هل تنجح خطة شارون لتشجيع الاقتتال الفلسطيني ؟!
18 جمادى الثانية 1426

لم تكن المعارك التي وقعت مؤخراً بين فصائل من حركة حماس والشرطة الفلسطينية، والتي قتل فيها ناشطين من حماس وجرح أربعة برصاص الشرطة الفلسطينية هي الأولى ، ولن تكون الأخيرة في ظل "الحلول المفخخة" التي تضعها تل أبيب للقبول ببعض الانسحابات الجزئية من الأراضي الفلسطينية ، والتي يراهن من خلالها شارون قبل أي شيء علي الاقتتال الداخلي الفلسطيني والحرب الأهلية بين السلطة والمقاومة .<BR>صحيح أن نفراً من حركة الجهاد أساؤوا اختيار توقيت تفجير نتانيا داخل فلسطين المحتلة 48 ، وأعطوا شارون فرصة تشديد الضغوط على السلطة قبل خطة الانسحاب من غزة الشهر المقبل (أغسطس)، ولكن الصحيح أيضاً أن شارون هو أول من خرق تفاهمات شرم الشيخ لوقف متبادل لإطلاق النار ، كما أخطأ أبو مازن بدوره ووقع في الفخ الأمريكي والصهيوني المنصوب بعناية له وللشعب الفلسطيني بهدف نقل المعارك من تل أبيب إلي غزة والضفة واختصار الدولة الفلسطينية في غزة عندما أصدر أوامره بقتل نشطاء حماس الذين يطلقون صواريخ القسام.<BR><BR>فأبو مازن هو الذي خرق أولاً تفاهمات الحوار الفلسطيني الأخير بالقاهرة في مارس 2005 ، والتي نصت علي التهدئة مقابل تثبيت مواعيد الانتخابات المحلية والتشريعية الفلسطينية (عقد الانتخابات المحلية والتشريعية في توقيتاتها المحددة وفقاً لقانون انتخابي يتم التوافق عليه )، وبدأ الأمر بإلغاء نتائج انتخابات دوائر محلية في غزة فازت بها حماس ، وانتهاء بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقرراً لها هذا الشهر (يوليه 2005) إلى أجل غير مسمي خشية فوز حماس بها !! <BR><BR>حيث أظهرت نتائج الانتخابات البلدية التي جرت حتى الآن فوز حماس بـ40% من المقاعد في معاقل فتح بالضفة الغربية ، و70% في غزة ، وهو ما عد مقدمة لفوز حماس في الانتخابات التشريعية وحكمها غزة والضفة قبل الانسحاب الإسرائيلي بشهر واحد ، ودفع قادة الجيش الصهيوني للتصريح أنهم لن ينسحبوا في حالة فوز حماس رغم أنها انتخابات ديمقراطية حرة سيشرف عليها الاتحاد الأوروبي !!<BR><BR>كذلك خرق أبو مازن البند الخامس من بيان القاهرة الختامي للحوار الفلسطيني بشأن دمج حماس والمقاومة في فتح والذي نص علي أنه:" وافق المجتمعون على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية بصفة المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ومن أجل ذلك تم التوافق على تشكيل لجنة تتولى تحديد هذه الأسس وتتشكل اللجنة من رئيس المجلس الوطني وأعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وشخصيات وطنية مستقلة ويدعو رئيس اللجنة التنفيذية لهذه الاجتماعات ".<BR><BR>وما لا يعرفه الكثيرون هو أن حالة الاحتقان كانت مرشحة للانفجار في الأراضي الفلسطينية بسبب هذه الخروقات القاتلة من جانب حركة فتح والسلطة من جهة ، ومن جانب قوات الاحتلال في صورة قتل وجرح عشرات الفلسطينيين واعتقال عدد يفوق الـ 400 أسير الذين أطلقت تل أبيب سراحهم مؤخراً ، رغم أن اتفاق التهدئة ينص علي "تهدئة متبادلة" مع حكومة شارون .