أثيوبيا وعملاؤها.. موعد مع الفشل
1 ربيع الأول 1428

[email protected]<BR>يوم 28 من شهر ديسمبر 2006م لم يكن كغيره من الأيام، كان سيئا وقاسيا بالنسبة للصوماليين، رأوا ولأول مرة في تاريخهم دبابات إثيوبية تجوب شوارع مقديشو، الدموع تحجرت في العيون، ملامح الغضب بدت على وجوه المواطنين، الكل لا يريد هذه النهاية للوطن.<BR><BR>بعد يومين من سقوط مقديشو حل العيد، لكنه لم يكن كغيره من الأعياد، غابت أجواء الفرح والسرور، وسادت حالة من الخوف والترقب لما يمكن أن يأتي من الاحتلال الإثيوبي الجديد، فلا الأطفال لبسوا الجديد ولا الكبار فرحوا بالعيد، تلك كانت أجواء عامة الناس.<BR><BR> المثقفون والمسؤولون ورجال الأعمال أصبحوا في حيرة من أمرهم، الرعب سيطر على نفوسهم، لا مخرج ولا مفر، فإلى الله المشتكى.<BR><BR>فجأة أطلت علينا ثلة من المرتزقة، استبطن الشيطان في بطونهم حتى باض وفرخ، لا هم لهم سوى التطبيل والتزمير للاحتلال، ويدفعهم دافع انتهازي قبلي بحت، قدموا المصالح الذاتية والآنية على المصالح المصيرية للأمة، فارتموا في أحضان المحتل، وتناسوا أعماله المشينة وتصرفاته اللا إنسانية وانتهاكاته لحقوق الصوماليين، بل دعوا له بالعمر المديد والعيش الرغيد، والبقاء السعيد. بشروا الصوماليين بالأمن والأمان والسلم والسلام، ووعدوهم بالعدالة والقضاء على البطالة، وخلق فرص عمل جديدة، وسمو المحتلين بالإخوة الفاتحين الذين يستحقون كل الاحترام والتقدير.<BR><BR>أما الغالبية العظمى من الشعب الصومالي فتمسكت بالثوابت الوطنية، ورفضت الانجرار وراء العواطف القبلية والنعرات الجاهلية، وأخذت أهبتها لمقاومة الاحتلال بكل السبل المتاحة والمشروعة؛ من قلم ولسان، وسنان وبيان، واستعدت لخوض المعركة المصيرية مع المحتل وأذنابه وأزلامه، وأصبح يقينا لديها أن الاحتلال خطير جد خطير وأنه لا يستهدف فئة دون أخرى، وإنما يسعى إلى طمس المعالم الإسلامية والهوية العربية من الصومال.<BR><BR>حاول العملاء تحسين وجه الاحتلال الكالح، وروجوا لمشاريعه الاستعمارية، وهددوا كل من يقف ضدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. لكن خاب ظنهم إذ لم تهتز قناعة المواطنين الرافضين للاحتلال، ولم يفتر إيمانهم بالنصر، ولم تضعف ثقتهم بربهم، لم تثنيهم حملات التهديد والإرهاب عن قول الحقيقة، لم ينفع معهم ترغيب ولا ترهيب، ولم يقبلوا أبدا بالخنوع للمحتل وأذنابه.<BR><BR> يومها قلنا وبالفم المليان، الاحتلال هو الاحتلال، وليس هناك في المعمورة احتلال دون احتلال، أو بالأحرى احتلال مرغوب فيه وآخر مرغوب عنه، وأن الصومال تتحول رويدا رويدا إلى عراق آخر تسيل فيه حمامات الدماء على مدار الساعة، ما لم يشعر الجميع بالخطر المحدق بالوطن، ومن ثم يتكاتفون ويتعاضدون وتتضافر جهودهم مع الخيرين من أبناء الوطن لمقاومة المحتل الأجنبي الغاشم اللعين. وأكدنا أيضا أن هؤلاء الذين أتوا على ظهر دبابات الاحتلال لا يمثلون هذا الشعب العظيم، وليسو سوى أدوات يستخدمها المحتل لتحقيق مآربه الإستراتيجية ومصالحه القومية، وأنهم فقدوا مواطنتهم يوم برروا المجازر الوحشية التي ارتكبها المحتل ضد أبناء بلدهم. وحذرنا الجميع من العواقب الوخيمة التي تنتظر الصومال حين يصبح تحت رحمة عدوه التقليدي والتاريخي.