التهدئة في فلسطين :تكتيك وليست استراتيجية
2 محرم 1426

ليس هناك من شك في أن قبول المقاومة الفلسطينية بخطة التهدئة أو" بتكتيك التهدئة المؤقتة مع مواجهة أية خروقات "إسرائيلية" والرد عليها فوراً" ،وعدم إعلانها ذلك ،أو ترك إعلان ذلك إلى السلطة الفلسطينية أي اعتباره أمراً داخلياً فلسطينياً،لا يمثل تخلياً عن خط الانتفاضة وخطتها واستراتيجيتها ،بل هو ليس إلا جانباً من جوانب استراتيجية الانتفاضة التي هي استراتيجية شاملة تشمل كل جوانب وعوامل وأساليب الصراع السياسية والعسكرية والجماهيرية والاجتماعية والاقتصادية ،وأن في ذلك تختلف حماس والجهاد وشهداء الأقصى وغيرها عن آخرين ، في الأسباب والأهداف التي دفعتها إلى هذا التكتيك وفي الأهداف القريبة والبعيدة لاعتماده .<BR>وليس هناك من شك في أن هذه التهدئة المؤقتة والمشروطة ، في حد ذاتها تمثل واحدة من إنجازات الانتفاضة ،حيث اتفاق السلطة مع العدو يعني فعلياً وعلى الأرض أن هذا العدو قد وقع فعلياً ورسمياً وعلنياً بفشله في مواجهة المقاومة الجهادية الفلسطينية ، وبفشله في كل المحاولات العسكرية والسياسية لضرب الحركات الجهادية –وفي إشعال فتنة داخلية -بعدما استخدم كل قوة جيشه وأجهزته لمدة سنوات تزيد على أربعة سنوات ، وأنه بذلك وقع اعترافاً أيضاً بحق المقاومة والجهاد الفلسطيني في مقاومته، وبات منحنياً أمامها، وليس فقط أنه قبل التفاوض تحت ضغطها نداً بند ورأساً برأس بما يعنى تطويع المقاومة لإرادة العدو وليس العكس.<BR>وليس هناك من شك في أن هرولة العدو نحو هذه التهدئة حتى وهى تهدئة مؤقتة ،إنما يتطلب من هؤلاء الذين شددوا على قوة الكيان الصهيوني وعبث عمليات الجهاد الفلسطيني ومن هؤلاء الذين وصفوا العمليات الاستشهادية بالانتحارية، ومن أولئك الذين قللوا من جدوى صواريخ القسام والأقصى... إلخ ، يتطلب منهم جميعاً ليس فقط أن يتواروا خجلاً اليوم ، بعد أن بات العدو يطلب هدنة قتال حتى ينسحب من غزة ، وإنما أن يعترفوا علناً أمام الرأي العام أنهم أخطؤوا، سواء كان خلف هذا الخطأ ،عدم صحة تقدير جوانب ضعف العدو أو عوامل قوة المقاومة ،أو كان خلف هذا الخطأ تخاذلاً وضعفاً ،وإلا من حق كثيرين وصفهم بأوصاف أخرى.<BR>وليس هناك من شك في أن هذه التهدئة المؤقتة المشروطة ،لم تأت إلا تحت إيلام العدو وإكراهه ، وأنها تأكيد من العدو أنه حينما ينسحب من غزة فإنه لا ينسحب إلا تحت ضغط المقاومة –لا تحت ضغط المفاوضات وألاعيب المتكلمين والمصرحين والمنددين بما أسموه عسكرة الانتفاضة –وإن طلب العدو عون دول الجوار ،إنما يمثل اعترافاً آخر منه بأنه وحده غير قادر على القرار والتقرير .<BR>وليس هناك من شك في أن هذه الهدنة المؤقتة لا تمثل تخلياً من المقاومين والمجاهدين الفلسطينيين لا عن السلاح ولا عن خط المقاومة ، وإنما هي لحظة عابرة محددة الأهداف في الصراع حتى وإن أراد آخرون في داخل الساحة الفلسطينية تحويل هذه اللحظة العابرة في هذا الصراع الطويل المتطاول إلى حالة عامة وليس تكتيك مرحلي ، وأن المقاومة تفهم ما تفعل الآن وتدرك مغزى ما يعطيها ذلك من عوامل قوة جديدة ومن قوة التكتيك المناورة.