انتخابات البرلمان الأفغاني والدستور العراقي عكازا بوش المنهار
17 شعبان 1426

تماما كما ضغطت الولايات المتحدة على أنصارها في العراق لاستعجال الانتخابات التشريعية وإصدار دستور متعجل للتلويح به كأحد انجازت الديمقراطية التي وعد الرئيس بوش في هذا البلد المحتل رغم عدم استقرار الوضع الأمني وصعوبة مشاركة كافة القوى السياسية فيها، تكرر نفس السيناريو في أفغانستان هذه المرة في الانتخابات البرلمانية الأولى من نوعها التي تجري منذ عام 1969، والتي انتهت يوم 18 سبتمبر الجاري 2005!.<BR><BR>فقد تأجلت هذه الانتخابات الأفغانية أكثر من مرة، وكان مقررا أن تجري مع الانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي 2004، ثم تأجلت إلى مايو الماضي 2005، ثم تأجلت مرة أخرى إلى سبتمبر 2005 نتيجة تصاعد عمليات حركة طالبان العسكرية ونجاح المقاومة في السيطرة على عدة مدن وإسقاط بعض الطائرات الأمريكية، وتردد أن واشنطن ضغطت على الرئيس كرزاي لإجراء الانتخابات كي يستخدمها الرئيس بوش – بجوار الدستور العراقي – كعكازين يقف عليها في أعقاب حملات الإخفاق السياسية وتدني شعبيته مؤخرا.<BR><BR>فالانتخابات الرئاسية الأفغانية التي جرت يوم 9/10/2004م والتي أسفرت عن فوز الرئيس المؤقت حامد كرزاي، نجحت في تدعيم المشروع الأمريكي هناك الساعي لاستبعاد من يسمون "لوردات الحرب" من قادة الجهاد الأفغان السابقين ضد الاتحاد السوفيتي، زادت ثقة كرزاي بنفسه ومن ثم قلة اعتماده على الأحزاب الجهادية السابقة، فسعى – عبر الانتخابات البرلمانية الأخيرة - للتخلص من هذه المجموعات المسلحة المتبقية منذ عهد المجاهدين السابقين مثل رباني وعبد رب الرسول سياف وتشتيتها، مقابل تقوية دور الأحزاب العلمانية والجهات التي وقفت مع معه في معركته الانتخابية، مثل الجبهة الوطنية لسيد أحمد جيلاني، وحزب "أفغان ملت" وهو الحزب القومي المؤسس على التعصب للعرقية البشتونية.<BR><BR>ورغم الاعتراف الأمريكي بتصاعد المقاومة الأفغانية هناك بشكل كبير، وتخوف قادة أجهزة الأمن من تصاعد الهجمات على مراكز الاقتراع أو صعوبة إجراء الانتخابات أصلا في بعض المناطق التي لا تزال لطالبان مسيطرة عليها، فقد جاء الإصرار الأمريكي على إجراء هذه الانتخابات بأي شكل لحفظ ماء وجه الرئيس الأمريكي ليؤكد المخاوف السابقة بعدما انطلقت صواريخ طالبان لتدك بعض مراكز الاقتراع وتزيد الجدل حول نسب المشاركة في الانتخابات وهل الإصرار على إجراءها في هذه الأجواء غرضه تثبيت أنصار كرزاي من الأحزاب العلمانية وإزاحة القوى الإسلامية أم ماذا؟!.<BR><BR>فقد أعلنت طالبان أن مقاتليها شنوا نحو 33 هجوماً في العديد من الولايات الأفغانية كما أعلن عبد اللطيف حكيمي المتحدث باسم الحركة مسئولية طالبان عن الهجوم الصاروخي الذي استهدف مبنى تابعا للأمم المتحدة قرب مركز انتخابي في كابول، وحذروا من المشاركة بالانتخابات باعتبارها "مكيدة أمريكية".<BR>وتزامن هذا مع إعلان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان جان أرنو، "أن المخاوف الأمنية مازالت قائمة". على الرغم من انتشار 100 ألف جندي من قوات الشرطة والجيش الأفغاني المدعومين بنحو 30 ألفاً من القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي لحماية الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في نحو 6 آلاف مركز للاقتراع.