"أوسلو" سلطوية مع حماس ضرورة وقتية!!
9 جمادى الثانية 1428

المتبادر إلى الذهن في كل مرة يصاب فيها العرب بـ"نكبة" أن يعلو فيهم صوت يدعو إلى الواقعية وإلى انتهاج البراجماتية السياسية، واطراح الخطاب "الحنجوري" الثوري، وإحلال المنهج المتماهي مع قدرات العرب، ومقتضيات المرحلة وفق تهويمة إعلامية وسياسية متكررة.<BR>ولا ريب أن فريقاً مهماً في السلطة الفلسطينية قد اعتبر سيطرة حماس على غزة هو "نكبة" جديدة لا يعدلها من النكبات الفلسطينية شيء منذ حرب 67 التي يدعوها العرب بـ"النكسة"، وهذه وجهة نظر خاصة لفلسطينيين رأوا أن غياب سلطتهم من قطاع غزة يعد لوناً من النكبات يطيح بآمال دولة فلسطينية منزوعة السيادة ما زالوا يتعطشون لها.<BR>حسناً، فليكن الأمر كذلك، نكبة، ولعل أحداً من المؤيدين لحماس أو لفتح لم يفرح بهذا التشطير الوطني في مساحة ضئيلة من مساحة فلسطين الأصلية، وأن أي مخلص يسوؤه أن يقود التعنت السياسي والضرب بالاتفاقات المبرمة في أشرف مكان على وجه الأرض/مكة، والقاهرة عرض الحائط عبر تجاهل متعمد لبنودها الحادية إلى حقن الدماء وإلى تكريس الجهود باتجاه الوحدة من خلال الارتكان إلى أسس القواسم المشتركة الجامعة ما بين الحركتين الكبريين في الساحة الفلسطينية.<BR>الجميع ـ بلا استثناء فيما عدا إسرائيل وشيعتها ـ لا يرتضي لما تبقى من فلسطين التقسيم، وكل مناضل سعى لتحرير فلسطين لا يمكن أن يقبل بهذا التشطير، ومن دون أن نبحث عن المتسبب فيه أكانت حماس التي أرادت أن تحول دون استشراء فساد تراه متمثلاً في طغمة متنفذة في السلطة الفلسطينية، أم حركة فتح التي حرص فريق منها ضئيل ـ لكنه مؤثر ـ على إفشال مساعي التفاهم الذي رجاه المخلصون في حركة فتح، من غير أن يكبحوا جماح الرافضين فيها لتطبيق الاتفاقات والتفاهمات العربية، فإننا قد نكون في وارد الاحتياج الأكبر إلى معالجة المعضلة ولو لم نحسم قضية المسؤولية عنها، ليس لأن هذه غير ذات تأثير تطبيبي، فهذا غير صحيح، والدواء الناجع بالتأكيد هو الذي يعالج السبب لا العرَض، بيد أن الواقعية السياسية تدفع الجميع لكي يتعامل مع الواقع لا التراث أو الأسباب والدوافع، على الأقل في تلك المرحلة نظراً لدقة الموقف الفلسطيني المأزوم. <BR>من حيث المبدأ، لا يجد الفريق الذي يتهم حركة حماس بتدبير وتنفيذ "إنقلاب" في غزة في نفسه حرجاً من الجلوس إلى "الإسرائيليين" على مائدة واحدة للتفاوض حول مكتسبات يراها متحققة من خلف هذه اللقاءات، لا بل لقد صدر عن بعض النافذين في هذا الفريق تصريحات تصف ما جرى في غزة بأنه "احتلال" من حركة حماس لغزة ولمقراتها الأمنية.. وأسوأ الفروض في معتقد هؤلاء أن حماس قد "احتلت" غزة مثلما احتلها "الإسرائيليون" من قبل إلى جوار الضفة الغربية ومن قبلهما أراضي فلسطين 48، وفرضية "الاحتلال" هذه تسوغ لهذا الفريق أن يستنكف عن محاورة قادة حماس الذين هم ـ بحسب ما صدر عن قيادات فتحاوية منسوبة للتيار الذي كان يقود الأجهزة الأمنية في غزة ـ خائنو العهود والوعود.. <BR>ليكن الأمر كذلك، إذن حماس حركة "احتلال"، يتسم قادتها بالمناورات السياسية و"خيانة العهود والوعود"، فهل تفارق "إسرائيل" ذاتها هذه الأوصاف والممارسات؟! مع هذا؛ فإن هذا الفريق قد تمكن من عقد اتفاقيات أوسلو التي تعد السلطة الفلسطينية إحدى منتجاتها السياسية، وكان سبيله إلى عاصمة النروج أيسر من الطريق إلى دمشق أو غزة!!<BR>وإذا كان هذا الفريق الفلسطيني قد "نجح" في عقد هذه الاتفاقات مع "إسرائيل" بما يتميز به من "واقعية" سياسية، فلماذا تراه يعجز عن "تجرع السم" وعقد "سلام الشجعان" مع حركة حماس وفقاً لآلية جديدة أو بالأحرى طبقاً لمعتقدات جديدة على الأرض؟! <BR>إن "الواقعية السياسية" قد أسقطت فلسطين 48 من حسابات المفاوضين يوماً ما، وآلت عليهم أن يرددوا في كل محفل ولقاء دعوتهم للانسحاب "الإسرائيلي" إلى حدود 4 يونيو من عام 1967 في مقابل تنازلات "جريئة" منهم، فما الذي يبطئهم أن يباشروا مفاوضات أخرى مع "محتلي غزة الجدد" بعد أن فاوضوا محتليها القدامى؟! <BR>ثم لماذا بنو يعرب قد عادوا إلى منطق "اللاءات" الثورية والحنجورية من جديد وهم قبلُ يدركون أن تأثيرهم لا يجاوز مطالبات "المحتل الجديد" سوى بمطالبات بالانسحاب إلى حدود 13/6/2007 ، وما بالهم يفرقون من إمارة دينية إلى جوارهم، ولا ينزعجون من "مملكة الرب"/أورشليم على تخومهم؟! <BR>أليس من الأجدى للعرب وللفلسطينيين أن يثوبوا هنا إلى حظيرة "الواقعية"؟ أم أن حصار غزة لم يزل بعد فرض عين على بني يعرب، وحصار "إسرائيل" ـ تلك الجزيرة في بحر العرب ـ مكروه!! <BR><br>