الجزائر والمغرب على وقع البارود!!
25 ربيع الأول 1428

في ظرف ساعات اهتزت دولتين من دول المغرب العربي، بموجة من الانفجارات التي أعادت مشهد العنف إلى صدر الإعلام الدولي. وإن كانت التفجيرات الجزائرية هي الأعنف، إلا أنها مرة أخرى جاءت في ظروف من الغموض على الصعيد السياسي الداخلي قبيل الانتخابات التشريعية المزمع إجراءها في شهر مايو القادم، في وقت قيل فيه أن الرئيس الجزائري ليس في البلاد، و انه يتلقى علاجا ما في سويسرا حسب ما جاء في قناة الجزيرة على لسان احد الخبراء السياسيين الجزائريين الذي اعتبر غياب الرئيس إعلاميا منذ قمة الرياض مثيرا للعديد من الأسئلة فيما يخص حالته الصحية التي يجمع ربما أغلب الملاحظين على أنها لن تسمح له بالذهاب إلى عهدة رئاسية أخرى حتى لو فكر هو نفسه في ذلك.. جاءت التفجيرات إذا كالصاعقة بالنسبة للجزائريين على الرغم من توقعهم تدهورا ما في الحالة الأمنية بالخصوص في الفترة الأخيرة التي شهدت العديد من العمليات العسكرية قام بها الجيش ضد معاقل الجماعات المسلحة التي تتخذ من مناطق البربر مواقع الإستراتيجية لها، لصعوبة تلك الأماكن التي يسكنها البربر، السكان الأكثر معارضة و رفضا للسياسة الرسمية للدولة التي يتهمونها بأنها همشتهم و بنت مجدها على أنقاضهم!! <BR><font color="#ff0000"> من يحرك الخيوط؟</font><BR>من وجهة النظر العامة فإن أصابع الاتهام موجهة من اللحظة الأولى إلى ما أطلق عليه بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، الذي ظهر بشكل شبه رسمي في المدة الأخيرة بعد أن تم الإعلان على أكثر من موقع الكتروني بانضمام الحركة السلفية الجزائرية إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. و لكن هذا الاستسهال في التحليلات التي قامت بها العديد من الصحف الغربية سارعت من البداية، و قبل أن تحدث التفجيرات إلى تخويف الرأي العام الدولي ليس من عودة العنف إلى دول شمال افريقية مثل الجزائر والمغرب، بل بتسرب العنف و تسلل العمليات التفجيرية إلى الدول الأوروبية، وهو ما شكل المادة الخام المناسبة و المطلوبة للمحافظين الجدد في أمريكا ليطالبوا بإنشاء قاعدة عسكرية في الصحراء الجزائرية، وبخط حماية يمتد إلى القرن الإفريقي.. لم يكن ذلك عفويا، و لا وفق التحديات الميدانية، لأن التهويل انطلق في الحقيقة في الظروف التي سقطت فيها العراق، فبدأت الأنظار ( والزيارات العسكرية المكوكية) تتجه نحو إفريقيا باعتبارها المنطقة الإستراتيجية الأهم و الأخطر بالنسبة للأمريكيين وبالنسبة لـ"الإسرائيليين" أيضا الذين ثبت تورطهم في العديد من العمليات الإجرامية في عدد من الدول منها ساحل العاج، و منها الكاميرون، ومنها قطعا الصومال حاليا، معتمدة على الدور الإثيوبي المشبوه والذي يسعى إلى خلق اللا توازن في المنطقة، لأجل قص أجنحة السودان من جهة و لأجل وضع دول كثيرة "تساند المحاكم الإسلامية" قبالة الجدار بوصفها دولا غير " عقلانية" و هو المعنى الذي يستعمله البيت الأبيض للحديث عن الدول المارقة، و الحال أن بقاء الشعوب مناهضة للإمبريالية يشكل خطرا كبيرا وفق ما نشره المعهد الاستراتيجي الأمريكي عن "خطر الأفراد" على المشروع الديمقراطي الأمريكي والذي نشر موقع "فريدوم هاوس"(بيت الحرية) الأمريكي بعض صفحاته والتي تتعلق بالدور الذي يجب أن تلعبه أمريكا عسكريا لتطهير إفريقيا من