خبراء الجماعات الإسلامية .. بين الجهل و التجهيل
2 ربيع الثاني 1428

[email protected]<BR><BR>إلى وقت قريب و مصطلح الخبير يحظى بهيبة و حرمة تمنع المتسورين على حسابه ، و ظل عزيزاً عالي القامة يأبى أن يطأطأ لغير الجدير و المستحق ، حتى أدرك بعض المفسدين خطورة هذا المصطلح ، و إمكانية استغلال وقعه في النفوس لتمرير بعض الأفكار و التوجهات .<BR>فأصبح بين كل مدة و أخرى يطل علينا من خلال بعض القنوات وجه جديد ، قد دون تحت اسمه بخط عريض ( خبير الجماعات الإسلامية ) ، يخرجون علينا بأشكال و ألوان شتى ، لا ندري ما هي المؤهلات التي أهلتهم للحصول على هذا اللقب ؟ و كيف تمت ولادتهم بين عشية و ضحاها ، و بفحص شروط القبول وجدنا بأن المظهر الخارجي و الوسامة و حسن الشكل قد يكون أحد المؤهلات ! أو يكون أحد المنتسبين لإحدى الجماعات سابقاً و لو بالنصرة والتأييد ، و لو كان لا يفقه الحديث عن مسألة فقهية في زمنه الغابر، أو يكون أحد الساخطين على الدعاة و المصلحين ، و بينهم و بينه سجالات و منازلات ، و هم في عامتهم حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يتكلمون في الجماعات الإسلامية و أفكارها و أحوالها وظروفها و مستقبلها و ماضيها و طريقة تعاطيها مع الأحداث والمستجدات .<BR>العجيب بأن هذا الخبير يركز على هوامش و قشور على أنها منطلقات فكرية و قواعد يفسر على أساسها سلوكيات و تصرفات ، و تتم دراسة مستقبل الفرق و الجماعات على غير أساسها الصحيح، كما أن هذا الخبير ليس لديه أي رصيد من الخبرة و التجارب مع أعضاء تلك الجماعات و مناقشاتهم ، فضلاً عن الغوص و التغلغل في أفكارها و مبادئها ، و الفحص الدقيق لتاريخها و خلفياتها.<BR>ألا تعلم تلك القنوات أن من شروط الخبير أن يكون محيطاً بالماضي ، قارئاً جيداً للتاريخ و سننه ، مستشرفاً للمستقبل بما يملكه من معطيات و معلومات ، ملماً بالكليات و الجزئيات ، مستصحباً للسلبيات و الإيجابيات ، متحرراً من الحيف و الظلم و الهوى ، متمتعاً بالمصداقية و الجرأة و الصراحة ، ثم يكون بعد ذلك ذا خبرة و طويلة ، و ممارسة ...، قد تثقف مع تتابع السنين ، و حنكته التجارب والأحوال . <BR><BR>إننا نعجب من هؤلاء المتسمين بالخبراء ، كيف رضوا بهذا اللقب الذي لا يستحقونه ، و كيف قبلوا أن يكونوا أداة يحركها من يشاء من خلف الكواليس ليحاربوا المعتقدات و المبادئ ، في الوقت الذي نرى فيه بعض خبراء الغرب و مفكريه ينصفون بعض الأفكار وردود الأفعال كحق المقاومة ، و ظلم الغرب و تسلطه ، و المساس بدين المسلمين و التعرض لنبيهم ، و غير ذلك مما تزخر به ساحة الأحداث ، يقولون هذا في وسط الاستعداء الغربي الرهيب على كل ما إسلامي ، و استنفاره بكل ما يستطيع برسم صورة ذهنية سيئة عن الإسلام و المسلمين ، حتى تكون هذه الصورة من البديهيات التي لا تقبل الجدل ، و مع هذا لم يقبلوا بتأجير عقولهم لأحد مهما كان؛ لأنهم يعتبرونه