إما أن تكون مع حزب الله، وإما أن تكون ضده: قسمة ثنائية جائرة!
9 رجب 1427

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، <BR>فإنه لأمر عجب أن تطير عقول "العقلاء" عند فتنة كهذه، وأعجب منه أن تطير عقول كثير من أهل العلم ممن تبوأ مقاعد إمامة الأمة وقيادتها، وأعجب من هذا كله أن يطالبوننا بالتفكير من خلال رؤيتهم، وبنفس نهجهم، وكأننا رعاع لا رأي لنا ولا نظر ...<BR>أنت مع حزب الله أو مع "إسرائيل"، قسمة ثنائية، تذكر بمنج بوش في التفكير أنت معنا أو ضدنا، بل إنها تذكرنا بفلسفة كل المناهج الضالة والمبتدعة والكافرة في التعامل مع الوقائع والأحداث والنصوص، بدءًا من تأويل نصوص الأسماء والصفات، ومرورًا بالإيمان والكفر، ثم القدر والاختيار، وأخيرًا بالجهاد مع البر والفاجر .. فإما أن تثبت الأسماء والصفات فتتهم بالتشبيه، وإما أن تنفي التشبيه فتتهم بالتأويل، سبحان الله!! <BR>لقد ظننا أن هذه البدعة مقصورة على معتزلة المسلمين، وأشاعرتهم، وكل من انحرف عن نهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الوحي، وإذا بجماعات التكفير والهجرة "وهم مبتدعة كذلك" يعملون بهذه البدعة، فإما أن يكون الإمام عادلا صالحاً حتى نسمع ونطيع له، وإلا خرجنا عليه، ولا بد أن يكون تقيًا نقيًا كعمر بن الخطاب، أو هارون الرشيد، أو حتى كسليمان الفاتح حتى نجاهد معه، وإلا فلا؟ <BR>قسمة ثنائية، ناشئة من فلسفة ثنائية، ذكر لي بعض الإخوة المهتمين بالفلسفة الغربية أنها أس من أسس منطق التفكير عند قدماء الفلاسفة، الذين رسموا طرائق التفكير للفلسفة الغربية، بل للحياة الغربية، ولست أدري عن صحة هذا أم لا، ولست أدري عن جذور هذا الفكر الثنوي، الذي لا يرى إلا خيرًا محضًا، أو شرًا محضًا، إما نور أو ظلمة!!<BR>المهم أننا لا نشك أن أهل السنة والجماعة انفردوا بمنهج أوحد في التفكير والنظر إلى الأمور، فرفضوا القسمة الثنائية في أمور الدنيا، لاسيما في الحكم على الأشخاص والأفعال، وكذا أمور الاعتقاد، فالمسلم يجتمع فيه خير وشر، وحسنة ومعصية، فليس هو إما مؤمن كامل الإيمان وإلا فإنه خارج من الدين بالكلية.<BR>ولنا حرية في الفعل مع أن كل شيء بقدر الله، أي بعلمه السابق، ومشيئته وخلقه لهذا الفعل، والإمام يكون فاجرًا فنجاهد معه، لإعزاز المسلمين، مع أننا نقول بفجوره وننكر عليه فسقه وفجوره كما كان الصحابة يفعلون مع كثير من ولاة بني أمية وبني العباس، بل مع الحجاج الثقفي، ونترحم على فاسق المسلمين، مع أننا نطالب ورثته بأداء الحقوق، ونقطع يد السارق ونعطيه من بيت المال ما يحتاجه، كما نص عليه ابن تيمية، والزاني حينما يأتي إلى المحكمة ليجلد فيمر عليه الشاهد فإنه يسلم عليه، ثم نرجم الزاني فيموت بأيدينا رجمًا، ثم نصلي عليه ونترحم عليه، والكافر المحارب الذي ندعو الله ليل نهار بأن يدمره، ويهلكه، يمكننا أن ندعو الله كذلك أن يهديه ويجعله من المسلمين.. ونبغض الكافر - وليس مجرد المحارب - ونعدل معه في البيع والشراء وكل الأمر، بل ونحب له الخير أي الإسلام... فعقول أهل السنة والجماعة وأفئدتهم لا ترفض كل قسمة غير ثنائية، إما هذا وإما هذا، أما أن تكون ضدي، أو معي، وقد نسمي هذه الطريقة بانفكاك جهة النظر، وهي منهج عدل قويم، يريح الفؤاد، وينشر العدل " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" ..