هل تصلح أمريكا لقيادة العالم ؟
11 رمضان 1427

مع انهيار الشيوعية ، وانفراد أمريكا بالقوة العسكرية في العالم ، طرحت أمريكا نفسها كقيادة للعالم ، واعتبرت أن هذه هي فرصتها ، وانه يجب أن يكون القرن الواحد والعشرون قرنا أمريكيا ، وأمريكا لم تقدم نفسها كقيادة عسكرية للعالم فقط ، بل تريد أن تقدم نفسها كقيادة سياسية واقتصادية بل وقيميه وحضارية للعالم ، أو بكلمة أخرى تريد الهيمنة على العالم في كل شيء بدءًا من النفوذ العسكري ومرورًا بالنفوذ الاقتصادي والسياسي وانتهاء بالنفوذ الثقافي . <BR>وأمريكا التي تريد الانفراد بالقيادة في العالم الجديد أو النظام العالم ي الجديد كما يحلو لها أن تسميه لابد أن تستخدم في هذا الصدد "الجزرة والعصا" ، فهي ترسم لنفسها صورة وردية ويرسم لها المؤيدون أو التابعون أو المأجورون صورة زاهية وقيما رفيعة ، فهي ذات مسؤولية عالمية ، ومدافعة عن الحرية ، وتريد عالمًا بلا حروب ، وتريد مساعدة العالم كله على الرخاء والحرية . <BR>وبالطبع تقدم قيمها السياسية كما لو كانت أفضل القيم ، فالتاريخ قد انتهى وأثبت صحة اقتصاد السوق ، والليبرالية الرأسمالية ، والنزعة الفردية وهكذا . <BR>ومن ناحية أخرى فإنها تلوح بالعصا الغليظة لمن لا يريد الخضوع لهذا النظام العالم ي الجديد أو الهيمنة الأمريكية وتهدد بأنها سوف تضرب بقسوة كل من يتحدى جبروتها سواء كان من الأعداء أو الأصدقاء على حد سواء ( [1] ) يقول بريجنسكي : <BR>" إن أفول نجم الاتحاد السوفيتي معناه تفرد الولايات المتحدة بمركز الدولة العظمى ذات المسئولية العالمية " . <BR>ويشرح نيكسون في كتابه الهام : " انتهزوا هذه الفرصة " ملامح تلك القيادة الأمريكية مقدما لها صورة وردية بالطبع . <BR>يقول نيكسون : <BR>سيعلم الجميع انه بدون الولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون هناك سلام أو حرية في العالم أجمع سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل" . <BR>" يجب أن نضطلع بدور أساسي في قيادة العالم لكي نجعله في وضع أفضل مما هو عليه الآن ، وليس لمجرد المحافظة على وضعه كما هو ، يجب أن نعيد الثقة في عقيدتنا ، وفي مثلنا ، وفي قدرنا ، وفي أنفسنا ، نحن موجودون لنصنع التاريخ ، ونفتح آفاقـًا جديدة للمستقبل " . <BR>" ليس هناك مكان أروع إثارة يمكن أن تعيش فيه ولا أرقى منه إلا أمريكا ، لقد ظل الناس على مدى قرون طويلة يحلمون بالسلام والحرية والتقدم في العالم أجمع ، ولم نكن في يوم من الأيام أقرب إلى تحقيق هذه الآمال من يومنا هذا " . <BR>" إن علينا حمل عبء قيادة العالم ، لأننا شعب عريق ، لقد عشنا في حقبة من الزمن لم يتيسر لشعب آخر أن يعيش فيها ، وله ما لنا من مميزات ولن يتيسر لخيرنا في المستقبل – على الأرجح – أن يمر بها ، علينا أن ننتهز الفرصة ليس فقط لأنفسنا ولكن أيضـًا لغيرنا " . <BR>" تمثل أمريكا ثلاث قيم لها أهمية كبرى هي : <BR>الحرية ، الفرصة المتاحة ، احترام الإنسان لذاته " . <BR>" إن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تقوم بدور القيادة في العالم وعلى العالم أن يتبع خطانا " . <BR>" لا تستطيع أي دولة سوى الولايات المتحدة أن تقوم بدور القيادة في العالم ، ربما تستطيع إحدى الدول أن تحل محلنا من الناحية العسكرية .. وقد يصل البعض إلى ما وصلنا إليه اقتصاديـًا ، ولكن ليس هناك إلا الولايات المتحدة التي تملك القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لتقود العالم في طريق الحرية ، ومقاومة الاعتداء والأهم من ذلك أن تأثيرنا لا ينبع فقط من القوة العسكرية والاقتصادية ولكن ينبع أيضـًا من الإعجاب بمبادئنا ومثلنا ، ونحن البلد الوحيد في العالم الذي رفع اسمه بقوة مبادئه وليس بقوة سلاحه " <BR>إذن أمريكا تقدم نفسها للعالم ولكن أيضـًا لأنها تحمل قيما عظيمة ، وينبغي على العالم أجمع أن يدخل في هذه القيم وأن يتخلى الجميع عن قيمهم الحضارية الذاتية ، وأن يخضع وهو سعيد لقيادة أمريكا ، وإلا فإن من يرفض أو يعارض أو حتى يتململ فإن الويل والثبور وعظائم الأمور من نصيبه . <BR>وفي الحقيقية فإن هذه الصورة الوردية التي تروجها أمريكا ويروجها مؤيدوها صورة منافقة وكاذبة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية ، فلا هي دولة صاحبة قيم عظيمة ولا ممارسات عظيمة ولا هي دولة بهذه القوة التي يتحدثون عنها . <BR>والصورة الحقيقية لأمريكا ، تقول إن أمريكا ذاتها نشأت من خلال جريمة كبرى وهي إبادة شعب " الهنود الحمر " واستلاب أرضه والعيش فيها رغم أنفه وعلى حسابه " أباد المهاجرون الأمريكيون أكثر من مئة مليون من الهنود الحمر وهو رقم كبير بحساب وقت تنفيذه ... أي أن كل مهاجر أباد أربعة من الهنود الحمر وبالتالي فقد عاش على جماجم أربعة من البشر " . <BR>وهؤلاء الذين أنشؤوا أمريكا أو سلبوها من أهلها كانوا من حثالات المهاجرين والمغامرين والأفاكين الأوروبيين ، وهؤلاء بدورهم أبادوا الهنود الحمر ، ثم استقدموا الرقيق الأفريقي ليسخروه في بناء أمريكا ، أي أن أمريكا قامت على النهب والإبادة والعنصرية ، والتفرقة العنصرية التي عاشت أمريكا فترة طويلة من تاريخها القصير تمارسها بصورة رسمية ما تزال موجودة ومتغلغلة في الوجدان الأمريكي وما تزال آثارها ملموسة حتى الآن في كل مكان بأمريكا ، فأي عالم إذن يمكن أن نتوقعه تحت قيادة أمة نشأت على النهب والإبادة والعنصرية ؟ !!<BR>إن الأمة الأمريكية تمثل كل القيم البشعة للحضارة الغربية ، تلك الحضارة التي قامت على نهب الشعوب واسترقاقها وأذاقت كل البشرية الويلات خلال مدة الاستعمار ولا تزال ، وما دامت الأمة الأمريكية جزءًا من الحضارة الغربية فهي تمتلك كل مقوماتها الحضارية وهي العنف والقهر والنهب والعنصرية ، بل انه يمكن القول : إن الأمة الأمريكية هي أسوأ التطورات في الحضارة الغربية لأنها نشأت من حثالة البشر في تلك