مقتدى.. أكفناً ترتدي أم راية استسلام ترفع؟!
13 جمادى الأول 1428

[email protected] <BR>من عادة آل الصدر أن يلبسوا الأكفان في كل أزمة تلم بهم، بغية رفع مستوى الحماس في نفوس أتباعهم، وإضفاء قدر من كاريزما الزعامة عليهم، وإبداء نوع من التحدي لخصومهم. <BR>والواقع أنهم بالفعل يصنعون ذلك وهم يعاينون أزمات حقيقية، ويلقون عنتاً وصعوبة، ومن المألوف أن نقول إنهم قد تعرضوا لعمليات قتل واغتيال عديدة سواء من حلفائهم من الشيعة أو من غيرهم، وارتداء الأكفان مع آل الصدر أمر منطقي حينئذ، لكن هل ينطبق هذا على زعيم التيار الصدري، مقتدى؟ <BR>الواقع يقول إن مقتدى الصدر مر بأزمتين على الأقل منذ بدء الاحتلال في التاسع من شهر إبريل 2003، أولاهما عندما اغتالت مجموعة من الغوغاء تابعة لمقتدى الصدر في اليوم التالي لاحتلال بغداد الزعيم الشيعي الموالي للغرب، عبد المجيد الخوئي، بقنبلة يدوية وخناجر وسكاكين أثناء وجوده فيما يعتقد الشيعة أنه قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسبب معلن هو اتهامه بالعمالة للغرب وقدومه على ظهر دبابة أمريكية، وتحالفه مع حارس الضريح المتهم بالخضوع للبعثيين إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وآخر مستور، وهو مسعى الصدر لخلق زعامة شخصية تزيح من طريقها كل الزعامات الشيعية الأخرى، إذ أشيع وقتها في الدوائر الشيعية أن الصدر الذي كان حاضراً من قريب قتل الخوئي بـ133 طعنة بحسب محكمة عراقية، كشفت أيضاً عن تورط 25 صدرياً في قتله، ألقت القبض على 13 منهم اعترفوا وفقاً للمحكمة بأن "مقتدى الصدر أصدر الأوامر بقتل عبد المجيد الخوئي والتخلص منه"، كما أكدت ذلك أيضاً أرملة الخوئي في حديث مع صحيفة الزمان العراقية، حين قالت: "لقد جاءوا بزوجي وهو جريح ومكبل بالقيود ينزف دماً أمام دار مقتدى للتفاوض وعندما سألوه عنه أجاب: أنا لا أعرفه اعملوا ما شئتم به"، مضيفة : "أن القارئ الخاص لمقتدي الصدر تلفظ بكلمات بذيئة من فوق سطح الدار قائلا اقتلوه"، وكان راغباً في تصفية السيستاني الزعيم الديني الإيراني للحوزة العلمية في النجف (التي يتهمها دوماً بأنها الحوزة الصامتة خلافاً لحوزة والده المسماة بالحوزة الناطقة)، وتلك الأزمة أدير تحت لافتتها حرب تكسير عظام الزعيم المتمرد على الدور المنوط به والمساحة الممنوحة التوافقية والمسموح له بالتحرك خلالها خلال ما عرف بـ"حرب النجف" في أغسطس 2004، والتي أسفرت عن رحيل مسلحيه بصورة مؤقتة عن النجف وكربلاء وبيع سلاحهم في سوق السلاح أو تسليمه للأمريكيين، بعد تدخل السيستاني لعقد اتفاق ما زالت بنوده مجهولة حتى الآن، إلا أن ما ظهر منه أن مطالبات الاحتلال الأمريكي باعتقال الصدر كمجرم قاتل أصدر أوامره بقتل الخوئي قد تبخرت تماماً. <BR><BR>أما الأزمة الثانية فكانت مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والقوات العراقية الشيعية الموالية لها عن ما يسمى "خطة أمن بغداد" أوائل العام الحالي، والتي بدا أنها تستهدف تقليم أظافر ميليشيا "جيش المهدي" من دون قضمها، ما آثر معه حينئذ مقتدى الصدر الفرار عن البقاء قبل أن يلحق به عبد العزيز الحكيم إلى طهران. <BR><BR><font color="#0000FF"> هل هناك ما يستدعي ارتداء الكفن؟ </font> <BR><BR>من الصعب أن يقال إن مقتدى الصدر كان مستهدفاً من القوات الأمريكية حتى يرتدي الأكفان، اللهم إن كان يحاذر حسابات داخلية في داخل البيت الشيعي الموالي لطهران، قد يدفع حياته ثمناً لها، في تصفيات خاصة كثيراً ما يتعارف عليها بين "علماء الشيعة في العراق" (مما يجدر ذكره أن الرواية تقول بأن عبد المجيد الخوئي أخرج مسدسه عندما أيقن بالهلاك في الصحن الحيدري وأطلق منه الرصاص حتى نفدت ذخيرته، بما يشي عن طبيعة الملالي والآيات التي يحتفظ معها "العلماء" بأسلحة تحت العباءة أثناء ممارسة طقوسهم الدينية!!). <BR>علينا أن نذكر التصريح الذي أدلى به المتحدث العسكري الأميركي الميجور جنرال وليام كالدويل قبل شهرين للصحافيين "إنه جزء مهم جدا من العملية السياسية ونحن في الواقع نتقصى أماكن تواجده".<BR>وهو ما يعطي إشارة عن طبيعة العلاقة بين الأمريكيين والصدر، التي تبلغ حد الاختلاف لكنها لا تعبر إلى القطيعة.. <BR>الصدر عاد على كل حال، لبس الكفن بعد أن ترك جيشه وتياره يعالج مشاكله مع الولايات المتحدة وحده، خطب في الناس خطبة الجمعة الماضية والتي جاء بخطاب مغاير تماماً لما يتبدى من خلال الجرائم التي تنفذها الميليشيا وفرق الموت التابعة له بحق أهل السنة في العراق، عارضاً ما أسماه "يد السلام إلى العرب السنة في العراق"، معربا عن استعداده للتعاون بين الشيعة والسنة وعدم السماح للمحتل بالتفريق بينهم، على حد تعبيره، مع أن الجميع يدرك في العراق أن ضحايا السنة على يد ميليشيا الصدر يفوقون عددهم على يد الأمريكيين، لكنه عاد وكرر مطالباته المزمنة برحيل القوات الأمريكية من العراق من دون أن يفسر نشاط الميليشيات التابعة له في قتل السنة دون قوات الاحتلال. <BR>كما لم يجب الصدر عن التساؤلات الملحة حول فراره إلى إيران ثم عودته دون تفسير لهذا الفرار ولا إلى العودة، وما إذا كانت الأوضاع قد تغيرت لتسمح له بالعودة أم أنه قد تلقى تطمينات من البيت الأبيض، كتلك التي رافقت عودته في اليوم ذاته على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جوردن جوندرو، الذي قال : "إن الولايات المتحدة تأمل في أن يلعب الصدر دورا إيجابيا في تطور العراق وتنميته بعد عودته من إيران". أو أنه قد عاد في إطار صفقة تسمح بلعب دور أكبر فاعلية في العراق أو مغايراً لما كان يقوم به قبل زيارته غير البريئة إلى إيران والتي استمرت أكثر من أربعة أشهر، إذ لم يكن عابراً قتل أحد أبرز قادة ما يسمى بجيش المهدي في البصرة وسام عبد الحسين الوائلي الملقب بأبو قادر، على يد قوة مشتركة من البريطانيين والعراقيين كلتاهما ألقت بالمسؤولية على الأخرى في قتله، وذلك في اليوم نفسه الذي ظهر فيها مقتدى الصدر في الكوفة الجمعة الماضية.. <BR>كما لا ينبغي أن يمر موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على منح حق اللجوء إلى