خطر الارهاب والتنظيمات الإرهابية.. ليس هذا فقط، بل الاتحاد الأوروبي نفسه انساق خلف نفس الجمل التهويلية الأمريكية فيما يخص "الإرهاب الإسلامي الإفريقي" حين تكلمت شخصيات فرنسية عن مخاوفها من وصول "انتحاريين إسلاميين" إلى الأراضي الفرنسية، وذهب "ساركوزي" نفسه إلى حد التهويل العلني لأجل إقامة سياسة أمنية يتم بموجبها قص أظافر المهاجرين المتهمين مسبقا بالإرهاب، والذين قد يجبرون " اليوم" على العودة إلى بلادهم على الرغم من مضي أكثر من عشر سنوات على تواجدهم في الأراضي الفرنسية بحيث أن القانون يخول لهم أخذ الجنسية وتحقيق المساواة التي لن يمنحها الفرنسيون لهم لأنهم مشروع" إرهابيين" وفق الرؤية التي يدافع عنها ساركوزي ( الصديق الحميم للمحافظين الجدد) للوصول إلى الإليزيه. لم يكن ثمة شيء متروك للحظ أو للصدفة.. كل شيء كان جاهزا مسبقا داخل الحرب الإعلامية تارة والدبلوماسية الأمريكية والأوروبية لأجل وضع اليد على دول تعد من أغنى الدول الإفريقية (الجزائر بمواردها البترولية و الغازية والبشرية) والمغرب بموقعها الاستراتيجي وبموارده الطبيعية ' الفوسفات و اليورانيوم الذي تزخر به منطقة الصحراء الغربية التي تشكل اليوم أهم صخرة تحول دون التوافق الجزائري/المغربي فيما يخص أي مشروع أمني مشترك، باعتبار أن الجزائر تدعم قوات البوليساريو دعما مطلقا إعلاميا وعسكريا واستراتيجيا، وهو ما تعتبره المغرب "تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية المغربية".. لكن قبالة تلك الحرب " السخيفة" بين الجارين الشقيقين، استطاع الأمريكيون أن يدرسوا الجدال جيدا، ليس على أساس ما يمثله من حقوق شعب إزاء مطالب دولة، بل إزاء ما اكتشفته في الصحراء المغربية من موارد تعتبرها خطيرة للغاية، ولا يمكن أن تقع بين أيدي شعوب العالم الثالث.. إنه ببساطة اليورانيوم. تماما كما تم اكتشاف البترول في دارفور لتتحول دارفور إلى منطقة محظورة على السودانيين وفق ما ارتأته أمريكا تحت سقف " قانون حقوق الإنسان" و الحق في الاستقلال الذاتي.. بيد أن خبر اكتشاف اليورانيوم في الصحراء الغربية و اكتشاف البترول في دارفور لم يعد سريا، من اللحظة التي أذاعته بالصور صحف كثيرة تسابقت على نشره، منها صحيفة نيويوركر الأمريكية التي نشرت صورة ملتقطة من الفضاء عن احتمال كبير وحقيقي عن وجود البترول في منطقة دارفور، واليورانيوم في الصحراء الغربية.. <BR><font color="#ff0000"> من التهويل إلى العنف: </font><BR>حين بدأت علامات التفجير تطفوا إلى السطح، بدا واضحا أن المرحلة الانتقالية للحرب الدائر رحاها داخليا في العديد من الدول المغاربية ستنفتح على حرب مغايرة من حيث الأسلوب والإمكانيات.. ولعل التجربة الجزائرية المريرة طوال أكثر من خمس عشرة سنة كشفت الكثير من الحقائق البشعة منها الغموض شبه المطلق حول ميكانزمات الحركات المسلحة التي تنشط في الجزائر، و إن اتفق العديد من الملاحظين على وجود حركات معادية للنظام فعلا، إلا أنه من الصعب ربطها بشكل كامل ومطلق بتنظيم القاعدة لعدة أسباب أهمها أن الظروف التي تختار فيها تلك التنظيمات النشاط سرعان ما تبدو فاضحة إزاء قضايا خطيرة داخليا.. فالانفجارات ما قبل الأخيرة التي استهدفت مراكز الأمن والدرك في مناطق البربر، جاءت في وقت فتح فيه القضاء الجزائري ملف بنك الخليفة الذي يعرف القاصي والداني أنه تورط