<BR><BR>صب المطبلون والمزمرون للاحتلال جام غضبهم علينا، واتهمونا – جزافا- بتضليل الرأي العام، وجر البلاد إلى هاوية مظلمة، وأننا من هواة الفوضى ومعارضي النظام وحكم المؤسسات.<BR> لم ننبس ببنت شفة، ولم نتفوه بكلمة، وقلنا إن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب.<BR><BR> ها نحن اليوم، وقد مر على سقوط مقديشو أقل من تسعين يوما، والحال يزداد سوءا، والأوضاع تفجرا وتفاقما يوما بعد يوم، وما من يوم يمر إلا ونحن على موعد مع عدد هائل من القتلى والجرحى تحصدهم آلة البطش والقتل الإثيوبية التي لا تعرف الرحمة والإنسانية، ولم تر لحد الآن من يردعها ويطالبها بالتوقف عن أعمالها الإجرامية ومجازرها الوحشية.<BR><BR> الشعب انزلق إلى مزيد من العنف، وبشهادة كبريات الصحف الغربية، فهذه صحيفة النيويورك تايمز تقول على لسان مراسلها جيفري جيتامان " ورغم الوعود التي قطعتها الحكومة المؤقتة على نفسها بالسعي إلى إرساء السلام، فإن الصومال ما فتئ ينزلق نحو مزيد من العنف والفوضى. واللافت أن هذا التردي في الأوضاع لم يكن متوقعاً قبل شهرين عندما اجتاحت القوات الحكومية المدعومة من قبل الجيش الإثيوبي العاصمة مقديشو وطردت قوات "المحاكم الإسلامية"، وسط تفاؤل عارم بحلول غد أفضل. واليوم بدأت الثقة، القليلة على أي حال، التي وضعها الصوماليون في الحكومة تتبدد شيئاً فشيئاً لتختفي تماماً إذا ما استمر الوضع في التدهور".<BR><BR> وهذه جريدة لموند الفرنسية تنشر مقالا لـ (ايجناسيا رامونيت) بعنوان " إسقاط مقديشو لم يحل مشاكل الصومال"، وفحوى المقال هو أن أمريكا الغارقة حتى أذنيها في مستنقعي أفغانستان والعراق، فتحت لنفسها جبهة جديدة في الصومال، وأنها أدارت برنامج مساعدات عسكرية لاثيوبيا المسيحية منذ عام 2002، والتي شجعها البنتاجون على إطلاق عمل عدائي على الصومال، موفرا لقواتها الاستطلاع الجوي والدعم بمسوحات الأقمار الاصطناعية. وتم احتلال مقديشو يوم الثامن والعشرين من ديسمبر 2006، وتم نشر 20.000 جندي إثيوبي في الصومال الآن. ويصل كاتب المقال إلى قناعة بأن إسقاط كابول في عام 2001 وبغداد في عام 2003 لم يحل مشاكل طالبان أو العراق، كما أن إسقاط مقديشو على يد الإثيوبيين لم يحل مشاكل الصومال.. تلك المشكلات التي تبدو في بدايتها فحسب.