من قتل الحريري ؟!
6 محرم 1426

[email protected] <BR><BR>[email protected]<BR>في لبنان ذاك البلد الفسيفسائي الطائفي من الصعب أن تجد إجابة شافية على هكذا تساؤل ؛ ضلت التحليلات السريعة دوماً أن تقابل الحقيقة في تحليلات نظرائها من عمليات الاغتيال السابقة التي رافقت الحرب الأهلية اللبنانية والعدوان الصهيوني على لبنان. <BR>اليوم اغتيل الرئيس اللبناني السابق (رئيس الوزراء) رفيق الحريري ، وخلقت هذه العملية عشرات علامات الاستفهام تتناسل من رحم بعضها ، فالعملية لا شك كبيرة وتداعياتها تتجاوز حدود لبنان لآلاف الأميال ، فالمغدور شخصية محورية تتجمع عندها العديد من خيوط اللعبة، وتصطف حولها الكثير من أطياف العمل السياسي في لبنان، وتتقاطع معها أو تتعاكس مصالح أقطاب الاقتصاد العربي .. <BR>ولذا تصبح الإجابة على سؤال : من الفاعل ؟؟ سابقة كثيراً جداً لأوانها ؛ سيما وأن هذه العملية الخطيرة هي عمل استخباري منظم قد يكون منفرداً أو تشاركي بين أكثر من دولة، ما يجعل المسكوت عنه في هذه القضية أكثر بكثير من ذاك المعلن منها، لا بل ربما لا يعدو كون المعلوم منها حقيقة أن المغدور قتل بانفجار ضخم أودى بحياة آخرين معه ! وهنا وحسب ربما لا يرشح في وسائل الإعلام أكثر من ذلك، غير أن الحقيقة التي نكاد نسلم بها كمسلمة مطردة هي أن الحريري قتلته دولة أو أكثر من دولة بالنظر أولاً إلى حقيقة ميدانية تضع باعتبارها حجم العملية وقوتها ونجاحها في اختراق أقوى استحكام أمني يحمي أكثر السياسيين اللبنانيين ثراء بالنظر ثانية إلى صعوبة تحمل أي جهة طائفية في لبنان دية الزعيم السني الأشهر في لبنان، وبالنظر ثالثة إلى مغبة انكشاف هذه العملية على سير العملية الانتخابية في بلاد الأرز .. <BR><BR>وقبل أن نفصل في شأن الدول التي توجه إليها أصابع الاتهام مباشرة، علينا أن نلاحظ هذه الملاحظات الهامة والتي بعضها تداعيات لا تعني بالمرة أن أصحابها فاعلون لكنهم بالتبعية متأثرون أكثر من غيرهم بهذه العملية الخطيرة :<BR> <BR>• سبقت عملية الاغتيال محاولات لتحجيم زعامة الرئيس رفيق الحريري للأغلبية السنية تمثلت في دفعه إلى الاستقالة في أعقاب خلافات مع (الرئيس اللبناني) إميل لحود الموالي لسوريا، وتمثلت أيضاً في تجيير قانون الانتخابات الجديد لمصلحة مناوئي الحريري عبر تقسيم بيروت لدوائر ثلاثة انتخابية يفيد منها معارضو الحريري أكثر مما يفيد منها أنصاره، وهو ما قد لاحظه العديد من المراقبين اللبنانيين الذين رأوا القانون الجديد وقد تم تفصيله لإزاحة الحريري.<BR>• شهدت الساحة السياسية اللبنانية غلياناً لافتاً عشية اغتيال الحريري، تمثل في محاولات قوى خارجية شحن القوى المعارضة للوجود السوري في لبنان في عربة حصان واحدة بغية الخلاص من هذا الوجود، وبرغم أن الحريري بدا في الآونة الأخيرة في خندق المعارضة اللبنانية لهذا الوجود ؛ إلا أنه لم يكن أبداً متوافقاً مع أصحاب التيار المرتبط سُرياً بواشنطن وباريس كالرئيس اللبناني أمين الجميل والعماد ميشيل عون، وفي حين اقترب (الزعيم الدرزي) وليد جنبلاط