<BR>فهل بعد ذلك كله ـ يا أهل السنة ـ يعجزنا أن نعمل بهذا النهج الأسمى في التفكير في التعامل مع هذه النازلة والفتنة، لماذا يصر كثير من مفكرينا على إلزامنا بهذا النهج المبتدع في التفكير، إما أن تكون مع حزب الله، وإلا فأنت مع ""إسرائيل"" ضد المستضعفين؟ إما أن تدعو لحسن نصر الله، أو لـ"حزب الله"، وإلا فأنت لا تدعو لمن يقفون في وجه الطغيان والعدوان، إما أن تكون مع المقاومة التي هي حق مشروع بل واجب في كل المعايير، فأنت عندئذ لا بد أن تكون مع "حزب الله"، وإلا فأنت ضد المقاومة، عميل للأمريكان، أو أنك – في أحسن أحوالك - ضيق الأفق لا تفقه في السياسة، ولا في المصالح، ولا في المناورة، ولا ..ولا ..وإذا حذرت من "حزب الله"، فأنت بالضرورة تؤيد الدمار الذي حصل للبنان، لأن الوقت ليس مناسبًا لإثارة الأحقاد الطائفية ..وفي المقابل فإنك إذا عملت لنصرة المظلومين، ودحر الظالم الصهيوني فأنت ولا شك مع "حزب الله"، مداهن له، راض بعقيدته !! <BR>قسمة ثنائية حتى في هذا الأمر الواضح، والذي تقتضي قواعد "اللعبة"، فضلا عن موازين الشرع تجنبه.. لم لا نقول بالقسمة الثلاثية أو انفكاك الجهة، فيكون لدينا ثلاثة أقطاب، "حزب الله"، ""إسرائيل""، وثالث (وإن كان لم يوجد الآن، فعلينا أن نوجده، وهذه هي أحد أهم أهداف هذا النهج في التفكير)، فـ""إسرائيل"" في رأس المثلث يقابله رأسان، "حزب الله"، وأهل السنة .. ولا يعني هذا أن "حزب الله" وأهل السنة قطب واحد، ثم لا يعني كونهما قطبين، أنهما لن يقفا معًا ضد ""إسرائيل"" ..وبهذه المعادلة، نستطيع إيجاد توازن دقيق بين السياسة والشريعة، فلا نحن أعطينا السياسة وزنًا يفوق الوزن العقدي، ولا نحن أعملنا العقيدة بصرف النظر عن واقع المسألة وفقه المرحلة، فحققنا توازنًا دقيقًا هو مقتضى الأصول والقواعد الشرعية ...<BR>ثم إن التعامل بهذه الطريقة "العقدية السياسية" يحقق مصلحة أخرى فيما نحن بصدده، فإنه يساهم في "عزل" "حزب الله"، عن الاستئثار بتعاطف العوام الذين يصب عليهم جام الغضب والإجرام "ال"إسرائيل"ي"، إذ يجدون من يميز بينهم وبين الحزب الذين جر عليهم هذه الويلات بدون اختيار منهم. <BR>قد يكون "حزب الله" مخلصًا فيما يريد، لكن هذا غير كاف أبدًا في التعاطف معه عقديًا، بل وحتى سياسيا، فكم من مخلص مغامر بمصائر الأمة وقد جر عليها ويلات لازالت الأمة كلها تتجرع مرارتها، وما صدام حسين عنا ببعيد، فلم الإصرار على التعاطف مع كل مغامر، فقط لأنه يسب ""إسرائيل""، ويلعنها، ويصف أمريكا بالشيطان الأكبر، وربما يأسر جنديين، لن يقدم فعله ذلك ولن يؤخر في إدارة صراع عالمي حضاري شامل!!.<BR>وهنا سؤال يثور في ذهن الكثير: "حزب الله، هو أولا وآخر حزب إسلامي، حتى وإن كنا لا نتفق معه في كثير من الأصول، يدافع عن بيضة الإسلام، فلماذا لا نترك خلافنا معه جانبًا، ونواجه جميعا الخطر الأكبر، الاحتلال الصهيوني؟"<BR><BR><font color="#0000FF"> مناط الموقف من حزب الله: </font><BR>"مناط" هذه كلمة أصولية، وتعني متعلق، أي علة، فمعنى هذا العنوان، العلة التي ينبغي أن يبنى عليها الموقف من "حزب الله" ..