بعد صعود عباس، الانتفاضة إلى النحر أو النصر؟!
4 ذو الحجه 1425

عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" [محمود عباس/ يديعوت أحرونوت 10/1/ 2005]. <BR>"يجب أن يعلنها صراحة: هل سيقاتل الإرهابيين ويوقف الانتفاضة أم لا" [إيهود أولمرت/ رويترز 10/1/2005].<BR><BR>أخيرًا حدثت "المعجزة" فاز محمود عباس ميرزا "أبو مازن" بالانتخابات الرئاسية الفلسطينية. نعم، فالأمر يتجاوز حدود "المفارقة" إلى حيز "المعجزة"؛ إذ كيف يحمل المرشح برنامجًا انتخابيًا ترفضه الغالبية الشعبية، ويطلق التصريحات الاستفزازية ضد خيارات شعبه ومضامين نضاله التحرري، ويخوض جولته الانتخابية خارج بلاده. <BR><BR>نجاح أبي مازن بمجموع يفوق الستين بالمائة لا يثير اندهاشي الشخصي , فالمراقب الدولي الأول هو القس جيمي كارتر , ورئيس لجنة الانتخابات هو "حنا" ناصر , والفائز هو عباس "ميرزا" , والفارق بين شعبية الرجل الحقيقية (2%) وفقا لاستطلاعات الرأي الفلسطينية الرسمية قبل الانتخابات بفترة ليست طويلة , والنتيجة النهائية أو شبه النهائية للانتخابات (62%) هو ستون بالمائة , وليس الشعب الفلسطيني العظيم شعباً أخرق ـ حاشاه ـ حتى يهب الرجل هذه النسبة في ليلة وضحاها ؛ ولا الرجل قد تحول من شيطان رجيم إلى ملك كريم في نفس الليلة !! ولكي لا نرهق الرؤوس بالتفكير ؛ فالسر عند حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية والذي أتحفنا بمؤتمر صحفي حاولت معه بكل ما أوتيته من بقية عقل أن أفهم منطقه فعجزت , وكما أنني لست أذكي من استمع إلى المؤتمر الصحفي للإعلان عن النتائج "الأولية " للانتخابات فأزعم أنني لست أغباهم , وبالتأكيد فكثيرون مثلي يشاركونني ذات الحيرة , فالرجل بدا كأنه يحاول جهده ألا يبدو كمن يعمل على تقنين ما سببته اتصالات الناخبين التليفونية من إزعاج للجنة الانتخابات المركزية ؛ ما حدا بها إلى تغيير معايير قبولها للناخب في ليلة وضحاها ( هي نفس الليلة التي قفزت فيها شعبية أبي مازن) !! <BR><BR>على أية حال , دعونا نتجاهل "أحقادنا الشخصية" و"حسدنا المفرط" على الناخب المعجزة , ونعبر إلى حيز الإجابة على التساؤل : لماذا جاء أبي مازن الآن ؟ <BR><BR>جاء ليقتلع هذه الجذور: <BR>1ـ نجاح المقاومة في خلق توازن رعب مع أطغى الآلات العسكرية وأوفرها مددًا أرضيًا في العالم، هذا النجاح الذي عوض أن يستند إليه كأحد الأوراق "التفاوضية" في يده، بادر إلى نسفه متحديًا كل شعبه الممثل في الفصائل الفلسطينية عبر تصريحه المشين بعدم جدوى إطلاق الصواريخ على المغتصبات الصهيونية، ما اعتبرته الأجنحة العسكرية الفلسطينية: صقور فتح ـ كتائب شهداء الأقصى ـ كتائب الشهيد أحمد أبو الريش ـ كتائب الشهيد عز الدين القسام ـ ألوية الناصـر صلاح الدين ( لجان المقاومة الشعبية) ـ كتائب شهـداء الأقصى (وحدات الاستشهادي نبيل مسعود) ـ الجبهة الشعبية القيادة العامة (مجموعات الشهيد خالد أبو عكر) "طعنًا في ظهر المقاومة" على حد قول بيانها المشترك المؤرخ في 3/1/2005. وهذا النجاح الذي جيء بأبي مازن ليستخف به هو الذي تمخض عنه جرح 29 جنديًا صهيونيًا ـ وفقًا للإحصاءات العسكرية الصهيونية الجائرة ـ خلال الأسبوع الأول من هذا العام والذي شهد.