<BR><BR><font color="#0000ff">الإسلاميون يشاركون مستقلين: </font><BR>تجري الانتخابات هذه المرة لتشكيل برلمان مركزي يسمى "ولسي جركه"، ويتنافس في هذه الانتخابات 5850 مرشحاً، بينهم 330 سيدة يتنافسن لشغل 68 مقعداً خصصت لهن بالبرلمان، وقد خصص للبدو 10 مقاعد، وبذلك يكون مجموع عدد مقاعد البرلمان المركزي 249 مقعدا.<BR>ويتنافس في هذه الانتخابات بشكل أساسي 75 من الأحزاب السياسية الجديدة غير المعروفة التي حصلت على رخصة العمل من وزارة العدل، بيد أن المنافسة الحقيقية تدور بين المستقلين من تيارات الجهاد الأفغاني السابقة الذين حرمتهم شروط الأمم المتحدة – التي وضعتها واشنطن – من الترشح في الانتخابات بأحزابهم ولم يبق لهم سوي الترشح مستقلين مع تسليط سلاح الفيتو أو اعتراض الجماهير على رقابهم كي يخلو الطريق للتيار العلماني والمرشحون الجدد من الشباب ورجال الأعمال.<BR><BR>ولهذا قاطعت أحزاب جهادية سابقة الانتخابات رغم نزول بعض أفراد منها مستقلين، مثل مقاطعة حركة طالبان والحزب الإسلامي التابع لحكمتيار والحزب الإسلامي لمولوي محمد يونس خالص، واحتج آخرون على الاحتفاء بأحزاب علمانية موالية للغرب وتسهيل الطريق لها للفوز والتلاعب في الانتخابات، وبالمقابل رفض تسجيل أحزاب سياسية إسلامية مثل "الحزب الإسلامي الأفغاني"، وحزب "اقتدار إسلامي أفغانستان".<BR>ولهذا دارت الانتخابات بشكل رئيسي بين المستقلين سواء من التيار العلماني أو القوى الإسلامية المستقلة من الأحزاب الجهادية السابقة الذين جرى ترشيح أبرز رموزهم مثل: عبد رب الرسول سياف، والمهندس أحمد شاه أحمد زاي، ومحمد يونس قانوني، وسيد أحمد جيلاني، وبرهان الدين رباني أول رئيس أفغاني مؤقت بعد هزيمة طالبان.<BR><BR>ودارت تلك الانتخابات البرلمانية بين الرموز القديمة والرموز الحديثة التي يسعى الأمريكان بالتعاون مع الرئيس كرزاي لإنجاحها كي يحدث تناغم مستقبلي بين الرئاسة والبرلمان ويسهل إصدار قرارات سياسية هامة بدون معارضة تذكر خاصة أن أحد النقاط الهامة التي يرمي لها الأمريكان – كما حدث في العراق - هي السعي لإقرار البرلمان الأفغاني شرعية الوجود العسكري الأمريكي هناك فلا تصبح "قوات احتلال" كما تسمي، ولكن قوات شرعية تستعين بها الحكومة.<BR><BR>والأخطر هو أن يتم استغلال البرلمان لتمرير مسألة السماح بقواعد عسكرية أمريكية في أفغانستان سبق تسريب معلومات أمريكية عنها، بحيث يتم إعطاء الشرعية لهذه القواعد التي تحتاجها واشنطن بشدة بعد رفض أوزباكستان المجاورة السماح باستمرار استغلال واشنطن لقواعدها العسكرية هناك.<BR>اذ سبق لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أن اعترف بوجود قواعد أمريكية في العراق وأفغانستان. <BR><BR>وكانت قد تعددت أواخر 2004 تقارير الصحف الغربية حول هذه القواعد، وبدأت الصحف المحلية تشير إلى أن القوات الأمريكية تنشئ لنفسها قواعد دائمة في أهم المناطق الأفغانية.