عملية أم الرشراش: الجهاد تنبه المتقاتلين الفلسطينيين !
11 محرم 1428

العملية الاستشهادية التي وقعت صباح الاثنين في مدينة أم الرشراش المصرية (المسماة إيلات صهيونيا ) وقتل فيها ثلاثة صهاينة إضافة إلى الجرحى ،جاءت مفاجئة في مكانها وتوقيتها ،كما هي قد حملت إشارات مهمة ودلالات أهم .<BR>العملية جرت في أم الرشراش المصرية (إيلات) في حادث هو الأول من نوعه في هذا المكان الذي ما تمكن أحد من قبل من اختراقه ،بسبب بعده عن التجمعات السكانية الفلسطينية سواء غزة أو الضفة الغربية ،وبسبب إحاطته بدول عربية بعضها يعد نقطة مرور إليه كما هو الحال من طابا المصرية والعقبة الأردنية، وبعضها لا يقيم علاقات مع الكيان الصهيوني كما هو حال العربية السعودية، بمعنى أنها جاءت في نقطة محورية تتكشف فيها المواقف العربية.وكان أقصى ما وصلت إليه العمليات في هذا القطاع هو عملية القصف عن بعد بالصواريخ من قبل تنظيم القاعدة لقطع بحرية أمريكية كانت في زيارة للعقبة الأردنية، وعملية فندق طابا التي جرت على الأراضي المصرية موجهة للسياح الصهاينة. ومن ثم جاءت العملية الحالية تعبيراً عن اختراق كبير ومهم لهذا القطاع من الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى توجه العمليات إلى كل مكان يمكن الوصول إليه، وتأكيد على ألا مكان عصي على اختراقه بالعمليات الاستشهادية .<BR>وفى توقيت العملية ،فيبدو أنها جاءت في توقيت متعدد الأبعاد، فهي من ناحية جاءت في وقت يعيش فيه الكيان الصهيوني حالة واسعة من الارتباك السياسي تمثل في استقالة رئيس أركان الجيش الصهيوني وتعليق صلاحيات الرئيس الصهيوني ،وفى ظل حالة خطيرة من ضعف الثقة في التحالف الصهيوني الحاكم وبشكل خاص (رئيس الوزراء) ايهود أولمرت .وهى من ناحية أخرى تأتى بعد أيام من محاولات أمريكية لحلحلة العلاقات بين محمود عباس وايهود أولمرت نتج عنها إفراج الأخير عن جانب من المبالغ المالية الفلسطينية التي يحتجزها الكيان الصهيوني من حصيلة الضرائب المحصلة على المعابر الفلسطينية باتجاه حملة علاقات عامة أمريكية صهيونية لكسب تأييد الدول العربية أو للتغطية على بعض المواقف الداعمة لخطة بوش الدموية الجديدة في العراق .وهى جاءت من جانب ثالث ،في توقيت تتواصل فيه الاشتباكات في غزة بين التابعين للانقلابيين على حركة فتح ومجاهدي حركة حماس، والتي راح ضحيتها خلال اليومين السابقين على العملية نحو 29 شهيدا فلسطينيا .<BR><BR><font color="#0000FF">دلالات الوصول والتفجير</font><BR>واحدة من أهم القضايا في هذه العملية ،هي كيف وصل الاستشهادي إلى هذا المكان الذي لم يصل إليه أحد ،ولم من الأصل جرى اختيار هذا المكان دون غيره . وفى الأصل فإن قادة الأجهزة الصهيونية سيرون أن العملية تثبت أن سور الفصل والضم العنصري الذي أقيم في داخل منطقة الضفة هو ما جعل الاستشهاديين الفلسطينيين يعجزون عن الوصول إلى المناطق المعتاد الوصول إليها في مثل تلك العمليات (تل أبيب –الخضيرة –القدس وغيرها ) ،كما سيذهبون في تقاريرهم إلى ضرورة الانطلاق من تلك العملية باتجاه المطالبة بأسوار جديدة في القطاع الجنوبي من الأرض المحتلة عام 48 –الأغلب أننا سنرى بروزاً لمثل هذه الأقوال والتحليلات في الأيام القادمة-غير أن الأفكار الجوهرية في اختيار المكان والوصول إليه ،هو إثبات أن لا مكان لا يمكن للاستشهاديين الفلسطينيين الوصول إليه مهما كانت الاحتياطات والاجراءات التي يتخذها الجانب الصهيوني ،وهو ما يأتي في إطار حرب إنهاك الروح المعنوية للأجهزة الصهيونية ،التي بعد أن جرى تحويلها من قبل إلى حالة دفاعية ووضعها في حالة استنفار دائم ، تأتى العملية الآن للضغط عليها في كل الأطراف( من الشمال إلى الجنوب إلى الوسط ..