حرب لبنان بين مصالح واشنطن وطهران
3 رجب 1427
إبراهيم الأزرق

حرب عدوانية يشنها العدو الصهيوني على لبنان، هذا البلد الصغير الذي يقارب تعداد سكانه الأربعة ملايين (3.874.050)، يمثل المسلمون أكثرية فيه تقارب الـ (60%) من مجموع السكان (59.7%)، والبقية نصارى من طوائف مختلفة أكثرهم الموارنة، وأما الأكثرية المسلمة فمعظمهم سنة وشيعة، فكل من الطائفتين تبلغ نسبة تعداده من جملة مجموع السكان نحو 25% والبقية باطنية: دروز وإسماعيلية ونصيرية . <BR>وإذا كان الأمر كذلك فإن نحو مليون مسلم سني يتعرضون للقصف والتشريد، فضلاً عن غيرهم.<BR>فهل يحسن والحال كذلك أن ينصب حديثنا عن أسباب المشكلة وعلى من تلقى اللائمة، في الوقت الذي يقصف فيه هؤلاء وتباد فيه خضراؤهم؟<BR>ثم هل يعقل حقاً أن يلقي "حزب الله" بنفسه في أتون الصراع مع "إسرائيل" لأجل صرف الأنظار عن غزة، أو للقضاء على المخيمات الفلسطينية المتاخمة ـ مثلما تقول بعض التحليلات والتقارير الصحفية ـ التي ربما جمعته مع بعضها في الوقت الراهن مصالح مشتركة؟ وهل يحتاج إلى كل تلك الخسائر من أجل تحقيق هذا الهدف؟ ألم يكن يتسنى لـ"إسرائيل" –طالما كانت الأهداف مخيمات معروفة- عوضاً عن تدمير لبنان وبيروت؛ قصف أهداف حول السبعين كيلو المتاخمة لحدودها؟<BR>وأي مصالح لإيران أو سوريا في تدمير بنية "حزب الله"، أو اندحاره وتحجيمه؟ ولماذا تدعم هاتان الأخيرتان حماس دعماً حسياً ومعنوياً ثم تلجآن إلى مثل هذا التصرف من أجل تصفية المقاومة!<BR>إن العاقل الناظر في شأن "حزب الله" منذ نشأته منشقاً عن حركة أمل، لا ينكر العلاقة الحميمة بينه وبين كلاً من طهران ودمشق، ويعلم أنه ابن بار بالأولى حليف وثيق للثانية، ولا ينكر كذلك كثير من رجالات السنة أثر "حزب الله" يوم نشأ في إلغاء أصوات المقاومة السنية، بل وتسببه في كوارث مأساوية لأهلها.<BR>ولكن من الخطأ أن نحاول تفسير كل حدث وفقاً لهذه الرؤيا برمتها متجاهلين معطيات الواقع التي تحكم عليها بالبعد وعدم الموضوعية في بعض الأوقات.<BR>فالمصلحة الآنية لكل من سوريا وإيران على حد سواء في دعم المقاومة ضد العدو الصهيوني، ولهذا بعد أن تصدرت حماس التي لم تكن تربطها كبير صلة مع إيران؛ بعد أن تصدرت الحكم ظهرت بوادر علاقات ودعم إيراني يتحدث بها بعض المعنيين.<BR>كما إن وضع كلاً من سوريا وإيران يدعوهما لتوثيق الصلات مع جيوب المقاومة المختلفة لتخرج بها عن أزمتها مع الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً.<BR>فهما من جهة يستطيعان تحريك "حزب الله" لضرب "إسرائيل" إظهاراً لقدرتهما على زعزعة الأمن في المنطقة، وتذكيراً بأن لهما كلمة ينبغي أن تسمع، وهذا قد يجعل ملف إيران النووي عرضة للنقاش الغربي بنفس طويل ونفس منضبطة بعيدة عن التلويح بالسبابة الأممية في الوجه الفارسي.<BR>ولا غرابة في أن يفدي الابن البار أباه الروحي بل والحقيقي من أجل برهنة ذلك في وقت تنعقد فيه المؤتمرات والقمم من أجل فرض العقوبات عليه أو إصدار القرارات الصارمة في التعامل مع برنامجه النووي.