وقفة مع حقوق الإنسان في التاريخ الأمريكي
24 صفر 1426

قرأت ما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية الأخير المعنون (دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان)، وفي نفس الوقت كنت فد انتهيت من قراءة كتاب من ثلاثة أجزاء لمصري عاش في أمريكا 18 عاماً، وتعجبت من ازدواجية المعايير!<BR><BR>فصاحب الكتاب يقول: إنه بعد 11 سبتمبر وتغير شكل ومضمون الحياة في التعامل مع العرب والمسلمين في أمريكا والعالم تعرض للاضطهاد والاعتقال عام 2003م لمدة 11 شهر بتهمة معاداة أمريكا، وهى تهمة تعرض لها الكثير من العرب والمسلمين مثل سامي الحصين السعودي.<BR><BR>ومع أن الرجل يعلن في مقدمة كتابه سابق حبه لأمريكا، فقد تعرض لصنوف من العذاب والاضطهاد سجلها في كتابه المسمى (مذكرات بسام خفاجي)، وهو يحمل الدكتوراه في الهندسة ولم يشفع له لا علمه ولا مكانته ولا إقامته الهادئة المسالمة في المجتمع الأمريكي ولا مشاركته الإيجابية في بناء المجتمع الأمريكي ولا خطبه المسجلة المعروفة باعتدالها في أن يطرد من أمريكا بدون صدور حكم عليه مطلقاً بعد عذاب سجله في كتابه عن الويلات التي تعرض لها في سجون أمريكا. <BR><BR>والغريب أن كثيراً من أمثال بسام خفاجي وقعوا في حب أمريكا بشكل أعمى، ثم كانت دهشتهم أن وجدوا أنهم كانوا يحلمون ويتخيلون ويبنون قصوراً من رمال ما لبث أن انهارت سريعاً.<BR><BR>والحمد لله أن كثيراً من الكتاب العرب والمسلمين الذين ينتقدون أمريكا لا يعيشون فيها وإلا كنا جميعاً ضيوفاً في المعتقلات الأمريكية من معتقل كالهون إلى مونرو إلى الغرقة 153 المشهورة بقذارتها في المعتقلات الأمريكية.<BR>وحتى لا أتهم بمعاداة أمريكا ويقوم أحد وكلائها أو سفرائها بتحريك الدعوى الجنائية ضدي في ظل مناخ ديمقراطية عرجاء تمنح الحرية لطرف دون طرف.<BR><BR>لذلك أجدني مضطراً لسرد وقائع تاريخية تحكى تاريخ أمريكا لمن لا يعرفها ولمن جهل حقيقة ممارستها وفوجئ مندهشاً بما يراه الآن ويسمعه من ممارسات في شتى أنحاء العالم ضد العرب والمسلمين سياسياً وثقافياً بل وعسكرياً أيضاً.<BR><BR>فالمراقب الصادق للتاريخ الأمريكي سوف يجد بسهولة جذور التاريخ الأمريكي على حقيقته بدون تجميل، ويلمح بوضوح دور الأنجلو ساكسون في قيام الولايات المتحدة وهم عنصر البيض البروتستانت، وهم العنصر المسيطر والمتسيد على معظم مقاليد الأمور في الولايات المتحدة ولهم نظرة عنصرية مرتبطة بالدم الأنجلو ساكسونى والاستهانة بالشديدة بدماء الغير.<BR><BR>ويلاحظ ذلك بوضوح بالرجوع إلى الوراء قليلاً، ففي عام 1730 م أصدرت الجمعية التشريعية لمن يسمون أنفسهم البروتستانت الأطهار تشريعاً يقنن عملية الإبادة لمن تبقى من الهنود الحمر شمل التشريع بقرار الآتي مكافأة مقدارها 40 جنيهاً مقابل كل فروة رأس مسلوخة من هندي أحمر، وارتفعت بعد 15 سنة إلى 100 جنيه ثم وضع البرلمان البروتستانتي بعد عشرين عام تشريعاً جديداً نص على الآتي فروة رأس ذكر عمره 12 عاماً فما فوق 100 جنيه وفروة رأس الطفل أو المرأة خمسين جنيه.<BR><BR>وفى عام 1763 م أمر القائد الأمريكي (جفرى أهرست) برمي بطانيات كانت تستخدم في مصحات علاج الجدري على تجمعات الهنود الحمر لتقل الوباء إليهم مما نتج عنه موت عشرات الألوف من الهنود الحمر، وبعد فراغهم من الهنود الحمر اتجهوا إلى الأفارقة، ففي تقرير لليونسكو صدر عام 1987م ذكر فظاعة ما حدث للأفارقة فقد جاء فيه أن أفريقيا فقدت نحو 210 مليون في تجارة الرقيق هلك أكثرهم في عمليات الشحن التي كانت تتم في سفن للمواشي قبل أن يصلوا لأمريكا لخدمة الأمريكان، ولم تعتذر أمريكا حتى الآن عما حدث للأفارقة.