هل يعجل عدوان أريحا بالانتفاضة الثالثة؟
16 صفر 1427

من طرائف العدوان الصهيوني علي مدينة أريحا واقتحام سجنها واعتقال العشرات من المسجونين ما قيل عن أن العدوان مجرد صراع انتخابي بين الأحزاب الصهيونية تمهيدا لانتخابات 28 مارس الجاري ، وأن حزب (كاديما) الذي أسسه شارون وورثه أولمرت سعى لإظهار عضلاته أمام "الشعب الإسرائيلي" بعدما تراجعت شعبيته نقطتين فسعي لنزهة لهدم مقاطعة أريحا وسجنها وإخراج جنود السلطة الفلسطينية بملابسهم الداخلية كي يثبت لـ"الإسرائيليين" أنه قوي !.<BR>فالذين قالوا بها التحليل الضعيف لتطورات الأحداث في أريحا ومنهم مسئولي الاتحاد الأوروبي ومسئولين عرب ، استهدفوا إما التهوين من خطورة هذا الحدث الذي يعني أمورا كثيرة أو التخلص من مسئولية فشلهم في وقف العدوان وعجزهم عن القيام بأي موقف مناصر للفلسطينيين ، فقالوا أنها منافسة انتخابية علي غرار تقاتل المصارعين الرومان لإرضاء نزوات حكام روما!.<BR> <font color="#0000ff">أما اذا أردنا أن نتحدث عن مخاطر ودلالات هذا العدوان الحقيقية فهي عديدة منها : </font><BR>1- أن العدوان يكشف النية الصهيونية المخططة للتحرك فيما يخص التعامل مع الشعب الفلسطيني وفق نظرة أحادية الجانب بفرض أمر واقع وفضل تمام بين الدولة الصهيونية المغتصبة ، والأراضي الفلسطينية التي تضم أغلبية من السكان ، ولهذا سبقته تصريحات صهيونية لأولمرت عن البدء في تخطيط حدود الدولة الصهيونية من الآن وحتى 2010 وضمنها القدس كلها ومستوطنات الضفة الغربية ، وجاء العدوان ليرسل رسالة واضحة بهذا خصوصا بعدما فازت حماس .<BR>2- العدوان الصهيوني ينفي تماما وجود أي اتفاقات أو شراكة فلسطينية صهيونية وينسف أي اتفاقات سابقة ويكشف عن نمط التعامل الصهيوني في فرض الأمر الواقع ، وأنهم لا يحترمون أي اتفاقات بدليل أنهم رفضوا عروض قدمت لهم.<BR>3- العدوان يستهدف – ضمن سلسلة خطوات – خلط الأوراق علي الساحة الفلسطينية قبل تسلم حماس السلطة والضغط علي حكومة حماس بكافة السبل كي تفشل وتذهب أو تدخل في صراع مع باقي الفصائل ، وربما جاء استهداف أحمد سعدات ورفاقه من الجبهة الشعبية تحديدا لينسف اتفاق تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة برئاسة حماس والتي تشارك فيها الجبهة الشعبية بقوه .<BR>4- أعلن (رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة) ايهود أولمرت عقب العدوان أن عملية اقتحام سجن أريحا كانت تحظي بدعم تام من الحكومتين البريطانية والأمريكية ، وهو أمر ثبت من خلال الأحداث عبر تواطؤ الطرفين وهما دولتان من ابرز الدول الأعضاء في اللجنة الرباعية المشرفة علي العملية السلمية وتطبيق خارطة الطريق ، ومفترض بهما احترام اتفاقات أوسلو ومتابعة تنفيذها علي الموافقة علي خرقها ، وهو دليل آخر علي أنه لا توجد عملية سلمية أصلا خاصة أن (وزير الدفاع الإسرائيلي) شاؤول موفاز قال في تصريحات لموقع صحيفة "هآرتس" على شبكة الإنترنت: إن جيش الاحتلال كان على علم مسبق بموعد انسحاب المراقبين الأميركيين والبريطانيين ، وأن قوات خاصة تدربت على تنفيذ العملية التي أطلق عليها جمع البواكير !.<BR>5- العدوان يعيد الأوضاع إلي ما كانت عليه في نقطة الصفر عندما اقتحمت قوات الاحتلال مدينة رام الله بدعوى القبض علي أحمد سعدات ورفاقه بتهمة قتل (الوزير المتطرف) رحبئام زئيفي صديق شارون، والتي انتهت بحصار عرفات وتدمير المقاطعة والتوصل لاتفاق بسجن سعدات ورفاقه في سجن أريحا بحراسه أمريكية بريطانية انسحبت قبل ساعات من العدوان المخطط سابقا بالتواطؤ مع الغربيين .