<BR>فالجمهورية الإيرانية النووية هدف حري بحسن نصر الله أن يبذل فيه نفسه وكل بنيه وبُنى حزبه التحتية والفوقية! كما أن لـ"حزب الله" أرضا يطمح في الحفاظ عليها، وله من الأسرى في يد العدو الصهيوني من يعنيه أمرهم ويطمح في مبادلتهم، وكل ذلك يجعل حربه لـ"إسرائيل" حرب مبادئ مقدسة، ويفسر إقدام حزب الله على هذه الخطوة في هذا الوقت الذي تتداول الأمم فيه شأن إيران، وتتصاعد فيه التهديدات الأمريكية لسوريا. وبالمقابل ليس لتكهنات التصفية في هذا الوقت معتمد فيما يظهر.<BR>ومن تأمل تصريحات العدو الصهيوني بدا له ذلك فما فتئ (أولمرت) يقرن بين حزب الله وحماس في تسويغه الحملة "الإسرائلية" على قطاع غزة ولبنان، فالفعل واحد بنظره ـ وإن اختلفت بنظرنا دوافعه وأسبابه ومناخه ـ ، فكيف يعد الأول كسباً للمقاومة والثاني طعناً فيها! <BR>من المعلوم أن المناوشات بين "حزب الله" والعدو الصهيوني لم تكن وليدة الساعة بل ليست عملية الأسر سابقة غريبة، ومع ذلك كان الرد الصهيوني عادة ما يطال مواقع في الجنوب اللبناني أو تحليق فوق سماء بيروت ونحو ذلك، غير أن المناخ اليوم لم يكن ليسمح بتكرار ذلك في ظل تحفز من المعسكر الصهيوني ورغبة من إيران في استعراض قوتها أو اللعب بورقة "حزب الله" تأميناً لمشرعها النووي الطموح وسوريا للعبور من عنق الزجاجة التي تضعها الولايات المتحدة فيه من بعد القرار 1559 والتلويح بمسؤولية سوريا عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. <BR>فلمّا كان العدو مدركاً لمراد كلٍ من سوريا وإيران ويعرف الدور الذي يلعبه "حزب الله" لهما، والقاسم المشترك بينه وبين حركات المقاومة الصادقة في أرض فلسطين من أجل ذلك أشاد العدو "الإسرائيلي" بمثل تلك التصريحات العربية المتعرضة لكل من "حزب الله" وحماس على حد سواء ووصفها بالشجاعة، فهي من جهة تدين المقاومة أياً كانت أهدافها: فارسية إيرانية، أو إسلامية محضة، تجييراً للتصريحات لصالحه.<BR>كما وجد أن الفرصة سانحة ولا بد أن تستغل لعكس مراد طهران وكسر جناح إيران في المنطقة، ولهذا جعل من شروط توقفه نزع سلاح "حزب الله" وحلول القوات اللبنانية في المناطق الحدودية، وهذا ما يفسر ردة الفعل العنيفة هذه المرة. فـ"حزب الله" قد غدا ورقة ضغط إيرانية سورية، وهذا ما يقضي بضرورة إقصائه ـ وإن كان من جهة أخرى يسدي لـ"إسرائيل" معروفاً في السابق بقصر التواجد في الجنوب على الحزب الطائفي بما يتخلف عنه عدم تواجد مقاومين مسلحين فلسطينيين في الجنوب يجعل الصراع خارج حدود السيطرة والخطوط الحمراء, وحيث خرج "حزب الله" عن قواعد اللعبة؛ فلا بديل عن إقصائه هو الآخر, مثلما أقصي عن الجنوب حركة سعد حداد ، ثم لما انتهت صلاحيتها خلفتها حركة انطوان لحد.<BR>وهذا التصور أكده بوش إذ جعل أساس المشكلة "حزب الله" وعلاقته بسوريا وإيران، ولازالت واشنطن مصرة على رفض الدعوة لوقف إطلاق النار في لبنان لأن ذلك لن يؤدي إلى حل على المدى الطويل، حسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فقد قال المتحدث باسمها (شين ماكورماك) "ما يجب القيام به هو وقف دائم لأعمال العنف وتغيير فعلي للوضع الذي كان قائما في السابق".<BR>وقال مسؤول آخر: واشنطن تريد أن تترك لإسرائيل الوقت كي "تفكك" حزب الله قبل الدعوة إلى وقف طلاق النار. وقال: إن "وقفا لاطلاق النار هو عبارة محددة جدا ينجم عنها وضع مؤقت".