النفاق الفرنسي و دودة الأرض !
9 شوال 1427

ما حدث في فرنسا في الأيام الماضية يثير الكثير من الدهشة والاستغراب و الجدل أيضا، و إن كنا نعي جيدا أن ما من دولة استفادت من أخطاء بقية الدول مثلما استفادت فرنسا الكولونيالية التي لم تستطع إلى يومنا هذا التعايش مع الآخرين خارج نفس الفكر الكولونيالي الذي يعده "اليمينيون الفرنسيون" ثورة بعينها يمكن أن تمنح التغيير و السعادة و "السيادة" للآخرين، بيد أن البرلمان الفرنسي نفسه اعتبر أن ثقافة الاحتلال و الغزو التي مارستهما فرنسا منذ القرون الوسطى إلى يومنا هذا ما هي سوى ثورات ايجابية لأن فرنسا منحت الرقي للدول التي احتلتها، و هو ذاته الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي بعبارة تمجيد الاحتلال و هو البند الذي أثار جدالا كبيرا في الجزائر التي احتلتها فرنسا أكثر من 130 سنة. ذلك البند الغريب أعطي "دستوريا" الاحتلال الفرنسي للعديد من دول العالم في إفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا، مشروعيته في نظر الكلونياليين الجدد الذين يتكلمون اليوم و بشكل مفاجئ عن الحق في معرفة الحقيقة و عن حرية الإنسان و الحق في معاقبة الجاني ! لقد فتحت فرنسا في الأيام الماضية على نفسها باب جهنم، لأنها أعطت لنفسها حق الحديث عن حرية القرار بالنسبة للآخرين و و تكلمت عن الواجب و عن الحرية و عن الحقيقة و هي عبارات رماها الفرنسيون على سقف البيت التركي، متناسيين أن السقف الفرنسي أساسا من الزجاج الهش، لا تكسره الحجارة فقط، بل تكسره الكلمات أيضا !<BR><font color="#0000FF"> تكنوقراطية النفاق ! </font> <BR>قبل عامين، خرج البرلمان الفرنسي الذي يسيره ما يسمى باليمين المتطرف الفرنسي، بالإضافة إلى التسيير غير المباشر من "المواليين للمحافظين الجدد و هم من يهود فرنسا أساسا) ، خرج إلى الناس بمعجزة مفادها أن تركيا ارتكبت مجازر ضد الأرمن في بداية القرن الماضي، صحيح أن ذلك التقرير أحرج الأتراك كثيرا لأنهم يحلمون بالدخول إلى البيت الأوروبي من باب أل"تضحيات" الجسيمة التي يمارسونها ضد إسلامهم لأجل أن يكونوا أوروبيين أكثر من الأوروبيين أنفسهم، فتركيا تمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية، و هي نفسها تركيا التي طردت عضو برلمان محجبة حين رفضت أن تنزع خمارها عن رأسها داخل قبة البرلمان و الحال أن رئيس البرلمان أمر شخصيا بطردها خارج القاعة بأسلوب غير حضاري و لا مهذب و لا علاقة له بأبسط أسس "الديمقراطية" التي يطالب الغرب أن تكون سائدة في دول "العالم الثالث" مثل تركيا. تركيا نفسها التي تتحكم فيها المؤسسة العسكرية الرافضة لما يسميه الأتراك بالإسلام السياسي، و بالتالي لم تتورع في ارتكاب الفظائع لإرهاب الحركات الإسلامية و حتى المدنية هناك، بمن فيها المؤسسات الخيرية المتهمة مسبقا بالإرهاب، كل هذا لأجل أن ترضى أوربا على تركيا و على محاولات تركيا التعايش مع الأوروبيين أكثر من قدرتها على التعايش مع المسلمين و هو نفسه التعبير الذي لحمت له رئيسة الوزراء التركية السابقة حين حطت في إسرائيل أيام المجرم شارون