<BR>ولهذا كان من الطبيعي أن تحدث خروقات أو "ردود أفعال من جانب المقاومة للرد على الخروقات الصهيونية ، مع الاعتراف أن هناك حالة قناعة لدي المقاومة أن خطة شارون للانسحاب من غزة ليس لصالح الشعب الفلسطيني في نهاية الأمر، ولكنها لصالح شارون الذي يسعى لاختصار الدولة الفلسطينية في غزة ويستهدف بالانسحاب وقف نزيف الدم بين قواته المنتشرة في غزة ، وإعادة نشر هذه القوات لمزيد من إحكام الحصار حول غزة ومدن الضفة الأخرى ، وتبرير أي هجمات شرسة مستقبلاً على غزة بأنه انسحب!<BR><BR>بعبارة أخري ، ليس من صالح المقاومة تنفيذ خطة انسحاب غزة؛ لأنها في نهاية الأمر خطة شارونية لحصار الفلسطينيين في (دولة غزة)، وضربهم فيها لو حاولت المقاومة تنفيذ أي عمليات والتحجج هنا أنه انسحب، ومع ذلك يضربون شعب إسرائيل ، وليس من صالحها هذا الانسحاب؛ لأنه سيضع قيوداً على تحركاتها مستقبلاً نتيجة التدخل الأمريكي المتزايد في شؤون الفلسطينيين وربط المساعدات بوقف المقاومة !!<BR>والخطورة الأكبر هنا أن أبا مازن لا يقرأ الوضع الفلسطيني الداخلي بمزيد من الحرص كما كان يفعل عرفات ، ولا يدرك خطورة الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية لنزع سلاح المقاومة بالقوة ، وتأثيرها المتوقع على تسريع حالة الاقتتال الداخلي بين السلطة والمقاومة .<BR><BR>فشارون يتمنى أن تحدث مثل هذه الصدامات والحرب الأهلية الفلسطينية بعد الانسحاب من غزة ، وتحت شعار "تدمير البنية التحتية لمنظمات الإرهاب"، يمارس هو وبوش ضغوطاً مشددة على محمود عباس (أبو مازن) لإعلان الحرب على حركتي حماس و الجهاد الإسلامي بدعوى منافستهما لنفوذه في السلطة مستقبلاً واحتمالات فوزهما في أي انتخابات فلسطينية مقبلة ، ولم تكن مصادفة أن يعلن بوش عن نقل مساعدات مالية عاجلة لأبي مازن في نفس يوم الصدام مع حماس ! <BR>بل إن هناك من المحللين الفلسطينيين من تساءل عما إذا كان من قبيل الصدفة أن تنطلق الطائرات الإسرائيلية لقتل ستة من قيادات حماس الميدانية في نابلس وقطاع غزة بعد لحظات من الصدامات الفلسطينية / الفلسطينية، وقتل الشرطة الفلسطينية اثنين من حماس كانا عائدين من مهمة إطلاق صواريخ القسام على المستوطنات ، وهل هناك تنسيق بين السلطة والقوات الإسرائيلية لشن حرب لا هوادة فيها على فصائل المقاومة الفلسطينية ؟! <BR><BR><font color="#0000ff">المخاطر الكبرى </font><BR>والمخاوف الآن هي أن تنهار التهدئة وتفاهمات شرم الشيخ ، ويجد شارون الأمر فرصة لاسترضاء المنظمات الدينية اليمنية اليهودية المتطرفة التي تهدد بقتله لو انسحب من غزة لفرض مزيد من الضغوط علي الفلسطينيين وتنفيذ انسحاب غير مكتمل أو مرتبط بشروط وتهديدات باجتياح شامل لقطاع غزة في حالة إطلاق أي صواريخ من غزة علي مدن صحراء النقب القريبة .<BR>والمخاوف الأكثر أن يضطر الرئيس أبو مازن لمزيد من الضغط على المقاومة والدخول معها في معارك تكسير عظام يتحول بموجبها الشارع الفلسطيني إلي حمام دماء داخلي خصوصاً أنه يدرك أن الاقتتال الداخلي خط أحمر لدى المقاومة تسعى لتجنبه ولو بتهدئة عملياتها مؤقتاً ، فضلاً أن هذا هو السبيل الوحيد للقبول به أمريكياً . <BR>أما الخطر الأكبر فهو أن يفتح هذا الاقتتال الداخلي الفلسطيني الباب أمام سلسلة اغتيالات علي الطريقة اللبنانية تستغلها الدولة الصهيونية لتصفية القيادات الفلسطينية من كل الفصائل والاتجاهات كما تهدد حالياً ، تماماً مثلما استغلت حملة الاغتيالات التي نفذها تنظيم فتح المجلس الثوري الذي كان يتزعمه صبري البنا (أبو نضال) لتصفية كوادر منظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا، وإلصاقها بالتنظيم الأخير .