لماذا أيدت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني اتفاق مكة ؟ !
1 صفر 1428

لماذا أيدت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني اتفاق مكة ؟ ! هذا سؤال هام في تلك المرحلة ، لمعرفة حقيقة المواقف بالنسبة للقوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية ، وكذا مستقبل المعادلة الفلسطينية ويمكننا أن نغير صيغة السؤال إلى هل بالفعل أيدت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني اتفاق مكة . . . أم أنها لم تؤيده تماماً ولم ترفضه تماماً ، أو قل أنها اضطرت إلى تأييده علناً مع بعض التحفظات سراً ، وربما بعض عدم الراحة أيضاً ، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني كانت سعيدة بالقتال الداخلي الفلسطيني – الفلسطيني . <BR>بداية يجب أن نعرف هنا أن أحداً لم يكن يريد أو يتمنى فشل لقاء كل الأطراف تقريباً بلا استثناء . فكل من فتح وحماس أدركت صعوبة تحقيق غلبة – ولا نقول نصر – حاسمة على الآخر ، ومن ثم فإن استمرار القتال يعني النزيف فقط لا غير ، وما دام الأمر كذلك فإن توقف القتال أفضل ، وحتى الانقلابيون في فتح والذين رهنوا فرارهم للمزاج "الإسرائيلي" الأمريكي اكتشفوا أنه حتى "إسرائيل" لم تعد تريد استمرار القتال لأنه ربما يؤدي إلى فوضى شاملة ستعود بالضرر على "الإسرائيليين" أيضاً حيث لا يمكن في تلك الحالة السيطرة على أحد ، ولا استخدام الضغط على حكومة موجودة أو قيادات فاعلة ، أي أن الثمن الأمني "إسرائيلياً" بالنسبة للفوضى سيكون أسوأ من استمرار حماس أو غيرها في السلطة . وحتى إذا كانت "إسرائيل" تعارض وجود حماس في السلطة علناً ، فهي تدرك أن خروجها من السلطة بالقوة ، سيطلق العنان لقوى الاستشهاد والمقاومة داخل حماس لفعل كل شيء وأي شيء الأمر الذي يعني الخطر الكبير على "إسرائيل" ، وبديهي أن وجود حماس في السلطة يقلص إلى حد كبير قدراتها على المقاومة ويضعها في حسابات حساسة وصعبة . <BR>وبالنسبة للدول العربية " السعودية – مصر – جامعة الدول العربية " فإن استمرار القتال الفلسطيني يضعف بداهة الموقف العربي ، ويفتح الباب أمام المزيد من النفوذ الإيراني على الساحة الفلسطينية ، وهو أمر لم يعد من الممكن تجاوزه أو الإغضاء عنه بعد زيادة النفوذ الإيراني في العراق ولبنان . وهكذا فإنه إقليمياً ودولياً لم يكن هناك أحد قادر على عدم الموافقة على اتفاق مكة وإلا أغضب الجميع وكان موقفه نشازاً ، على الساحة الفلسطينية ، فإن حالة الفرح والاحتفال التي استقبل بها الشعب الفلسطيني اتفاق مكة ، كانت تعني أيضاً عدم القدرة على معارضة الاتفاق ، وإلا كانت صدمة بالنسبة لجمهوره . <BR>كانت حركة الجهاد الإسلامي تدرك ذلك ، وأكثر منه فإن الموقف النفسي والأخلاقي كان يحتم الترحيب بأي شيء من شأنه وقف النزيف بين الأخوة . ولكن بالطبع فإن لحركة الجهاد الإسلامي ملاحظاتها على الاتفاق ، فالاتفاق يجر حماس إلى نوع ما من الاعتراف بـ"إسرائيل" ، وحتى لو تم حل تلك الإشكالية عن طريق التلاعب اللفظي أو القول بأن الحكومة شيء وحماس شيء آخر ، فإن المسألة تصب في النهاية نحو جر حركة حماس إلى طريق فتح