موريتانيا .. الديمقراطية الانقلابية الخلاقة !!
29 جمادى الثانية 1426

[email protected] <BR><BR>حين استقبل زعيم عربي الرئيس الموريتاني في بلاده تلعثمت كلماته وتعثرت على شفتيه، وهو ينطق اسم الرئيس الموريتاني المخلوع. لم يكن الرئيس العربي يجهل اسم ضيفه، لكنه خشي أن يقول: "سيدي" ، وهو "سيد" بلاده، فصمت هنيهة ثم قال: "فخامة الرئيس معاوية ولد .. ولد الطايع". <BR>ولا يخالف الضيف مضيفه في حب "السيادة، فكلاهما دب الشيب في محياه، وهو سيد في قومه، وفي بلاد بني يعرب يندر أن تقابل رئيساً سابقاً، فتاركي العروش هم ما بين "راحل" و"مخلوع"، ومعاوية ولد "سيدي" الطايع من الصنف الأخير. <BR>وإذا كان صدام حسين قد انخلع بعملية جراحية احتلالية باهظة في مشرق العرب ؛ فإن معاوية الطايع في مغربه قد انخلع بعملية بسيطة بـ"الليزر" لم يشعر معه الشعب الموريتاني بأي آلام ولا الشعوب الكارهة للديكتاتورية.<BR>وقد وعدنا من بلاد العم سام بغد "إصلاحي مشرق"، فإذا الغرب انقلاب !! وإذا "الفوضى الخلاقة" التي بشرتنا بها الآنسة كونداليزا رايس كإرهاص للديمقراطية الأمريكية القادمة قد استحالت عودة إلى عهود الانقلابات العسكرية في الستينات التي تمني شعبها بسنتين بطولهما حتى يتسنى لها أن تحقق الديمقراطية الموعودة. <BR>ولا تستبد بنا الظنون أن تمتد هاتان السنتان كما باركها ولد طايع من قبل ببركة العرش فانتفشت حتى صارت 21 عاماً انتقالياً زاهراً، لم يمهله القدر أن يستثمرها "انتقالياً" حتى يصيرها "انتقالية أبدية سرمدية"، فقد تكون بالفعل انتقالية لها ما بعدها إن تضافرت عدة قوى محلية ودولية على أن تكون كذلك مثلما كان الحال مع (قائد الانقلاب الشهير على الرئيس السوداني المخلوع ـ أيضاً ـ جعفر نميري) المشير سوار الذهب، أو خلصت لها النوايا .. لكن السائد دوماً هو أن الحالة الملائكية التي تجعل الانقلابي يعرض رأسه لمغادرة جسده من أجل تحقيق الديمقراطية عملة لا تكاد تجدها في بنوك الحكم الحالية. <BR>على أية حال ؛ فإن الأمل يحدونا أن ننتظر تغييراً من حكم الانقلابيين أو "الثوار" وفق التسمية الشائعة عن الانقلابيين الناجحين عن حكم الديكتاتور السابق، لاسيما وأن كثيراً من الموريتانيين لا يتوقعون أن يصير حكم الانقلابيين أسوأ من حكم الانقلابي المخلوع معاوية ولد طايع، فالأخير قد ساءته مشاعر أبناء بلد المليون شاعر النافرة من صديقة موريتانيا الجديدة "إسرائيل"، والذي سعى حثيثاً بالتحالف معها حتى إبان المجازر التي كانت تنفذها "إسرائيل" في الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى، والتي لم تحل دون بقاء سفير موريتانيا في "إسرائيل" في الوقت الذي عاد سفيراً مصر والأردن إلى القاهرة وعمان، وتدخلت قوات "إسرائيلية" وأجنبية لدعم نظامه خلال تعرضه للانقلاب المنسوب للرائد ولد حننا (الثامن من شهر يونيو 2003م).<BR>وولد الطايع استنكف أن ينافسه محمد ولد هيدالة (الرئيس السابق للبلاد) في انتخابات نوفمبر 2003م فأوقفه عشية الانتخابات ثم اعتقله في اليوم التالي لها (الثامن من الشهر ذاته) بتهمة تدبير انقلاب ضده (من العجيب أن يكون كثير من منافسي الرؤساء في الدول العربية هم من أرباب السوابق)، وولد الطايع اتهم بقمع المعارضتين الإسلامية والوطنية ووضع علماء دين مشهورين هم الشيخ محمد الحسن ولد الددو، والمختار ولد محمد موسى، ومحمد جميل ولد منصور، والذين يقول عنهم (رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي) مسعود ولد بولخير في مؤتمر صحفي عقد في الثالث عشر من أكتوبر 2004م لتحالف المعارضة الموريتانية أنهم "معروفون بمواقفهم الصارمة والصريحة في إدانة العنف والتغيير بحمل السلاح". (صدر بيان باسم الداعية السعودي سلمان العودة قبل الانقلاب بأيام قليلة ناشد فيه الرئيس المخلوع بالإفراج عن الددو ورفقائه واصفاً إياهم بالاعتدال والوسطية)، ومعاوية ولد الطايع شهد عهده فساداً إدارياً هائلاً وتراجعاً اقتصادياً مريعاً لم ينعشه ارتماء النظام السابق في أحضان "إسرائيل".. اللهم إلا عبر منحة مستشفى السرطان اليتيم الممنوح "إسرائيلياً" لموريتانيا لملاحقة انتشار المرض في موريتانيا كما في بعض البلدان العربية المرتبطة علنياً بـ"إسرائيل"، والتي أتخمتها بالمبيدات المسرطنة. <BR>ولد الطايع إذن في نظر المعارضين الموريتانيين هو سبب كل بلاء حل بالبلاد، وهو أيضاً لم يعد موضع تقدير من كثير من الزعماء العرب، لا لأنه اقترف كل ما سبق وفوقه الكثير، بل لأنه لم يفطن لعزم الانقلابيين على اصطياد الحكم أثناء وجوده في الخارج مثلما سبق وأماط الأمن الموريتاني عن ذلك أثناء الاعترافات المتلفزة للرائد محمد ولد الواعر، والذي أفاد فيها بأن الانقلابيين السابقين كانوا قد عزموا على إطاحة الطايع أثناء وجوده في فرنسا الذي كان مزمعاً في 9 أغسطس 2004م .. لم يتعظ بذلك وقامر بسفره، ثم فشله طوال 21 عاماً قضاها في السلطة في تدجين الجيش وقوى الأمن، وصناعة الموزايك الأمني "العرفاتي" الناجع في منع أي محاولة انقلابية "أثيمة"، وتلكما هما الخطيئتان اللتان يراهما هؤلاء تسحب من مقترفيهما مبررات البقاء والديمومة، إذ الراحل خير بالأكيد من المخلوع، وعلى الشعوب تدور الدوائر.<BR><br>