هيئة علماء المسلمين ..بين "المرجعية" والقيادة
25 ذو الحجه 1427

أصبحت هيئة علماء المسلمين في العراق ،الأهم من بين الكيانات والتجمعات والهيئات الفكرية والسياسية ،سواء على صعيد دورها أو على صعيد الاحترام الإسلامي والعربي لها أو على صعيد عداء سلطات الاحتلال الأمريكي وحكومة العملاء لها ،كل ذلك في ان واحد .وبمتابعة الأوضاع الراهنة في العراق من كافة جوانبها ،فان هيئة علماء المسلمين باتت هي الجهة المؤهلة أكثر من غيرها للتحول من حالة الجماعة المرجعية ومن الجماعة صاحبة الرؤية الخاصة بها إلى القيادة الاستراتيجية في عملية التحرير والبناء للعراق القادم ما بعد إخراج الاحتلال ،بما بات يتجمع لها وحولها في داخل العراق وخارجه .<BR>لقد أظهرت "مذكرة الاعتقال" التي صدرت بحق الشيخ المجاهد حارث الضاري –الأمين العام للهيئة –من قبل قوات الاحتلال الأمريكية ممهورة بخاتم سلطات الحكم العميلة ،مدى خوف الاحتلال وحكومةالمالكي من تنامي دور الهيئة على الصعيد الوطني والعربي والإسلامي ،كما كانت الواقعة المشهورة حين قيام قوات الجيش العراقي العميل بالهجوم على منزل الشيخ ،أهم ما أظهر النوايا الحقيقية تجاه الهيئة والشيخ ،وفى نفس الوقت كان حدثا أظهر مدى قوة الهيئة ومهابتها في العراق ،إذ انتهت العملية خوفا من التداعيات خارج وداخل العراق .<BR>وإذ ظلت الهيئة على مواقفها المدافعة عن حق المقاومة العراقية وشرعيتها –وحيدة على ساحة العمل العلني في العراق كله -ومع تعاظم دورها على المستوى الشعبي حتى أصبحت ملاذا للعراقيين المهجرين ولأسر الشهداء بقدر ما هي محل إجماع من قبل تيارات فكرية وسياسية عديدة ،فهي أصبحت ممثلا لقطاعات كبيرة من الشعب العراقي في الداخل والخارج ،بما جعل دور الهيئة ورمزيتها أقوى من فكرة المرجعية وتتوفر لها معالم التقاء الآخرين حولها بشكل متصاعد . فإلى أين تتجه الهيئة ،ومن قبل ماذا هي دلالات ظهورها ،ومن بعد ما دورها الاستراتيجي في الوقت الراهن ومستقبلا؟<BR><font color="#ff0000"> ظهور الهيئة</font> <BR>شكل ظهور هيئة علماء المسلمين في العراق –ما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي-حالة مفاجئة لقوات الاحتلال ،وكذا كان مفاجئا للقوى السياسية "القديمة" التي كانت قائمة قبل دخول الاحتلال ،من كان منها في السلطة أو كان خارجها متعرضا للمنع من قبل السلطة ،كما هو كان أمرا بعيدا عن تفكير عقول مجموعات العملاء القادمة على ظهور الدبابات الأمريكية أو من خلال الحدود الإيرانية .كان سبب المفاجأة أن الهيئة بمسماها السابق لم تكن تتعاطى مع العمل السياسي خلال حكم حزب البعث ،وكذا لأنها لم تتحرك في بداية دخول الاحتلال وفق حالة "سياسية" في نشاطها –لم تقد تحركات جماهيرية واكتفت بالموقف العام المؤيد للمقاومة دون تحرك سياسي بتشكيل حزب أو تجمع ذي صبغة سياسية واضحة-وكذا لان التصور السائد ، كان أن هؤلاء ليسوا سوى "مشايخ تقليديين" لا قبل لهم لا بالعمل السياسي ولا بالعمل المقاوم وأنهم بالكاد يمكن أن يعلنوا مواقف "سابقة التجهيز أو متكلسة " ،وان جل جهدهم سيتحول باتجاه أعمال الإغاثة والعمل الخيري .<BR>لكن الهيئة من بعد تحولت إلى تجمع إسلامي أعلى من إطار المرجعية الفكرية وأعلى من فكرة الحزب السياسي الناشط على صعد العمل السياسي والجماهيرية ،كما تحول موقفها المؤيد لفكرة وحق المقاومة إلى نشاط فاعل وكبير.<BR>والمهم هنا ،هو أن الهيئة في حد ذاتها ومع تحولها إلى حالة متكاملة من النشاط ،مثلت تطورا في الفهم والتعاطي مع القضايا السياسية بنفس القدر الذي أظهرت فيه عدم قدرة التيارات السابق وجودها قبل الاحتلال على امتلاك القدرة والرؤية الصحيحة في التعامل مع تحدى الاحتلال ،كما هي طرحت بوجودها قضايا عامة هامة على صعيد حالة التجدد في الاستجابة العقدية والفكرية والسياسية لتحدى دخول قوات الاحتلال إلى البلاد الإسلامية، ونمط استجابة القوى السياسية لها .