الشرائع والتمدن
7 ربيع الأول 1428

يقال إن أعظم ما اشتمل عليه خلق الإنسان قبوله التمدن الذي أعظمه وضع الشرائع له ، والتي هي في مصلحته في العاجل والآجل ، ولكن كيف يكون حال هذا الإنسان عندما يعيش المجتمع والحكومة التي تهيمن على مقدراته دون شرائع بل دون قوانين تسري على الجميع ، مسؤولين ومحكومين ، ألا يدل ذلك على الانحطاط والانحلال وفشو الظلم وترب اليأس إلى الناس ؟ وكيف إذا وصل الأمر إلى القضاء ونخر الفساد فيه فهنا الطامة الكبرى بل الفتنة الكبرى. <BR>جاء في (نشوار المحاضرة) للتنوخي : " وكان أول ما انحل في نظام سياسة الملك ما شاهدناه في أيام بني العباس القضاء ، فإن ابن الفرات ( الوزير) وضع منه وأدخل قوما بالضمانات (1) لا علم لهم، فما مضت سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتضعضع ويتقلدها كل من ليس لها بأهل ،وتلا سقوط الوزارة اتضاع الخلافة " (2) تسلسل منطقي وصحيح ، فعندما يفسد نظام القضاء سيأتي الخراب إلى باقي الدولة <BR>جاءت شريعة الإسلام لما فيه صلاح البشر، والفرق بينها وبين القانون هو أن الأخير هو مداواة دون تشخيص ومعالجة مع الإبقاء على جرثومة الفساد ،فالشريعة من عند الله الخبير بمن خلق ،والعلاج هو ترويض الإنسان بالإيمان والخلق الحسن قبل أن يصل الأمر إلى القضاء .<BR>العمران في الأرض لا يتم دون شريعة جاء في كتابها : " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " (الشورى / 40 -41) ومع ذلك فإن مجتمعات تدار بقانون يسري على الجميع خير من مجتمعات لا تدار بشريعة ولا قانون كما هو الواقع في بعض البلاد العربية ، حيث لا نرى مجتمعات بل أشتات متفرقة من مجتمعات . والترتيب الاصطلاحي كما يعبر الإمام الطرطوشي خير من الفوضى حين يعيش الناس دون شريعة أو قانون يقول رحمه الله : " إن درهما يؤخذ من الرعية على وجه الإهمال والخرق – وإن كان عدلا – أفسد لقلوبهم من عشرة تؤخذ منهم بسياسة على زمام معروف ورسم مألوف وإن كان جورا ، فلا يقوم السلطان ( الحكم ) لأهل الإيمان ولا لأهل الكفر إلا بإقامة العدل النبوي أو ما يشبه العدل من الترتيب الاصطلاحي " (3)<BR>إن عشرة دراهم تؤخذ من الجميع بقوانين معلومة ودون محاباة تريح الناس ولا يشعرون بالغبن ، وعندما يتوفر هذا الذي يطلبه الطرطوشي من عدل وقضاء مستقل هنا يمكن أن نقول أن عندنا ( دولة ) لأنها هي المؤشر على التمدن <BR>إن الأرض والنجوم والحيوانات محكومة بقوانين كونية ، ألا يحتاج الإنسان إلى شريعة تضبط تصرفاته وتساعد على تقدمه وتمدنه . <BR>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>1- أي أن القاضي يتسلم عمله لقاء مال يدفعه للحكومة، وهذا تخريب للقضاء، وابن الفرات هذا مدخول في عقيدته.<BR>2- طريف الخالدي: فكرة التاريخ/ 172 .<BR>3- سراج الملوك/174 ت. جعفر البيّاتي<BR><br>