<BR><BR>2ـ نجاح المقاومة في منع الهجرة اليهودية إلى فلسطين: ولعل من المفيد أن نذكر أن الحكومات الحمائمية العمالية في الكيان الصهيوني كانت ـ كما الصقور اليمينيين ـ جميعها متساوقة مع المخطط الاستيطاني السرطاني، ولم يوقف أي تنديد سياسي في الأمم المتحدة أو في الأطر العربية والمحلية شره هذا المخطط الاستراتيجي الرهيب إلا للاعتصام بهذه الانتفاضة المباركة والتخندق في مبنى المشروع النضالي الحر خلف الأجنحة العسكرية البطلة.<BR><BR>من المحال أن يقبل أي إنسان له مسحة من عقل بإنكار هذا النجاح المتألق للانتفاضة الفلسطينية المباركة في هذا المجال، ويغفل هذا الاحتفاء المتعمد والمبالغ به لشارون وحكومته بنحو مائة مغتصب جديد قدموا من فرنسا إلى الكيان الصهيوني، مدللاً بذلك على اضمحلال الهجرة اليهودية وضمور الرغبة لدى الأكثرية الساحقة من اليهود في الهجرة إلى أرض الميعاد تصديقًا لقول المولى عز وجل: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة..}.<BR><BR>3 ـ نجاح المقاومة بشكل لافت في إجبار الصهاينة على مباشرة هجرتين عكسيتين؛ إحداهما خارجية، وأدت إلى مغادرة ثلاثة أرباع مليون صهيوني من فلسطين إلى أمريكا وأوروبا من أصحاب الكفاءات، والأخرى داخلية (داخل فلسطين) من مغتصبات فلسطين 67 إلى مغتصبات فلسطين 48 فرقًا من صواريخ القسام وأخواتها، لا بل حتى المغتصبات في فلسطين 48 المحاذية والقريبة من (حدود 67)، وقد كشفت عن ذلك حركة حماس وفقًا لمصادرها المطلعة التي تحدثت عن حزم مجموعة من المستوطنين الصهاينة في قطاع غزة أمتعتها لمغادرة مغتصبة "نيسانيت" شمالي قطاع غزة فورا وعدم انتظار تطبيق خطة الفصل، وذلك بعدما تزايدت عمليات إطلاق المقاومة للصواريخ وقذائف الهاون على المغتصبات الصهيونية., متحدثة عن عشر عائلات في مغتصبة "نيسانيت" شمالي قطاع غزة قررت عدم الالتزام بقرار المستوطنين المتشددين الذين يرفضون إخلاء مستوطنات غزة. [المركز الفلسطيني للإعلام، 8/1/2005].<BR><BR>نجاح المقاومة في تجييش الشعب الفلسطيني كله خلفها، وتجذير الخيار النضالي في التربة الفلسطينية؛ سواء على صعيد فلسطين أو على صعيد اللاجئين الفلسطينيين خارجها، وللدلالة نكتفي بنتائج النتخابات المحلية التي تفوقت فيها حماس على فتح في 10:13 الشهر الماضي، ونستند إلى جميع الاستطلاعات في الداخل الفلسطيني التي تصوت جميعها للخيار النضالي .<BR><BR> أما في الخارج فحسبنا الاستطلاع الذي أجرته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في لبنان حول انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية وكشف عما يلي: <BR>- 73% من اللاجئين يعارضون إجراء الانتخابات في ظل الاحتلال<BR>- 49.5% لا تعنيهم انتخابات رئاسة السلطة<BR>- 96% يرفضون التنازل عن حق العودة<BR>- 91% أبو مازن غير قادر على حماية الانتفاضة والمقاومة<BR>- 87% أبو مازن لن ينجح في بناء وحدة وطنية. <BR><BR>4 ـ الإجماع المتين للفصائل الفلسطينية على وحدة الصف في العمل النضالي وتبنيه ، والذي يتجلى في أكثر من مشهد، من أبرز تلك المشاهد هذا البيان لهام