الكويت والصومال بين جريمة الاحتلال والمشروعية!
11 ذو الحجه 1427

[email protected]<BR>كان احتلال الكويت مأساة عربية بكل المعايير، وقد آلم كثيراً من العرب والمسلمين. حتى أولئك المختلفون مع الحكومة الكويتية في العالم العربي لم يرق لهم مشهد الشعب الكويتي الشقيق مروعاً مهجراً من بيته، شاردين أبناؤه في ذهول ما بين رغد العيش عشية إلى ضنك اللجوء والتهجير القسري في ضحاها. <BR>العالمون ببواطن السياسة من المخلصين من أبناء الأمة العربية والإسلامية كانوا يدركون حينها أن باباً من الشر قد فتح، وأن التدخل الغربي والعالمي غير معني بالجانب الأخلاقي من القضية، وأنه يلهث خلف مصالحه، دونما اكتراث بأي اعتبار لمأساة الكويتيين أنفسهم، بدليل أنه خلف مأساة أكبر فداحة على الجانب الآخر من الحدود، عندما قتل مئات الآلاف من العراقيين في كارثة لم تنته لحد الآن، سببها العدوان الأمريكي على العراق، وظلت تنزف الدم العراقي الطاهر الذي لا يرضى الأشقاء الكويتيون انسكابه.. هؤلاء الذين أدركوا اليوم أن الأمريكيين وإن بدوا حانقين على صدام حسين؛ إلا أنهم لما تمكنوا من رأسه لم يذكروا كارثة احتلال الكويت، بقدر ما تذكروا حادثة الدجيل، التي حوكم بسببها الرئيس العراقي السابق، وصدر قرار محكمة التمييز نهائياً بشأن إعدامه، من دون التفات إلى المسألة الكويتية التي تاجر بها الأمريكيون عقداً كاملاً من الزمن، ثم لم يحاكموه بسببها، واختاروا قرية عراقية بدلاً منها. <BR>والواقع أن الغرب لم يخالف طبيعة مَرَدَ عليها، وهي اللهاث خلف مصالحه الذاتية، وليس بوسعنا أن نلومه، ما دام يتسق مع معتقداته وأفكاره البراجماتية تجاهنا، إنما من يمكننا أن نلومه الآن هو النظام العربي برمته، الذي يتغافل اليوم عن مأساة أخرى كبيرة وجرح آخر غائر في الجسد العربي والإسلامي، لا يوليه الإعلام العالمي اهتماماً يذكر، ليس لأنه لا يسبح فوق بحيرة نفطية فحسب، وإنما لكون المحتلين هم حلفاء الغرب لا خصومه كما في الحالة الكويتية. <BR>إن ما يعتصرنا ألماً، أن نرى النظام العربي يتماهى مع الغفلة العالمية عن حالة احتلال وعدوان لا مبرر لهما في أي عرف أو قانون دولي على الشعب الصومالي الأعزل، لمجرد أن الغرب قد أوعز إلى ذنبه الإثيوبي لإسكات هذا الصوت التصالحي الواعد في الصومال، وقد أعلنت الولايات المتحدة صراحة الليلة الماضية دعمها للعدوان الإثيوبي على هذا البلد الإفريقي. <BR>ليس خافياً على أحد أن الصوماليين تحت حكم المحاكم الإسلامية القصير أسعد حالاً بمئات المرات من تلك الحياة التي كانوا يعيشونها تحت حكم قطاع الطرق، أو حتى خلال حكم نظام بيدوا، وليس خافياً أن حكومة بيدوا لم تكن في نظر الكثيرين شرعية بالمعنى القانوني والسياسي وحتى العسكري، ولا حق لها في استدعاء المحتلين إلا على طريقة الجلبي وقرضاي، وليس يجهل خبراء الاستراتيجيا العرب أن بلدانهم وهي تتخلى عن الشعب الصومالي في محنته تعرض أمنها القومي للخطر من زوايا متعددة، فشريان الحياة المصري والسوداني يصبح أكثر تهديداً كلما كانت إثيوبيا قوية وفاعلة في منطقة القرن الإفريقي، وإذا تمكنت الأخيرة من إثبات وجودها كشرطي في المنطقة نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" فإنه لن يعز عليها إقامة مزيد من السدود بالقرب من منابع النيل العليا، ولا أحد يجهل أن فقدان مضيق باب المندب بهذه السهولة التي يبدو أن العرب غير عابئين بتسلسلها السريع هذا؛ سيؤدي إلى نكبة جديدة تضاف إلى نكبات العرب والمسلمين. <BR>ولعل منظمة المؤتمر الإسلامي الصامتة هذه الأيام تدرك من جهتها أنها تفقد كثيراً من حظوظ مصداقيتها حينما تترك دولة إسلامية ممثلة لديها تعالج مصيرها وحدها، لاسيما بعد أن اعترف الرئيس الإثيوبي صراحة بأن بلاده تتدخل عسكرياً في الصومال وتمطر سكانها بقذائف الطائرات التي أصابت في ما أصابت مدرج مطار مقديشو المستخدم هذه الأيام في نقل الحجيج إلى بيت الله الحرام. <BR>وبما لدوائر صنع القرار العربي من تجارب واسعة مع التيارات المماثلة للمحاكم الشرعية أو القريبة من أفكارها، فلا شك أن كثيراً من تلك الدوائر تعلم أن التعامل مع حكومة تتوافر على شعبية واسعة في ربوع الصومال، ولها تمثيلياتها ومصالحها والتزاماتها مع الدول العربية أفضل ألف مرة من التعامل مع مقاتلين في الأحراش سيفرزهم الزحف الإثيوبي الكبير إن قدر له الإطاحة بنظام المحاكم، حيث مستنبت الأفكار التي تعاني من ممارسات معتنقيها المنظومة العربية الرسمية، والتجارب تنص على أن المحاكم إذا قدر الله لها الهزيمة فلن تتلاشى كلية، وهذا أمر محكوم بالسنن الكونية وقوانين السياسة الإيديولوجية، والجميع يدرك أن من أطاحتهم القوى الغربية وإن تراجعوا تحت تأثير الطائرات فإنهم سرعان ما ينظمون صفوفهم من جديد لتبدأ الحلقة المفرغة، ويستمر نزيف من الدماء لا يرضى به إلا من ينظرون نظرة دونية لغير ذوي العيون الزرقاء. <BR>لقد أوشك الصومال منذ أسابيع قلائل أن يفيق من إغماءة سياسية تسببت بها الدول الكبرى ـ كالعادة في كل المناطق الساخنة التي أشعلت فتيلها ـ غير المعنية إلا برؤية أنهار الدم وتدفق السلاح وقطف الرؤوس ، لولا أن هذه الدول قد لجأت مؤخراً إلى وأد التجربة الصومالية الجديدة بكل ما فيها من إيجابيات شهد بها المراسلون الأجانب قبل العرب، وبكل سلبياتها المحدودة التي كان من الممكن العمل على إزالتها بدلاً من سفك دماء الفقراء والمعوزين واللاجئين. <BR>أحرام على هؤلاء الفقراء المعوزين أن يستمتعوا بالأمن؟! أو لا يكفي الغربيون أن صيروا بلداً كان ثريا بثرواته الحيوانية للحد الذي يعني اسمه في اللغة الصومالية/الصومال: "اذهب واحلب"، بلداً فقيراً مدقعاً تتناوبه المجاعات؟! أما يكفيهم أن يقصروا معاناته على الفقر دون سفك الدماء؟! أم تراهم حولوه كما حولوا كل المفاهيم في العالم إلى اسم "اذهب واقتل"!! <BR><br>