المقاومة التي كسرت أنف الأمريكيين!
18 ذو الحجه 1427

في برنامج من البرامج القليلة التي "لا مفر من بثها"، بثت قناة فوكس نيوز تقريرا عن الجنود الأمريكيين في العراق، بالموازاة مع اعتراف الرئيس نفسه بأنه أخطأ تقدير الحرب الأمريكية على العراق، و بموازاة كل الفوضى التي تحصل داخل البيت الأبيض و التي جعلت الجمهوريين اليوم أمام فوهة المدفع ليس من قبل الإعلام الأمريكي و ليس قبالة أسر الجنود الذين قضوا في العراق و الذين يتهمون بوش الأب و الابن بأنهما سبب مقتل أبنائهم، بل لأن المحافظين الجدد غيروا الوجهة فجأة و بدأ ما يشبه بالعد التنازلي إزاء الحرب نفسها حين تكلم شخص مثل " بايبس" بأن أخطاء الحرب لم تكن لتحدث لولا عدم المنطق الذي اتخذته الحرب نفسها و هي الجملة التي ما كانت ستخرج من فم أكبر مهندسي الحرب الأمريكية على أفغانستان و على العراق، لولا أن الخسارة صارت اليوم شاملة و لكن ليس بالقدر الكافي، لأن دهاء المحافظين الجدد ذهب إلى حد أنهم غيروا الحصان حين اكتشفوا أن بوش لم يعد أكثر من "بغل" لا ينفع ، فصار الرهان اليوم على الديمقراطيين الذين التحق العديد من المحافظين الجدد فجأة بهم (أي بالحزب الديمقراطي) لأجل الهندسة للحرب المضادة ضد الجمهوريين أولا لإسقاط بوش الذي ينعتونه بالفاشل، و لأجل حمل الرئيس الديمقراطي (القادم) إلى الحكم وفق الرؤية الأخرى التي تعني أنه حتى لو انتهت الحرب في العراق فإن المحافظين الجدد لن يغادروا سدة الحكم في الولايات الأمريكية فسواء كان الرئيس جمهوريا أو ديمقراطيا فلن يهم الأمر باعتبار أن الرئيس أساسا سيكون خادما لنفس المهندسين الذين أسسوا اليوم إستراتيجية الكراهية و الحرب و على الإنسان تحت مسميات مكافحة الإرهاب التي صاغت مفردات الحروب و الاحتلال و الاغتيال لكل ما هو قيم و جميل في العالم..<BR>• سوابق بوش التي طفت إلى السطح!<BR><BR>عندما ترشح جورج دابليو بوش الابن للانتخابات الرئاسية في الولايات الأمريكية ظهرت حملة مناهضة له أظهرت من خلالها كل العيوب التي لا تخطر على بال و التي لم تكن مفبركة، بل كانت حقيقية باعتراف المقربين له، و باعتراف جورج بوش الأب الذي لم ينفي عن ابنه العديد من التهم منها تناوله المفرط للخمور والمخدرات في أيام شبابه الأول و الثاني و تجاوزه للعديد من القوانين في مدينة فلوريدا، و تكساس.. لكن الغريب في الأمر أن الذين كانوا يساهمون في نشر تلك الحقائق البشعة هم أنفسهم الذين التحقوا به بعد فوزه بالانتخابات، و كان منهم "إليوت أبراهامس" الذي تحول إلى أحد الرؤوس المفكرة و الشرسة لدعم "الأيديولوجية" الجديدة التي جعلت من الرئيس جورج دابليو بوش المدمن السابق لكل أنواع الخمور واحدا من "الأتقياء و المؤمنين بالرب" إلى درجة أن "الرب" أوصاه بأن يعتني بسكان الأرض، ويخلص المؤمنين الأبرياء فيها من الأشرار الذين سرعان ما أسماهم بال" إرهابيين المسلمين"!! فبعد حوادث أيلول/ سبتمبر 2001، تكلم بشكل مباشر عن الحرب الصليبية التي أدت إلى هذا الانهيار الخطير لكل أنواع الخراب و التي بموجبه صارت الحرب على الإرهاب هي نفسها الحرب على كل المسلمين مهما كانت مستوياتهم أو طريقة نظرتهم للحياة أو للعالم.. <BR>فقد جاء في سبر للرأي لقناة إذاعية أنجيلية في تكساس أن الإرهاب هو الإسلام في نظر أكثر من 5000 مشارك، فيما اكتفى حوالي 1500 بالقول أن القضاء على التطرف الإسلامي سيخلص العالم من شر الإرهاب، بمعنى أن الحرب الصليبية لم تكن مجرد "زلة لسان" باعتبار أن 49% من الأمريكيين الإنجيليين يعتبرون الإسلام محور الشر، ناهيك على أن العديد من الأوروبيين سقطوا في نفس الفخ و صارت الحرب على المسلمين مرادفة للحرب على الإرهاب التي يربطون بينها و بين "السلام" أي القضاء على مسلم يعني الاقتراب من السلام، و لعلها نفسها الحرب الأخرى التي من خلالها نكتشف الحركات غير العادية من الشخصيات التبشيرية في العديد من الدول الإسلامية منها الباكستان و منها أفغانستان و العراق و منها دول شمال إفريقيا و شرق إفريقيا و غيرها. ليس هذا فقط، بل أن الحرب امتدت إلى أبعد من ذلك، امتدت إلى محاربة الإنسان أيضا في عقر داره و في بيته و أسرته و أبنائه و خبزه.