع لحقته تصريحات غربية مشيدة للمرة الأولى مند سنوات، بالدور الكبير الذي لعبته حماس في ذلك.<BR>يعني هذا بكل بساطة أن صرف أجور مئات آلاف من الناس لا يعني في الغرب أكثر مما يعنيه خبر إطلاق سراح أحد الصحفيين منهم و هذا ليس انتقاصا من قيمة حياة الرجل و لكنه تنبيه للذين يراهنون على المواقف الغربية فلا شك أن حلفاء عباس سوف يسألونه عند أول لقاء معه عن الأسباب الحقيقية التي جعلت حركة حماس تنجح حيث فشلت الأجهزة الأمنية التابعة له رغم أنها تلقى الدعم و السند من قبل واشنطن و تل أبيب و بشكل صريح !<BR>قد يجادل عباس أن الأمر حبكة مسرحية أعدتها حماس و أبدعت في إخراجها و لكن هذا الكلام لن ينطلي على أحد فشهادة جونستون حاضرة و سوف يعيد طرحها على أمواج البي بي سي بمعنى أن عباس ملزم بعد الآن أن يفكر في تفسير أكثر عقلانية لأن الرئيس هنية لم يعلن، و هو يستقبل جونستون مباشرة بعد تحريره، عن أمله في أن تعرف قضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الأسير لدى حماس منذ حزيران/يونيو 2006، المصير و النهاية السعيدة ذاتها، بشكل عبثي دبلوماسي لأنه كان يعني ببساطة أن حركة المقاومة الإسلامية هي العنوان الصحيح الذي يجب التعامل معه في هذه المسألة و بالتالي فهو استغل الفرصة ليوجه إلى الإسرائيليين رسالة ملخصها: "عودوا إلى الواقع لأن الخلاص من حماس و تحقيق السلام بدونها، مسألة منتهية و أما استئصالها من الواقع الفلسطيني فهو مطلب غير وارد يزيّنه لكم مسئولون فاشلون بات اسمهم في القطاع منتميا إلى الزمن الماضي تماما كما أصبحت قصة اختطاف ألن جونستون، جزءا من الماضي" !!<BR><br>