والأصوليون – الفقهاء كذلك - هم من أقدر الناس على استيعاب قواعد السياسة الشرعية في صورها الحالية، فهم أقدر الناس كذلك على تنزيل القواعد الشرعية على الوقائع المعاصرة بإشكالاتها المعقدة، وهم أقدر الناس على إلحاق موقف سياسي بأصل (أو موقف) شرعي، لاشتراك في علة الحكم، وغيرهم يعجز عن تمييز علة الأمر، وما بني عليه الحكم، وتحرير موطن الخلاف، فلذا يخلط بين العاطفة، والعلة الشرعية، ويجعلون من ذلك موقفًا سياسيًا لا يفقهه غيرهم، ويلمزون مخالفهم بقلة العقل والفهم والسياسة ...<BR>لكن قبل أن انتقل إلى ما أردته، لا يجمل أبدا أن أغادر الحديث عن الأصوليين هؤلاء من دون إلقاء اللائمة عليهم لتفريطهم في الأخذ بزمام المبادرة وتأصيل القضايا المعاصرة وردها إلى أصولها الشرعية بلغة يفهمها الجميع، فينعتقون من المسؤولية التي أخذها الله على أهل العلم ببيان الكتاب للناس (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ..<BR> في هذه النازلة، ما هو مناط الحكم على العلاقة مع حزب الله؟ هل هو كون "حزب الله" حزب رافضي ضال مبتدع؟ أم أنه - مع كوننا نختلف معه - حزب إسلامي أولا وآخرًا؟ أم أنه يجب علينا أن نغفل تلك الخلافات لأن المعركة ضد عدو مجرم مشترك يقتل ويسفك الدم وينتهك العرض، والمطلوب صد هذا العدوان، والدفاع عن المستضعفين؟ <BR>لم أر تحريرًا لموطن الخلاف في هذه القضية، مع أنه الأصل عند النظر في مثل هذه النوازل.<BR>وبسبب غياب هذا التحرير، جرت أقلام وألسنة كثير من المفكرين بنوع من العدوان على – أو في أقل الأحوال تخطئة – من أشار إلى الخلاف مع "حزب الله"، وتجاوز الأمر ذلك للمطالبة الدائمة – مع الأسف فإن المطالبة غالبًا تتوجه إلى أهل السنة وكأنهم هم المخالفون الضالون المبتدعون المعتدون !!- ، وليس مجرد المؤقتة بتهميش الخلاف بين أهل السنة والشيعة الروافض، وتجاوز تلك الخلافات العقدية الكبرى، وتجاهل التاريخ المرير، الأمر الذي ينطوي على استخفاف بالعقول، وتسطيح للفكر.<BR>إن موطن الخلاف مع "حزب الله"، أو لنقل إن مناط العلاقة مع "حزب الله"، كما هو مناط الاستعانة بأي طائفة مخالفة لك في العقيدة، هو الأمن من الخيانة والغدر أو عدم ذلك (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه)، ذلك المناط الذي يتشكل في عدة صور، منها ما هو عقدي حذر القرآن من الإخلال به؛ كما الحال في عقيدة الولاء للمسلمين، والبراء من الكافرين، ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليكم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) ..<BR>فإذا ثبت أن "حزب الله"، مجرد امتداد لعقيدة شيعية لا تمانع في خيانة أهل السنة، ولا طعنهم من الخلف، ولا تمانع في الالتفاف عليهم متى ما سنحت الفرصة، فكيف لي أن أثق بهذا الحزب فأقف معه في خندق واحد، وأكشف ظهري إليه في حالة انشغالي بمقارعة العدو؟!<BR>وإذا كان "حزب الله"، هو مجرد جماعة منافقة، أو طابور خامس، فكيف لي أن أقف معه وأنا لا آمن جانبه ولا غدره ولا خيانته أبدا؟<BR>جميع أهل الباطل، من الكفار الأصليين، والكفار المرتدين، وكذا المنافقين، وبعض الفرق الضالة، ويجري مجراهم بعض فساق المسلمين، لا يمانعون أبدًا في سفك الدماء – حتى ولو كان مسفوك الدم أخا لهم - من أجل تحقيق مكسب سياسي (مصالح دنيوية)، واستقراء التاريخ في هذا المقام يطول، وعلى هذا، فيمكن أن يكون ما يجري – ابتداء - شَرَكًا لجماعات أهل السنة، أو لفعاليات أهل السنة في المنطقة، لإقحامهم في حرب تقضي على أخضرهم ويابسهم، أو لم لا يكون امتدادا لاتفاقات معقدة خفية، لإعادة تقسيم المنطقة ورسم شرق أوسطي جديد، يبدأ بفيدرالية العراق، وينتهي بدوليات طائفية في غيره!