للعظم في العديد من العمليات المشبوهة ومع شخصيات يمكن اعتبارها "فاعلة في هرم السلطة" بالخصوص بعد أن أعلن "عبد المؤمن خليفة" من لندن أنه " بريء" و أن إفلاس بنوكه كان مقصودا من جهات داخل الدولة، و ذهب إلى حد اتهام الرئيس في حوار أجرته معه قناة الجزيرة القطرية. كانت تلك القضية أشبه بالشجرة التي غطت الغابة، وعبرها استطاع المواطن البسيط تحسس حجم التلاعبات الفظيعة والرهيبة التي لعبت باسمه، لأجل تحقيق مصالح شخصيات أو مؤسسات يملكها نفس الأشخاص الفاعلين الذين يعتبرون أنفسهم الدولة الوحيدة في الدولة المتبقية والمنهارة.. وعندما حدثت التفجيرات في تلك الفترة دق الناقوس، ولم يصدق أغلب الجزائريين الربط الرسمي بين تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي و بين التفجيرات التي بدت أشبه برسائل التهديد المسموعة، أطلقتها تيارات معينة لأجل إخافة البقية.. كان العنف هو الوسيلة المطلقة لتمرير الرسائل و لتحقيق المكاسب على حساب نفس الشعب ونفس المبادئ ونفس القيم التي يشعر الناس أنها تضيع بين الأرجل..<BR><font color="#ff0000"> الحالة المغربية صورة شبه سيامية: </font><BR>لعل الحديث عن المغرب يشبه الحديث عن الجزائر مع بعض الاختلافات الحقيقية و التي لا يمكن إهمال أهمتها في اللعبة الأمنية الغربية، ربما لأن المغرب هو في النهاية البوابة الحساسة التي من الصعب استعمال نفس الأساليب للعب بها.. تشبه الدمية الروسية التي تحتاج دوما إلى العديد من الأبطال و الأشكال لأدائها وفق المطلوب... لقد شكل الفقر المزمع في المغرب حجر الأساس ترعرع عليه العنف السياسي في البلاد، لأن الذين همشوا هم الذين يعرفون أنهم سيموتون مهمشين، ليس لشيء سوى لأن نظام البلاد الملكي لا يمكنه أن يتغير، ولا يمكن الحلم بأي تحسن للأوضاع الاجتماعية التي بلغت ذروة بالعزلة ضد جيل كامل من الشباب المغاربة، داخل نفس الإشكالية التي يعايشها الجزائريون في الحقيقة، أي فقدان الأرضية الأساسية لانطلاق مشاريع إنسانية واقتصادية واجتماعية فاعلة وحقيقية، لأن الذين يحكمون هم الذين يوزعون على البقية سيناريوهات " التحرك" من مكان إلى مكان.. ولهذا كان أكبر صدمة بالنسبة للمغرب هو أن الذين اعتقدوا أنهم تم احتواؤهم في إطارات اجتماعية معزولة ومقهورة وغير قادرة على رفع رأسها، استطاعوا أن ترفعوا أصواتهم بالطريقة الأعنف، أي تفجير أنفسهم في الأماكن العامة.. هذه هي الصدمة التي اهتز لها المغرب كله، عندما ظهر للناس وجه الشباب الذين قاموا بالمعليات التفجيرية، وكانوا من نفس البيئة الاجتماعية، من نفس الحي أحيانا، وأحيانا أخرى من نفس البيت كما حدث مؤخرا.. لقد استوعب الغرب هذه الإشكالية حين تكلم عن الوضع الاجتماعي الصعب للشباب "التفجيري"، وهي بيئة مورست عليها كل أنواع التهميش والمذلة.. فصار من السهل توقع النتائج من جهة والعمل على خلق النتائج من جهة أخرى، بدليل أن أمام كل تفجير يحدث تسرع الخارجية الأمريكية إلى إدانته والشعور بالقلق إزاءه، مطالبة الدول المعنية باستعداد إدارة البيت الأبيض لتقديم كل أنواع الدعم اللامشروط للمساهمة في مكافحة الإرهاب الذي بعضه تغذيه الجهات الداعمة لعمليات المرتزقين في إفريقيا والتي اتضح أن فرنسا تمول بعضها و"إسرائيل" وأمريكا تمولان بعض النشاطات الموجهة ضد الدول التي ترغب في إرهابها.. هذا لأن حاجتهم إلى المغرب