<BR>وتدعو أطراف أخرى لها وزنها الداخلي إلى تدخل قوات أممية لحفظ السلام، وهذا ما ترى "إسرائيل" أن وقته لم يحن بعد.<BR>فبينما تضغط كلاً من إيران وسوريا بـ"حزب الله" لصرف الأنظار عن أراضيهما، وللتدليل على أنهما قادرتان على نقل الصراع خارج حدودهما، تريد كلاً من أمريكا و"إسرائيل" كسر ورقة الضغط تلك لتنحصر القضية داخل أراضي البلدين الذين تتعارض مصالحهما ورؤهما التوسعية –ولاسيما إيران- مع المصالح (الأمريئيلية) في المنطقة.<BR>وأما حماس فتنظر إليها إيران كورقة ضغط أخرى يمكن أن تستعملها في ظل الصراع والمصالح المشتركة، مع غياب الدعم العربي الذي قد يجعل من إيران في المستقبل الداعم الرئيس لحكومة حماس، كما أن سوريا تعول عليها في شغل العدو الصهيوني بنفسه كثيراً.<BR>ولن يضر حماس التقاء مصالح مشتركة مع كل من سوريا وإيران.<BR>وإذا بدا ما سبق، فإن اعتبار الحرب الدائرة اليوم حرباً من أجل تصفية المقاومة السنية والمخيمات اللبنانية، وجه فيه نظر، لم تستبن دلائله حتى الساعة.<BR>وعوداً على ما بُدئ به المقال فأياً ما كان الرأي والنظر فلا بد أن نعي بأن في لبنان شعباً سنياً يصطلي بنار هذه الحرب تبعاً، وأن على المسلمين واجباً تجاهه. وأن الحكمة –في أدنى أحوالها- تقضي بإعمال النظر لأجل الخروج من الأزمة بأقل الأضرار، أما التصريحات الممهدة لصفقة مقايضة يرجع فيها الجنود الثلاثة سالمين إلى "إسرائيل"، وتكف فيها الأخيرة عن عدوانها بعد أن تدمر البنى التحتية لمن قد يثير المشكلات عليها مستقبلاً، فهذا ما لا يخاله الناظر إلاّ توجيهاً أمريكاً لصالح "إسرائيل"، فإن أفلح الوسطاء في تطبيقه فقد يمثل صفعة قاسية لإيران، وأذرعها بالإضافة إلى المقاومة الإسلامية النزيهة التي جمعتها مع إيران مصلحة ربما تغيرت. وسوف يمهد هذا لما بعده في الشأنين السوري والإيراني.<BR>وإن أخفقت الوساطة في رد جلعاط ورفيقيه ووقف القصف جراء تدخل أممي أو غيره يعوق "إسرائيل" فستكون عملية حزب الله ضربة موفقة لصالح إيران، ومقوم من مقومات تعزيز تفاوضها.<BR>ولعل الواجب والتكتيك السليم يحتم الوقوف مع كل ما من شأنه ترجيح كفة المقاومة، فإن هذا يكفل بعض التوازن دون أن تستبد بالمنطقة الآيات الفارسية ولا الصهيونية.<BR>ولا يقتضي ذلك الانخراط مع "حزب الله" في عمل، ولكن العمل على وقف العدوان "الإسرائيلي"، ولن يتأتى ذلك إلاّ بضغوطات جريئة على المجتمع الدولي، بالتصريحات الواضحة، والمعارضة الظاهرة دونما تسويغ لصنيع "إسرائيل"، وبالتهديد بالانسحاب من مشروع سلام الشرق الأوسط الأمر الذي يكفل مزيداً من التوتر.<BR><BR>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>1- لمراجعة الإحصائيات السابقة يراجع كتاب الـ CIA "The World Facts Book" الجزء الخاص بلبنان وعلى الشبكة العنكبوتية نسخة منه، وكذلك ينظر تقرير ريبور نيوز من بيروت بتاريخ 20/9/2005، منشور بموقع الاتحاد اللبناني الكندي لحقوق الإنسان. ومن البدهي أن تجد مصادر شيعية أخرى أو آخذة عنها تضخم من نسبة الشيعة إلى نحو الـ30% وربما أدخلت فيهم بعض فرق الباطنية. كما أننا لا ننظر إلى هذه الإحصائية أيضاً على أنها دقيقة؛ فثمة ما تتحدث به بعض الإحصاءات عن نسبة تقارب الـ 70% للمسلمين لا تجاوز نسبة الشيعة فيهم 25%.<br>