لأبرز الأجنحة العسكرية الفلسطينية الذي نددت فيه بتصريحات أبي مازن، والمشار إليه آنفًا، والذي جاء فيه "إن صواريخ وقذائف المقاومة الباسلة قد أثبتت فاعليتها ونجاحها بجدارة بدليل شهادة جميع أركان العدو، وما إقرار العدو بالهروب من غزة وبعض أجزاء الضفة الغربية إلا ثمرة من ثمرات هذه المقاومة، في حين أن اتفاقيات أوسلو التي هندسها محمود عباس لم ترجع كامل حقوقنا وبقيت تراوح مكانها منذ أكثر من عشر سنوات (..) ونؤكد أن صواريخ المقاومة وقذائفها ستبقى كابوساً تلاحق المغتصبات الصهيونية بإذن الله تعالى، حتى يرحل أخر مغتصب عن بلادنا (..) ونؤكد أن هذه التصريحات لن تجعلنا نتراجع عن وحدتنا التي جسدناها بالمقاومة ودماء الشهداء والتخندق في مواجهة العدو الصهيوني، بعد أن فرقتنا أوسلو".<BR><BR>5 ـ الاعتبارية التاريخية وخلفياتها ومراميها المستقبلية، والتي تمنح الحرية والاستقرار والقرار بدافعي ضريبة الدم دون غيرهم، وإذا تجاسرنا على معطيات التاريخ البعيدة، فلن يكون بمقدورنا القفز على معطيات التاريخ الحديثة؛ تلكم المانحة لمنظمة التحرير ذاتها تلك المكانة خلال العقود الماضية فقط حينما لاذت بالنضال ودفعت ضريبة الدم، المجردة لكثير من ساستها حينما لهثوا خلف قطار أوسلو كل معاني الزعامة القبول السياسي.<BR><BR>6 ـ الاعتبارية الدينية التي جعلت مقاومة المحتل الصهيوني فريضة لدى الشعب الفلسطيني بمختلف توجهاته الوطنية والإسلامية، وغابت ثَم كل الشعارات القومية والفئوية الضيقة لتبرز المصطلحات الإسلامية، ومن ورائها الشعور الإسلامي الدافق، وكيف نمر على البيان المشترك سالف الذكر من دون أن يستوقفنا تصديره بالآية القرآنية الكريمة { يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} وتذييله بتلك العبارة الساحرة والملهمة "وإنه لجهاد بلا هوادة... حتى النصر أو الشهادة"..<BR><BR>7 ـ نجاح المقاومة في طرح مسألة الانسحاب الصهيوني من غزة، ولعل من أظهر تلك النجاحات أن يقدم اليمينيون الصهاينة وبمعية أكثر الشخصيات الصهيونية تطرفًا وأشدها دموية آرييل شارون على مسألة الانسحاب الأحادي غير المشروط من غزة.<BR><BR>8 ـ نجاح المقاومة العراقية في إذلال الأخ الأكبر لـ "إسرائيل"، وما يتخلف عن ذلك من ضياع هيبتها معًا من قلوب الفلسطينيين.<BR><BR>ماذا يخبئ أبو مازن للانتفاضة:<BR>بكل وضوح: لا شي، لا لأنه لن يعمل على وأدها، وإنما لأنه ليس ثمة ما "يضمره" أو "يخبئه" أبو مازن للانتفاضة. لكن لكي نكون أكثر وضوحًا سنتساءل كيف سيحاول أبو مازن تنفيذ أجندته المعلنة لوأد الانتفاضة؟<BR><BR>قبلُ، هذه أجندته المعروفة:<BR>1 ـ "وقف عسكرة الانتفاضة" أو بلغة أخرى إعادة الانتفاضة من مرحلة الصاروخ إلى مرحلة الحجارة، أو من الحسام إلى السيف الخشبي، ومقاومة الاجتياحات العسكرية بالتظاهر السلمي و"السلام الآن" .<BR><BR>2 ـ إعادة تعريف مدينة القدس التي يعرفها المسلمون من قرون طوال بتعريف صهيوني جديد ـ أو ربما بهائي ـ يجعل الفلسطينيين وجميع المسلمين يسمعون عنها بآذانهم وينكرونها بأبصارهم.