وزير الصحة العراقي السابق علي الشمري إليها، إثر اصطحابه من العراق إلى الولايات المتحدة بمعية مسؤول أمريكي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه، وتم الإعلان عن ذلك في اليوم التالي لخطبة الصدر. <BR>لكن قبل أن يمر هذا أو ذاك؛ فإن الأخطر هو عملية تدوير الزعامات بين طهران وواشنطن برغم الخلاف السياسي البارز، فقبل أسابيع كان زعيم "المجلس الإسلامي العراقي" (المجلس الأعلى للثورة "الإسلامية" في العراق سابقاً) الموالي لإيران ويرتبط بصداقة وثيقة مع حكام واشنطن، كان في الولايات المتحدة بسبب ما قيل عن علاجه من السرطان، ثم انتقل أيضا للسبب عينه إلى إيران لاستكمال العلاج قبل أن يقال أنه قد غادر المستشفى فور عودة الصدر إلى العراق!! (لا يعرف عن إيران تفوقها في علاج السرطان أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية لكن لهذه الأمور حسابات أخرى لدى الملالي على ما يبدو، أو ربما كانت المعطيات الشيعية حول سهولة السيطرة على مرضه وعلاجه في بلد قريب من العراق).<BR>السيستاني كان قبل أقل من ثلاث سنوات قد غادر إلى لندن لـ"العلاج" أيضاً عندما كانت حرب النجف محتدمة، قبل أن يعود في قافلة سيارات من الكويت ليدخل العراق بوضع ربما كان من الصعب عليه القيام به لو كان ما زال يتماثل للشفاء!! <BR>القضية المرضية لا تعنينا على أية حال، غير أن الأهم هنا في أن الصدر عاد من مخبئه أو منفاه الاختياري من دون أن يوضح سبباً لهذه العودة رغم تصريح الليوتنانت كيرنل كريستوفر جارفر المتحدث باسم قوات الاحتلال يوم الأحد 27/5/2007 بأن القوات الأميركية والعراقية تواصل تمشيط مدينة الثورة (الصدر) في بغداد بحثا عن خلايا المسلحين الذين يحصلون على دعم من إيران، قائلاً: "قمنا خلال الأيام الماضية بعمليات مركزة داخل مدينة الصدر تم تنفيذها استنادا إلى معلومات استخباراتية بهدف القضاء على شبكة خلايا سرية تهرِّب إلى العراق القنابل التي يتم زرعها على الطرقات، وتقوم تلك الشبكة أيضا بإرسال الإرهابيين من العراق إلى إيران حيث يتم تدريبهم وإعادتهم إلى العراق مرة أخرى".<BR>وهذا كله يعني أن الصدر عاد في ظل ملابسات تالية: <BR>1 ـ استمرار استهداف عناصره في بغداد. <BR>2 ـ مقتل قائد ميليشياته في البصرة. <BR>3 ـ هدوء في الكوفة حيث ظهر مكفناً. <BR>4 ـ صمت على هذه الاعتداءات الأمريكية والاستمرار في الرد على السنة دون الأمريكيين والبريطانيين والجيش العراقي. <BR><BR>فلأي سبب يرتدي الصدر أكفاناً؟! لربما تظلمه وكالات الأنباء أو المواقع الموالية له حينما تصف قطعة القماش التي كانت تغطي كتفيه بالكفن، فما يراها الممعنون في الحقيقة إلا راية استسلام تمنعه حتى من إبداء الاعتراض على مقتل قائد ميليشيا جيشه في البصرة، أو علامة أخرى على الثورة الصدرية.. الممثلة لنمط مختلف من الثورات، هو الثورة الاستسلامية البيضاء بخلاف برتقاليات الغرب ولبنان.. إذ سيظل الصدر يناضل بالميكروفونات ضد الاحتلال، وبالمدى والسكاكين و"الدريل" ضد الشعب العراقي. <BR><BR><BR><BR><br>