لأجل أن تكسب الود الأمريكي المطلق عبر البوابة اليهودية و مع ذلك لم تتورع الصحف الإسرائيلية و الوزيرة التركية و هي بعد تحت سماء تل أبيت من انتقاد السياسة التركية و من توجيه أبشع المصطلحات ضد "الإسلام التركي" المناهض للصهيونية. كانت تلك المقالات التي تسارعت بمناسبة تلك الزيارة بمثابة الصورة الأخيرة العاكسة للرأي الصهيوني إزاء تركيا التي وجدت نفسها اليوم تحت المساومة المطلقة ليس بهدف الدخول إلى البيت الأوروبي الذي يعشش فيه الفساد الإداري و المالي، بل لإفراغ البلد من كل مظاهر الإسلام، و لحمل الأتراك ليس على الدخول إلى الثقافة الأوروبية كثقافة بل كسلوك بكل ما تعنيه الكلمة من تغريب يعتبره الأوروبيون شرعيا لأجل الحوافز التي يتكلم عنها "خافير سولانا" و التي تعني دعم الاقتصاد التركي و لكن... بشروط ! لقد استوعب الأتراك أن الدخول إلى البيت الأوربي لن يكون سهلا، بالخصوص هؤلاء البسطاء الذين يعيشون تحت أحذية الجنرالات القادرين على الذهاب إلى أبعد حالات القمع لتحقيق التوازن بين ما يريده الغرب و ما تريده أمريكا التي تبقى الحليف الكبيرة لتركيا، بالخصوص بعد الدعم اللوجستيكي التي قدمته هذه الأخيرة في الحرب الأمريكية على العراق، و قد ذكرت صحف فرنسية أن الدعم وصل إلى حد فتح الحدود التركية لتسرب عملاء من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على حد سوء إلى داخل العراق قبل أشهر من الخطاب الذي وجهه الرئيس الأمريكي بوش لصدام حسين بمنحه مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق ! تركيا التي وقفت إلى جانب الحلف الأطلسي في حروبه الأخيرة بالخصوص كانت تسعى إلى الحصول على "حقها من تلك الغنائم" و هو الحق الذي استكثره الجميع عليها لأنها "مسلمة" مسبقا في نظر أولئك الذين طلبوا منها أن تنزع جلدها لأجلهم، و لأن ثمة دولة أخرى تعادي تركيا معاداة صريحة اسمها: فرنسا ! ففرنسا التي وقفت ضد الحرب على العراق لم تفعل ذلك لسواد عيون العراقيين أو العرب و ليس لأنها حضارية و تدافع عن الحقوق المدنية و الإنسانية كما قيل وقتها، بل لأن حصتها من الحرب لم تكن كافية، بالخصوص بعد أن أبدت الإدارة الأمريكية تعنتها و طمعها الزائد للنفط العراقي تاركة " المراحيض" لتستثمر فيها فرنسا و دول التحالف الأخرى و هي العبارة نفسها التي نشرتها الصحف الفرنسية بعد سنة من احتلال العراق لتقول أن رفض فرنسا للحرب كان عملا جيدا باعتبار أن فيتنام العراق انفجر في وجه الأمريكيين وحدهم ! لكن الواقع الأصعب أن تركيا لم تحصل على شيء، و لا حتى على مراحيض الاتحاد الأوروبي، فقد اعترضت دولة مثل السويد علانية على انضمام تركيا للاتحاد و لحقت بها الدنمرك التي اعتبرت أن تركيا دولة اسلامية لن تستطيع التعايش مع المتطلبات الأوربية و هي عبارة تعني أن "تركيا متخلفة لأنها دولة مسلمة" ! بيد أن تركيا ظلت تحاول التعامل مع تلك التهم بمزيد من التراجع عن ثوابتها، سياسيا و ليس شعبيا، باعتبار أن الشعب في استطلاع للرأي داخل تركيا أثبت أن 80% منهم لا يهمهم الاتحاد الأوروبي في شيء، و الذين لم يشاركوا في الاستطلاع اكتفوا بالقول أن الموضوع لا يعنيهم، و هي إشارة أن الحكومة التركية بنت مشاريعها على الفراغ، و أن النتيجة المرة أضيفت إليها الصدمة الفرنسية الأخيرة حين اعتبر البرلمان الفرنسي أن تركيا في بداية القرن الماضي ارتكبت مجازر شنيعة ضد الأرمن و أن هذا التاريخ الأسود لا يبيح للأتراك الدخول إلى بيت يضم الدول المتحضرة ذات التاريخ الأبيض كالتاريخ الفرنسي !!!