<BR>غير أنه ليس هناك من شك في الجانب المقابل أيضاً، في أن العدو حينما يهرول الآن لتثبيت هذه الخطة وأخذ الموافقات والضمانات عليها –في مؤتمر شرم الشيخ -إنما يحاول تحقيق أهدافه هو ،أو يستهدف تحويل هذه الحالة من حالة مؤقتة إلى حالة دائمة ، محاولاً تكررا نفس التجربة التي مارسها مع الأنظمة العربية من قبل ،إذ كان يبدأ بلعبة وقف إطلاق النار وعقد اتفاق مؤقت ،يحوله إلى اتفاق مرحلة ثم يكثف جهوده وجهود حلفائه الأمريكيين والأوروبيين لتحويل هذا الاتفاق المرحلي إلى حالة دائمة ،أو بالدقة أنه يسعى إلى تحويل هزيمته في غزة إلى نصر في الضفة .<BR>وكذلك ليس هناك من شك في أن العدو سيحاول من خلال هذا الاتفاق ،سحب قواته من منطقة استنزاف لها تتمتع فيها المقاومة بعمق سكاني كثيف بوجود مخزون بشرى فلسطيني في رقعة ضيقة، وبمخزون من بكوادر حركتي حماس والجهاد وشهداء الأقصى... إلخ إلى الضفة الغربية، حيث أوضاعه كما يتصور هو أفضل نسبياً في ضوء عمليات الاحتلال والقتل وعمليات الاعتقال التي جرت عناك ضد الكوادر الفلسطينية.<BR>وكذلك ليس هناك من شك ، في أن العدو سيحاول من خلال هذه الهدنة المؤقتة والمشروطة الحصول على وقت هادئ في الداخل الصهيوني ،يستثمره في إعادة الثقة إلى المواطن الصهيوني في قدرة قيادته على تحقيق الأمن له ،بادعاء أن الضغط الكثيف للجيش الصهيوني على غزة هو ما جعل المقاومين يتوقفون عن العمليات داخل الأرض المحتلة عام 48 م .<BR>وأيضاً ليس هناك من شك في أن العدو سيحاول استثمار وقت الهدنة لكي يعيد المصداقية لحالته الاقتصادية وأنه سيحاول جلب رؤوس الأموال التي هربت ويعيد ترميم مختلف مجالات النشاط السياحي إلخ ،كما سيستثمره في تحقيق أغراضه في المحيط العربي .<BR>ومن ثم وفي ضوء هذه الأهداف المتضاربة لعقد الهدنة المؤقتة،فإننا نجد أنفسنا أمام قضية مركبة يجب فهمها على ثلاثة أصعدة :<BR>الأول على صعيد أبي مازن والسلطة. <BR>والثاني :على صعيد العدو.<BR>والثالث :على صعيد المقاومة. <BR>أبو مازن والسلطة والاتفاق<BR>بطبيعة الحال فإن محمود عباس متلهف على هذه الهدنة أكثر من غيره ،إذ هو بحاجة إلى أن يثبت أن تغييراً حدث ما بعد عرفات، وأنه كان محقاً فيما طرحه خلال وجوده كرئيس للوزراء وقت رئاسة عرفات ، وكذلك الحال فيما يستهدفه من إثبات وجوده والتوقيع على الأحداث في المناطق الفلسطينية ، وبطبيعة الحال فإن السلطة بدورها متلهفة على مثل هذه التهدئة لإيجاد مساحة لها في الواقع الفلسطيني ، سواء من خلال استثمار تلك المرحلة في إعادة تثبيت نفسها في الشارع الفلسطيني أو من خلال لملمة جراحها التي أصيبت بها جراء العدوان الصهيوني بعد إعادة احتلال المدن وتدمير مؤسساتها، لكن الأهم أن ننظر بعيداً لنرى كيف ينظر أبو مازن إلى تطور الأوضاع من خلال هذه الهدنة المؤقتة ، وهو الأمر الذي يمكن إدراكه من خلال استعادة الرؤية المتكاملة التي طرحها أبو مازن لتصوره للحل النهائي للقضية الفلسطينية ،التي يعد أهم صياغة لها هو ما سمي بوثيقة أبي مازن –بيلين . تلك الوثيقة التي طرحها الاثنان في عام 1999م، والتي شكلت على نحو كبير رؤية أبي مازن ،والتي جعلت الأمريكان والإسرائيليين من بعد يفرضونه على عرفات ويطلبون له صلاحيات من بعد ، وكذلك تلك الرؤية التي انطلق أبو مازن في محاولة تنفيذها بالفعل خلال المدة القصيرة التي أمضاها في رئاسته لمجلس وزراء السلطة ،والتي يبدو أن أبامازن بدأ رئاسته للسلطة بمحاولة تنفيذها أيضاً من خلال من دمج الأجهزة الأمنية وتوحيدها إلى فكرة التهدئة ... إلخ، ولما كانت