<BR>ما من شك أن "حزب الله" قد نجح في تهميش جماعة 14 آذار (الضعيفة أصلاً لعدم تجانسها، ولعدم وضوح الرؤية لديها)، وهي الجماعة التي تبنت الخروج السوري من لبنان، فما كان "حزب الله" ليرضى بذلك، وما كانت سوريا لترضى بذلك، وما كانت إيران لترضى بذلك .. - ولست أدري عن حقيقة الموقف الأمريكي و"ال"إسرائيل"ي" فيما يقابل الموقف الفرنسي ...- إنهم ما كانوا ليرضون بذلك، وهم يرون "حزب الله" معزولا عزلة عقدية، ازدادت بعد فضائح الشيعة في بغداد، وعزلة سياسية، فاللاعب الرئيسي المؤيد لـ"حزب الله" قد طرد (جزئياً) من لبنان، وعزلة جغرافية، فلا اتصال ـ كما سبق ـ بين أراضي "حزب الله" في الجنوب اللبناني، وسوريا، ومن ورائها إيران، المهم أنه نجح في "إرباك حسبة" جماعة آذار، أو لنقل ترتيبات لبنان مستقلا عن سوريا، وإيران، ومن ثم مستقلا عن هلال شيعي !! <BR>نعم، قد تتضارب مصالح أعدائنا فيحصل بينهم ما يحصل، ويمكننا استغلال هذه الفرصة، لكن هذا لا يعني أبدًا أن أعداءنا أصبحوا في خندقنا، فلا يسوغ لنا إن رأينا أنّ المصلحة في الوقوف مع معسكر مناوئ، أن نغفل عن حقيقتهم والتحذير منهم، ونكف عن تحذير الغافل منا ..<BR>فدعونا من لغة العاطفة إذًا، لا سيما في هذا الوقت الذي تتطاير فيه العقول والأفئدة، ولنحكم العقيدة، والتاريخ، والعقل، ولنحرر هذه القضية، حتى لا نقع فريسة سهلة، كما وقع أسلاف لنا من قبل، فنصيح ونبكي ولات حين مندم، ونساق إلى المذبح ونحن لا ندري!<BR><BR><font color="#0000FF"> وأخيرا: </font><BR>وأختم بقضية أخرى أحب أن ألفت النظر إليها، فأصحاب هذه القسمة الثنائية التي نلزم بها، وهم يحيدون عن البديل أو القطب الثالث لعدم وجوده واقعًا – مشيئة كونية – يطالبون أيضًا بالحيدة عن إيجاد قطب أو بديل ثالث شرعًا – أي مشيئة شرعية -، وهذا ظلم صارخ، فلم لا نطالب أهل السنة في كل مكان لا سيما في لبنان بإيجاد قطب ثالث، لماذا نقبل باحتكار "حزب الله" للمقاومة – إن كان حقًا مقاوم - في الجنوب اللبناني؟ لماذا لا تتعدد صور المقاومة وأصحابها كما هي حالها في كل مكان؟ إنني لم أجد إجابة على هذا السؤال؟ أم قد بلغ المسلمون في لبنان وفلسطين – بخلاف باقي النقاط الساخنة في العالم - درجة من الوعي والوحدة بحيث أنهم اتفقوا على وحدة الصف والراية، والانضواء تحت "حزب الله"؟! <BR>إن واجب أهل السنة، لا سيما أولئك الذين في لبنان، تدارك الخطأ الكبير الذي اشتركنا فيه جميعا، يوم أن استسلمنا للضغوط التي تمنعنا من أي حق للمشروع للمقاومة، وتركناه في يد طائفة واحدة، تحوم شكوك كثيرة حول تطلعاتها، وولاآتها، فعلينا جميعا العلم على إيجاد بديل قوي؛ قطب ثالث، واضح الرؤية – حتى وإن دخله شيء من الدخن – يمثل أهل السنة، ويدافع عن حمى الأرض والعرض، ويخطف الأنظار، أو على الأقل يكون له دور في إرباك مخططات الأعداء .. هل يمكن أن يناط هذا الدور ببعض آل الحريري، أم ببعض القوى الفلسطينية في الجنوب، أم يتدخل الشمال السني في هذا؟ أمر يحتاج إلى دراسة ..<BR>والله المستعان. <BR><BR><br>