<BR><BR>• حرب الرهانات الخاسرة!<BR>بعد أحداث سبتمبر، و بعد أن نالك أمريكا "شرعية" التكالب على العالم، خاضت حربها ضد أفغانستان. كانت الغاية " تحرير الشعب الأفغاني" من ظلمات الطالبان.. لتكشف إحدى الصحف المحلية الأفغانية أن الأفغانيين اليوم أسوأ حالا مما كانوا عليه من قبل، و أن الحرية و الاحتفال بأعياد الميلاد، و إطلاق المفرقعات في الهواء لم تحرر الأفغانيين البسطاء بدليل أن الفقر صار أكبر مما كان عليه من قبل، و أن الشعور بالخوف يطغى على البلاد. لم تصنع المفرقعات الأمريكية شيئا في النهاية سوى مزيد من الدمار لدولة اعتقدت أنها حررتها و أن شعبها سيقابل "الجميل الأميركي" بالزهور، كما ظنوا و هم يدخلون إلى العراق، و هم يدمرون البنية التحتية بحجة أنم ينهون سنوات الظلم ألبعثي التي مارسها الرئيس المخلوع صدام حسين، لكن الحقيقة أنهم صنعوا في العراق مساحة للحرب و الاقتتال الرهيبة و أنهم ظنوا مرة أخرى أن النصر الذي حققوه سيصنع المجد الأمريكي لولا أن المقاومة العراقية الباسلة والشجاعة كسرت أنف الأمريكيين و مرغت وجوههم في الأرض إلى درجة أن اليوم قناة تلفزيونية تابعة للمحافظين الجدد و متواطئة مع الحرب ضد الإنسانية التي خاضتها الولايات الأمريكية إلى الآن، قناة كتلك القناة اعترفت أخيرا أن الحرب كانت خطأ كبيرا، ليس لأن الاستعداد العسكري الأمريكي (بكل التكنولوجيا) كان قليلا، بل لأن المقاومة كانت الأقوى في منطق الإيمان أن الأرض للعراقيين و أن أمريكا اعتدت مرتين، مرة ضد الشعب و مرة ضد مقومات و ثوابت الشعب.<BR><BR>• كذبة البطل الأحادي الخارق!!<BR>قبل سنوات عديدة، لم يكن العالم يعرف الولايات الأمريكية خارج الأفلام السينمائية الهوليودية التي كانت تصنعها لأجل تقديم إلى العالم الصورة الوحيدة للأمريكي البطل. البطل دائما في فيلم غبي تتوفر فيه كل أنواع الحروب، كان يخرج منها البطل الأمريكي منتصرا. لم تكن تلك الأفلام عفوية و لا إبداعية، بل كانت تصوغها المؤسسة العسكرية التي كانت تمول بشكل مباشر كل الأفلام الحربية و الحركية.. حتى الجوائز كانت تنالها أغلب الأفلام الممولة من قبل البنتاجون بالخصوص تلك التي ركزت على حرب الفيتنام ثم على الحرب الباردة، و من ثمة على نهاية القطب الشيوعي السوفييتي.. لم يعد سرا على أحد أن فيم "رامبو" تم تمويله مباشرة من البنتاجون، و تم تقديم كل المساعدات العسكرية لإنجاحه، و هو الفيلم الذي اكتسح العالم و رسخ في ذهنية الشباب بالخصوص الصورة الأمريكية التي أرادت الإدارة الأمريكية أن ترسمها في ذهنية الشباب في كل العالم، أي صورة الأمريكي المحارب القوي الذي إن دخل إلى معركة فلينتصر فيها. الأمريكي الذي يحمل السلام للعالم، و الذي يحارب الأشرار لأجل إعادة البسمة إلى شفاه البؤساء... الصورة نفسها التي جعلت العديد من الشباب يحلم بالهجرة إلى الولايات الأمريكية، بلد الخير و الحرية و الحب والعطاء و الدفاع عن الحقوق المدنية و الإنسانية !! حين انتهى الخطر السوفييتي على الأمريكيين، كان لا بد من البحث عن عدو لأجل محاربته في الأفلام التي كانت تصنعها المؤسسة العسكرية دائما، و لهذا لم يكن عفويا و لا بريئا أن أغلب الأفلام التي صنعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت موجهة إلى حرب أخرى و في البلاد العربية.. و كانت ثمة صناعة أكيدة لأعداء آخرين يجب أن يظهروا إلى السطح في نفس الذهنية الأمريكية لأجل محاربتهم ولأجل الحصول على الدعم المالي الكافي لمحاربتهم و الحصول على الضوء الأخضر من الشعب لأجل محاربتهم أيضا.. بيد أن محاربتهم يعني الدخول إلى الحرب ضدهم و ملاحقتهم حيثما كانوا، حتى لو كانوا في بلدانهم و في بيوتهم، و لأن الداخل إلى الحرب هو الأمريكي البطل الذي لا يقهر، فكان الاعتقاد أن الحرب الحقيقية في أفغانستان ستنتهي إلى ما ينتهي إليه فيلم هوليودي مكرر، أي النصر و النصر التام.. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك، حتى و الإدارة الأمريكية في أفغانستان تحاول التقليل من تحركات المقاومة الأفغانية، و تحاول التقليل من الخسائر الكبيرة التي تتلقاها من المقاومة الأفغانية.. <BR><BR>ثم دخلت الإدارة الأمريكية إلى الحرب في العراق. كان المطلب الأساسي بالإضافة إلى الاستيلاء على النفط العراقي و على الخيرات العراقية، و بالإضافة إلى وضع اليد على دولة إستراتيجية خطيرة في المنطقة، فقد كان البعد الآخر هو حماية ظهر إسرائيل أيضا، و لهذا لم يكن غريبا أن يتدخل الموساد الإسرائيلي إلى جانب الأمريكيين في مدهم بيد العون للقضاء أولا على العلماء، و ثانيا على كل الكتاب و الإعلاميين الذي كانوا ضد الاحتلال الأمريكي و كانوا يصفونه باسمه الحقيقي أي بأنه احتلال إنجيلي همجي ضد العراق و ضد ثواب العراق.. كانت الضربة الأولى التي خلقتها المقاومة العراقية حتى قبل سقوط بغداد، حين أخلطت الأوراق الأمريكية، ففي الوقت الذي راهن فيه دونالد رامسفيلد على مسألة ساعات، صار الأمر كارثة بالنسبة للأمريكيين لولا الخيانة المعروفة لجنرالات عراقيين باعوا العراق بحفنة من الدولارات و بحق اللجوء السياسي إلى الخارج، بعد أن ساقوا الجنود العراقيين البسطاء إلى ما سمي بعدها بمجزرة الجسر التي قتل فيها عشرات الجنود العراقيين جراء خيانة مورست ضدهم، وساهمت في دخول الدبابات إلى قلب بغداد.. لكن المقاومة العراقية لم تكن لتدافع عن شخص بل كانت تدافع عن أرض بدليل أنها استمرت إلى يومنا و خلقت الكثير من المشاكل للأمريكيين والبريطانيين و الحلفاء الذين اعترفوا أخيرا أنهم ارتكبوا خطأ كبيرا و أن الحرب على العراق كانت خطأ العمر وهو الشيء الذي أسقط العديد من الرؤوس بمن فيهم دونالد رامسفيلد و غيره. <BR>خطأ الأمريكيين أنهم يعتقدون أن المقاومة تنطلق من حب الشخص، وليس عن حب الأرض و العرض و الدين، يربطون المقاومة مثلا بأشخاص و قدر ربطوها بأبي مصعب الزرقاوي و كأن القضاء عليه سيقضي على المقاومة أساسا و هو الخطأ الفادح الذي ما زالت ترتكبه إلى الآن، ليس في العراق بل و في أفغانستان و في كل العالم أيضا. لم يعرف الغرب أن القتال لن يجدي لأجل الأشخاص، أو لأجل سلطات آنية، بل أن القتال هو هذه المقاومة التي كلما سقط الشهداء فيها أنبتت الأرض المزيد منهم لأجل نفس القضية، و لأجل نفس الأرض و لأجل نفس العرض و نفس الهدف الذي أعطاه الأمريكيون لأنفسهم كحق أحادي لاحتلال العالم لأجله، و يمنعون المقاومة منه أي : حق البقاء و حق الحياة و حق قول "لا" أمام كل أنواع الاغتصاب التي تحدث. و إن اعترف قادة الحرب في أمريكا أنهم خسروا فلأنهم خسروا فعلا و لأنهم سيخسرون أيضا ما تبقى من حروبهم الفاضحة ضد العالم، فلن يموت حق وراءه مقاومة لأن قتلانا شهداء، و قتلاهم مجرمي حرب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من فلسفة صاغتها أمريكا و انقلبت عليها كما ينقلب السحر على الساحر. و إن غد لناظره قريب!<br>