بعد الحكم..صدام وأوجلان: مصير واحد وأداء مختلف
14 شوال 1427

<BR>[email protected]<BR>طلب (المندوب السامي الأمريكي) خليل زاده قبل أيام من الحكومة العراقية تحديد موعد لإنهاء نشاطات المقاومة، <BR>وإيقاف نزيف الدم الأمريكي في العراق، لكنه ـ للأمانة ـ لم يقرنها بموعد انتخابات الرئاسية الأمريكية بعد عامين! <BR>على أية حال، فقد تم للإدارة الأمريكية الجمهورية مراداً ثميناً ـ في ظنها ـ بالحكم على (الرئيس العراقي) صدام حسين بالإعدام شنقاً قبل يومين اثنين من توجه الناخبين الأمريكيين لمراكز الاقتراع للتجديد النصفي للكونجرس، وهو ما يتوقع أن يكون له بعض الأثر فيما يخص تلك الانتخابات. <BR>ومسألة الربط بين الحكم على الرئيس العراقي والانتخابات الأمريكية هي تهمة ينأى عنها البيت الأبيض والنظام العراقي، مع أن كلاهما لا يكاد يجد مبرراً لهذا التزمن المريب، وقد كان طبيعياً ألا تحشر المحكمة الاستثنائية نفسها في زاوية التناغم مع رغبة حزب أمريكي في التشبث بالورقة الصدامية في معركة الانتخابية النيابية، لكنها فضلت أن تقف في مكان يلقي عليها أعباء ينوء بحملها القضاء النزيه، كما أن الحكومة العراقية لم تستطع تسويق تشديد قبضتها الأمنية سوى على أنه جاء للحد من "فرحة" العراقيين بالحكم (الذي من المفروض أنها لم تكن تعرفه!)، بيد أننا لا نكاد نفهم من هذا كله، لماذا تستكثر الحكومة العراقية مظاهر الفرح في يوم عيد لهم، بوسعه أن يخرجهم من ديمومة الأحزان التي لم تعطهم هدنة في يوم من الأيام، إن كان هذا حقيقة ما يعتقده النظام العراقي؟! <BR>الآن من حق العراقيين أن يفرحوا وينزلوا إلى الشوارع منتشين بالحكم الأمريكي العادل ممتنين لرجاله الذين أصدروه، فلماذا في هذه اللحظة التاريخية تقتل الحكومة العراقية فرحتهم؟!! <BR>ولماذا تضرب في مدنهم وقراهم حظر التجوال إن كان هذا هو ما يبهج بلاد الرافدين؟! وهل تراهم أهالي المحافظات "الوسطية" هم أكثر "تطرفاً" في فرحهم من الجنوبيين أو الشماليين، وأقل منهم تحضراً حتى يحرموا من مشاركة إخوانهم فرحتهم بذهاب اللون الأحمر من خريطة العراق مع الحكم بإعدام صدام؟! <BR>إنها في الحقيقة أحجية لا تحلها إلا كلمات أقل دبلوماسية من تلك، تتعلق برغبة الحكومة العراقية اليمينية التي تحالف نظيرتها الأمريكية اليمينية أيضاً في عدم تكدير أجواء الانتخابات الأمريكية بأي عمليات مقاومة فوق العادة في المثلث السني فاختارته لتشديد قبضتها عليه في وقت لا يريد فيها المحافظون الجدد الأمريكيون بالتسليم بهزيمتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والقانونية في العراق. <BR>ولكي نقترب أكثر من الحقيقة، لنذهب إلى اليومين الأخيرين من الانتخابات الإسبانية الرئاسية الأخيرة التي أطاحت بحليف الولايات المتحدة الأمريكية أثنار وأحلت ثاباتيرو بدلاً منه بعد أن قلبت عملية قطارات مدريد الطاولة في وجه اليمينيين الإسبان، وبدا أن اللهاث الإسباني خلف العام سام لم يجلب للبلاد إلا الدخول في حزام "الإرهاب" من دون أن يمنح الإسبان أيا من مزايا هذه الشراكة، أو لنعود بالذاكرة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة التي أطل قبل ساعات من إجرائها زعيم القاعدة فدخل من باب واسع في مساجلة ترجيحية أخيرة بين المرشحين الرئاسيين بوش وكيري، وإذا كانت الذاكرة عيية فلا أقرب من إجابة الرئيس الأمريكي على سؤال في مؤتمر صحفي الأسبوع قبل الماضي في واشنطن حول ما إذا كان العراق يعد المحور الأهم في المعركة الانتخابية، والتي انحرف الرئيس معها بالإجابة إلى تحقيق الأمن بصفة عامة لا العراق (كنقطة ضعف كبيرة لإدارته)، لكنه لما عجز عن وقف الانتقادات الديمقراطية في الأيام الأخيرة ارتأى العودة إلى العراق ولكن من بوابة قفص صدام حسين. هذا القفص الذي بدا أنه ورقة قدر الرئيس الأمريكي أهميتها وسعى إلى توظيفها كورقة جوكر تلقى في اللحظة الأخيرة. <BR>وإن جاز لنا أن نحترم عقل الشعب الأمريكي؛ فإننا سنضعه الآن بين خيارين، أحدهما هو أن حكماً كهذا صدر مؤقتاً ومبرمجاً على النحو الذي رأينا، من شأنه أن يضعف ثقة الناخب الأمريكي في رئيسه لا أن يقويها، فالحكم قد صدر مرتجلاً من جهة، يفتقد إلى أبسط معايير العدالة، كما أنه قد خرج في توقيت مريب