من تيار قرنة شهوان المسيحي كان الحريري الأبعد في المعارضة الأقرب للبنان عروبة ووطنية. <BR>• لم يكن اغتيال الحريري بعيداً عما يمور في الساحة اللبنانية من حديث عن التلاعب بالديموجرافية اللبنانية بغية تغيير شكل الحكم في لبنان، والتي أشعلها إحصاء الداخلية اللبنانية الخاص بتعداد الدولة اللبنانية ومن يحق أو لا يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية المزمعة بعد نحو شهرين، والتي خلفت جدلاً واسعاً حول تركيبة سكان لبنان، ومن المستفيد من طرحها على هذا النحو في هذا الوقت بالذات، وقبل الاغتيال بثلاثة أيام كانت أسبوعية الوطن العربي الباريسية وأحد حاملات لواء التنديد بالوجود السوري تتحدث عن انتقادات واسعة لإدخال 350 ألف شاب مما تتراوح أعمارهم ما بين 18 و21 عاماً في جملة من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات القادمة، فقط لأن من بين هؤلاء 280 ألفاً من المسلمين!! <BR>• ليس اغتيال الحريري في هذا الوقت بخاف على من ينظرون إلى الساحة اللبنانية كأحد مفاتيح تغيير خريطة "الشرق الأوسط"، ومن يرون فيه واحداً من أهم أوراق الضغط على سوريا، ومن يراه كذلك هو شخصياً أحد أهم الأوراق التي ينبغي اختفائها في معرض ترتيب أوراق لبنان في حافظة المشروع الأمريكي الكبير. <BR>• اغتيال الحريري هو اغتيال لتيار اقتصادي يستمد شجاعته الاستثمارية في لبنان من وجود أحد كبار أغنياء العرب "العصاميين" (يمتلك الحريري نحو 4.3 مليار دولار بحسب قناة العربية) في هرم السلطة أو على الأقل "على مقربة منه"، وغياب الحريري يعني اقتصادياً اهتزاز أجواء الثقة بالاقتصاد اللبناني الناهض والذي كان بات يتعافى من هشاشته إبان وقت الحرب والاحتلال. <BR>• اغتيال الحريري هو اغتيال متأخر للطائف في شخص أحد كبار مهندسيه، واغتيال أكبر مستثمر عقاري وإعلامي في لبنان، وهمزة الوصل السعودية/اللبنانية إلى جوار الأمير الوليد بن طلال (المستثمر السعودي الثاني الأبرز، والذي يشاع أنه قد يرشح نفسه لرئاسة الوزراء). <BR>• لا يمكن فصل هذه العملية المدوية عن ما خلفها من تحركات سريعة للمعارضة اللبنانية على نحو أسرع مما هو متوقع، وبصورة تدل على توقع لحدث قادم كبير ربما لا تدري كنهه غير أن إرهاصاته من غليان الشارع والنخبة على حد سواء تمهد له أو أن هذه المعارضة تتوافر على عفوية سريعة منظمة إلى حد بعيد جداً. <BR>لم يكن التحرك الأمريكي بطبيعة الحال بعيداً عن عملية اغتيال الرجل ذاتها وتحريك مجلس الأمن لمناقشتها من بعد، ومطالبة واشنطن بدم الحريري ومعاقبة قاتليه، ولم تكن مطالبة فرنسا بتحقيق دولي استبق مطالب المعارضة الجاهزة، والتي دبجت بطريقة حرفية وسريعة لا تخلو من علامات استفهام تأخذ باعتبارها جهوزية المعارضة لحشد جملة من المطالب وتحريك الشارع في وقت هكذا قصير ؛ لم تكن هذه المطالبة الفرنسية ثم دعمها لمسعى واشنطن بمعاقبة "المعتدين" ولا التحرك المعارض الخاطف والمطالب بجملة من التنازلات من الحكومة اللبنانية بمنأى عن عملية الاغتيال نفسها. <BR>وقد كانت المعارضة اللبنانية قد