تلك الرؤية قد شملت رؤية كاملة لإقامة دولة فلسطينية ولخطط الانسحاب ولقضية القدس واللاجئين والحدود وغيرها ،فإنه ينبغي إدراك ومتابعة خطوات أبي مازن الراهنة وقياسها في بعدها الاستراتيجي على تلك الخطة ، وحسب هذه الرؤية فإن أبا مازن وافق على احتفاظ الكيان الصهيوني بقوات عسكرية صهيونية في الأراضي الفلسطينية ، حيث ورد في نص الوثيقة "تحتفظ إسرائيل بقوة صغيرة تبقى ضمن مجمعات عسكرية وفي مواقع محددة. وستتألف هذه القوة المتبقية من: <BR>أ - ثلاث كتائب معززة، مخزنان عسكريان للطوارئ موجودان الآن، وقوات لوجستية مدمجة (يوجد وصف تفصيلي لموقعها وشروط تأجيرها ومدته، وشكل انتشارها ووظيفتها وقوتها العددية في الملحق الرقم 2 باتفاق الوضع النهائي). <BR>كما وافق أبو مازن على وجود ثلاث محطات إنذار مبكر صهيونية داخل الأرض المحتلة عام 67 م، وكان نصه في الاتفاق "ب - سيتم الاحتفاظ بثلاث محطات للإنذار المبكر وثلاث وحدات للدفاع الجوي كما هو مبين ومتفق عليه في الملحق الرقم 2 باتفاق الوضع النهائي حتى 5 أيار (مايو 2007م أو إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام وترتيبات أمن ثنائية بين إسرائيل والأطراف العربية ذات الصلة، أيهما جاء في ترتيب زمني أخير". <BR>وحسب هذه الوثيقة ،فان أبا مازن وافق على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ،وكان النص هكذا "يتفق الطرفان على أن دولة فلسطين ستكون منزوعة السلاح، وستبقى قوات الأمن الفلسطينية خاضعة لقيود متفق عليها كما هو مبين في الملحق رقم 2 باتفاق الوضع النهائي، ووفقًا لاتفاق متبادل، وفي موعد لا يتجاوز 5 أيار (مايو) 2007م، يتفاوض الطرفان على قدرات الدفاع الذاتي الفلسطيني."<BR>وفيما يتعلق بالقدس فقد وافق أبو مازن على بقاء القدس عاصمة للكيان الصهيوني مع السماح للفلسطينيين أيضاً بالقول بأن القدس عاصمة لدولة فلسطين من خلال ما سمي بعدم تقسيم القدس، وجاء النص في الوثيقة كما يلي " ستبقى القدس مدينة مفتوحة وغير مقسمة مع منفذ حر ومن دون إعاقة للناس من كل الأديان والقوميات". <BR>أما فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين فكان النص صريحاً، حيث وافق أبو مازن على إلغاء حق العودة ،وجاء النص في الوثيقة كما يلي "- في الوقت الذي يرى الطرف الفلسطيني أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم مكفول في القانون الدولي والعدالة الطبيعية، فإنه يدرك بأن مستلزمات العهد الجديد من السلام والتعايش، بالإضافة إلى الحقائق التي خلقت على الأرض منذ 1948م، جعلت تنفيذ هذا الحق غير عملي؛ لذا يعلن الطرف الفلسطيني استعداده لقبول وتنفيذ إجراءات ستضمن - إلى الحد الذي يكون فيه ذلك ممكنًا - مصلحة خير هؤلاء اللاجئين. 2- في الوقت الذي يعترف فيه الطرف الإسرائيلي بالمعاناة المعنوية والمادية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني كنتيجة لحرب 1947 – 1949م، فإنه يقر أيضاً بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الدولة الفلسطينية وحقهم في التعويض وإعادة التأهيل مقابل خسائرهم المعنوية والمادية. <BR>تعد منظمة التحرير الفلسطينية أن تنفيذ الوارد أعلاه تسوية كاملة ونهائية لقضية اللاجئين بكل أبعادها. تتعهد منظمة التحرير الفلسطينية إضافة إلى ذلك عدم تقديم أي ادعاءات أو مطالب إضافية ناتجة عن هذه القضية عند التنفيذ الكامل لاتفاق الإطار هذا". <BR>وهكذا فإن الخطر في هذه الهدنة يأتي من الرؤى الخلفية والأبعاد الزمنية لمثل هذه الهدنة، ومن ثم فرغم أهمية النتائج التي يمكن أن تتحقق من خلال الخطة التهدئة التكتيكية الراهنة ،إلا أن الأعين يجب أن تظل مفتوحة على الأبعاد الاستراتيجية دوماً .