<BR><font color="#0000ff">الحل الأمثل للتعامل مع الأزمة </font><BR>رغم اقتحام سجن أريحا وإذلال الفلسطينيين وجنود السلطة الفلسطينية وإخراجهم عرايا أمام كاميرات التلفزيون ، فربما تكون لهذا العدوان مزايا مستقبلية من حيث إنه ربما يجمع شتات الساحة الفلسطينية المنقسمة بين الفصائل المختلفة ويقوي موقف حماس الرافض للاعتراف بالدولة الصهيونية قبل الانسحاب ووقف العدوان، فضلاً عن أنه ستكون له تداعيات أكبر تتمثل في تجمع سحب موجة انتفاضة فلسطينية مسلحة ثالثة سوف تمطر غضبا فلسطينيا أكبر علي الدولة الصهيونية .<BR>ولكن الحل الأمثل الذي كان يجب على السلطة الفلسطينية أن تقوم به بعد العدوان الذي ثبت أنه بتواطؤ غربي ونقل عن مسؤولين فلسطينيين أن الأمريكان أبلغوهم عدم معارضتهم له (!) ، كان يجب أن يكون استقالة الرئيس محمود عباس ولو بالتهديد وحل السلطة، وإعلان أن الاتفاقات الدولية ليس لها أي احترام عند الطرف "الإسرائيلي" أو الأطراف الدولية الأخرى التي تدعي احترامها والحفاظ عليها ، وأن الشعب الفلسطيني بأسره سيعود لمرحلة المقاومة ومرحلة ما قبل أوسلو .<BR>وقد دعا العشرات من قيادات حركة "فتح" الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بالفعل عقب العدوان إلى حل السلطة الفلسطينية ومطالبة "الأسرة الدولية" بتحمل مسؤولياتها إزاء التصرفات "الإسرائيلية" وحقوق الشعب الفلسطيني.<BR>وجاءت هذه الدعوة في رسالة موجهة إلى أبو مازن وتحمل توقيع العشرات من أعضاء المجلسين التشريعي والوطني والمحافظين ورؤساء البلديات، ردا على العدوان "الإسرائيلي" على سجن أريحا واختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه الأربعة المتهمين بقتل وزير السياحة "الإسرائيلي"، والعميد فؤاد الشوبكي المتهم الرئيسي في قضية سفينة السلاح "كارين ايه".<BR>وأهمية هذا الحل سواء لجأ له أبو مازن أثناء العدوان أو الآن أنه يضع الصهاينة والأمريكان في مأزق, ويعيد تجميع القوي الفلسطينية وتضافرها وتوحيد أجهزة الفصائل الفلسطينية العسكرية لتقوم بعمليات عسكرية مشتركة ، وتحيل حياة الصهاينة إلي جحيم وتشعل انتفاضة ثالثة أكثر لهيبا ، ما سيضطر الأمريكان والأوروبيين هنا للتدخل الفعلي والبحث عن اتفاقات .<BR>والأهم أن هذه الانتفاضة التي سوف تشتعل في حالة حل السلطة الفلسطينية نفسها سوف تحرج الحكومات العربية خصوصا تلك الموقعة علي اتفاقات سلام مع الصهاينة ، وتشعل مناطق الحدود في الضفة وغزة ، بشكل قد يؤدي لإعادة ترتيب الأوراق والضغط بصورة أكبر علي "إسرائيل" والغرب في وقت يسود فيه العالم حالة من النقمة والغضب الإسلامي ، وتعاني قوات الاحتلال الأمريكية من إخفاقات في العراق وأفغانستان وغيرها .<BR>فقد ثبت بتصريحاتهم هم ، اشتراك أمريكا وبريطانيا في مؤامرة العدوان ، وبالتالي عليهم أن يتحملوا وزر ما يحدث ووزر الفوضى وحالة الغضب التي تنتج عن هذا .<BR>والأهم أن هذا السيناريو لو لم ينفذه الرئيس أبو مازن فقد تنفذه حركة حماس عندما تتولي السلطة وتحدث عمليات عسكرية صهيونية مشابهة ، خصوصا أن قادة حماس تعهدوا بعدم اعتقال أو توقيف أي مقاوم لقوات الاحتلال ، وهو ترخيص لم تكن الحكومات الفلسطينية المختلفة عقب أوسلو تعطيه لأحد .<BR>وما قد يفعله أبو مازن في هذا الصدد أو حكومة حماس لا يتعارض مع ما يجري بالفعل علي أرض الواقع ، فالحكومة الصهيونية أعلنت منذ عدة سنوات علي لسان شارون أنها لا تعترف بالاتفاقات مع الفلسطينيين ولا تجد شريكا أمامها وبالتالي فهي تتحرك من جانب واحد لتحديد حدود الدولة الصهيونية وحمايتها بإجراءات أمنية ، وبالتالي لا تعترف أصلاً بأبي مازن أو حكومة حماس القادمة ، ولن يكون هناك ضير في أن يذهب أبو مازن بالتالي أو تحل حماس حكومتها !!.