عقدت اجتماعاً عاجلاً في قريطم أصدرت إثره بياناً دعت فيه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه لبنان - الوطن الأسير - وتكوين لجنة تحقيق دولية في ظل انعدام ثقة اللبنانيين في السلطة وقيادتها - . <BR>وطالبت المعارضة - برحيل السلطة الفاقدة لشرعيتها وأهليتها وقيام حكومة انتقالية وانسحاب القوات السورية من لبنان قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة - . <BR>ودعت المعارضة كافة اللبنانيين إلى إضراب شامل لمدة 3 أيام من الثلاثاء . <BR>وأكدت على أن اجتماع المعارضة سيظل مؤتمراً مفتوحاً ، على أن تستمر الاجتماعات مفتوحة لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق هذه المطالب، كما اتهم العماد الفرنسي الهوى ميشيل عون صراحة سوريا. <BR><BR>أما تلك الدول المتهمة، فهي تلك التي سارعت على الفور لإدانة العملية أو حاولت إلقاء تهمة الاغتيال على غيرها، فقد دانت كل من واشنطن وباريس ودمشق العملية، وألمح الكيان الصهيوني لتورط سوريا في الاغتيال، أما أولئك فأصابع الاتهام توجه إليهم على هذا النحو : <BR>الكيان الصهيوني : معظم الأصابع متوجهة إليه، ومن ورائه إمبراطورية الشر، والأسباب عديدة : تفجير الساحة اللبنانية للضغط على سوريا من خلالها اتهام سوريا مباشرة بالضلوع في هذه العملية ومن ثم ابتزازها أو تركيعها اتساقاً مع قرار 1559 الأممي التمكين للتيار الصهيو/أمريكي في لبنان بعد أن تراجع دوره وفاعليته في أعقاب الانسحاب الصهيوني من لبنان ، الضغط على إيران من خلال سوريا للإذعان لكل المطالب الأمريكية في تركيبة الحكم العراقية. <BR>فرنسا : لتفكيك منظومة الحكم الحالية، وإعادة ترتيبها من جديد بما يعطي للتيار العوني هامش تحرك أوسع مما هو عليه الآن.<BR>سوريا : هي المتهم الضحية في غالب الظن في هذه القضية، فهي الدولة الأكثر بروزاً بمصلحتها في تغييب الحريري لكنها بكل تأكيد ليست في وارد ارتكاب حماقة كهذه تضع القيود في يدها لتساق إلى السجن الأمريكي، وليست سوريا بشار جزماً هي سوريا حافظ لتقدم على هذه عملية بهذه الخطورة في هذا الظرف العربي والإقليمي والدولي الحساس، ومعلوم أن هامش تحركها قد تقلص كثيراً، ومعشار مثل هذه العملية كفيل بإدخالها في دوامة "لوكيربي" جديدة لا يسمح الظرف ولا المناخ أن تقدم هي عليها الآن. <BR><BR>هناك في الأخير خط استخباري فاعل بات يعيد ترتيب الأوراق في المنطقة العربية بطرق شتى لا تتورع عن تغييب الخصوم بالقتل ولا تعنيها إعاقة هذا أو نوبل ثان أو شبكات علاقات ذاك .. الشيخ ياسين بالصاروخ ، والرئيس عرفات بالسم ، والرئيس الحريري بالعبوة الناسفة ، وإن كان من السابق لأوانه ـ كما قلنا في مستهل حديثنا ـ أن نكتب اسم القاتل في محضر القضية ـ وإن ظهرت أشباح القتلة على الفور بأسرع مما يملك الأشباح من إمكانات ـ تلك القضية التي غالباً ما ستقيد ضد مجهول أو يدفع معلوم ـ ربما رغماً عنه أو ببلاهته ـ ثمن بقاء الفاعل خلف الكواليس الاستخبارية تماماً مثلما قيدت قضيتا ديانا وكيلي ضد مجهول !!<BR><BR><BR><BR><br>