الدليمي جيت .. الطريق إلى الدجيل2005
18 شوال 1426

[email protected] <BR>يقولون إنها لا تسقط بالتقادم, ويقولون إن الاعتراف هو سيد الأدلة: جرائم الحرب والاعتراف بها.. وأسوأ من الاعتراف بالجريمة, الاعتراف بها قبل وقوعها أو التهديد بها ثم ارتكابها أو للدقة بمفهوم القانونيين: ارتكاب الجريمة مع سبق الإصرار والترصد. <BR>والجريمة بالأساس لا تحتاج إلى هذا الترصد, فالمغدورون أطفال تئد القنابل العنقودية براءتهم، ونساء ضعيفات تطيش القذائف بأحلامهم.. <BR>وأما الاعتراف فلم نألُ في طلبه جهداً, فقد عمدت إليه الوكالات والفضائيات فطيرته في أركان الدنيا, وليس من ذنبنا أن دهاقنة محاكمات نورمبرج الجدد صمت آذانهم عن سماعه.. <BR>الاعتراف يقول: "إن القطعات العراقية ستقوم بحملة أمنية واسعة النطاق على القرى والقصبات التي لا تزال تؤوي الإرهابيين (..) وهذا إنذار نهائي (..) هناك بعض القرى والقصبات لا تزال تؤوي الإرهابيين، وهؤلاء إما مغلوبون على أمرهم أو لا يزالون يتكؤون على أمل معين .. هؤلاء سيواجهون تدمير منازلهم على رؤوس نسائهم وأطفالهم" (سعدون الدليمي وزير الدفاع العراقي المعين في مؤتمر بمقر وزارة الدفاع 3 نوفمبر الحالي).<BR>وأما الجريمة فبيوت بالفعل تسقط فوق رؤوس أصحابها من النساء والذراري في أول مفاخر وانتصارات جيش العراق الجديد, وأول معاركه التي يخوضها منظماً على هذا النحو من القوات المؤللة والكتائب المحتشدة.. <BR>وأما عنوان الغارة/الجريمة فهي "الستار الفولاذي", ولواؤها يرفعه "ميكيافيلي", إذ ملاحقة "الإرهابيين" أو "المقاومين" تبرر قتل النساء والأطفال ودك البيوت فوق رؤوسهم!! <BR>هذه أركان القضية تبدو الآن قد تكاملت أمام المحققين, ولم يبق إلى أن نرى الجاني في قفص العدالة.. ولو بعد حين. <BR><BR>الدجيل والقائم:<BR><BR>وحيث لن نراه الآن بين يدي العدالة, فبوسعنا أن نستدعي فقط صورة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قفصه, حيث يواجه تهمة قتل 147 من أبناء الدجيل بعد تعرضه لمحاولة اغتيال اعترف بها الادعاء ذاته ولم ينكرها, وذلك إثر محاكمة صورية ـ أو هكذا قال الادعاء ـ أجراها البعثيون في بلدة الدجيل, وزجوا بعوائل الدجيل من نساء وأطفال في معسكرات اعتقال.. <BR>وفي فضيحة الدليمي جيت أو الدجيل 2005 صدر التهديد أولاً, وانطلقت الطائرات والآليات فقصفت وضربت خبط عشواء المدنيين, ولم ترهق نفسها بالتحوط لوجود النساء والأطفال إذ قد أعذر من أنذر, وتوالت الفضائيات تبث صوراً لبيوت مهدمة .. ووعد سعدون الدليمي فوفى, ولفرط إخلاصه تبين أنه لم يحاول أحد اغتياله, بل لم يهدده أحد من الأساس!!