الخ) ،كما الوصول إلى هذا المكان هو تثبيت لقدرة المقاوم والمجاهد الفلسطيني وتفوقه على الأجهزة الصهيونية بكل ما تتمتع به من دعم مالي وتقني . وفى الوصول إلى هذا المكان تحديداً فنحن أمام معادلة جوهرية هامة ،إذا قصد المقاومون ومصدري الأوامر لهم من القادة ،الابتعاد عن الساحة التقليدية للعمليات التي كانت القيادات الصهيونية قد أعدت أكليشيهات الاتهام بسببها لأطراف في دول المحيط خاصة في شمال الأرض المحتلة –كما هو الحال بالنسبة سوريا-إذ المكان المختار الأقرب إليه هو دولتين يرتبط الكيان الصهيوني معهما بعلاقات ديبلوماسية تمنع اتهامها لهم بتسهيل المرور ، بل هي تحذر الآن من إطلاق مثل هذا الاتهام ،لظروف وتعقيدات الموقف السياسي الراهن ،حيث الولايات المتحدة تسعى إلى تهدئة عامة في المنطقة وترتيب للأوضاع للتحول بالمنطقة نحو حالة صراع رئيسية تتعلق بالفتنة الجارية في المنطقة .وفى الطرف المقابل في المنطقة –وبالارتباط مع طرف المعادلة السابق- فإن المقاومة أرادت إعادة ترتيب الصراعات في المنطقة العربية والإسلامية بإطلاق الإشارة من هذا المكان بالذات للقول بان الصراع الجوهري والاستراتيجي في المنطقة هو الصراع ضد الكيان الصهيوني تحديدا .وفى ذلك ،يبدو أننا أمام دلالة هامة ستظهر تعقيداتها في الفترة المقبلة ،إذ ليس مألوفا في مثل تلك العمليات المرور عن طريق أراضٍ عربية أخرى ،كما لم يحدث من قبل قصد الإعلان عن الوصول لمكان العملية من أية أراضٍ عربية في حال حدوثه ،حيث أعلن المتحدث من حركة الجهاد في بيان إعلان العملية ،أن المجاهد الذي قام بها قد انطلق من غزة منذ سبعة اشهر ،ووصل إلى أم الرشراش "إيلات" عبر الأراضي الأردنية .فهل قصدت حركة الجهاد بالتوقيت ،أبطال مفعول الفتنة التي حاول البعض إشعالها بين الفلسطينيين المقيمين على الأراضي الأردنية –وهو ما يتعارض مع انطلاق المجاهد قبل سبعة اشهر –أم أن الجهاد قصدت توجيه رسالة للأردن بأن انغماسها في الصراع في المنطقة وفق آليات التحذير من الفتنة -الذي فهم أنه إذكاء لها -إنما سيجعلها في داخل حالة الفتنة دون ابتعادها عنها هي الأخرى؟!<BR>وهنا ،يبقى أن اختيار المكان له دلالات أخرى على المستوى اللوجيستيكى -كما يقول الخبراء العسكريين-إذ وصول الاستشهادى إلى هذا المكان المحاط والمحاصر والبعيد لمسافات طويلة عن الأراضي الفلسطينية المأهولة إنما يمثل تطورا في القدرة النوعية على الاختراق ،إذ نحن لسنا أمام عملية ينطلق فيها المجاهد لمسافة لا يحتاج قطعها إلى وقت قصير،ويمكن له في خلال رحلته أن يجد نقاط دعم له ،بل نحن أمام مسافات طويلة داخل الصحراء وعلى طرق طولية مراقبة يظهر فيها المتحرك إذا خرج عن الطرق الرئيسية عن طريق أجهزة الجيش لا أجهزة الأمن فقط ..الخ .<BR><font color="#0000FF">تفجير ورسالة للداخل </font><BR> بطبيعة الحال فإن الأساس في العمل الاستشهادى ،هو تحقيق أهداف سياسية للعدو الصهيوني ،غير أن هذا العمل في توقيته يوجه رسالة أخرى إلى الداخل الفلسطيني - في هذه المرة -إضافة إلى أهدافه الموجهة للداخل الصهيوني .<BR>في الرسالة للداخل الصهيوني ،فالعملية في هذا التوقيت تستهدف منع "التفاؤل" الصهيوني بان النجاح في إشعال الاقتتال الداخلي الفلسطيني سيمنح الصهاينة حالة من الاسترخاء والهدوء الداخلي من العمليات الاستشهادية ،كما العملية تعنى تحديدا من الوجه الآخر تشديدا على الفشل الذي يلاحق ايهود أولمرت منذ وصوله إلى الحكم وحتى الآن وربما هو جاء لإعطاء دعم إضافي ومباشر لخلخلة التحالف الحاكم ، ولإدارة عجلة الضغط على وزير الدفاع الصهيوني الذي ما يزال متمترس في موقعه رغم الضغوط عليه ما بعد الحرب على لبنان ،التي حقق فيها أخطر فشل صهيوني في إدارة المعارك.