الصور التلفزيونية للحج... أين الخلل؟
2 محرم 1428

كعادة الحج، مدرسة؛ للصادقين في طلب الإصلاح، والباحثين عن الحق. <BR>وهو الصورة -الاتصالية- الأكثر إشراقا ودقة في إيصال حقيقة ديننا إلى العالم المفتقر لنظام الإسلام وعدله.<BR>في حج هذا العام كان حديث الصور الإعلامية صادقا في وضع اليد على مكان الألم الذي يشتكي منه إعلام المسلمين؛ والذي إذا ما تم علاجه ستكون النتيجة إعلاما إسلاميا -بإذن الله- .<BR>وعلى الرغم من مرور أكثر من عشرين يوما على (الحدث) ، إلا أن الصور التي لا زالت تبث في "أوقات الصلاة" من بيت الله الحرام تتطلب الوقوف على بعض مدلولات صور الحج، باعتباره الأحدث الأكبر، ومن خلال فهم تغطيته يمكن أن تُفهم الصور التلفزيونية للشعائر الدينية وتغيراتها منذ مدة ليست باليسيرة.<BR>المشكل، كما ظهر للمراقب، تنافر بين المناسبة وبعض أجزاء الصورة، فهناك صور تستهدف تسجيل الحضور دون قناعة بحقيقة المشهد! <BR>وصور أخرى كشفت كيف يمكن أن يعمم مرض القلب الذي يقف خلف العين المحركة للصورة!<BR> والأمر برمته عائد إلى تنافر القيم المهنية المستوردة مع نظامنا الأخلاقي، وهي مشكلة إعلام المسلمين الفضائي في زماننا هذا (دون استثناء).<BR><BR>الصور التي اخترقت خصوصية الحُجاج –وعوراتهم أحيانا- عبرت بجلاء عن المسافة الكبيرة التي تفصل بين المهنية الإعلامية –المستوردة غالبا- والنظام الأخلاقي للإعلامي –المسلم- والمُشاهد –المسلم أيضا، أو من يرغب معرفة الإسلام- وهذا الموضوع برمته يدخل في إطار التصادم القديم –المفتعل- بين استخدام التقنية والنظام الأخلاقي الإسلامي.<BR><BR>شاهدت النقل المباشر ليوم عرفه وكانت الصدمة أن المصور والمخرج للبث العام لهذا المشهد العظيم يخترق النظام الأخلاقي الإسلامي لصالح ما يسمى بالمهنية الإعلامية، والاحتراف المهني للمصور والمخرج، من خلال صور انتهكت خصوصية الحاج الغافل ذكراً كان أو أنثى.<BR><BR>أذكر أنني تحدثت مع أحد المخرجين حول المادة الإعلامية التي يخرجها، وخطورة التكسب من بعض الفنون الإخراجية التي تعارض النظام الأخلاقي.... فكان رده،، أنه (ابن) لمدرسة عالمية في الإخراج، تعتمد على توظيف جوانب الجذب في الشخصية –موضوع الصورة- للدخول إلى العقل الباطن والتأثير فيه بطريقة غير مباشرة.<BR>وشرح لي ذلك، بالصور التي يلتقطها المصورون -لبعض الحاضرات- في المناسبات الجماهيرية لكسب المشاهد، والمحافظة عليه، واستخدام ذلك لإقناع المعلنين -في عالمنا العربي- بتوفر الشروط التي تتيح له الوصول إلى عدد كبير من الجماهير؛ المترقبين –بدقة- لإبداعات المخرج ومصوريه، ومن ذلك بالطبع قوة الجذب والصور المثيرة للانتباه.<BR><BR>سقت ذلك لأكشف حجم المسافة بين مهنية المخرج وهدف المشاهد، فطبيعة الحدث –يوم عرفه وأيام الحج- وطبيعة المشاهد الذي اختار متابعة المشاهد الإيمانية –المشهد العام وليست التفاصيل- تعني أن تكون المهنية خاضعة للنظام الأخلاقي للجميع –الإسلام- لكن، الذي حصل أن المخرج –أو المخرجين- خاضع للمدرسة التي يتبنى آراءها وفلسفتها ورؤيتها، بينما الجمهور المتعطش للمشهد العظيم يحاكم الصور بنظام أخلاقي لا يقبل ذلك الانتهاك للحرمات.<BR><BR>ربما خرج علينا من يقول بأن كشف الوجه للمرأة (مسألة خلافية) دون أن يُفرق بين مسألة كشف الوجه على قناة تلفزيونية فضائية يلتقطها مليارات الناس، وامرأة في محيطها البسيط –غير الفضائي-!! وفي اعتقادي أن الأمر –في هذا العام- أوضح من الوقوف عند بعض الأمثلة.<BR>إن حالة الفصام التي افترضها بعض الإعلاميين بين أخلاقه الإسلامية ومهنيته، حالة تدعو إلى التأكيد: أن نظامنا الأخلاقي لم ولن يتفاجأ بالتطورات المهنية الإعلامية، ولا باستخدامات التقنية وتطوراتها المتسارعة؛ ولا بغير ذلك من المتغيرات الطارئة التي يبقى تأثيرها نسبياً، محدوداً بالزمان والمكان.<BR>لكن الأمر يجب أن يُفهم من أصله، فالقضية، تمييز بين الخبيث والطيب، المصور والمخرج والإعلامي، ورئيس التحرير، ومجلس الإدارة عموما –وغيرهم من المسلمين- سيحاسبون -بعيدا عن المؤسسة الإعلامية وبعيدا عن مواقعهم من الهياكل التنظيمية- على الإرادة الحرة، والاختيار التابع لهذه الإرادة، وكلنا في معركة التزكية للنفس أو التدسية، لكن الإعلامي يختلف عن غيره بأنه قد سلك طريق التدخل في معارك ملايين الناس مع أنفسهم فأعان توجهات الخير عندهم، أو أعان نوازع الشر وخالف قدر الخالق؛ الذي زود الإعلامي، والناس، بقابلية النفور من الشر؛ فزينه الإعلامي لهم كما يفعل الشيطان وربما أشد! <BR>في ضوء هذه الرؤية التي تحقق للمسلم صدق النوايا، نكتشف أنه ليس هناك مشكلة حول المهنية الإعلامية (الصورة، والمؤثرات،،،الخ) إنما المشكلة في التقليد والتبعية والانهزامية، لذا يجب الاعتراف أن مصدر المعايير المهنية ينطلق من نظام أخلاقي، قد يكون مغايرا لنظامنا الأخلاقي، وهذا ما جعل الإعلامي في حرج!؛ أيختار المهنة أم يلتزم بنظامه الأخلاقي، وبالتالي تنتقل الأزمة نفسها إلى المُشاهد!، أيقبل الإعلام –غير المحافظ- بأخلاقه المستوردة أم يرفضه تبعا لنظامه الأخلاقي، وهكذا تدور الأيام وتستمر سنة الابتلاء،، وتتاح فرص الاختيار،، ويميز الله الخبيث من الطيب..<BR><br>