<BR><BR>إن من يشاهد أخبار الصومال يرى مدى تزايد عدد الأموات جراء القصف الإثيوبي العنيف للأماكن العامة والتجمعات البشرية والأحياء السكنية، بحجة إيواء هذه الأحياء لرجالات المقاومة، وأن الهاونات انطلقت منها. أما دور أدعياء الحكومة، عملاء الاحتلال، فبات معروفا ومكررا، دور المبرر لأفعال الاحتلال، مهما عظمت بشاعتها، وفي بعض الأحيان يبررون بالفرض والتقدير؛ بما لو حدث هذا القصف وثبت فإنه يعد حقا من الحقوق المشروعة، وإن على الشعب العزل أن يقاوم المقاومين، ويردعهم عن استهداف المحتلين، أو بعبارة أخرى ، على الشعب أن يدافع عن المحتلين بصدوره الخاوية، وإلا فليتبوأ مقعده في الأموات.<BR><BR>فها هو كرزاي الصومال يسأله الصحفيون عن موقفه من قصف الأمريكان وإبادتهم للرعاة الأبرياء العزل ومواشيهم (8/1/2007) في المناطق المتاخمة للحدود الكينية في جنوب الصومال، فيجيبهم بأن لا علم لديه بهذا القصف، لكن إن ثبت (لاحظوا هنا)، فالأمريكان لهم الحق في ملاحقة هؤلاء الإرهابيين (الرعاة) الذين فجروا سفارتيها في نيروبي وتنزانيا.. هكذا بالحرف الواحد، لا تأسف، ولا تنديد بقتل المدنيين، بل تبرير بالافتراض.<BR><BR>الأمر ليس فلتة لسان، وإنما هو دروس لقنها الاحتلال لأدواته ولعملائه، فها هو نائب رئيس الوزراء حسين عيديد، يعيد ويكرر نفس مقولة رئيسه في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، ويؤكد مشروعية قتل واستهداف المدنيين.. ( أتواصوا به بل هم قوم طاغون).<BR><BR>وقبل فترة ،إذاعة "هون أفريك" المحلية تحاور وزير الداخلية محمد محمود، وتسأله عن موقف الحكومة من قصف الاحتلال الإثيوبي لبعض أحياء مقديشو؟ فيجيب بدون وازع من ضمير، بأنهم لا يرون مبررا يمنع الإثيوبيين من قصف تلك الأحياء كرد فعل للقذائف التي تستهدفهم، وأن أفضل الحلول هو أن يبقى المواطنون على يقظة ويراقبوا تحركات من يطلقون القذائف ويمنعوهم من استهداف الإثيوبيين.. هكذا وبكل حماقة ووقاحة.<BR><BR>يحق لنا أن نتساءل الآن، ماذا بقي للمحتل وأذنابه بعد تفجر الأوضاع وبلوغها إلى مرحلة الحضيض هذه ؟ . أين وعودهم للشعب؟ أين الأمان؟ أين الاستقرار؟ أين النظام؟ أين الحكومة؟ أين وأين؟.. لم يعد لها وجود في ظل الاحتلال.<BR><BR>وهكذا أثبتت الأيام وتثبت حقيقة ما قلنا، فالاحتلال لا يخدم مصالح الأمة، ولا يرعى مقدساتها، ولا يهتم بتحسين أوضاعها، ولن يستطيع كسب تعاطف المواطنين معه حتى لو أغرقهم بالأموال، لأن خيار الاستقلال الوطني جوهري لدى الشعوب.<BR>بوادر الفشل للمشروع الإثيوأمريكي في الصومال تتضح يوما بعد يوم، وهناك أسباب تعجل إخفاق هذا المشروع الاستعماري، وتقوي مشروع المقاومة، ومنها:<BR><BR>1- العداوة القديمة الممتدة لخمسة قرون بين الشعبين، إذ أن إثيوبيا لا تزال تحتل إقليما أوجادين الذي ضمه الاحتلال البريطاني إليها عام 1954، والشعب الصومالي الذي خاض حربا شاملة لاستعادة هذا الإقليم لا يقبل أن يقع هو الآخر فريسة لاحتلال إثيوبي آخر يمكن أن يطول إن لم يقاوم، و التخبط الإثيوبي الذي حصل بعد سقوط مقديشو بسبب الهجمات النوعية للمقاومة أكد من قناعة الشعب بضرورة المقاومة وأنها أصبحت الآن مطلبا ملحا له قبل كل شيء.