الانتخابات الفلسطينية والعراقية.. الدور الصهيوني "لشرعنة" الاحتلال
23 ذو الحجه 1425

منذ أن أفشلت المقاومة الأفغانية الخطة الأمريكية المستندة إلى هيمنة القوة الغاشمة "القوة الصلبة"، والمحاولة لم تتوقف لإيجاد الصيغة البديلة لضمان استمرارية استلاب مقدرات وثروات الشعوب، وقد تصاعدت الضغوط الدولية ضد الأمريكيين في أفغانستان مع استمرار واشتداد عمليات المقاومة وتراجع التأييد الدولي لغزو أفغانستان، وبدأت المواقف تتحول من المشاركة إلى الانسحاب ومن الانسحاب إلي المعارضة، خاصة بعد أن اتضح للدول التي شاركت منذ البداية في هذه الحروب الإجرامية أن الأهداف الأمريكية في السيطرة على منابع النفط لا تحتمل وجود شركاء، بل وقد تكون حجر الأساس في فرض هيمنتها على هؤلاء الشركاء أنفسهم!!<BR><BR>منذ ذلك الحين والأمريكيون يبحثون عن شرعية جديدة غير شرعية الدول الكبرى أعضاء مجلس الأمن الدائمين والقانون الدولي.. وهكذا جاؤوا بكرزاي، ثم أجريت الانتخابات في أفغانستان بعد ترتيب أوضاعه بما يتلاءم والأهداف الموضوعة لتأتي بكرزاي تحت غطاء من شرعية وهمية، أضفتها انتخابات جرت في معمل سبق التحكم في كل عناصر التجربة فيه، ولا مانع والحال كذلك أن تجرى تحت إشراف لجنة دولية ومراقبين دوليين لتوصف بالنزيهة، والتي جرت في أجواء من الهدوء والحرية.<BR><BR>وتبقى قوات الاحتلال بطلب ورجاء السلطة "الوطنية المنتخبة"، أو ترحل لتقوم بمهامها السلطة "الوطنية المنتخبة".. وهو الحل الأمثل والأقل نفقات والذي لا يعرض جيوش "السيد الإمبراطور" لخسائر لم يعد يتحملها.<BR><BR><font color="#0000FF">الانتخابات الفلسطينية.. الدور الصهيوني: </font><BR>بعد تحطيم قوة العراق بالقصف والحصار وتحطيم البنية التحتية...إلخ، وحتى قبل حرب الاحتلال الإجرامية وتبني الدول العربية المحورية لوهم الحلف الإستراتيجي مع العدو الأمريكي ، وقبل مشروع المبادرة السعودية التي تبناها مؤتمر القمة العربية في بيروت، اعتقدت الإدارة الأمريكية وشاركها الاعتقاد قادة الكيان الصهيوني أن الساحة العربية عموماً والساحة الفلسطينية بالتبعية مهيأتين لقبول شروط حل "المشكلة الفلسطينية" على أساس الأجندة الصهيونية، وأن انتخابات تجرى في "الضفة والقطاع" لابد وأن تفرز قيادة فلسطينية مستعدة لتقديم تنازلات إستراتيجية، بصرف النظر عن اسم هذه القيادة، وانتخب الشعب الفلسطيني ياسر عرفات ومارس الصهاينة كل أنواع الضغوط ، سواء في الداخل أو من الخارج لإخضاع عرفات "الرئيس المنتخب" في انتخابات جرت تحت رقابة دولية لشروط الأجندة الصهيونية وترتيباتها، إلا أن الحسابات الأمريكية والصهيونية لم تكن قد وضعت المقاومة الفلسطينية في ميزان المعادلة بتقويمها الصحيح، سواء من حيث قوتها وقدرتها في الداخل أو من حيث تأثيرها في الخارج، كما لم تكن تقدر الزخم الذي ستعطيه الحركة الجهادية العراقية لمصداقية المقاومة وقدرتها علي مواجهة الهجمة الأمريكية الصهيونية.