الغرب يعاقب الشعب الفلسطيني
18 ربيع الأول 1427

القرار الذي اتخذّه الاتحاد الأوروبي بتجميد مساعداته للحكومة الفلسطينية التي تشرف عليها حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين حماس , جاء متزامناً مع الرغبة "الإسرائيلية" بمحاصرة هذه الحكومة و القرار الأمريكي بعدم التعامل معها نهائيا .<BR> وقد اتخذّ القرار الأوروبي بعد سلسلة من الاتصالات الواسعة بين كل من واشنطن و تل أبيب وعواصم القرار في الغرب التي توافقت على ضرورة وأد تجربة حماس في مهدها خصوصا وأنها ترفض التخلي عن ثوابتها والتي على رأسها عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني . وعلى الرغم من أنّ العديد من الخبراء الأوروبيين قد أشاروا إلى أنّ محاصرة الحكومة الفلسطينية قد يشرعن العنف ويعيده إلى الواجهة باعتبار أنّ الغرب هو الذي أسقط الحل السياسي ورفض التعامل مع قوة سياسية أفرزتها صناديق الاقتراع الشعبي التي كانت أوروبا تراقبه على الأرض الفلسطينية إلاّ أنّ مثل هذا التحذير الذي أطلقه هؤلاء الخبراء لم يثن صنّاع القرار في الغرب من تبنّي المشروع الأمريكي/"الإسرائيلي" القاضي مبدئياً بالإجهاز على حكومة حماس الفلسطينية سياسياً واقتصادياً و دبلوماسياً .<BR> وقد فهمت معظم الدول هذه الرغبة الأمريكية فقررت النأي بنفسها عن التعاطي مع الحكومة الفلسطينية .<BR>وإذا كان القرار الأمريكي و"الإسرائيلي" لمقاطعة الحكومة الفلسطينية واضحا فإنّ القرار الأوروبي يبدو مستهجناً بتعبير بعض الخبراء الذين أخذوا على دولهم الانصياع الكامل للرغبات الأمريكية "الإسرائيلية" و معاقبة الشعب الفلسطيني على خياراته السياسية , وحسب هؤلاء الخبراء فإنّ قرار الحصار ليس بسبب موقف حركة حماس من "إسرائيل"<BR> وعدم الاعتراف بها وبـ"شرعيتها" , بل يكمن السبب الرئيس أيضاً في اللون السياسي لحركة حماس و العنوان العام لهذه الحركة وهو المشروع الإسلامي والذي تنظر إليه أوروبا بكثير من القلق والريبة وتعمل على محاصرته في الجغرافيا الغربية وحتى في العالم العربي والإسلامي حيث تلجأ عواصم القرار في الغرب إلى دعم البدائل العلمانية اللائكية التي تلتقي طروحاتها مع طروحات الغرب. <BR>وفي نظر الغربيين فإنّ تنامي حركة حماس في فلسطين ونجاح مشروعها السياسي قد يعيد الحيوية إلى مشاريع "الإسلام السياسي" في الشرق الأوسط والعالم العربي , وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ الإعلام الغربي والذي يخضع لتوجيهات مالكيه الذين أغلبهم من اليهود لعب دورا كبيرا في تضخيم صورة المشهد السياسي الفلسطيني بعد انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية , بل إنّ دور النشر الغربية نشرت مئات الكتب والدراسات التي تشير إلى صعود الإسلام المتطرف من قبيل كتاب فرصة الغرب الأخيرة , هل سنربح صراع الحضارات، والذي ألفّه توني بلنكي (الصحفي في جريدة الواشنطن تايمز) وفي كتابه يرسم المؤلف صورة لأوروبا ينتصر فيها "الإسلام المتطرّف" والذي يعده أخطر على أوروبا من النازية , ويحذّر الكاتب أوروبا من أنّها ستصبح قاعدة للإرهاب الأصولي المرتقب، والذي بدأت ملامحه تتكوّن في أكثر من مشهد أوروبي . <BR>ويعيد بعض الخبراء الأوروبيين الموضوعيين إلى الأذهان موقف أوروبا من انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر وحزب الرفاه في تركيا و بعض التيارات الإسلامية في المغرب, ومثلما أجهضت عواصم الغرب بعض هذه التجارب بطرق مباشرة وغير مباشرة فإنّها تعمل على محاصرة حماس وبالتالي كما يقول هؤلاء الخبراء؛ فإنّ أوروبا بوعي أو بدون وعيّ تريد إرجاع حماس إلى الخيار العسكري والعمليات الاستشهادية بدل التعاطي معها سياسيا و الاستفادة من الهدنة الطويلة الأمد التي أعلنتها . <BR>ويضيف بعض هؤلاء الخبراء بأنّ الأولى بأوروبا أن تدعم حماس؛ لأنّه ومنذ انتصارها في الانتخابات أوقفت عملياتها الانتحارية ضد "المدنيين" وحتى ضدّ الجيش "الإسرائيلي" , وبدل أن تستغل أوروبا "حسن النوايا" هذا فإنّها فضلّت أن تركب الموجة "الإسرائيلية" والأمريكية مختارة خيار الاستئصال الذي يفضي دوماً إلى مراكمة المواجهات على خيار الحل السياسي المطلوب جدا في الحالة الفلسطينية . <BR>و للإشارة فإنّ أوروبا التي استاءت إلى أبعد مدى من انتصار حركة حماس لم تكن تتوقع فوزاً ساحقاً لحركة حماس، حيث كانت بعض الدراسات تشير إلى احتمال فوزها جزئياً في الانتخابات الأمر الذي قد يؤدي حسب التخمين الأوروبي إلى إقحامها في المعادلة السياسية الفلسطينية ولا أحد كان يتوقع في الغرب أن تصبح هي المعادلة في فلسطين المحتلة. وغير احتمال تنامي المد الإسلامي في فلسطين والعالم العربي فإنّ أوروبا تنظر بكثير من القلق إلى علاقة حركة حماس بحزب الله اللبناني وإيران التي أعلنت انضمامها إلى النادي النووي حيث تشبّه بعض الصحف الأوروبية (الرئيس الإيراني) محمود أحمدي نجاد بهتلر جديد . <BR>وبعبارة أوضح فإنّ أوروبا تعد أنّ مشروع حركة حماس وتوجهاتها السياسية لا ينسجم بتاتاً مع النظرة الأوروبية لمجريات الأمور في الشرق الأوسط و ليس في وارد أوروبا أن تدعم مشروعاً إسلامياً في فلسطين حتى لو كان هذا المشروع منبثق من الأغلبية الشعبية, بالإضافة إلى ذلك فإنّ أوروبا لا تريد أن تبتعد في رؤيتها عن تل أبيب وواشنطن، خصوصاً بعد التحالف الدولي ضدّ التيارات الإسلامية التي تحمل مشروعاً مغايراً لليبرالية الغربية!!<BR><BR><BR><BR><br>