<BR><BR>فعندما التقى المرحومان أبو نضال وخليل الوزير (أبو جهاد) في الجزائر عام 1988 – كما يروي الخبير الفلسطيني جهاد عودة - سأل الأخير أبا نضال عن أسباب اغتياله 18 ممثلاً للمنظمة في أوروبا والوطن العربي، فرد بأنه لم يغتل إلا أربعة فقط من بينهم سعيد حمامي وعز الدين قلق، فقال له (أبو جهاد): إذن من قتل الباقين فرد بأنه لا يعرف، وثبت أن الموساد استغل هذا الخلاف الفلسطيني/ الفلسطيني كغطاء لاغتيال أهم العقول والخبرات الفلسطينية ؟! <BR>والمشكلة الآن أن (وزير داخلية السلطة الفلسطينية) نصر يوسف، الذي طالبت حماس بإقالته بدعوى أنه صاحب تاريخ أسود مع الشعب الفلسطيني، والذي أمر بالتصدي لناشطي حماس مؤخراً ، مشهور بسوء العلاقة مع المقاومة ، ومتهم بالوقوف وراء مجزرة مسجد فلسطين، في الثامن عشر من نوفمبر 1994، التي قتل فيها 13 مصلياً علي أيدي أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بعد صلاة الجمعة خلال أزمة مشابهه مع السلطة الفلسطينية .<BR>ولهذا طالبت حماس بإقالته، وقالت: إن بقاء نصر يوسف في هذا المكان يعني أن الساحة ستعيش مزيداً من التوتر؛ لأن أبا مازن يساند يوسف ، ولأن حماس تعهدت بالرد علي جرائم الاحتلال والحفاظ على الوحدة الوطنية معاً، وعباس ويوسف تعهدا بوقف ردود حماس بأي ثمن ؟!<BR><BR>وقد أبدى محللون ومسؤولون فلسطينيون مخاوف حقيقية من أن المواجهة الأخيرة بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، ومعها الجهاد تخفي بين طياتها ملامح نزاع على السلطة ربما كان واجهته المعلنة هي سلاح المقاومة؛ لأن حماس لم تعد تثق في السلطة نتيجة تخليها عن تفاهمات القاهرة ، والسلطة تتوجس من حماس التي رفضت المشاركة في حكومة وحدة وطنية، وربما تسعى للانفراد بالسلطة من خلال الاحتكام لصناديق الانتخابات .<BR>فحماس تصر على إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة ، وقبل اتخاذ قرار بالمشاركة في الحكومة الفلسطينية ، ولكنها في المقابل تقول: إنها مستعدة للمشاركة في لجنة للإشراف على قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، الأمر الذي ترفضه القيادة الفلسطينية.<BR>ولو تم الانسحاب الإسرائيلي في موعده فسوف تتصاعد قضية الصراع أكثر بين الطرفين خاصة أن غزة منطقة نفوذ تقليدية لحماس وبها قرابة 4000 مقاتل لحماس ، وفازت في عدة بلديات محلية فيها سوف تسيطر عليها وقد تتصادم فيها مع السلطة ما يعني أن الصدام مرشح للتصعيد خصوصاً أن الانسحاب سوف يرتبط بتهديدات إسرائيلية بالعودة أو قصف قطاع غزة في حالة استمرار المقاومة . <BR><BR>هناك مخاطر كبرى بالتالي أن تنجح الخطط الإسرائيلية في استفزاز الفلسطينيين لجرهم لمرحلة الاقتتال والحرب الأهلية الداخلية ، وعوامل تصعيد هذا الاحتمال الخطير متوافرة في صورة علاقة حماس المتوترة مع السلطة نتيجة تراجعها عن تفاهمات القاهرة وتأجيل الانتخابات التشريعية لأجل غير مسمى خشية فوز حماس فيها ، فضلاً عن الضغوط الأمريكية المستمرة على أبي مازن وربط التعاون معه وضمه لمفاوضات التسوية بقدرته على كبح جماح حماس والمقاومة .<BR><br>