<BR>شارون وأهدافه !<BR>يحاول شارون من خلال عقد هذه الهدنة تحقيق العديد من الأهداف، سواء على صعيد وضعه الداخلي أو على صعيد الصراع مع المقاومة والشعب الفلسطيني أو على صعيد الصراع مع سوريا .<BR>فعلى الصعيد الداخلي يريد شارون أن يتحدث داخلياً عن إنجاز ملموس له في الحكم بعد أن انهارت كل وعودة وبات مجبراً على الانسحاب من غزة ، وهو يفضل بطبيعة الحال أن ينسحب الجيش الصهيوني في ظل هدنة حتى لا ينسحب تحت القصف لتتكرر فكرة وملامح الانهيار في جنوب لبنان بغض النظر عن الأسباب والعوامل المختلفة ، وهو يريد أن يكسب من خلال هذه الهدنة المعركة الدائرة في داخل الليكود ومع المستوطنين الذين هاجموه طويلاً وكثيراً ،بأن يقدم للرأي العام الصهيوني ،الانسحاب وكأنه انتصار .<BR>وهو على صعيد الصراع مع المقاومة أراد من الهدنة هذه نقل ساحة الصراع الذي تفجر ضده بعد إقرار خطة الاندحار من غزة ، إلى داخل الساحة الفلسطينية ،كما هو يحاول أن يستغل فكرة وجود رئيس جديد للسلطة الفلسطينية لزعزعة العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية ،كما هو أراد "دفع أبي مازن إلى الجانب الآخر من الطاولة " إذ معنى الخطة "أرنا صحة ما كنت تقول أن عرفات كان يمنعك من تنفيذه " فإذا أنجز أبو مازن ما وعد به مع حدوث مشكلات فلسطينية فإن ذلك هو الأفضل، وإذا أنجز بدون مشكلات، فإسرائيل تستفيد من ذلك أن تكون أعادت دورة تثبيت الوضع الفلسطيني عند عدم القتال ولو مؤقتاً واستغلال الوقت لتحقيق أهدافه الأخرى .<BR>وهو على صعيد المحيط العربي استهدف من عقد الهدنة عودة السفيرين المصري والأردني ، والانطلاق مجدداً إلى اختراق الموقف العربي لتطبيع العلاقات مع دول أخرى –خاصة وأن الضغط الأمريكي في أشد حالاته -لتدخل إسرائيل إلى ساحات عربية أخرى أغلبها بات جاهزاً لذلك ، كما هو يستهدف تكثيف الضغوط على سوريا ، فإذا كانت سوريا مستريحة على نحو ما من الضغوط تحت بند أنها لا تريد السلام -بإقرار العالم أجمع بأن شارون هو رمز العداء للسلام –وواقعة تحت ضغط "اتهام بمساندة الإرهاب "فمن بعد الاتفاق ،سيصبح لدى شارون اعتراف فلسطيني وأردني ومصري بأن شارون رجل يصنع معه السلام ... إلخ .<BR>المقاومة الرقم الأهم ، والأجندة الأظهر : <BR>للمقاومة أهدافها أيضاً، وإذا كان الأهم هو أن المقاومة نجحت في تفويت الفرصة على شارون في إشعال فتنة داخلية ، وكذلك إذا كانت رسخت وجودها من خلال الانتخابات البلدية، حيث حصلت حماس على 70% من المقاعد ...إلخ ،فإن المقاومة رأت في الهدنة المؤقتة اعترافاً من العدو بأنه لم يستطع القضاء عليها ،وأنها فرصة لها للظهور بطابع الندية –إذا اعتدى رددنا –إذ الهدنة هي بين طرفين وليست من طرف واحد ، وكذلك فإن المقاومة تحصل من خلال هذه الهدنة المؤقتة على الأرض لا الكلام ،وبما يجعل انتصارها واقعاً لا كلاماً تفاوضياً ولا كلاماً إعلامياً ،إذ ستكون في أعين الجميع قد انتصرت "في حرب غزة " ،كما أنها بطبيعة الحال ستحصل على فرصة أفضل في كل لحظة تمر في الهدنة للإعداد لما بعدها، وفي كل ذلك هي تظل قرارها بيدها ،ويدها التي لها القرار هي يد على الزناد ،فإذا هي رأت أن الهدنة خرجت عن أهدافها التي حققتها ،فإنها تظل القادرة على إنهائها فوراً .