<BR><BR>وبالرغم من أن المغدور عرفات قد تصدر السلطة الفلسطينية بانتخابات تحت المراقبة الدولية إلا أن العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية قد أعلنا أن عرفات عقبة في "طريق السلام" وأنه لا يمثل الإرادة الفلسطينية، وبدأت حملة واسعة محلياً وإقليمياً للتمهيد لإبعاد عرفات وإعداد البديل المطلوب تحت عنوان "إصلاح السلطة الفلسطينية"، وحوصر عرفات بينما فتحت الطرق والأبواب لكل المرشحين لخلافته ووسطائهم، ولكن الجهاد الفلسطيني أبطل مفعول الحصار وشل حركة البدلاء، ولأن اغتيال الجهاد كحركة ليس ممكناً وثبت فشله بعد الاغتيالات الكثيرة لقيادات حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، واعتقد الصهاينة والأمريكيون أن اغتيال عرفات يمكن أن يغير الموازين فاغتالوه .. لتكون هذه هي الخطوة الكبرى في التمهيد للبديل.<BR><BR><font color="#0000FF">الشروط الصهيونية للبديل: </font><BR>ما لم يوافق عليه عرفات، بل والذي لم يكن بوسعه أن يوافق عليه كان على سبيل الحصر..<BR> ـ التنازل عن حق عودة اللاجئين من أراضي 67 وعن تعويضات لاجئي 48.<BR> ـ القدس بشقيها الغربي والشرقي عاصمة أبدية للكيان الصهيوني. <BR> ـ سلطة فلسطينية منزوعة السلاح ومحدودة السيادة .<BR>وتبقى كافة القضايا الأخرى قابلة للمداولة ولو بحدود دنيا وقصوى.. وقد رأى الصهاينة والأمريكيون في محمود عباس "أبو مازن" الرجل المناسب، وبدأت آلية الانتخابات تحت الاحتلال تلعب دورها، فأعلن الصهاينة أن انتخاب أبي مازن قد يعني إعطاء فرصة جديدة للسلام وأنه شريك مقبول في مفاوضات السلام المقبلة، ورحب بوش باستقبال أبي مازن في البيت الأبيض، واستقبلت رام الله ،التي ظلت معزولة في وجود رئيس منتخب، وفوداً من معظم الدول الأوروبية ووزير الخارجية الأمريكية لمباركة "عباس" المرشح ضمن تسعة مرشحين آخرين لانتخابات الرئاسة، بل وأعلن شارون أن الإفراج عن الأرصدة الفلسطينية لدى الكيان الصهيوني سيتم إذا ما انتخب أبو مازن، ورفض الصهاينة مشاركة اللاجئين الفلسطينيين في الانتخابات وأيدهم الأمريكان لعلمهم أن أصواتهم لن تكون في مصلحة المرشح المطلوب ولإقرار مبدأ أن اللاجئين لا يملكون حقوق المواطن الفلسطيني..<BR><BR>وقد تجاوز الدعم الصهيوني الشكل السياسي فمنع كل المرشحين من الانتقال بين مناطق السلطة (عدا أبو مازن) ولم يسمح سوى له بدخول القدس، بل ووضع اثنين من المرشحين رهن التوقيف أثناء الحملة الانتخابية، مما دفع مصطفى البرغوثي إلى تقديم طعن في نتائج الانتخابات قبل إجرائها أمام المحكمة، كما منعت قوات الاحتلال الناخبين في القدس من الوصول إلى مراكز الاقتراع وسمح للناخبين في مناطق أخرى بالتصويت "بالهوية"... إلخ.<BR><BR>فعلت إذن قوات وإدارة الكيان الصهيوني كل ما تستطيع ليحصل أبو مازن على نسبة معقولة من الأصوات..<BR> لتستخدم هذه الشرعية في التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة حتى بالقرارات الدولية.<BR><BR><font color="#0000FF">الانتخابات العراقية.. النموذج المعاكس: </font><BR>مع بداية احتلال العراق أعلن قادة الجيش الغازي أن قواتهم جاءت لتبقى وأن "خلاص" العراق من" الديكتاتورية" ليس مهمتها الأخيرة، بل أنها ستعمل على خلق نموذج لدول المنطقة في العراق، و"كرزايات" العراق الذين دخلوها علي الدبابات الأمريكية وتلقوا مدة تدريب طويلة في الخارج ، وهم كثر كانوا جاهزين لمهامهم بل ويتصارعون فيما بينهم لإثبات الولاء للمحتل، وفي هذه الحالة أيضاً جانب الصواب تقديرات المحتل وعملاءه .. فاندلعت المقاومة منذ اللحظة الأولى بقوة وتنظيم وتقنية أربكت خطط العدو الأمريكي المجهزة لما بعد الاحتلال، وكما حدث في الحالة الأفغانية بدأت العزلة للحملة الأمريكية