طعنة في ظهر حماس
16 جمادى الثانية 1428

من يستمع إلى خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنيه قبل أيام يروعه حجم الألم الذي يشعر به نشطاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادتها من بعض حدثاء الأسنان الذين يتحركون دون أي دراية سياسية، يريدون أن يحققوا نوعاً من النجاحات فيما يرونه يخدم الإسلام أو ما يريهم إياه آخرون لغرض في نفوسهم أو لقلة إدراكهم لمغبات الأمور ومآلاتها؛ فلا يجنون من كل هذا إلا قسطاً من الكراهية الداخلية لفكرتهم وتجييشا إعلامياً ضد حاملي الفكرة الإسلامية برمتهم في فلسطين وسطيهم ومغاليهم، وما يصيب الوسطيين أكبر بكثير مما يصيب غيرهم. <BR>في وسط أزمة غزة، وصراع الفرقاء، وأثناء فترة استراحة المقاتل التي أخذها المناضلون قسراً نتيجة تغيير الخريطة الدولية ووقوف كثيرين ضدهم، وسياسة الاغتيالات المتكاثرة لقادتهم السياسيين والميدانيين وصعوبة إنجاز العمليات النوعية السابقة في ظل الجدار وقلة المعابر وكثرة الحواجز، كان هناك آخرون يفكرون بمنطق محلات الفيديو واختطاف الصحفيين و"الجهاد السلبي" إن جاز التعبير؛ إذ ظهر بعضهم لا كحركة مقاومة ضد العدو الغاصب وإنما كمجموعة "حسبة" أو ما شابه، سرعان ما بان أثرها على الإعلام الدولي والعربي عندما أسقطت نصب الجندي وأشعلت النيران في مدرسة "مسيحية".. <BR>وفي خضم الأحداث، ومحاولة مد الجسور، ومسعى حماس لتطمين الجميع بأنها لا تريد استئثاراً بغزة ولا تريد إقامة "إمارة إسلامية" في غزة، لا لأنها لا تؤمن بالشريعة حكماً ونظاماً وإنما لأنها ببساطة تدرك أنها لم "تتمكن في الأرض" بعد لتقيم نظاماً على هواها.. ولأنها تفهم المعادلة الدولية وتقرأ المحددات التي يمكن أن تصول فيها وتجول من دون أن تتعدى خطوطاً تقلب الطاولة في وجهها هي دون الآخرين... في خضم كل هذا، يأتي الدعم الصوري من خلال خطاب إعلامي مذبذب بين تخوين الحركة تارة وتأييدها تارة، في الأولى حينما مارست اللعبة السياسية وفقاً لاضطرار مرحلي بشكل، وعدلت عنه باضطرار آخر نحا بها في اتجاه يحبه عشاق السلاح.. والسلاح فقط!! <BR>حينما ارتأت الحركة أن توقف عدوان الأجهزة الأمنية على منتسبيها وعلى الشعب الفلسطيني وفقاً لقاعدة فعل أدنى الضررين لدفع أعلاهما، ظن البعض أنها قد صارت مثلهم إقصائية الفكر والتوجه فشجعوها.. وهم للأسف في الحالين أضروها!! <BR>وحقيق أنهم إن دانوها في ساعة يفقدونها بعض شعبيتها ارتكاناً إلى أن الإدانة في وقت تبدو فيه مخفقاً بعض الشيء ينزع عنك جزءاً من تعاطف الآخرين، ثم التأييد في فعل يبدو قريبا من أفعال "الإرهابيين" ويحظى بتأييد ومباركة من يوصمون دوماً بالإرهاب لا يخدم الحركة وإنما يسدد لها طعنة في الظهر كانت هي في غنى عنها لو أن الآخرين يحسنون قراءة الواقع أو يخلون بين الناس وبين خياراتهم، ولا يتحجرون واسعاً، ولا يسمحون بقراءة الشريعة إلا من خلال عقولهم وحدهم!! <BR>لقد كان التوقيت سيئاً في الإدانة وكان أسوأ في التأييد، وهو في الحالين لم ينبن عليه أي عمل؛ فمتى يكف هؤلاء أيديهم عن المقاومة في فلسطين؟ ألا يكفيها ما تعانيه من دحلانيين وصهاينة؟! <BR>وأعتقد جازماً أن من يطلق بيانات التأييد وهو في موضع الإدانة من الكثيرين لا يسبغ على من يؤيده حلل الشرعية ولا يمنحه شعبية يفتقر هو ذاته إليها، وبالتالي فلا أظن أنه يجهل أنه يضر حماس ولا ينفعها ويلصقها بجماعات إقصائية الفكر ومسرفة في القتل، بما هي في غنى عنه في تلك المرحلة الدقيقة أو حتى في أي مرحلة، لأن الجميع يدرك أن حماس حافظت على عدم التورط في الدم المسلم واعتبرت مراراً وتكراراً الدم الفلسطيني خطاً أحمر، ولم تلج هذا المنعطف في أحداث غزة إلا حينما انسدت الطرق أمامها ولم يعد بوسعها إلا أن تدافع عن نفسها ثم تغمد سيوفها من بعد في أغمادها استعداداً لجولة جديدة مع العدو الصهيوني. <BR>إن حماس مثلما نعلم لم تطلب تأييداً خطابياً من أحد، ومن أراد أن يقدم لفلسطين شيئاً فدونه الثغور فليزمها ويقاوم المحتل بصدر عارٍ، وليخل غزة من "جهاد محلات الفيديو" و"النصب التذكاري"، وليدر صراعه مع بريطانيا خارج غزة، بل وخارج ديار المسلمين لأن هذا "جهاد" ـ إن جازت التسمية ـ يضر الأمة ولا ينفعها، ومصلحتها تتضاءل دونها كل المصالح والمكاسب الحزبية، وحقها أعلى من أي ضربة إعلامية أو بروباجاندا تسعى لتجيير الموقف لصالح ضيق متوهم.. <BR><BR><br>