الحضارة الغربية ولأنها نشأت من خلال جريمة " إبادة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين" . <BR>إن سجل الجرائم الأمريكية مكتظ ومفعم ، فأمريكا التي تدعي أنها رفعت اسمها من خلال المبادئ ، وليس من خلال القوة هي نفسها التي قامت بهذه المجموعة الكبيرة من الجرائم وهي كالتالي : <BR>• إبادة شعب أمريكا الأصلي " الهنود الحمر " . <BR>• استرقاق السود وتسخيرهم في بناء أمريكا . <BR>• غزو نيكاراجوا سنة 1883 . <BR>• الهجوم على بيرو 1835 . <BR>• اقتطاع أرض مكسيكية هي ولاية تكساس حاليًا ( من سنة 1846 – 1848) بالإضافة إلى كاليفورنيا ونيومكسيكو . <BR>• تدمير ميناء جراي تاون في نيكاراجوا – غزو أروجواي – غزو قناة بنما (1854) . <BR>• غزو كل من نيكاراجوا ، كولومبيا عدة مرات منذ 1857 – 1899 . <BR>• التدخل في هايبتي 1888 . <BR>• التدخل في تشيلي 1891 . <BR>• غزو كوبا واقتطاع قاعدة بحرية في خليج جوانتا نامو (1898 – 1901) . <BR>• غزو كولومبيا 1901 – 1902 . <BR>• غزو هندوراس 1902 . <BR>• التدخل في كوبا 1906 . <BR>• الاستيلاء على ست مدن في هندوراس 1907 . <BR>• سرقة البنك المركزي في هايبتي عن طريق إنزال المارينز الأمريكيين في هايبتي سنة 1914 . <BR>• قصف فيركروز 1914 . <BR>• دخول هايبتي مرة أخرى 1915 . <BR>• دخول المكسيك 1916 وفي نفس العام دخلت القوات الأمريكية الدومنيكان وسيطرت عليها بحكومة عسكرية حتى 1924 . <BR>• التدخل في السلفادور سنة 1932 . <BR>• الإطاحة بحكومة جواتيمالا 1954 . <BR>• عملية خليج الخنازير في كوبا 1961 . <BR>• حصار كوبا جوا وبحرا 1962 . <BR>• التدخل العسكري في فيتنام وكوريا لمدة طويلة وكذلك كمبوديا ولاوس وتايلاند . <BR>• مساعدة المخابرات الأمريكية في قتل جيفارا في بوليفيا 1967 . <BR>• عملية غزو بنما وجرينادا والتدخل في السلفادور (1983 – 1990) . <BR>أما ما خص العرب منها : <BR>• دعم قيام إسرائيل والاعتراف بها 1948 ، ثم تقديم عشرات المليارات إلى إسرائيل لدعمها فضلاً عن السلاح والمعلومات الاستخبارية وغيرها حتى اليوم . <BR>• التدخل العسكري في لبنان 1983 . <BR>• ضرب ليبيا 1986 . <BR>• اختطاف الطائرة المصرية إبان حادثة السفينة أكيلي لاورو 1986 . <BR>• إسقاط طائرة الركاب الإيرانية المدنية فوق مياه الخليج 1988 . <BR>• تدمير العراق والكويت 1990 . <BR>• ضرب السودان وأفغانستان 1998 <BR>• احتلال أفغانستان 2001<BR>• احتلال العراق 2003<BR>. <BR>وإذا كانت الصورة الوردية التي ترسمها أمريكا لنفسها أو يرسمها لها مؤيدوها صورة كاذبة ومنافقة وغير حقيقية ، فان الصورة الأخرى التي تكمل بها أمريكا ومؤيدوها حصارها حول العالم وهي صورة أمريكا القوية القادرة التي لا تستطيع قوة أخرى تحديها هي أيضـًا صورة مبالغ فيها لإيقاع الرعب في نفوس الآخرين ، وأن الصورة الحقيقية لأمريكا ليست بهذه القوة ولا بهذه القدرة ويمكن بالصمود