<BR>فضيحة الدليمي جيت ووجهت في الحقيقة بعاصفة من الاعتراضات داخل منظومة القوى العراقية المستقلة طالبته بالاستقالة باعتباره الحد الأدنى من المطالب, غير أن العدالة تقتضي المطالبة بكل شجاعة بمحاكمة الرجل, إذ تسمو مهمة وزير الدفاع كثيراً ـ فيما نعلم ـ عن تقتيل أطفال أبناء شعبه إلى تأمين أمن وطنه وحدوده الخارجية. <BR><BR>علي "الكيماوي" وسعدون العنقودي: <BR><BR>إذا كان الجدل حول مسؤولية علي "الكيماوي" والنظام العراقي السابق عن مجزرة حلبجة أو النظام الإيراني لم ينته بعد, لا بل يبدو كذلك لم تستقم الأدلة في يد المحكمة لتقوم بمحاكمة متماسكة لنظام صدام ومعاونه علي "الكيماوي" لتقدم رأسيهما لـ"العدالة", أو بالأحرى لأن هذه الأدلة إما تقود لاتهام إيران الذي كانت تملك غاز الخردل في المعركة والتي تقع المدينة المنكوبة على تخومها بما يحرج الدولة الشريكة للولايات المتحدة في حكم العراق سياسياً وعسكرياً, وإما تقود لاتهام (وزير الدفاع الأمريكي الحالي) دونالد رامسفيلد بتصدير هذا الغاز السام للعراق إبان الحرب العراقية/الإيرانية, وهو ما لم يكن متصوراً أن يجلس جوار صدام في القفص ـ إذا كان الأمر كذلك ـ , فإن مسؤولية سعدون الدليمي عن قتل أبناء شعبه من النساء والأطفال لا تحتاج إلى أدنى دليل بعد التهديد والتنفيذ بالقنابل العنقودية من ثَم في القائم والحصيبة. <BR>ومن تخوم إيران إلى تخوم سوريا لم تختلف الصورة كثيراً إلا في أعداد القتلى الذين سقطوا في حلبجة بغزارة وفي القائم على نحو محدود, بيد أن ذلك في الحقيقة لم يغير من طبيعة دموية المعركة وتهافت مبرراتها, تلك المبررات التي لا تتساند إذا ما سيقت, وإنما لا يزيدها اجتماعها إلا هشاشة وارتكاساً, فتحْت لافتة ضرب الترهيب والتخويف الذي جعل محافظة الأنبار تشهد إقبالاً ضئيلاً على الاستفتاء, وهو ما يمكن اعتباره درباً من دروب "جهاد الطلب" الأمريكي ـ والدليمي أيضاً ـ الذي يتبرأ منه الكثيرون, وغير المبرر من الناحية الأخلاقية كذلك في ظل موقف سياسي يتخذه مجمل قاطني هذه المحافظة , حيث الموقف السياسي المقاطع للاستفتاء "المعجز" يعوزه القهر بالقوة حتى يتخلى عن سلبيته ويتخذ موقفاً أكثر إيجابية وتساوقاً مع الموقف الأمريكي.. كانت هذه العملية التي اتخذت لها اسماً سخيفاً "الستار الفولاذي", الذي يمكن بدوره أن نراه ـ مثلما أراد له رافعوه ـ ستاراً يحول بين العراق وسوريا (تحت ذريعة منع المتسللين من العبور من سوريا إلى العراق), ربما تمهيداً لإحكام قبضة "الفولاذ" على سوريا قبل الاعتداء عليها أو خنقها على التقدير المتفائل. <BR>ومن هنا تكون النصيحة واجبة للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بألا يبرح مقر الجامعة في القاهرة, وألا يرهق نفسه بجولاته المكوكية تارة للبحث عن دور عروبي في العراقي, وتارة للحؤول دون تردي الوضع في سوريا, وليكتفي بالنظر من شرفتها فالتاريخ قد عاد القهقرى لمدة ما قبل الجامعة, وأحلام الوحدة العربية قد استحالت أضغاثاً, فلن يكون ثمة دور للجامعة ولن تكون هناك وحدة بين الأشقاء, حيث تضرب الستائر الفولاذية التي هي أشد صلابة من الجدار الواقي في فلسطين حول حدود العراق.. ففولاذ الدليمي (العراقي/السوري) يتفوق بلا مراء على خرسانة شارون. ("الإسرائيلية"/الفلسطينية).. وحدود سايكس ـ بيكو لم تعد مخطوطة بالقلم الرصاص كما كانت أول مرة, وإنما خطت بحمم اللهب وأطنان القنابل , بستائر الفولاذ وبالرصاص ذاته.. <BR><BR><BR><BR><br>