الأقصى اليوم ليس مجرد أمنية أو فكرة، بل حتمية يريدونها بقوة، ضمن نفس العدو المطلق الذي اختلقوه لمحاربته بعد انهيار الشيوعية، فصار لازما عليهم (للاستمرار في الارهاب الدولي) اختراع عدو جديد و هو: الإسلام. بنفس الأساليب تقريبا، بنفس الممارسات الإرهابية التي يراد منها إرهاب الدولة كنظام للإسراع بطلب النجدة من الخارج، وثانيا لإرهاب الشعوب التي لن تقدر على العيش في ظروف من اللا أمن طويلا، بحيث أن مطالبة الشعوب بالأمن لا بد أن يكون على أساس ثمن عليها أن تدفعه من أرضها وتاريخها وفكرها ومعتقداتها الخ.. تماما كما حدث في ساحل العاج، عندما ساهم السفير الأمريكي في تأجيج غضب الشعب الافواري على نظامهم خرجوا إلى الشارع هاتفين بحياة جورج بوش، رافعين العلم الأمريكي ضمن خطاب كان واضحا انه ليس عفويا أبدا، وأنه لأجل تقزيم فرنسا التي تعتبر ساحل العاج "مستعمرتها العزيزة".. ! لهذا فإن النظرة إلى التفجيرات المغربية بحكم التزامن الوقتي لا يمكن اعتباره لنفس الأسباب ، أو بنفس الإيديولوجيات مع تلك التي حدثت في الجزائر، خاصة عندما نعرف أن العديد من التسريبات التي كشفت في أكثر من حالة تورط المخابرات في عمليات تفجيرية في الجزائر وفي المغرب على حد سواء، حتى باستقطابها لشباب يعيش كل أنواع الفقر والعزلة والحرمان.. هذا لا يعني أن الشعبين يعيشان سعادة مطلقة، بل يعني أن النظامين ينتهكان أبسط حقوق الإنسان، وأنهما عاثا فسادا على كل الأصعدة ، بالخصوص على الصعيد الاقتصادي الذي أحال أغنى دولة افريقية ( الجزائر) إلى دولة فقراء، وأحال دولة مثل المغرب بثرواتها الطبيعية إلى دولة صفائح وقصدير وفقر مزمع. <BR><font color="#ff0000"> ما الذي يجري مرة أخرى؟! </font><BR>سؤال ربما يبدو حتميا اليوم، لأن التجارب السابقة تبدو في حالة من التكرار، تماما كما يقول المثل: " اضربه على يده ليكف عن الشغب"، بيد أن المشاغب الكبير هو الشعب الذي يبقى في منظور النظام خطرا مطلقا يجب تقليم أظافره تحت كل المسميات.. ما جرى في سنوات العنف أن المناطق التي تعرضت للتفجيرات هي المناطق التي يسكنها الشعب، بين مناطق الأغنياء و الغيلان فلم يطلق باتجاهها رصاصة واحدة، ليست لأنها محمية، بل لأن الذين قادوا العنف سابقا عبر جهاز الريموت كنترول يحاولون فعل نفس الشيء لأن الحرب تبدو مفتوحة في دول أخرى مثل تونس وحتى موريتانيا المتهمة بالتغريد خارج السرب لأنها منحت الحكم للمدنيين لأول مرة في تاريخ الانتخابات العربية والإسلامية الحديثة، وهو خطأ قد يكلفها غاليا..!!! ناهيك على أن الغول الأكبر الذي يسمي نفسه " الأخ الأكبر" ( أمريكا) يريد منطقة المغرب العربي كلها وبأي ثمن، والغريب أن تصريحات الديمقراطيين هي التي صارت تصب الآن باتجاه المغرب العربي، كأن لعبة الزعامة سوف تنتقل من الجمهوريين المجرمين إلى الديمقراطيين الأنذال لأجل التحكم ليس في مصائر الأنظمة الجائرة والفاسدة والمجرمة، بل للتحكم في الشعوب أيضا بموجب ما ستكلفه لهم من متاعب ينجر على أساسها استنجادهم بالديمقراطية " الأمريكية النقية" (!) لتأتي و تحررها من " الإسلاميين" لتضع نعلها الإمبريالي على رؤوسهم، لأن شعار مكافحة الإرهاب هو شعار الاحتلال المطلق، لدول غنية نفطيا وجغرافيا تسعى إلى انتقاصها ديموغرافيا لأجل السيطرة عليها فيما بعد.. تماما كما هو الحال في العراق..!<BR><BR><br>