<BR>لكن القضية الرئيسة التي يجب ألا تتوه ،في تفاصيل تكتيك التهدئة وتطوراتها ومؤتمراتها ،هي أن انسحاب شارون من غزة ، وأياً كانت المبررات والأسباب والخطط التي يستهدفها ومهما كانت نوعية الأفخاخ التي ينصبها ومهما تصور هو من النتائج لما يفعل ، هو انسحاب يمثل التغير الاستراتيجي الأخطر في مسيرة الصراع منذ عام 48 م وحتى الآن .. إذ هو انسحاب ذو مغزى استراتيجي على مصير الدولة الصهيونية أكثر من الدلالات التي حملها الانسحاب من سيناء أو الأراضي الأردنية أو حتى جنوب لبنان . <BR>لقد كان هناك انسحاب من سيناء ،جاء في أعقاب معركة شاركت فيها ثلاث دول -حرب أكتوبر- وعقب ونتيجة لمفاوضات تسوية بين مصر والكيان الصهيوني وبالتزامات دولية .. وبمقابل من الطرفين زاد هنا أو نقص هناك . وهو انسحاب من أراضي دولة أخرى حسب الوصف الدولي القانوني .. وهو في بداية الأمر وختامه تراجع صهيوني عن خطأ التمدد الأكبر من القدرة السكانية والاستراتيجية الاستراتيجية على الاحتفاظ به ، ولقد كان هناك انسحاب من الأراضي الأردنية .. جاء في إطار معادلات وموازنات ونتائج مشابهة، وكان هناك الانسحاب من جنوب لبنان .. وهو انسحاب تم دون اتفاق ..وتحت ضغط المقاومة –ووفق ظروف وحسابات معينة -لكنه ظل في نهاية المطاف انسحاب من لبنان وليس من فلسطين، وانسحاب أمام مقاومة مستندة إلى دولة وإلى دولة مجاورة -سوريا- وإلى دولة إقليمية كبيرة مثل إيران .<BR>لكن هذا الانسحاب من غزة أمره مختلف في تأثيره على الرؤية الكلية التاريخية للصراع وليس فقط على استراتيجية مرحلة من مراحل الصراع .. وهو انسحاب وانتصار يحدث في لحم وعظم المشروع الصهيوني إذ هو الانسحاب الأول من جزء من فلسطين التي قام الأساس للمشروع الصهيوني على أنها أرض بلا شعب أعطيت لشعب بلا أرض ، وهو انتصار يحدث على الأرض الفلسطينية ذاتها من خلال المقاومة بديلاً لهزائم الحركة الوطنية الفلسطينية على الأرض غير الفلسطينية خلال المراحل التي جرت فيها المعارك من خارج الأرض الفلسطينية في الأردن ثم لبنان ، وهو انسحاب يتم إلى الخارج وليس إلى الداخل كما كان هو الحال في الانسحابات من المدن الفلسطينية ضمن صيغة اتفاقات الحكم الذاتي في أوسلو وهو أول إنجاز للانتفاضة ، وهو انتصار يتم بالسلاح مخيباً أمال كل الذين تحدثوا عن خطا العمليات داخل 48م وعسكرة الانتفاضة، وهو أول تحرير سيكون الشعار من بعده ،كما حررنا غزة سنحرر الضفة.<BR>ومن هنا فإن القضية الأهم هي أن المقاومة التي تمكنت من تحقيق الانتصار ،وأياً كانت الطريقة التي ينسحب بها الجيش الصهيوني، تظل هي القادرة على تغيير المسار في الوقت الذي تراه مناسباً .<BR>ومن هنا فإن القضية الأهم هي النظر للتهدئة التكتيكية المؤقتة ،على أنها كذلك ، وليست بداية لهدنة دائمة ،يتبعها عودة إلى لعبة التفاوض وألاعيب التفاوض .<BR>ومن هنا فإن القضية الأهم هي النظر لفكرة التهدئة التكتيكية المؤقتة على أنها كذلك ،وأنها خطوة باتجاه مشوار تحرير فلسطين ،يتبعها تكثيف كل عناصر قوة المقاومة باتجاه تحرير مناطق أخرى ،لا العكس .<BR><br>