على العراق تتزايد وتسارعت حالات الانسحاب، وفي الحالة العراقية كانت الملامح أوضح فتحولت العزلة إلى حصار، وعدم الموافقة إلى اعتراض وهجوم، وعدم الشرعية إلى تجريم ومطالبة بالحساب، وهنا أيضا برزت الانتخابات كآلية مطلوبة لاكتساب الشرعية للجرائم وبدأ الحديث عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وفي موعد أقصاه نهاية يناير الجاري وتحت أي ظرف وباستثناء أية منطقة المهم أن تأتي حكومة "وطنية منتخبة" لتعبر عن "مطالب الشعب العراقي الحر" في بقاء القوات الأمريكية، ورغبته في انفراد الاستثمارات والشركات الأمريكية، واستدعي الدور الصهيوني، بعد أن كان الأمر المعلن لهم من قبل الأمريكان هو الابتعاد عن حرب العراق، بدأ الموساد يرسل الخبراء ويحرك العملاء الذين سبق تجهيزهم لأرض الرافدين، وبعكس المطلب الصهيوني في الانتخابات الفلسطينية بعدم السماح للفلسطينيين في الشتات بالمشاركة استدعي تحقيق الأهداف الأمريكية والصهيونية من آلية الانتخابات في الحالة العراقية مشاركة العراقيين في الخارج، بل وحتى من يحملون جنسيات أخرى، وبالذات من يحملون جنسية الكيان الصهيوني،على عكس الحالة الفلسطينية.<BR><BR>إذن يلعب القادمون من الخارج في الانتخابات العراقية الدور الأساسي ترشيحاً وتصويتاً وطرحاً سياسياً، وقبولاً من المحتل بينما يعزل الداخل ويمنع ويحاصر، المهم أن تؤدي آلية الانتخابات "الحرة" وفق المراقبين الدوليين إلى انتخاب "الحكومة الوطنية المطلوبة" لإضفاء الشرعية على وجود الاحتلال وعلى جرائمه على حد سواء، كما حدث عندما طلبت حكومة علاوي المؤقتة من القوات الأمريكية المحتلة "معاونتها في تصفية الإرهابيين في الفلوجة".<BR><BR>ولعل أبرز ما يقوم به الكيان الصهيوني وأجهزته في الانتخابات العراقية هو تمهيد الأرض للأشخاص والقوى المطلوبة، وتدريب العناصر اللازمة للقيام بالعمليات الضرورية لهذا التمهيد من تفجيرات لإشعال الفتنة الطائفية واغتيالات لشخصيات سواء معارضة أو متعاونة لشرذمة الشعب العراقي عرقياً ومذهبياً.. وهو دور محوري في خطط الاحتلال، ولا يستبعد أن يكون تمهيداً لعملية ترانسفير جديدة للشعب الفلسطيني، كما هو تمهيد لوجود صهيوني مادي على أرض الرافدين .<BR><BR><font color="#0000FF">الانتخابات آلية لإجهاض المقاومة: </font><BR>اللافت للنظر في الحالات الثلاث (الأفغانية، الفلسطينية، والعراقية) أن الانتخابات على الطريقة الأمريكية والصهيونية تأتي بعد مرحلتين سابقتين..الاحتلال، وتحطيم الدولة القائمة وبناها التحتية، ثم تأتي الانتخابات كمرحلة ثالثة لبناء سلطة القوى والشرائح المتعاونة ولتبدأ البناء بتكوين الشرطة والجيش وفق متطلبات سلطة الاحتلال وتحت قيادتها وبشرعية "الحكومة الوطنية المنتخبة". وفي الحالات الثلاث تتكون هذه القوات من عناصر القبليات أو الأعراق أو التنظيمات الموالية للمحتل والمتعاونة معه. وتنحصر مهامها في مواجهة القوى المناهضة للاحتلال والتنظيمات المجاهدة لرفع عبء المواجهة عن جنود المحتل، وتوفير النفقات التي يتكبدها للحفاظ على جنوده المترفين، وتحويل المواجهة من مقاومة لمحتل تدعمه جميع القوانين الدولية، إلى مواجهة بين نظام منتخب وجماعة أو جماعات من "المخربين أو الإرهابيين"، تجعل من وجود قوات الاحتلال ونفوذه مطلباً "للحكومة الوطنية" لا تستطيع القوى الدولية المنافسة أن تتصدى له في المحافل الدولية.