<BR>لقد اظهر بروز هيئة علماء المسلمين في العراق ،مدى الضعف والتردي الذي أصاب القوى السياسية المعارضة (القديمة) للحكم في العراق كما هو الحال في حالة الحزب الإسلامي ،وللقوى الحاكمة أيضا كما هو الحال بالنسبة لحزب البعث ،كما على صعيد القوى العرقية والطائفية ،إذ غن ظهور الهيئة كطرف عراقى علنى وحيد ،يدافع عن المقاومة ويؤيد عملياتها ضد الاحتلال ،ويرفض الانخراط في العملية السياسية التي أقامها الاحتلال للحصول منها على غطاء شرعى من عراقيين لوجوده واستمرار وجوده ،قد مثل تحديا للقوى القديمة ،سواء تلك التي لعبت دورا خيانيا ضد أهل العراق أو تلك التي قبلت التعاون مع قوات الاحتلال ،كما كشف دورها ومدى أصالة فكرها .كما أن تطور موقفها وتصاعد دورها رغم كل الضغط الواقع عليها من كل تلك الأطراف ومن الاحتلال بطبيعة الحال ،كان عاملا كاشفا للقوى التي جاءت مع الاحتلال وعلى دباباته وللقوى التي ظهرت وتحركت على أسس عرقية ..الخ .<BR>وفى ذلك فان الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن مواقف الهيئة "الصامدة والصحيحة" بدا يعود إليه معظم الذين قبلوا الانخراط في العملية السياسية تحت الاحتلال ،إذ كل من شارك فيها متراوح في مواقفه الآن بين الإعلان عن فشل العملية السياسية والإعلان عن وفاتها ،كما اللافت أن ما طرحه تشكيل وصلابة وتطور هيئة علماء المسلمين في العراق –وحالة التراجع من قبل من سار عكس توجهاتها –غدا يطرح في كل الدول العربية والإسلامية ،تساؤلات جدية حول "أهمية" ودور وصحة وجهات نظر القوى السياسية الحالية ،وحول مدى أهمية كل هذا الضجيج السياسي والصحفي والإعلامي الدائر بين القوى والتيارات السياسية في مختلف البلدان العربية ،باعتبار أن نظيراتها فشلت في مواجهة التحديات الحقيقية في الصراع مع الغرب في حالة العراق ،وكذا أن دور الهيئة وتلك الحالة الجديدة التي سجلتها باتت تطرح إمكانيات ظهور "تيار <BR>إسلامي "جديد في الساحة أكثر وضوحا في أطره المرجعية واشد قدرة على الصمود ..بل والتطور،كبديل لتيارات إسلامية تبدو فاعلة على الساحة الفكرية والسياسية الإسلامية .<BR>مثلت الهيئة تطورا هاما على أساسه ينبغي إعادة النظر في تقييم الأوضاع في مختلف الدول العربية والإسلامية على أساس ما قدمه من دروس وعبر.<BR><font color="#ff0000"> الهيئة والوضع الراهن </font> <BR>لم يكن ظهور الهيئة عملا مخططا من الزاوية السياسية المباشرة ولا من الزاوية التخطيطية العامة قبل وقوع الغزو والاحتلال،إذ جاء التحول في عمل ونشاط الهيئة على خلفيات عديدة فرضتها الأحداث ،أهمها ،أن حالة المسلمين في وسط العراق وحين جرى تفكيك سلطات الدولة العراقية والحزب الوحيد الذى كان مسموحا له بالحركة والنشاط والحكم –حزب البعث- قد صاروا في مواجهة حالة من الفراغ السياسى والتنظيمي –خاصة مع تفكيك جهاز الدولة أو مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها- بما تطلب ظهور شكل للتعبير عن مصالحهم ورؤاهم وأفكارهم ،خاصة وان المناطق الأخرى في العراق كانت لا تعيش هذه الحالة من الفراغ حيث معظم المشاركين في التمهيد للاحتلال من العراقيين كانوا من مناطق أخرى في العراق.وكذا جاء ميلاد الهيئة أو لنقل تغير موقفها ودورها –كحالة تعبير عن المسلمين في العراق-بعد ما دخل الحزب الإسلامي (الإخوان العراقيون) في لعبة العملية السياسية وبعدما دخلت عناصر من حزب البعث تلك اللعبة ،بما وفر ضرورة وجود معبر آخر عن من يرفضون الدخول في لعبة الاحتلال أو كمعبر عن الموقف الأصيل للشعب العراقى الرافض للاحتلال ،أو بالدقة للموقف الإسلامي الصحيح في رفض الاحتلال .