<BR><BR>3 ـ اعتبار الستة ملايين لاجئ فلسطيني جسمًا غريبًا على الجسد الفلسطيني يلزم أن ينبت عنه، ومن ثم إسقاطهم نهائيًا من حسابات الشعب الفلسطيني ومن المعادلة برمتها لاحقًا، اتساقًا مع ما جاء في وثيقة بيلين ـ أبو مازن، التي تنص على مصادرة حق العودة هكذا "" ندرك أن مستلزمات العهد الجديد من السلام والتعايش، بالإضافة إلى الحقائق التي خلقت على الأرض منذ 1948م، جعلت تنفيذ هذا الحق غير عملي؛ لذا يعلن الطرف الفلسطيني استعداده لقبول وتنفيذ إجراءات ستضمن - إلى الحد الذي يكون فيه ذلك ممكنًا - مصلحة خير هؤلاء اللاجئين " .<BR><BR>وبعدُ، فإنه من المتوقع أن يشرع أبو مازن في تنفيذ سياسة أكثر حدة من سياسة عرفات إثر مؤتمر شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب في النصف الأول من العقد الماضي، والذي تلا عمليات الثأر لاستشهاد القيادي القسامي الأشهر المهندس يحيى عياش، حيث باشرت السلطة مسعاها لضرب القوى التحتية لحماس وهدم بناها الاجتماعية والعسكرية والإعلامية.<BR><BR>ومع حلول هذه الذكرى التاسعة والتي حاولت حماس أن تحتفل بها في طريقة لا تخلو هذه المرة من دلالة؛ فإن أبا مازن يبدو عازمًا على المزايدة على سلفه في هذا المضمار، سيما والأخير له مواقف نضالية وإن اختلف حولها فيما الأول يخلو من أي مظهر نضالي، اللهم إلا الكوفية التي اعتمرها مؤخرًا إبان الانتخابات، و"زلة اللسان" التي وقع بها مؤخرًا حين وصف العدو الصهيوني بـ "العدو الصهيوني"، والتي سرعان ما كفر عنها باعتذاره للعدو الصهيوني.<BR><BR>وإذ خنس الشرطيون الأسلويون من طابور دحلان والرجوب إبان الانتخابات، لإن ظهورهما بجوار أبي مازن أو أي مرشح آخر كفيل بإسقاطه بالضربة القاضية الفنية؛ فإن هؤلاء سيعودن حتمًا للشاشة من جديد حين يستدعيهم الزعيم الجديد لتحقيق فريضة "الجهاد الأكبر" الذي عاد إليه الختيار المتطور الواقعي.<BR><BR>وسيطلق أبو مازن حملته لـ "وقف عسكرة الانتفاضة" و"وقف فوضى السلاح" وفتح الباب للحلول "الواقعية" التي تهدف إلى "تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني"، وسيصفق له الطابور الصهيوني في بلاد بني يعرب، وسيعود إلى غزواته الغامضة وسياسته الباطنية، ويختفي لشهور ـ وربما لسنوات ـ ثم يخرج من فتحة سرداب بيلين ـ أبو مازن، أو مدخل نفق أوسلو بخارطة طريق جديدة غير تلك التي يعرفها نور الدين محمود وعز الدين القسام، وستمر انتفاضة الأقصى المباركة بمحنة وربما تشتد عليها الضغوط من الداخل والخارج لكنها أبدًا لن تنكسر، فالضربة التي لا تكسر الظهر تقويه. <BR><BR>في الحقيقة هناك كثيرون يخشون على الانتفاضة من أبي مازن , ولمخاوفهم ما يبررها .. غير أنه إذا نظرنا لمأزق شارون ذاته وحيرته الكبرى مع الانتفاضة .. إذا ما نظرنا لصعوبة اقتلاع هذه النبتة المباركة ؛ سهل علينا أن نرى المشهد على صورته الحقيقية : أبو مازن بالتأكيد صعد على سدة حكم السلطة الفلسطينية .. صحيح أنه صعد , لكنه صعود الزبد فوق "موجات المد الانتفاضي الزلزالي المدمر" .. وستستمر الزلزلة وتأكل الأمواج العاتية من ساحل الكيان الصهيوني .. ويمضي الزبد لا يكاد يراه أحد .. {فأما الزبد فيذهب جفاءً , وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.. <BR><BR><BR><br>