<BR> <BR>2- الممارسات الإثيوبية ضد الشعب الصومالي وقصفها العشوائي للأسواق وقتلها الصغار قبل الكبار، جعل الشعب يؤمن بطريق الجهاد والمقاومة فقط و يعدهما الحل الناجح لطرد الغزاة.<BR><BR>3- المشاكل والتوترات الداخلية التي تعصف بنظام زيناوي، فحركات المقاومة الإسلامية والوطنية داخل إثيوبيا قد أعادت تنظيم صفوفها ورتبت أوضاعها، وقد ألحقت خسائر فادحة في الأموال والأنفس بالقوات الإثيوبية، ولا يمكن لنظام زيناوي أن يدير جميع هذه الصراعات في آن واحد، إذ إن قدراته الاقتصادية لا تسمح له بذلك.<BR><BR>4- الإيمان الراسخ لدى الجميع بأن القوة لا تأتي بالحلول السحرية، وأن الشعوب الحية لا تستسلم لأوامر الهزيمة، ولا تخضع لإرادة البندقية؛ وتجربتي أفغانستان والعراق أقرب دليل وخير شاهد لذلك.<BR><BR>5- انهيار الروح المعنوية لدى المحتلين ومن سار على نهجهم، وقد أوضح المراسلون في الصومال مدى الإرباك والهلع الذي يسيطر على نفوسهم، فقد أكدت النيويورك تايمز أن " المثير للدهشة حقاً أن كثيراً من القوات الحكومية التي يفترض فيها أن تدافع عن المدنيين ووقف حالة التدهور الأمني، ترفض التدخل. وهذا الأمر يوضحه "ظهير حسن"، وهو نقيب في الشرطة الصومالية، بقوله: "لن نتدخل في الصراع، إذ من سيتولانا بالرعاية إذا ما حصل لنا مكروه!".<BR><BR>6- الانفلات الأمني والعودة إلى المربع الأول وتواصل أعمال العنف وإخفاق المحتلين وعملائه في حماية المواطنين من قطاع الطرق، كل ذلك يجعل المواطن الصومالي يترحم على أيام المحاكم، ويلعن المحتل ويتبرءوا من أذنابه.<BR><BR>إن الشعب الصومالي أصبح يتوق ويتذكر أيام المحاكم التي عكرها المحتلون وأذنابهم من الفاشيين الفاسدين الذين ينفذون مخططات الأعداء على حساب الشعب والوطن.<BR>فالمحاكم حققت خلال ستة أشهر ما لم يستطع العالم تحقيقه خلال ستة عشر عاما، حققت الأمن والاستقرار ولقمة العيش للمواطن البسيط، وحقنت دماء الإخوان، وردت المظالم والحقوق، وعاش الشعب في ظلها أحسن معيشة حيث لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. أما الاحتلال فقد استباح كل شيء، وتجاوز كل الحدود، وارتكب كل الحماقات، ومزق أوصال الشعب، وأعاد لوردات الحرب، فلم يعد هناك أمن لأحد، الموت يزحف إلى كل البيوت بلا استثناء، والدماء تتدفق في الشوارع كالأنهار، والجثث متناثرة في الأزقة والطرقات.<BR><BR>إننا نعلنها صراحة ومدوية، أن الواجب على المحتل أن يعترف بالفشل والإخفاق، ويترك المسرح للشعب ليعيد حكامه الأصليين. ونؤكد أيضا للذئاب المسعورة الذين انخرطوا في مشروع الاحتلال، وأطلوا علينا بوجوههم الكالحة، نؤكد أن عليهم أن يغربوا عن وجوهنا – شاهت وجوههم- ويرحلوا مع المحتل، فلا مكان ولا محل لهم في الصومال المحرر بإذن الله.<BR><BR>وفي الختام، نرفع تحية إجلال وإكبار لأولئك الأبطال الأفذاذ الذين لم يتركوا المحتل <BR>ينعم بالأمان، وقلبوا توقعاته بشجاعتهم الأسطورية الناذرة، وتعاهدوا على الصمود ودحر الاحتلال.<BR><BR><BR><br>