وهنا مثل وجود المقاومة ونشاطها ودورها ،عاملا مهما من عوامل تشكل الهيئة وفكرها سواء باعتبار أن المقاومة لم تتمكن في بدايتها ولفترة طويلة من إعلان أجنحة سياسية لها ،بسبب الوجود الأمريكي العسكرى الكثيف في تلك المنطقة ،وبالنظر لتلك الحالة العدوانية الإجرامية والوحشية التي اعتمدت مع المسلمين في تلك المنطقة .لقد وفرت المقاومة ظرفا حقيقيا يمكن الهيئة من نيل مصداقية حقيقية لمواقفها باعتبار أنها تدافع عن فعل حقيقى متطور تدعمه ويوفر لها صدقية وسمعة عالية في داخل العراق وخارجه.<BR>وهنا فمن الأهمية الإيضاح ،أن الهيئة باتت تيارا مشهود له بالمرجعية على الساحة العراقية–كما هو الحال عندما طلب مقتدى من الشيخ حارث الضاري إصدار فتوى بحرمة قتل الشيعة –كما الهيئة أمست الان ذات سمعة معنوية تحظى بإجماع كل القوى المقاومة في العراق بل وحتى هي باتت تحظى بإجماع بين كثير من التيارات السياسية التي دخلت في العملية السياسية تحت الاحتلال وثبت لها خطأ هذه المشاركة وصحة مواقف الهيئة ،وهو ما تجلى من خلال حالة الرفض الواسعة من جهات ومناطق العراق المختلفة لجريمة إصدار مذكرة اعتقال بحق الشيخ المجاهد حارث الضارى ،بما جعل من أصدروا تلك المذكرة يتهمون بعضهم البعض بالمسئولية عن إصدارها ..الخ.<BR><font color="#ff0000"> الدور الاستراتيجى والمستقبلى </font> <BR>يبدو السؤال الجوهرى هنا ،هو إلى أين تسير هيئة علماء المسلمين في العراق ،أو بالدقة أن السؤال الجوهرى هو كيف تتحول هيئة علماء المسلمين إلى قيادة استراتيجية للصراع ضد الاحتلال وضد محاولة تفكيك العراق ،باعتبارها هيئة ذات طابع عقدى وذات علاقات وثيقة مع مختلف القوى العراقية (المختلفة مع بعضها البعض ) ،وباعتبارها القوة الوحيدة التي اتخذت مواقفا مؤيدا للمقاومة ورافضة للعملية السياسية ،دون الدخول في صراعات هامشية أو حزبية مع احد.<BR>كما يزيد من أهمية السؤال ،أن الهيئة قد تهيأ لها وضع أفضل حتى وهى تتعرض إلى مواقف وإجراءات عدائية ،إذ الهيئة تمكنت بعد عمليات التهديد لقادتها أو إصدار مذكرات باعتقالهم ،من توسيع رقعة تمثيلها السياسى الإسلامي والعربي بوجود قادتها في بلدان عديدة ،ما هيأ لها ظرف أفضل للتعبير عن مواقفها وصلاتها مع المقاومة في العراق ومن توثيق علاقاتها مع القوى المقاومة على الصعيد العربي والإسلامي ،بما وسع مصداقيتها في داخل العراق وخارجه ،وسمح لها بأفق أوسع للحركة .<BR>والبادي أن الهيئة باتت تدرك طبيعة دورها الجديد ،كما هو يظهر من خلال "تصريحات الشيخ الضارى " التي يظهر رصدها حرصا من الرجل على فتح المجال لتجميع القوى العراقية المختلفة تحت عباءة التعبير الفكرى والسياسى للهيئة ،كما هو يظهر من خلال رؤية أن الهيئة قد تصدت لكل الاعتداءات التي وقعت في مختلف أنحاء العراق من قبل قوات الاحتلال -وهو ما انعكس في حالات التأييد والتواصل مع الهيئة في جنوب البلاد وفى شماله ،وليس فقط في الوسط-كما هو يظهر من أن الهيئة وقفت بصلابة وبجهد حثيث ضد كل محاولات الاقتتال الطائفى ،بما جعلها القوة العراقية الأكثر قدرة على جمع العراقيين .<BR>كما البادي أن الهيئة ،أصبحت تدرك طبيعة دورها الاستراتيجى في خوض معركة تحرير وبناء العراق،من خلال ما يلاحظ من تطويرها لأوضاعها الداخلية التنظيمية ،بما انعكس في توسع ظهور العديد من قياداتها على المستوى السياسى والإعلامى ،ومن خلال ما يلاحظه المتابع من تعميق وتوسيع الهيئة لإنتاجها الفكرى وعلى صعيد الدراسات السياسية والاستراتيجية ،ومن خلال توسيع مشاركتها في النشاط السياسى والفكرى والجماهيرى والإعلامى على مستوى الهيئات الشعبية العربية الإسلامية ،وهو ما ظهر من خلال مشاركة قيادات الهيئة وعدد من القيادات في المؤتمرات التي تضم النخب الفكرية والسياسية كما هو الحال في مؤتمر الحملة العالمية لمقاومة العدوان المنعقد في اسطنبول وفى المؤتمر القومى الإسلامي المنعقد في قطر .<BR><br>