<BR>أما الرعاية الأمريكية والبريطانية للعملية السلمية وما يقال عن احترام المواثيق والمعاهدات الدولية، وحقوق الإنسان،فقد ثبت أنها كلها مجرد ديكور خادع للفلسطينيين .<BR>التوقعات تشير بالتالي إلي أن هذا العدوان المهين والمذل الأخير في أريحا سوف يعيد الأوضاع في الأرض المحتلة إلي المربع صفر ، وسوف يؤجج ومشاعر الغضب الفلسطيني ، وستكون له تداعيات كثيرة .<BR>فالعدوان لم يكن مجرد مزايدة انتخابية قبل الانتخابات "الإسرائيلية" ، ولكنه جاء ضمن مخطط "إسرائيلي" كامل لفرض الشروط الصهيونية بالقوة علي الأرض دون اعتبار لعملية سلمية ، وهو جاء ضمن مخطط التحرك "الإسرائيلي" من جانب واحد وفق التصور القائل بأنه لا يوجد شريك فلسطينية ، كما جاء بهدف محدد هو إشعال الساحة الفلسطينية وتوفير مزيد من الأجواء الضاغطة علي حكومة حماس هدف تصوير الوضع في فلسطين علي أنه فوضي وأن "الإسرائيليين" محقين فيما يفعلونه من خطوات وقائية .<BR>ومثلما أشعل شارون فتيل الانتفاضة الثانية عقب زيارته للأقصى، وقبل الانتخابات "الإسرائيلية" بأسابيع كي يوحي بأنه الأقوى والأجدر بالحكم ، سيشعل أولمرت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة وربما يدفع ثمناً باهظاً من جراء هذه المغامرة العسكرية التي أراد من خلالها أن يثبت أن الأقوى والأكثر قدر علي حماية أمن الصهاينة .<BR>فعقب انتهاء حياة شارون السياسة كآخر جنرالات الدولة الصهيونية المؤسسين الذين كانوا يعتمدون في إدارتهم للدولة -خصوصا شارون- على التركيز على عنصر الأمن والانفراد بالرأي بزعم أنهم الأقدر على فهم الأمن القومي لـ"إسرائيل"، ظهر نوع من التشدد الكبير بين صغار القادة العسكريين والسياسيين خلفاء شارون ، وحرص كل منهم علي التركيز علي ملف الأمن الصهيوني ليثبت أنه الأجدر بالحكم .<BR>وبدأ جيل الساسة الجدد الأضعف مثل: (بنيامين نتنياهو، وإيهود أولمرت، وعمير بيريتس) لطرح آراء أكثر تشددا لإظهار الحرص على أمن "إسرائيل"، وضمان انتخاب "الإسرائيليين" المضطربين لهم، استنادا إلي الشعب "الإسرائيلي" كله يسعي حاليا للبحث عن أمنه لدى من تبقى من الجنرالات الجدد، مثل: شاؤول موفاز (وزير الدفاع)، أو رؤساء أجهزة المخابرات "الإسرائيلية"، أو خلفاء شارون السياسيين .<BR>ولهذا وبصرف النظر عن تفسيرات عملية أريحا ، من المتوقع أن يستمر تيار التشدد داخل المجتمع الصهيوني وتبدأ عملية بحث عن حدود معينة لـ"الدولة" الصهيونية يبدأ الدفاع عنها والاستماتة في توفير الأمن لها ، وهذا الدور يسعى له أولمرت بالتعاون مع وزير الدفاع موفاز ، ولهذا أعلنوا بدء ترسيم حدود الدولة حتى 2010 وتحدثوا عن عملية ترسيم من جانب واحد وبدوا بالفعل خطة الترسيم بربط كبري المستوطنات في الضفة الغربية التي تبتلع قرابة ربع مساحتها بالقدس تمهيدا للضم النهائي وفرض الأمر الواقع الجديد .<BR>وإذا كان الهدف الصهيوني يسير في مساره المضاد تماما للمصالح الفلسطينية ، فمن الطبيعي أن يصطدم مع المصالح الفلسطينية العليا ويدفع باتجاه الانتفاضة الثالثة في ظل الاختفاء الظاهر للسلطة الفلسطينية وعجزها ، فضلا عن حملة المقاطعة الدولية لحكومة حماس المقبلة التي قد تتحول لمجرد إدارة لتصريف أمور الفلسطينيين الداخلية وشئونهم الاجتماعية والاقتصادية.<BR>العدوان الصهيوني علي أريحا أضر بقوة بالتالي بما تبقي من هيبة فلسطينية ، ولكن رب ضارة نافعة في أنه سينعكس على هبة وانتفاضة أعنف هذه المرة بعدما ظهر أن الصهاينة ليس يهدفون سوي لتضييع الوقت كي يتسني لهم السيطرة على الأرض وفرض الأمر الواقع .<BR><BR><br>