لماذا لا يعزل شارون؟!
26 ذو الحجه 1426

[email protected] <BR>استيقظ الفلسطينيون و"الإسرائيليون" من نومهم صبيحة الاثنين (16/1) مذعورين.. اتجهت أنظارهم باتجاه <BR>مستشفى "هداسا ـ عين كارم" في القدس المحتلة, اضطربت قلوب بعض العاملين بالمستشفى الشهير, لم ينصرف جل اهتمامهم باتجاه المريض, كان الاهتمام أكبر بمعرفة السبب في وعكته.. وكانت أصابع الاتهام مصوبة جميعاً باتجاه دجاجة!! <BR>المريض هو فلسطيني من سكان القدس المحتلة, والاشتباه كان في إصابته بأنفلونزا الطيور.. غير بعيد يرقد شارون في حجرته بالمستشفى ذاتها في غيبوبة عميقة, والمفارقة كانت في الاهتمام الذي حظي به الفلسطيني البسيط الذي يربي دجاجاً ـ نفق بعضه ـ في منزله من وسائل الإعلام، فيما ضن الإعلام في ذلك اليوم وما تلاه باهتمام بمن أطلق عليه "الإسرائيليون" إبان انتخابه "ملك اليهود" المنتظر, بما يحمله هذا اللقب من قداسة عند فريق من "الإسرائيليين" ظن أن الله قد بعث شارون ملكاً ليقيم مملكته, "مملكة الرب" التي ينتظرونها في آخر الزمان!! <BR>عبثاً يومها حاولت أن أجد في غابة الفضائيات الإخبارية ما يطمئنني على "رجل السلام" ـ وفقاً لـ(الرئيس الأمريكي) جورج بوش ـ فلم أقف له على خبر, كل ما وجدته في الواقع يتحدث عن فلسطيني بسيط يشاركه الدجاج منزله أصيب ببعض الأعراض التي هرع الأطباء إلى تحليلها في مستشفى "هداسا" خشية أن تكون أعراض أنفلونزا الطيور التي غدت مرض العالم المفزع.. وبرغم ما قدمه شارون من خدمات أفنى فيها عمره لـ"الإسرائيليين"؛ فإن غيبوبة شارون لا تسبب العدوى لأحد, ومن ثم فالاهتمام بالفلسطيني المقدسي ودجاجاته المعدية أمر لا يستوجب الاندهاش. <BR>تنفس الجميع الصعداء بعد إعلان وزارة الصحة "الإسرائيلية" خلو المريض الفلسطيني من فيروس أنفلونزا الطيور, واختفت العدسات ورحل معظم الإعلاميين من أمام مستشفى "هداسا", وانفض "الإسرائيليون" عن زعيمهم, وجدوا السير باتجاه استحقاقهم الحكومي والنيابي القادم, وهو ما بات يشغلهم كثيراً عن شارون ورقدته.<BR>فالحاصل بالتأكيد أن شارون لم يعد حاضراً إلا كعنصر محدود في المزاج الانتخابي "الإسرائيلي" الذي بات يترجم كل يوم يبقاه شارون على قيد الحياة بورقة انتخابية تصوت لمصلحة حزبه "كاديما", ولن نذهب بعيداً إذا ما اعتبرنا أن هناك من يعنيهم أن يبقى شارون هكذا "مجمداً"؛ لأن ذلك يصب في مصلحتهم, أعني ساسة "كاديما" والمنتفعين من وجوده, وهم كما يبدو من خطاباتهم لا يقعون على يسار يمين الليكود، وإنما هم للدقة النسخة الأمريكية من الليكود اليميني أو لنقل "يمين الغرب" برغم ما تحمله الكلمة من مفارقة, وأنهم يفتقدون لأي مبرر سياسي لتسللهم من ليكود غير اللحاق بالبلدوزر المهشم/شارون, والذي يظلون بحاجة إلى بقائه هكذا بين الحياة والموت لأجل قريب, فبودهم أن تنزع عنه الأجهزة حتى تنتهي حياته عشية الانتخابات في مطلع الربيع القادم, وبمعنى أوضح هم بحاجة إلى تذكر شارون ونسيانه في آن معاً!! بحاجة إلى كاريزما شارون وبحاجة إلى عدم ظهورهم كالأيتام بعد غياب مؤسس الحزب ومهندسه شارون, ولذا كان الأنسب دوماً أن يبقى شارون الغائب الحاضر في الحكومة ويصبح إيهود أولمرت/النسخة المصغرة من شارون هو "القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي", ما يستفز سؤالنا المنطقي حول تمسك رفاق شارون بعدم نزع صفة رئاسة الحكومة عنه برغم تبدد آمالهم من عودته إلى منصبه حتى لو تعافى تماماً في الحقيقة, إذ إن "إسرائيل" التي تقدم نفسها ويقدمها ذنيبات الثقافة والتطبيع العربي على أنها "واحة الديمقراطية" في "الشرق الأوسط" تترفع عن عزل رئيس حكومة لم يعد سراً أنه تجاوز مدة الصلاحية للاستعمال الرئاسي, وهو ما يقدم بوجه نظرنا صورة فاضحة للتعامل السياسي اللا أخلاقي مع قضية "إنسانية", حيث يستغل الغارق في غيبوبته في الترويج الدعائي لخلفائه البراجماتيين. <BR>شارون ساقط الآن في غيبوبته, وربما ستنتهي حياته في لحظة مناسبة تساهم في رفع أسهم أولمرت, لكنه في تلك اللحظة بالذات التي تبتعد قليلاً عن موعد الانتخابات نسيٌ منسيٌ, وفي ذلك معنى لا يجوز أن يغيب بلطائف الأفكار عن شخصية كان يصدر الرئيس الأمريكي عن آرائها ولا ترجع إليه, وفرضت نفسها على الواقع العربي بقوة حتى حققت ما كانت تصبو إليه من هرولة الزعماء العرب إليها وهي تشيح بوجهها عنهم صلفاً وعتواً, ودارت بها الأحداث حتى غابت عنها وهي حاضرة, بحضور الجسد وغياب الأثر, فغرقت سياسته في بحر المقاومة اللجي, وظل الجسد راقداً يشهد على ركسة المشروع في مدينة مقدسة ذات دلالة, فهنا يرقد جسد شارون.. بالقدس المحتلة حيث "هداسا ـ عين كارم" التي طغت أخبار الدجاج النافق على أخباره, وحيث قضت الأقدار بأن يغرق في غيبوبته في المدينة المقدسة التي شهدت تفجيره لانتفاضة الأقصى إثر اقتحامه للمسجد الأقصى في خريف عام 2000م, وبعد 1800 يوم، تحديداً من تعهده لمناصريه إثر نجاحه بأنه سيقضي على انتفاضة الأقصى خلال 100 يوم.. فاليوم ـ بعد ستين شهراً ـ قد بطل سحره مثلما بطل سحر السامري.. "وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً".. <BR><BR><br>