يهدف إلى التأثير على نتائج الانتخابات بما لا يمكن تفسيره سوى أنه يستخف بعقل الشعب الأمريكي وقدرته على التمييز. <BR>أما الخيار الآخر، فهو يخص التركيبة النفسية للشعب الأمريكي، وهو أن عدم التفاته لكل الحيثيات السابقة واهتمامه فقط بالحكم لا بمبرراته وتحقيق مبدأ المحاكمة العادلة، ومن ثم اعتباره هذا إنجازاً يستأهل أن يطوق رأس نظامه الأمريكي بالورود، ليس له إلا معنى التعصب الأعمى المفعم بثقافة الكاوبوي وإدارة المسدس حول زناد المسدس وأصبع القتل، دونما اكتراث بالمآل القيمي لـ"الحضارة" الغربية، ومن ثم فهو من ثم حكم بالإعدام على قيادة الولايات المتحدة للعالم.. وهذا كله إذا ما نحن احترمنا هذا الوجدان الأمريكي، واعتبرنا الأمريكيين شعباً قد نال أخيراً حريته من ربقة الميديا الأمريكية، وامتعض من طرد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ومحامي صدام من المحاكمة على نحو يجرح الشعور الوطني الأمريكي..<BR>الحاصل أن النطق بالحكم الآن لم يكن بريئاً من ملابسات انتخابية أمريكية، وهو جاء في الحقيقة ليعبر عن المأزق أمريكي في العراق لا ليهل التراب عليه، فثمة أكثر من دافع للاعتقاد بحرج الإدارة الأمريكية وهي تواجه ناخباً أمريكياً معنياً بفاتورة الحرب الأمريكية على العراق على الأقل من الناحية الاقتصادية، وبشرى الرئيس الأمريكي لشعبه بالحكم على الصدام أو التخلص منه ستدحضها إحصاءات تقدر عدد القتلى في العراق بنحو 665 ألفاً من العراقيين ونحو 15 ألفاً من الأمريكيين قضوا من أجل تحقيق هدف قتل صدام دون محاكمة أو بمحاكمة شكلية، فيما تراجعت كل مكتسبات ومبررات الحرب الأخرى أو تلاشت، في حين كان يمكن للاستخبارات الأمريكية أن تحقق مثل هذا الهدف دون هذه الكلفة الباهظة.<BR> كما وأن الاحتفاء بالحكم على الرئيس العراقي بالإعدام على نحو يرى المراقبون الأمريكيون أنه مؤثر على الانتخابات الأمريكية يعطي للرجل زخماً إضافياً يبقيه رقماً صعباً في المعادلة العراقية المتذبذبة، وبالعكس ينتقص من "إنجاز" الأمريكيين المذعورين من ردة الفعل الشعبية، وإن ظلت حبيسة مناطق معينة شاسعة لم تمسها حظوظ الديمقراطية الأمريكية في العراق!! <BR>وعطفاً على ذلك، يكمن حرج الأمريكيين من ثبات الرئيس العراقي صدام حسين سواء عند الاستماع للحكم الصادر بحقه أو أثناء المحاكمة في أن من شأن ذلك أن يزيد من صعوبة التعامل معه مستقبلاً، فقد حشر الأمريكيون في زاوية شديدة الضيق، لا في الداخل الأمريكي بشكل مباشر، وإنما في الخارج العراقي أو في المحيط الأوسع العربي، الذي قد ينظر إليه حال إعدامه كـ"شهيد"، وفي حال الانتظار كمناضل قوي الشكيمة والمراس. <BR>وإذا ما نظرنا إلى حال العديد من الشخصيات ذات التأثير خارج السجون في العالم، عادة ما نجد سجانيها متريثين في تنفيذ حكم الإعدام ضدها إن كان صادراً بحقها، لعدم خسرانها ورقة قد تحتاج إليها تفاوضياً مع مناصري تلك الشخصيات، ولذا نجد كثيرين محكومين بالإعدام في العالم من دون أن يتم تنفيذ الحكم لسنوات كمثل الزعيم الكردي التركي عبد الله أوجلان، وليس صدام حسين ببدعٍ من هؤلاء، لكنه وهو يشاركهم المصير ربما يخالفهم في الميديا التي صاحبت آخر لحظات ظهره أمام العالم، فالزعيم الكردي الشهير على سبيل المثال لم تخطئ النظرات دموعه وتوسلاته لخاطفيه ومحاكميه بالإفراج عنه بعد الحكم عليه بالإعدام، وخلع معظم قناعاته الثورية على أبواب السجن وانقض على فكرة الثورة المسلحة في أول أيام سجنه، ودفع حزبه لتقديم التنازلات تترا من أجل الإفراج عنه، حتى أعلن حزبه (حزب العمال الكردستاني) وقف إطلاق النار من جانب واحد مع الحكومة التركية، ومع ذلك يظل الشعب الكردستاني حتى هذه اللحظة يذكر نضاله معه ـ مهما اتفقنا مع هذا النضال أو اختلفنا ـ وهو الآن يجمع له 3 ملايين توقيع من أجل الإفراج عنه، أما صدام حسين فهو رغم تشابه المصير، لم يقدم أي من تلك التنازلات ولم يعط لجلاديه فرصة إحراجه أمام أنصاره، ووقف يستقبل حكم الإعدام على نحو يغيظ البيت الأبيض والحزب الجمهوري والنظام العراقي والمحكمة ذاتها، فيما فريق من المقاومة العراقية يصعد هجماته أملاً في توجيه صفعة شافية للبيت الأبيض في يوم احتفاله، فأي غد ينتظر المحاكمون؟! <BR> <BR><BR><br>