<BR><BR>وقد تتعدد أشكال وآليات المرحلتين الأولى والثانية (الاحتلال وتحطيم الدولة).. فيمكن لسياسات وبرامج صندوق النقد والبنك الدوليين والقروض والمعونات الأجنبية والاتفاقيات التجارية أن تخلق وتنمي مجموعة من الفئات الاجتماعية التي تربط مصالحها بمصالح الدول الكبرى وعلى حساب باقي فئات شعبها، أو تفكيك المجتمع عن طريق استخدام شعارات كحقوق الأقليات العرقية والدينية أو حق تقرير المصير في غير مكانها، وغير الحالات التي سنت من أجلها، كما في الحالة السودانية، فما لا يمكن تحقيقه بالآلة العسكرية قد يتحقق بالوسائل الأخرى.<BR><BR><font color="#0000FF">التفكيك وإعادة التركيب عبر الانتخابات: </font><BR>الاستراتيجية المعلنة للهيمنة الأمريكية الكونية، وفيما يختص بالشرق الأوسط الكبير بالذات، مبنية علي أساس تفكيك الكيانات الوطنية القائمة وإعادة تركيبها على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي أو قبلي، وقد عملت السياسات الأمريكية والصهيونية منذ عدة عقود وعبر وسائل اقتصادية وسياسية ومذهبية على تأجيج هذه الروح وضخ الدماء في عروق النزوع الانفصالي وتمويل المنظمات التي تعمل علي إضعاف الدول المركزية.. الأمر الذي يرشح العديد من دول منطقتنا "خاصة الكبيرة" والتي تم تجهيز القوى البديلة المرتبطة بالمصالح الاستعمارية والصهيونية فيها إلى الدخول إلى مرحلة إعادة التركيب، دون الاضطرار لتحمل أعباء وتكلفة مرحلة الاحتلال العسكري، أي الدخول إلى آلية الانتخابات على الطريقة الصهيونية الأمريكية بعد تحطيم الدولة من الداخل، وهذا ما يرشح الأحداث في المنطقة أن تتجه في مسارين متوازيين، مسار الأنظمة.. والتي يبدو أن ليس من بديل أمامها بعد ما وصلت إليه من تفريط في ثوابت الهوية والسيادة سوى أن تغير من شكلها وآليات عملها لتصبح هي نفسها في صورتها "المعدلة صهيونيا وأمريكيا" البديل المقبول من قوى الاحتلال والهيمنة، ومسار المقاومة .. الذي يتنامى في العراق وفلسطين وتظهر إرهاصاته المنظمة في العديد من دول الجزيرة العربية وغيرها، ويبقى هذا المسار، بمعناه الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعسكري وقبل ذلك وبعده بمحتواه العقائدي هو المسار الوحيد الممكن أمام الشعوب لتحقيق انعتاقها من الاستغلال والقهر، سواء من الأنظمة أو من قوى البغي العنصري الأمريكية والصهيونية.<BR><BR>ولتحقيق هذا الانعتاق لابد لمسار المقاومة من إدراك أن الهجمة الشاملة التي تتعرض لها شعوبنا لا يمكن مواجهتها بشراء أحلام التغيير بإجراء الانتخابات بالشروط الأمريكية الصهيونية، ولكن بتوحيد جهود المقاومة لهذه الهجمة وتخطي الروح الحلقية والحزبية السائدة سواء في البلد الواحد أو علي اتساع رقعة بلاد العرب والمسلمين، فكل تجزئة للجهود المقاومة هي إخلال بالضرورات الاستراتيجية للمعركة الشاملة الواحدة والموحدة.<BR><BR>هكذا استطاعت حركة المحافظين الجدد الصهيونية تحويل آلية الانتخابات من آلية لحشد الدعم الشعبي خلف خيارات الأمة، لتحقيق تميزها واستقلالها وتقدمها وتأكيد هويتها، إلى آلية لحشد أبناء الوطن في قوات تابعة لإرادتها، لإجهاض الجهاد من أجل تحقيق هوية الوطن وتقدمه واستقلاله.. فهل سيظل البعض يعبدون الآليات الديمقراطية الغربية دون إدراك لاختلاف الظروف والأهداف؟!<BR><br>