ماذا تريد حماس.. و ماذا يراد لها؟
11 محرم 1427

[email protected] <BR>أن تتقاطع مصالح فريقين مختلفين أو متصارعين في السياسة, فذاك أمر طبيعي وقابل للتكرار على الدوام, أما أن تتقاطع مصالح جميع الفرقاء والخصوم على هذا النحو فهذا الداعي للذهول.. <BR>تسلسلت الأحداث بشكل منطقي في مفرداتها, غريب في أدواتها؛ لتضع جواد حماس في المقدمة, وتضع أمامه العديد من العربات المعطلة التي لا تحد من قيمة الفوز ومعناه وإنما تفيض باستحقاقات هذا الانتصار المدوي. <BR>وقبل معالجة هذه الاستحقاقات التي تجعل حماس تأخذ اعتبارات كثيرة قبل أن تخطو خطواتها الأولى في حكم مناطق 67 , لابد من الحديث عن جملة من الملاحظات في هذا الانتصار نستطيع من خلالها التحرر من ربقة الخضوع لخطاب سائد ربما على نحو غوغائي, من أهمها: <BR>• التسليم أولاً بأن حماس قد حققت فوزاً كبيراً تستحقه عن جدارة, وعند الحديث عن فوز يتحقق على حركة فتح المناضلة؛ فإن الحديث لا يجرنا إلى سياق انتصار باهت تستطيع أي قوة إسلامية أو وطنية مخلصة أن تحققه على أحزاب السلطة في البلدان العربية, فحينها يصبح الانتصار يسيراً بالنظر إلى هشاشة الحزب السلطوي الفاسد الديكتاتوري المتسلط, وهنا لابد وأن نلحظ الرصيد الهائل التاريخي لحركة فتح قبل أن تولد حماس بصورتها الحالية في الحقيقة, وأيضاً وبرغم الفساد الذي دب في أوصال فتح فإنها ما تزال تضم قطاع كبير من العناصر الوطنية المخلصة والمناضلة. <BR>• دائماً ما يعزو بعض المغرضين فوز الحركات والأحزاب الإسلامية إلى ضعف الخصم, ضناً بها أن تحقق فوزاً مستحقاً نتيجة لقوتها أو لرغبة الشعوب في اختيار مشروعها! وإنما تتنادى الصحف الغربية ومحللوها وببغاواتها العربية في الحديث عن ضعف السلطة وفسادها وعدم تمكنها من تحقيق مشروعها, وهذا وإن كان كله صحيح بطبيعة الحال إلا أنه لا يستقيم كمبرر أوحد للانتصار؛ إذ من واجب الأمانة في الأحكام ألا تبتسر الحقائق وألا تغيب عناصرها لحساب عناصر محدودة؛ فإذا كان الحديث عن ضعف السلطة فليكن أيضاً عن قوة حماس وعن شعبيتها الجارفة التي ما عززها تراجع الخصم فقط, وإنما أيضاً للثمن الباهظ الذي دفعته الحركة من أجل أن تكون الفصيل الأول في فلسطين, من دماء شهدائها ومن إنجازاتها الاجتماعية والتعليمية وحرفتها السياسية وتفانيها في تحقيق ذلك. وعطفاً على ذلك, فإن مسألة الفساد دائماً ما تتهم بها أحزاب السلطة من دون أحزاب المعارضة لاعتبار أن الأخيرة لا تتوافر على ثروات أو ما نحو ذلك مما يشجع الفاسدين على فسادهم, لكن حالة حماس من دون شك استثنائية في هذا المجال الذي يصبح فيه تمويل الفصائل من الخارج مسألة خارجة عن نطاق الأسرار, فليس سراً في الحقيقة أن حماس كما غيرها تتلقى أموالاً من متبرعين في الخارج لاسيما في المجالات الاجتماعية, وعليه فإن تبرؤ ساحتها من هذه الملوثات الفسادية هو أحد دواعي ثقة الناخب بها, أو باختصار يمكننا القول بأن الناخب أعطى صوته لحماس لأنها بنظره مبرأة عن فساد بعض متنفذي فتح, ولاشك أن هذه منقبة لا يقف المحللون عندها كثيراً وربما قليلاً أيضاً. <BR>• الحديث دوماً وبإلحاح عن أن حماس واقعة بالضرورة في مأزق بسبب فوزها, ولو بدا هذا الانطباع سهلاً؛ فلا يمكن الإغراق في خيالاته, لسبب يسير مثله, وهو أن سابقتها كانت وصلت إلى طريق مسدود أيضاً, وهذا يدعنا إلى رؤية المشهد برمته قبل وبعد 26 