<BR><BR>وفي هذا الصدد نقلت رويتر عن "فادير صافي" ـ الأستاذ بجامعة كابول تأكيده هذه المنافسة الشرسة بين المستقلين الإسلاميين من مرشحي الفصائل الجهادية السابقة والقوي العلمانية الأخرى والمستقلة والقبلية قوله: إنه إذا أبلت فصائل الميليشيات بلاء حسنا في الانتخابات، فإن البرلمان سيكون "مليئا بالتناقضات.. ويمثل مشكلة مع الحكومة "!<BR>ويقول محللون أن هناك احتمال كبير جدا أن يكون البرلمان مقسما بشكل كبير.. برلمان سيتحتم على الرئيس "كرزاي" أن يوفق أوضاعه معه باستمرار، وسوف يجد أغلبية مختلفة في كل قضية.<BR><BR><font color="#0000ff">طريقة مفيدة للتزوير!</font><BR>وتشكو القوى الإسلامية الأفغانية ليس فقط من قوات الاحتلال الأمريكية التي ربما تتدخل في لجان الانتخاب لصالح أنصار كرزاي، ولكن أيضا من النظام الغريب للانتخابات الذي يسمح ضمنا بفوز أنصار كرزاي واعتبار الإسلاميين مهزومين حتى لو فازوا!!.<BR>فوفقا لطريقة الانتخابات العادية يتم تقسيم الولاية لدوائر على أن يفوز في كل دائرة شخص واحد منها، ولكن طريقة انتخابات أفغانستان تجعل الولاية كلها دائرة انتخابية واحدة (كما حدث في انتخابات العراق!!)، ولم يتم تقسيم الولاية لعدة دوائر انتخابية كما هو الحال في مثل هذه الانتخابات، بحيث يجري التصويت في كل الدوائر الانتخابية على قائمة المرشحين عامة في الولاية وليس على مرشحي الدائرة فقط، ليفوز في النهاية من حصلوا على أعلى الأصوات في كل الدوائر الانتخابية وليس في دائرة واحدة.<BR><BR>ومن الواضح أن هذه الانتخابات التي يشرف عليها مراقبون غربيون في بعض الدوائر وينتظر إعلان نتائجها في منتصف أكتوبر القادم سوف تنتهي لفوز نسبة لا بأس بها من المستقلين من أنصار الجماعات الجهادية القديمة رغم محاولات التضييق عليهم، ولكنها ستشهد بدورها فوز نسبة كبيرة من الجيل الجديد ومن رجال الأعمال الجدد – وبعضهم يستفيد من تجارة المخدرات - الذين ينفقون ببذخ على الدعاية.<BR>كما أن ضعف نسبة المشاركة التي لم تزد عن 20% من الناخبين، نتيجة الشك في نتائجها لأنها تجري في ظل الاحتلال أو عدم التعود على مثل هذه الانتخابات، والأهم الخشية من تعرض مراكز الاقتراع للقصف، سوف تنعكس على تقلص فرص المستقلين من التيارات الجهادية القديمة وغالبا ما سيصوت الناخبون المشاركون لصالح أنصار الحكومة وكرزاي.<BR>والأكثر أهمية أن البرلمان المنتخب المتوقع أن يضم أنصار المعارضة والحكومة معا لن تكون له صلاحات تذكر أو لن يتمكن من تنفيذ أي دور برلماني أو رقابي على الحكومة نتيجة الاحتلال الأمريكي للبلاد وسيطرة العناصر الموالية للغرب على السلطة، ما يعني أن الانتخابات ستكون في نهاية الأمر مجرد دعاية وعكاز للرئيس بوش يستند اليه عندما يحاكمه الكونجرس على تبديد أموال أمريكا في حروب خارجية بزعم أنه ينشر الديمقراطية في العالم الإسلامي كي يقي أمريكا شر الارهاب!.<BR><BR>والأهم أن كرزاي والاحتلال يضمنون بذلك أن يأتي برلمان مسالم يسهل قيادة كي يصدق على اتفاقيات إقامة قواعد عسكرية في أفغانستان، ودستور جديد ينقل أفغانستان لمرحلة أخرى بعيدا عن سيطرة طالبان أو أمراء حرب السوفيت من المجاهدين الأفغان.<BR><BR><br>