<BR><BR>وفى الحرب العالمية الثانية بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر فقد الأمريكان خمسة آلاف جندي في العملية المسامة (الكاميكازا) وكان الرد الأمريكي المتحضر ضد عملية عسكرية هو إطلاق 234 طائرة تلقى قنابل حارقة على طوكيو و64 مدينة يابانية لتقتل نحو 100 ألف شخص في ساعات، وتشرد نحو مليون آخرين من المدنيين. <BR><BR>وكان ختام المشهد الدموي الإرهابي إلقاء القنبلتين النوويتين على مدينة نجازاكي وهيروشيما فحصدت عشرات الآلاف من الأرواح بلا أدنى تفرقة بين مدني وعسكري وامرأة وطفل، ولم تترك أمريكا الشعوب تنعم بالحرية والديمقراطية كما تزعم وتدعى، ففي كوريا عزلت الحكومة الشعبية وأغرقت البلاد في حروب طاحنة، فكما يقول الكاتب الأمريكي ناعوم تشوم سكى عن نتائج تلك الحرب: أشعلنا حرباً ضروساً سقط خلالها 100 ألف قتيل، وفى إقليم واحد سقط 40 ألفاً من الفلاحين قتلى في أثناء ثورة قاموا بها، ويصف بلاده بأنها تدوس على الديمقراطية وكل القيم إذا تعارضت مع مصالحها الذاتية.<BR>ويمضى فيقول: أطاح الأمريكان بالحكومات الديمقراطية عندما ظهر لهم أنها لا تخدم مصالحهم الإجرامية كما حدث في إيران عام 1953 م وجواتيمالا عام 1945م وشيلى عام 1972م وفى نفس الوقت تتغاضى عن الأنظمة الديكتاتورية طالما تخدم أغراضها ولا تصطدم بمصالحها.<BR><BR>وقد نشرت مجلة نيويورك تايمز في 8/10/1997م أن العدد الحقيقي للقتلى الفيتناميين من الغزو العسكري الأمريكي هو 2.6 مليون قتيل، وقد تسبب قصف مدينة هانوى وحدها عام 1972 في إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم بفضل الحضارة الأمريكية والقيم الأمريكية.<BR>وفى جواتيمالا قتل الجيش الأمريكي في المدة من عام 1966 إلى 1986م حوالي 150 ألف مزارع، وأكرر مزارع وليس جندياً!<BR><BR>وقد احتصنت أمريكا سابقاً كثيراً من الطغاة السفاحين ودعمتهم بكل أنواع الدعم ضد شعوبهم مثل سوموزانى نيكاراجوا وبيونشيه في تشيلى ودييم في فيتام وماركوس في الفلبين وفرانكو في أسبانيا ولايفوتنا الدعم المنقطع النظير للسفاحين الإرهابيين من بن جوريون حتى شارون، ولا يفوتنا تذكر إشعال الحرب بين العراق وإيران ودعم الطرفين ليسقط عشرات القتلى، وكما قال كيسنجر: "سياستنا تجاه تلك الحرب ألا تهزم العراق ولا تنتصر إيران" وهى الحرب التي نفخ كيرها ودعمها رامسفيلد بدعمه لصدام حسين.<BR><BR>وقد ذكرت أولبرايت (وزيرة الخارجية الأمريكية) عندما سئلت عن الحصار الأمريكي للعراق الذي تسبب في وفاة نصف مليون طفل حتى عام 1996م: "ثمناً كان من الضروري دفعه".<BR><BR>وتجيء أحداث أفغانستان والحرب الأمريكية العدوانية على المدن الأفغانية في أقل تقدير قتلت حوالي 20 ألف أفغاني من المدنيين واستخدموا قنابل تزن من 5: 7 طن لضرب القرى الأفغانية المبنية مبانيها من الطين، وكان عنوان حربهم الأخيرة عنواناً مفزعا لكل دول العالم من ليس معناً فهو ضدنا.<BR><BR>تلك نقاط توقفنا عندها توضيحاً للتاريخ الأمريكي الحقيقي الذي ازداد وضوحاً للعالم في سجن أبي غريب وعلى أرض العراق في الفلوجة والموصل وغيرهما بخلاف ما يحدث على أرض فلسطين من دعم بلا حدود للإرهاب الصهيوني، الذي يسفك دماء الفلسطينيين ويحتل أرضهم ويدمر ديارهم ويقتل أطفالهم لا يستغرب هذا الدعم من العنصرية الأنجلو ساكسونية التي تحكم الولايات المتحدة وتتحد مع الصهيونية وفى عنصريتهم.<BR><BR>ولكن المصيبة أن مع هذا التاريخ الحافل بالإرهاب هناك البعض من المسلمين والعرب من يحاول أن يخفيه، بل يسعى إلى تزيينه وتجميله تحت كلمات لا واقع لها ولا قيمة عن الحرية والديمقراطية، ويبهرون الناس والشعوب بالمنتجات الأمريكية من الأفلام والمطاعم والسيارات ويتغافلون عن الأباتشي التي تقتل المجاهدين والمناضلين الذين يدافعون عن المقدسات والأراضي والعرض، ويتعامون عن الفيتو الأمريكي ضد كل قرار يصدر من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ضد الحليف الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية.<BR>وبعد.. بعد كل ذلك التاريخ المبهر بالممارسات اللا إنسانية، هل يتوقع عاقل أن يلتفت وينتبه الأمريكان لحقوق الإنسان؟<BR><br>