<BR>ومع ذلك ،وبالإضافة إلى ذلك وغيره ،فان التفجير في هذه المرة قدم رسائل للداخل الفلسطيني أيضا . وإذا أخذنا الإعلانات الصادرة بالمسؤولية عن العملية نلحظ أن العملية تبناها كل من حركة الجهاد الفلسطيني وشهداء الأقصى -جماعة جيش المؤمنين .وهنا فإننا أمام حالة جديدة من حالات ميلاد جماعات جهادية جديدة–كإشارة على استمرار العمل الجهادي حتى في حالة دخول بعض الأطراف في تهدئة لسبب أو لآخر كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس-غير أن الدلالة الأهم هنا ،هي أن حركة الجهاد تعلن بهذا أنها تعمل مع طرف فلسطيني مقاوم بغض النظر عن الخلافات الجارية في فلسطين المحتلة،كما العملية جاءت تشديدا على انحياز المكون الأصلي لشهداء الأقصى –بعيدا عن الأسماء التي تخرج متحدثة باسمها في الصراع الداخلي مع حماس-لفكرة المقاومة ضد العدو الصهيوني ،إذ مشاركتها بهذه المجموعة في هذه العملية يوجه رسائل في اتجاهات متعددة ،منها ما هو موجه إلى زمرة الانقلابيين في فتح ،لتقول لهم إن قيادة فتح الحالية لا تعبر عن توجهات فصائل ومجموعات في شهداء الأقصى ،ومنها لمن راهنوا على انخراط شهداء الأقصى كلها في الاقتتال والفتنة الداخلية ،بان شهداء الأقصى في صورتها الحقيقية -التي نشأت عليها -توجه جهدها لمواجهة الكيان الصهيوني ،لا إلى تحقيق أهداف دحلان ومن معه.<BR>وهنا فان دور حركة الجهاد الإسلامي على المستوى الاستراتيجي في الصراع مع العدو الصهيوني ،يجدد دوما أنه في المكان والاتجاه الصحيح ،وأن الحركة قد نجحت في تحديد اتجاهاتها وفى توجيه الضربات للعدو الصهيوني بحسابات دقيقة للغاية.<BR><font color="#0000FF">الجهاد تحرك في الاتجاه الصحيح</font><BR>هذه العملية تبرز مجددا ، الموقف الاستراتيجي الصحيح الذي اتخذته حركة الجهاد الفلسطيني في التعامل مع القضايا الداخلية الفلسطينية وفى المواجهة مع العدو الصهيوني ،سواء من خلال دورها في تعديل التوازنات في داخل الساحة الفلسطينية كلما مالت لغير المقاومة ،أو بما قدمته في تعديل اتجاه الصراع خلال مرحلة الهدنة من خلال عدم الانخراط في أية هدنة والقيام بتوجيه ضربات ضد العدو الصهيوني ودون الدخول في صراعات داخلية بسبب توجيه هذه الضربات ،أو باعتبارها الحركة التي تمكنت من أن تقوم بدور كبير في لم الشمل الداخلي خلال الصراعات الداخلية ، إذ كانت الحركة هي العمود الفقري لكل المحاولات التي جرت لوقف الفتن الداخلية بين حركتي حماس وفتح .<BR>وهنا يظهر دقة وصحة الموقف الاستراتيجي لحركة الجهاد في عدم دخول الحكومة الفلسطينية والوقوف على بعد خطوة منها –لم تشارك في الانتخابات ولا تعارض دخول حماس معترك الحكومة –باعتباره كان نابعا عن رؤية استراتيجية لحدود ومترتبات المشاركة في اللعبة الحكومية وفق اطر اوسلو ،وفى عدم الدخول في الهدنة مع الكيان الصهيوني دون الدخول في معارك كلامية أو سياسية مع من دخلوا فيها لأسباب راؤوها . وها هي الحركة الآن ،تضرب العمق الصهيوني لتعديل اتجاهات الموقف الفلسطيني ولإعادة التوازن إلى العقل الاستراتيجي الفلسطيني ولإكراه العدو على الخروج من خطة الصمت لإذكاء الفتن الداخلية إلى الأطلال بوجهة مجددا ،ليعود المتقاتلين إلى رشدهم ،مع كامل الإدراك بان حماس تدرك المخاطر جيدا ولا تعمل من أجل تفعيل الداخلي وأنه تواصل جهادها لتحرير فلسطين ،إلا أن بقاء حركة الجهاد خارج إطار اللعبة السياسية الجارية ،يحتاج الى رؤية أعمق من قبل الجميع، باعتبار أن دورها لمصلحة الجميع ! .<BR><br>