يناير, فليس من المقبول أن تحتكر حماس الأزمة وتنجو منها السلطة السابقة التي قضى رأسها مسموماً مدحوراً بعد حصار طويل في مبنى المقاطعة برام الله. <BR>• ثمة من يحاول التعويل كثيراً على كاريزما عرفات لاعتبار أن غيابها قد ساهم لحد كبير في اهتزاز صورة فتح كثيراً لدى الناخب الفلسطيني, وهذا يدين فتح بشدة أيديولوجياً وحركياً وسياسياً ويعلي من قيمة حركة حماس التي تفوقت في هذه الجوانب الثلاثة برغم غياب أكثر من رمز فاعل فيها, لا بل معظم قيادات ورموز الصف الأول السياسية والعسكرية, ما يجعلها تمثل قيمة نضالية متجددة ترتكن إلى أيديولوجية ثابتة وأجندة واضحة تمكنها من الاستمرار, وبالتالي فكما دل غياب عرفات واهتزاز الحركة بعده على هشاشة فتح؛ فقد دل غياب ياسين والرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وغيرهم وصعود حماس من بعدهم ـ على الأقل شعبياً ـ على صلابة هذه الحركة المناضلة واستنادها إلى قاعدة صلبة.<BR><font color="#FF0000">استحقاقات الفوز الذي أحرزته حماس: </font><BR>قد لا نستطيع الجزم بتيقن قيادة حماس بتحقيقها أغلبية نسبية في الانتخابات الفلسطينية نظراً لكون هذه هي أول انتخابات نيابية تشارك فيها حماس واعتياد خضوع معظم استطلاعات الرأي التي تجريها جهات مختلفة في أراضي 67 لأهواء القريبين من المشرفين عليها, غير أن ما نستطيع الجزم به هو عدم غياب هذا الاحتمال عن ذهن قيادات حماس, ورديفه إصرار فتح على أن تنأى بنفسها عن المشاركة مع حماس في حكومة واحدة, لذا فسيكون عبثياً افتراض عنصر المفاجأة في مسألة انتصار حماس لا من جهتها ولا من أي جهة أخرى كحركة فتح و"إسرائيل" ودول الطوق العربية و"إيران" والولايات المتحدة الأمريكية وحتى الأوربيين, وهو ما يبدو أنه قد تحسب له الجميع وقد يكون بعضهم قد غض الطرف عنه عامداً لغايات متنوعة, فحماس قد لا تكون رجحت تفوقها هذا الكاسح لكنها لم تفاجأ به, كما أنها لم تندهش من استنكاف فتح عن مشاركتها السلطة, وهي أيضاً تدرك أن هناك من يريد توريطها في ملفات شائكة وصعبة؛ لذا فهي تتحسب لخطواتها قبل وبعد وأثناء الانتخابات ومن ثم بنت استراتيجيتها على درء أعظم الشرين ولم اضطرت لفعل أدناهما, وسعت للحصول على بعض المكاسب من خيارها ذلك, فهي قد أرادت أن تكتسي شرعية سياسية تحد من غلواء الضغوط المحلية والإقليمية والدولية عليها, فحماس هذه المرة ليست طالبان؛ حيث جاءت للحكم عبر انتخابات تعد أنموذجاً في الشفافية والديمقراطية في العالم العربي, وإذ "يبشر" الرئيس الأمريكي جورج بوش العالم العربي بالديمقراطية, أتت حماس ممتطية جواداً ليس له مثيل في العالم العربي وحتى في الانتخابات العراقية التي أدارتها الولايات المتحدة بنفسها، والتي شابتها الكثير من مخالفات التزوير الواضحة, وعلى ذلك تمنح هذه الانتخابات أو رفضها ورفض التعامل مع مفرزاتها مبرراً لنسف المشروع الأمريكي في العالم العربي برمته. <BR><BR>وحماس لا تريد أن تستأثر فئة دونها بالقرار الفلسطيني وحرفه بالطريق الذي يضر بمصالح الحركة ومن ورائها الشعب الفلسطيني, وتريد ـ وهذا هو الأهم ـ ألا تصطف في مواجهة أي قوى داخلية قد تجترئ على محاولة نزع سلاحها ما يوصل التناغم الداخلي بسحب داكنات إلى حال احتراب داخلي متحتم في حال الإصرار على نزع سلاحها, وهو ما قد يكون رشح لديها من لقاءات أقطاب السلطة الفلسطينية مع قياداتها دقة الموقف الذي يجد نفسه فيه أبو مازن ورفاقه, وحشرهم إسرائيلياً في زاوية نزع سلاح الفصائل فيما لا تجد السلطة السابقة ذاتها قادرة على فعله مع تعاظم أجنحة الفصائل المقاومة حتى لو أرادت ذلك.