خيانة للمهنية الإعلامية ، و من بني جلدتنا من يقول عبر الفضائيات و يحلل ، و هو لا يدري ما يخرج من رأسه ، و لا عاقبة ما يقول و لكن على ما قيل " قيل لي فقلت " بالرغم من نشأتهم في أكناف الإسلام و رياضه ، و لامسوا عدله و سماحته ، ثم يلصقون بأتباعه كل رذيلة ، و يصمون جماعاته و أطيافه بكل ما هو قبيح ، و يهولون من مستقبل تلك الجماعات بمصطلحات وعبارات ، تستفز المشاعر ضدها ، و يضخمون دورها في نسج خيوط الخطر و دق ناقوسه ، و كأننا أمام مجرمين و عصابات . <BR><BR>إننا لا نبرئ هنا أي جماعة أو منتسب لهذا الدين ، و نرحب بكل نقد يساعد في البناء و تصحيح المسار ، و لا ندعي العصمة لأحد بعد نبيها ، بل قد نخالف كثيراً من الجماعات في كثير من سياساتها وطرائقها ، بل نتبرأ و ندين بشدة أي عمل يخلخل الأمن و يريق الدماء و يفرق الجمع و يبث الرعب و الخوف في المجتمعات . <BR>و لكن ندعو إلى العدل و القسط الذي أمر الله به عند الحكم بين الناس ، و لو كان من نتحدث عنه ظالماً أو كافراً فكيف بالمنتسبين لهذا الدين ! في الوقت الذي لا نرى فيه متسلقاً في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو النفسي ، و لو تسلق من لا علم له لجوبه بالركل و النعال ، و غليظ القول و الفعال ، و لكن الجانب الإسلامي فمصراعه مفتوح ، و ساحته ميدان للصعب و الذلول ، والسعيد و الشقي ، و تلك قاصمة الظهر . <BR><BR>و الملاحظ أن هناك أشخاصاً يُلمعون ، ثم يُزج بهم في فوهة تلك الشاشات ، ليدمر المبادئ و القيم ، هدفه التشويه و التعميم و رسم النمطية السيئة ، عبر توليد منظم و مبرمج لأولئك الخبراء ، لبث السموم و الأفكار ، ليتم إدراجها ضمن الكلام و الحديث ، لينتشر السم في سائر البدن ، و أظن الاستعجال في هذا التوليد قد ساعد على فضحهم و جعلهم أضحوكة للعقلاء . <BR>و أخيراً فإن الساحة ساحة سجال، و الميدان يستوعب الكثير ، فكان لا بد من التنبه لهذا الخطر ، و الترتيب و الإعداد لهذا الميدان، وفي نظري أننا نحتاج حالياً إلى العمل على محورين : <BR>أولاً : فضح هؤلاء الخبراء و إبراز مكامن الخطأ و الخلل في تحليلاتهم و التهوين من أمرهم، و لعل من ذلك ما حدث لبعضهم حين لم يفرق بين كتاب من كتب الفقه وبين باب من أبوابه ثم ينكر على ذلك العالم الفاضل انشغاله بهذا الباب كل هذا الوقت و المسكين لا يعلم بأنه يشرح الكتاب كاملاً لا الباب ، إلى غير ذلك من نوادرهم و حماقاتهم ، و لا ننسى تقديم النصيحة لهم و إطلاعهم على ما يراد بهم و منهم . <BR>ثانياً: صناعة الخبراء الناصحين لهذه الأمة ،و اهتمام الجامعات والمحاضن العلمية بهؤلاء ، كي يقدموا للأمة الفكرة الناضجة التي تقوّم المسار و تفسح الطريق ، مع الاهتمام بالخبراء الصادقين وإبرازهم و تقديمهم على حساب أولئك المستأجرين ، و لن يبقى آخراً إلا الصحيح " فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " . <BR><BR><br>