<BR><font color="#0000FF"> من بيته من زجاج ! </font><BR>ربما لو جاءت الإدانة البرلمانية ضد تركيا من دولة أخرى لكان ثمة ما يضاف إليها كتعليق صغير، و لكن أن تأتي من فرنسا فهي السخرية التي ما بعدها سخرية، لأن فرنسا من المنظور الإنساني و السياسي و الحربي و التاريخي تبقى آخر دولة يحق لها أن تفتح فمها فيما يخص حقوق الإنسان و الإبادات الجماعية ضد المدنيين البسطاء العزل. لقد كانت السخرية الفرنسية مزمنة، و متتالية و لأنها كذلك فق بدت على شكل كاريكاتير نجحت الصحف البريطانية في رسمه ضد الفرنسيين حين وصفوا فيه الرئيس الفرنسي كدودة أرض، و هذه حقيقة يعرفها الفرنسيون الذين شنوا حملات إعلامية شرسة ضد الإنجليز وقتها، و لكن الحقيقة أن فرنسا بحد ذاتها تظل بالنسبة للجزائريين مجزرة متحركة. فقد احتلت فرنسا الجزائر طوال 130 سنة، و مارست أبشع أنواع الهدم و التقتيل. فرنسا التي تتكلم ملء الفم عن " شرف الدفاع عن التاريخ" هي التي ارتكبت مجازرها الأبشع ضد الجزائريين في مدن سطيف و قالمة خراطة، و هي التي ما تزال الصور التوثيقية موجودة إلى يومنا عما ارتكبته ضد المدنيين العزل من اغتيالات و اغتصاب ضد النساء و ضد الأطفال. فرنسا التي قتلت أكثر من مليون و نصف مليون جزائري تعتبر ما فعلته في الجزائر" شرف الاحتلال" و نوع من أنواع توزيع الثقافة الفرنسية الهادفة (!) على الآخرين كما جاء في تصريح أحد المجرمين الفرنسيين الذين طالب الدول التي احتلتها فرنسا بان تشكر الفرنسيين لأنهم علموها أصول الحضارة و الرقي ! فرنسا التي عاثت في الأرض فسادا في إفريقيا و في الشرق الأوسط (لبنان و سورية ) و في الهند الصينية تتكلم عن إدانة الأتراك و عن ضرورة معاقبتهم بحرمانهم من الدخول إلى البيت الأوربي و هو لعمري قمة النفاق الذي ما بعده نفاق. و لهذا يحق لنا القول أن على الجزائريين أن يعيدوا فتح ملف الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي يحاول بعض الخونة و مجرمي الحرب داخل الجزائر من غلقه أو تجاوزه بالحديث عن أشياء و بدائل أخرى أكثر نفاقا و تهربا من الحقيقة. من حق الجزائريين أن يرفعوا ضد فرنسا قضايا أخلاقية و سياسية و فكرية و اقتصادية في المحاكم الدولية لاستعادة حقوقهم و كرامتهم كما تفعل فرنسا ضد الأتراك مثلا، و من حق الجزائريين أن يدينوا الاحتلال الفرنسي للجزائر بالصوت و الصورة، ما دام الحق في الحقيقة جزء من الثقافة التي تحاكي بها فرنسا تركيا التي نحمد الله أن شعبها يظل رافضا لهذا النوع من الإذلال و متشبثا بدينه الذي تكلمت عنه قناة فوكس نيوز الموالية للصهاينة قائلة أن تغيير تركيا شيء و تغيير شعب متمسك بدينه شيء آخر !<BR><BR><br>