<BR><BR>وحماس تدرك حجم الاختراق الذي أحدثه الشين بيت في الداخل الفلسطيني والذي يتجسد في عمليات الاغتيال الممنهجة، والتي لا تستطيع حماس إيقافها عبر التعامل مع العملاء الفلسطينيين لـ"إسرائيل" خارج نطاق القانون الفلسطيني, وحيث يبقى الانزعاج قائماً من استمرار وجود هذه الظاهرة المشينة تظل يد حماس مغلولة عن ملاحقة مرتكبي جرائم إرشاد المحتل عن أماكن المقاومين. <BR><BR>وحماس تجد نفسها مدعوة إلى الحذر دوماً من قيادات فتحاوية متنفذة متهمة بالتعامل المباشر وغير المباشر مع "إسرائيل", قد لا تجد الفرصة مواتية مع قوة حماس للفتك بها, لكنها قد تكون تحمل لهيباً من بين ثنايا ابتساماتها في اجتماعات الفصائل ولقاءاتها البروتوكولية ومنهم من تورط بشكل مباشر في تسهيل تسليم نشطاء من حماس ومن غيرها للاحتلال، وقد ترى حماس في إزاحة هؤلاء عبر صناديق الانتخابات فرصة لا تعوض. <BR><BR>وحماس تريد مزيداً من التواصل مع الشعب الفلسطيني عبر هيمنتها المباشرة على الوزارات الخدمية بعدما كانت تمارس عملها هذا من خلال مؤسسات تشبه حكومة الظل. <BR>وحماس التي حصلت على نسبة مشابهة للنسبة التي حصل عليها إخوان مصر (منسوبة إلى عدد مرشحيهم لا إلى عدد نواب مجلس الشعب) وهي نحو ثلثي عدد المرشحين تدرك أن مرحلة جديدة قد أظلتها لا تذر فيها طريقاً للعمل تحت الأرض إلا بقدر, وأنها بحاجة إلى الإفادة من هذه الثغرة التي فتحتها الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين بصفة عامة وفرعها الفلسطيني بصفة خاصة من أجل إقامة بعض قنوات الاتصال مع الغرب. <BR><BR>وحماس تدرك أنها وقد فقدت العديد من زعمائها وقادتها في الداخل, ومرت بظروف بالغة القسوة, دفعت أحياناً رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لتوجيه توجيهاته إلى الحركة بذكاء عبر قناة الجزيرة بعدم تسمية رئيس الحركة ونحو ذلك, تسير باتجاه مجهول فيما يخص وحدة قرارها السياسي وتحتاج لاستراحة محارب ريثما تتمكن من جديد من صياغة بناها الداخلية سياسياً على نحو أوفق لاسيما والجميع يعلم أن هناك بعض الاضطراب اعترى تصريحات ناطقيها في أعقاب استشهاد قادتها ويعلم كذلك أن ما تبقى من صفها الأول والثاني ليس على مستوى سلفهم.<BR><font color="#FF0000">ثمن صمت الجميع على فوز حماس: </font><BR>بادئ ذي بدء, لا يمكننا تصور أن (رئيس السلطة الفلسطينية) أبا مازن كان بوسعه الالتفاف على الرغبة الداخلية العارمة في إقامة الانتخابات في موعدها, ولا يمكننا تغييب الضغوط السياسية وأحياناً العسكرية التي تمارسها قوة فلسطينية رئيسية سياسياً وعسكرياً هي حركة حماس من أجل إرغامه على المضي قدماً في مشروعه المؤسساتي, غير أنه وعلى الجانب الآخر, لا يمكن وقوف جميع القوى المحلية والإقليمية والدولية مكتوفة الأيدي حيال إقامة الانتخابات ومن ثم فوز حماس بها ما لم يكن هناك قدر من الاستعداد لتمرير هذا الفوز أو لنقل توظيفه لصالح تلك القوى: <BR>ففتح: رغم ترهل مؤسساتها وعدم تناغمها واتفاقها حول أجندة واحدة, بدت واضحة في نشاز بعض أصواتها عن سياقها العام, سواء من مجموعات التفاوض السري من هذا الجانب إلى راديكاليي كتائب شهداء