مع عملية نتانيا.. تعود نظرية الاحتمالات في المقاومة
6 جمادى الثانية 1426

السور يشق القدس , ومعها قلوب المقاومين في فلسطين , ويجري العمل الدؤوب على أشده في تمزيق فلسطين وحصارها من الداخل والخارج معاً , وتتحلى الفصائل بضبط النفس ولا تتماهى "إسرائيل" مع ذلك الانضباط , وصحيح أنها أوقفت هجماتها الكبيرة , واغتيالاتها التأثيرية , إلا أنها لم تتوقف عن التوغلات والاعتقالات الممنهجة لأشخاص في الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية. <BR><BR>والخطورة ليست في التوغلات ولا في تلكم الاعتقالات المتفرقة , وإنما في التحرك الأمني الهادئ وإنجاز خطوات هامة في حصار المقاومة الفلسطينية , سواء من خلال التوسع مجدداً في بناء المغتصبات , أو تشجيع اليهود في العالم على الهجرة (وآخرهم الدفعة المعلن عنها القادمة من كندا 160 شخصاً) مستفيدة من الأجواء الهادئة نسبياً المشجعة على مزيد من الانجازات لحكومة شارون في مجال الحفاظ على الأمن وتشجيع المهاجرين وأيضاً السياح على القدوم إلى فلسطين المحتلة , أو إحكام الطوق وشد الوثاق حول جيد ورسغ المقاومة بالاتفاقات الأمنية مع بعض دول الطوق , أو إكمال بناء السور الأمني الذي لم تبق إلا أسابيع على إنجازه. <BR><BR>لكن الأخطر , هو استغلال فترة التهدئة في التحضير لإكمال المؤامرة ضد المسجد الأقصى المبارك والتي يدور التحضير لها بسرعة حيث تتسارع وتيرة العدوان عليه والتنسيقات الناجزة على أعلى المستويات , والتي لا تبرأ منها الحكومة الصهيونية التي صرح مسؤول ديني رفيع المستوى في المسجد الأقصى الشريف قبل نحو أسبوعين أنها أخطر على الأقصى من الجماعات اليهودية المتشددة ذاتها. <BR><BR>قد تكون هذه العلمية الفدائية التي قام بها مقاوم آثر الموت في سبيل الله على الحياة ـ فيما نحسب ـ, حين فجر نفسه في سوق تجاري بنتانيا قبل ساعتين من الآن , مخلفاً ما يفوق الخمسين بين من لاقوا حتوفهم وبين من حبسهم في جلودهم من الجرحى , مدفوعة بكل هذا فحسب , وقد تكون كذلك بالإضافة إلى ما يعتبر استهدافاً انتقائياً لحركة الجهاد الإسلامي التي قالت وكالة رويتر إنها تبنت الهجوم , وهو ما قد يكون دفع الحركة إلى تنفيذ هكذا عملية تصد بها بعضاً من السهام الموجهة إليها من الكيان الصهيوني , وتثبت للسلطة الفلسطينية أنها ليست ذاك الصيد السهل الذي يمكن افتراسه أو تقديمه كقربان رجاء أن تكون السلطة في وضع تفاوضي أفضل عشية الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة. <BR><BR>ثمة عملية جرت في الثانية عشرة من ليلة أمس أقدم فيها عناصر أمنية فلسطينية على إطلاق الرصاص على نشطاء من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي , بعدما كشف النشطاء عن انتمائهم للسرايا , وهو ما يعتبر في فلسطين أمراً عادياً يفترض معه أن "السلطة الوطنية" الفلسطينية هي حامية لكل الحركات الفلسطينية , لاسيما وأن النشطاء لم يكونوا يحملون أي أسلحة أو متفجرات. <BR><BR>وقفت سيارة النشطاء وتم تفتيشها عند حاجز أمني فلسطيني , ولما ابتعد هؤلاء مغادرين جاءتهم رصاصات السلطة من ظهورهم , فاعتبرت حركة الجهاد تلك الرصاصات قربانا لـ"إسرائيل" وبادرت بإصدار بيان , جاء فيه : " إننا في سرايا القدس إذ نستنكر هذا العمل اللامسئول من أفراد الأمن الفلسطيني والذي يأتي متناغما مع الحملة الصهيونية الشرسة التي تشن ضد حركة الجهاد الإسلامي ومجاهديها الأبطال، لنؤكد على خيار الوحدة الوطنية بين صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني، ولن نرضى في المقابل أن يكون مجاهدينا لقمة سائغة لبعض المندسين والموتورين في صفوف بعض الأجهزة الأمنية الفلسطينية." , وهذه اللقمة غير السائغة ربما كانت أحد أسباب التفجير الذي جرى في نتانيا هذه الليلة ؛ إذ حرمت الجهاد على نفسها إراقة الدم الفلسطيني فثأرت في نتانيا ـ ربما ـ وثأرت كذلك من العديد من عمليات الاعتقال والاغتيال التي استهدفت بالخصوص أبناء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية فيمن استهدفتهم. <BR><BR>قد تكون الأخيرة هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير , حيث لا زال موقع نداء القدس التابع للجهاد يأخذ بأنظارنا نحو دعاية في يمين صفحته الرئيسية تقول كل يوم "صبرنا بدأ ينفذ" , فهل نفذ الصبر نهائياً أم أنها حالة من الفعل ورد الفعل اليومية التي لم تتوقف منذ اتفقت الفصائل في القاهرة على الهدنة منذ شهور , إذ الصواريخ ساقطة كل أسبوع تقريبا على المغتصبين في مغتصباتهم ؟ <BR><BR>يصعب الآن بطبيعة الحال التكهن بذلك , لكن ما يمكن أن نلحظه أن العملية لم تكن اليوم منفردة , حيث رافقتها عملية بسيارة مفخخة في الضفة الغربية تبنتها كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية , وإثر هجمات حماسية بصواريخ القسام , وهو ما لا يعرف ما إذا كان يشي بتنسيق على خرق الهدنة أو بالأحرى على اختبار خرقها .. <BR>كل الاحتمالات ممكنة وتبقى نظرية الاحتمالات هي البوصلة الآن , والشيء المهم في النهاية أن هذه العملية بحد ذاتها "أكبر من كونها اختباراً وأصغر من كونها خارقة للهدنة" , والشيء الأهم أنها غالب الظن ستستتبع تداعيات كثيرة , قد تتعدى حدود فلسطين إلى بعض دول الطوق التي لا تريد أن ترى اضطراباً من جديد على حدودها , بعدما تلقت ضربات من خارج الحدود في وقت عصيب.<BR><br>