والمواجهة أو بعوامل الضعف الداخلية الأمريكية أن تسقط هذه القوة بأسرع مما نتصور . <BR>إن الحقائق المعروفة والمنشورة تقول إن أمريكا أكبر بلد مدين في العالم حاليًا ، وميزان مدفوعاتها يعاني عجزًا هائلاً ، وميزانها التجاري مع بلد مثل اليابان شديد الاختلال لصالح اليابان ، وأن كثيرًا من الصناعات والمؤسسات الصناعية الأمريكية ، إما أفلست أو على وشك الإفلاس وأن البطالة تتفشى في أمريكا وأن الإيدز والمخدرات وضعف مستوى التحصيل الدراسي والتفرقة العنصرية تعمل بقوة ونشاط على انهيار أمريكي قريب . <BR>ونيكسون نفسه في كتابه الأخير " الفرصة السانحة " يعترف ببعض هذه الحقائق .. <BR>يقول نيكسون : " وما لم تقم الدولة بتطوير سياسة التعليم لتخريج علماء وباحثين من شباب الأمريكيين فسوف تفقد تقدمنا الصناعي والتكنولوجي ، وأمريكا بها أكثر من 25 % لم يحصلوا على شهادة إتمام الدراسة الثانوية ، وكثير من الذين حصلوا عليها يفتقدون المهارات اللازمة ليندمجوا في المجتمعات الحديثة ، أما فيما يختص بالعلوم والرياضيات فشبابنا يأتي في ذيل القائمة التي تضم الدول الصناعية ولو أن لنا قليلاً من المدارس العامة على مستوى جيد ، إلا أن أغلبها أقل من مستوى الدول المتخلفة ، وقد انحدر مستوى أغلب المدارس وأصبح الطلبة لا يشعرون بالرغبة في الدراسة بحماس ، ويقضون ساعة أو أقل في الدراسة بالمنزل وثلاث ساعًات أو أكثر أمام التليفزيون يشاهدون برامج تافهة يوميا ، إن أمريكا ينحدر مستواها في التعليم شيئـًا فشيئـًا خصوصًا فيما يخص العلوم والتكنولوجيا " . <BR>وفيما يخص الاقتصاد يعترف نيكسون قائلاً : " حدث انخفاض في رأس المال في الصناعة مماثل لما حدث في رأس المال البشري في التعليم ، إن الادعاء بأن النقص في الميزانية الفيدرالية لا يهم غير صحيح . إن نقصًا يعادل 5 % في مجموع الإنتاج القومي يوضح اتجاها معينا للاقتصاد ، ولما كان العجز يعًاد تمويله من المدخرات الشخصية والاستثمارات الأجنبية فإن استنزاف هذه المدخرات في قروض صغيرة الأجل لابد من استثمارها في مشاريع طويلة الأجل يجعله كالمياه التي تنخر في القواعد التي يقوم عليها الاقتصاد " . <BR>ويقول نيكسون : “ إن أمريكا لديها مشاكل عويصة في الداخل ، فهناك 38 مليونــًا من سكانها لا يتمتعون بالرعًاية الصحية لأنهم لا يستطيعون دفع اشتراكاتها ، واستهلاك المخدرات في أمريكا أكثر من استهلاك دول العالم مجتمعة رغم أنها تأتي في المرتبة العشرين من حيث تعداد السكان ، وفي أمريكا أكبر معدل ارتكاب الجرائم في العالم والأشرار فيها في تزايد مستمر بحيث جعلوا مدننا الكبيرة غير آمنة “ <BR><BR><BR><BR>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>( [1] ) تعمدت أمريكا أن تسرب تقريرًا استراتيجيا أمريكيا تعاونت في وضعه مختلف الأجهزة الأمريكية ، حذرت فيه أية دولة أو قوة غير أمريكية من مغبة منازعة أمريكا في هيمنتها العالمية .<BR><br>