الأقصى على الجانب الآخر, إضافة إلى تنافر أطرها المؤسساتية, إلا أنها تستطيع توظيف هذا الفوز الحماسي في تأكيد عدة نقاط, أهمها ممارسة لعبة ليكود والعمل على المحتل "الإسرائيلي" من خلال تقديمها لنموذج للسلطة أكثر تشدداً حيال "عملية السلام", ومن ثم توجيه الغرب و"إسرائيل" مجدداً للتعامل البراجماتي مع فتح, وتوريط حماس في أزمة لا يمكن حلها ـ بنظر فتح ـ إلا بتراجع حماس عن ميثاقها, وانخراطها في مضمار السياسة الفتحاوية, ومن ثم البدء من حيث بدأت فتح مشروعها السلمي ما يعيد لهذا المشروع فعاليته من جديد, وإظهار التزام فتح بمبادئ الديمقراطية التي جعلتها تقيم انتخابات نيابية تخسر فيها وتتنازل عن السلطة انصياعاً لإرادة الجماهير الفلسطينية مما قد يعيد لشعبيتها بعض البريق, وإغلاق كثير من ملفات الفساد طبقاً لصيغة توافقية مع حماس (ربما).<BR><BR>و"إسرائيل" تريد أن تدفع حماس إما إلى "الاعتدال" ـ بنظرها ـ أو للانتحار, وكلاهما ينسف مشروع فلسطين من النهر إلى البحر الذي تتبناه حماس حالياً, وتأمل "إسرائيل" أن تتبدل قناعات حماس به عبر محددات السياسة وضواغطها, أو حتى أن تعيد اجتياح غزة والضفة مجدداً تحت غطاء دولي واسع. والواقع أن "الإسرائيليين" منقسمون حيال فوز حماس باعتباره خطأ ربما ارتكبته الحكومة "الإسرائيلية" لكنهم متفقون على ضرورة الإفادة على هذا النحو أو ذاك من انتصار حماس.<BR><BR>والولايات المتحدة الأمريكية: تريد وضع حماس على سندان الحكم لتلقي مطارقها التي تتعدد ما بين ممارسة ضغوط مباشرة ـ عبر القنوات التي فتحتها معها ـ أو غير مباشرة, عبر الضغط على الدول المانحة الأوروبية لتقييد حركة حماس في الحكم ووضعها في مأزق شعبي وآخر إقليمي وثالث دولي. ومن ثم حشرها في زاوية التنكر لماضيها النضالي وربما محاولة نسف المشروع السياسي الإسلامي برمته استناداً إلى القناعة الراسخة الآن لدى الإدارة الأمريكية ودوائر صنع قرارها ومراكز دراساتها بأن "الديمقراطيات لا تتصارع".<BR><BR>ودول الطوق: قد يكون المرجو من وصول حماس للسلطة مصرياً خلاف ما تبغيه سوريا من حماس, فمصر ساهمت بشكل أو بآخر في هندسة هذا الوضع الجديد ربما لرغبة منها في احتواء حماس وفتح معاً وتوظيفهما بما يخدم مصالحها التي قد تكون مع حماس أكثر "اعتدالاً", أما سوريا فهي الأشد سعادة في دول الطوق من انتصار حماس رغبة منها في توسيع الحلف المناوئ للولايات المتحدة وتنويع أوراق لعبتها مع اقتراب أسابيع الحسم في موضوع ملف اغتيال الحريري, ولا تبدو الأردن سعيدة بهذا الفوز الذي سينكأ لديها جراح الداخل الفلسطيني في أراضيها, ولبنان ـ كما في كثير من المواقف الحالية ـ منقسم في تقييم هذا الفوز وفي التمهيد له من قبل, فالفريق الموالي لسوريا لاسيما حزب الله مسرور بهذه النتيجة التي تعزز مواقعه فيما فريق 14 مارس (المنقسم أخيراً!!) قد لا يستريح لهذا الفوز لما يعززه من حظوظ الخصم. <BR><BR>وبرغم تلاقي إرادات بعض القوى في توريط حماس أو دفعها لتغيير مبادئها التي منها اكتست هذه الشعبية الجارفة, فلا نعتقد أن حماس تعيش مأزقاً حقيقياً وإنما تواجه استحقاقات فوز له إيجابياته كما له من سلبيات, وكل ما في الأمر أنها بحاجة لقدر عالٍ من اليقظة والإخلاص والتجرد في تحقيق أجندتها من دون الانجذاب إلى الأرض وثقلتها والتحليق مجدداً في أجواء النضال, وإن بأجنحة أخرى مختلفة. <BR><BR><br>