التقليدي والتنازل خطوة بخطوة في هذا الاتجاه ، وصحيح أن حماس صممت على إعلان عدم اعترافها بـ"إسرائيل" وتمسكها بذلك ، وأنها في مقابل ذلك قدمت تنازلات على مستوى الحقائب والمناصب الوزارية إلا أن المسألة في النهاية أن حماس تقترب شيئاً فشيئاً من الواقعية البراجماتية ، وهذا يعني ترك الجهاد الإسلامي وحده في الساحة . ساحة الرفض الكامل للكيان الصهيوني ، والتصميم على تحرير كامل التراب الفلسطيني ، وهذا يعني أن الجهاد الإسلامي ستكون وحدها مستهدفة للتصفية والملاحقة "الإسرائيلية" والعزلة العربية والدولية ، ولكن هذه على أي حال سلبيات تكتيكية ، في مقابل مكاسب استراتيجية مؤكدة ، لأن انفراد الجهاد الإسلامي بالتصميم على الرفض والكامل والتمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني يزيد مصداقيتها وما دمنا نعرف ونتوقع ألا تقدم "إسرائيل" شيئاً يذكر لحكومة الوحدة الوطنية على المستوى السياسي ولا حتى الاقتصادي فإن المحصلة أن الجماهير ستنتفض ، وستكون أقرب نفسياً إلى الجهاد الفلسطيني خاصة مع النوايا غير الطيبة بالنسبة للمسجد الأقصى ومحاولات هدمه وإقامة هيكل سليمان ، وقد أصبحت نوايا "إسرائيلية" علنية بدأ العمل فيها بالفعل . <BR>الجهاد الإسلامي أعلنت تأييدها للاتفاق ، ولكنها رفضت المشاركة في الحكومة ، انطلاقاً من أنه لا يمكن أكل الكرم والاحتفاظ به في نفس الوقت ، أو الجمع بين النقيضين ، أو إمكانية الجمع بين المقاومة والمشاركة في الحكومة في نفس الوقت ، وأن المشاركة في الحكومة سيضعف جانب المقاومة في الحركة ، ويحملها مسئوليات وأعباء اقتصادية واجتماعية تؤثر عليها بالطبع ، وكان هذا الرأي قد قالته الجهاد قبل الانتخابات التشريعية في العام 2006 ، وبعد نجاح حماس وتشكيلها للحكومة ، ثم المكافحة الدولية والأمريكية لحكومة حماس ، ثم الصراع مع فتح ثم الإخفاق في صرف المرتبات . . . الخ فإن أوساط الجهاد الفلسطينية قالت علناً ، لقد كان رأينا صحيحاً منذ البداية ، وأن كل ما حذرنا منه قد وقع . ولا شك أن الجهاد لم تكن تريد لتجربة حماس السياسية الواقعية البراجماتية أن تنجح ، لأنها أولاً تجربة ترفضها أدبيات حركة الجهاد ، وتختلف مع التركيب السياسي والفكري للحركة ، فضلاً عن أن نجاح حماس ربما يعني تحولا تلقائيا نحو إنهاء وجود الجهاد داخل الساحة الفلسطينية بالطرق الناعمة أو العنيفة على أساس أنه لا ينبغي وجود رأسين للحركة الإسلامية وهو أمر طبيعي وبديهي . <BR>وهكذا فإن الجهاد الإسلامي خاصة بعد تجربة حماس في السلطة وما قادت إليه من مشاكل وأزمات لم تكن لتدخل الحكومة فتتناقض مع مواقفها التقليدية والمبدئية . وتتناقض أيضاً مع المعوقات الكثيرة لتجربة حماس حتى الآن من الطبيعي إذن أن ترحب حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني باتفاق مكة ، وأن ترفض الدخول في حكومة الوحدة الوطنية . ومن الطبيعي أن نتفهم نحن وغيرنا أن حركة الجهاد لا تريد فشلاً كاملاً ، ولا نجاحاً كاملاً لحماس ، بل وقف نزيف الدم فقط ، وحددت نوعاً من التوازن بين فتح وحماس يعطي هامشاً أكبر من المناورة والوجود والقيمة لحركة الجهاد الإسلامي . <br>