الدور الأمريكي في أزمة أقباط مصر
10 ذو القعدة 1425

"وفاء قسطنطين مسيحية، ولدت مسيحية وسوف تتمسك بذلك حتى الممات"<BR>هذا قول الأسقف العام الأنبا آرميا (سكرتير الأنبا شنودة بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر) ليعلن انتهاء ملف أزمة المهندسة وفاء قسطنطين التي أعلن عن دخولها الإسلام ثم نتيجة الضغوط المتزايدة التي نظمها بطريرك الكنيسة وتسليم الأمن المصري للسيدة إلى الكنيسة عادت مصادر أمنية في القاهرة لتؤكد أن وفاء توجهت إلى نيابة عين شمس صباح الأربعاء الماضي، حيث أقرت في محضر رسمي بأنها عادت إلى المسيحية بعد أن راودتها أفكار حول دخول الإسلام، وأنها سوف تعود إلى زوجها الكاهن في كنيسة أبو المطامير في محافظة البحيرة.<BR><BR>وحتى هذه اللحظة لم تعلن أي وسيلة إعلام عن لقاء هذه المرأة ليعرف الجميع أين هي من حقيقة هذه الأشياء الإسلام ثم الارتداد مرة أخرى ربما صحيفة الشرق الأوسط هي التي انفردت بحديث معها منذ عدة أيام كان أهم ما جاء فيه أنها شاهدت بالمصادفة برنامجاً تلفزيونياً في التلفزيون المصري تناول فيه أحد المتحدثين تفسيرا للقرآن بشكل مبسط ، فاكتشفت أن القرآن الذي نزل على محمد منذ ما يزيد على 1400 عام تحدث بلغة بسيطة يفهمها الجميع.. فبدأت تركز فيما تسمع حتى نهاية البرنامج التلفزيوني، وهي تشعر بشيء غامض ينبض به قلبها وكأن صدرها ينشرح ـ كما تقول ـ لشيء مجهول لا تعي ماهية طبيعته.. <BR><BR>ولأنها درست العلوم الزراعية، تأنت في تقديرها للموقف، وطلبت من أحد زملائها المسلمين، والذي تثق فيه أن يمدها بالكثير عن الإسلام والتفاسير والنبي محمد _صلى الله عليه وسلم_، فاكتشفت أن الإسلام ليس كما عرفت دين عنف وتكفير للآخر، ووجدت فيه إجابات عن أسئلة كانت تشغل تفكيرها منذ سنوات، وكلما قرأت وتعلمت، أدركت سلامة موقفها وصحته، فزاد تمسكها بالإسلام الذي اعتنقته دون أن يدرك أحد ذلك، أو يعرف سرها أحد، فكانت تصلي في غياب أسرتها أو في حجرتها بعيداً عن أعينهم بعد أن تغلق عليها الباب بالمفتاح.<BR><BR>صامت شهر رمضان قبل الماضي والماضي نجحت في إقناع أسرتها منذ ثلاثة أسابيع في الذهاب إلى الإسكندرية شمال القاهرة لقضاء عدة أيام في شقتهم التي يملكونها هناك.. كان ذلك يوم جمعة، وبالفعل قضت ليلتها في الإسكندرية، وفي صباح السبت حضر لها زميلها الذي اصطحبها إلى القاهرة دون علم أحد وتوجه بها إلى تلك الأسرة المسلمة التي كان قد اتفق معها على استضافة وفاء.<BR> <BR>إلى هنا ينتهي كلام وفاء وقد أوردنا هذا الجزء من الحديث الذي يثبت إيمانها على اقتناع ولم تظهر في أي وسيلة أخرى ليثبت الأقباط أنها ارتدت مرة أخرى إلى النصرانية بحريتها.<BR> <BR>و يبقى السؤال الأخطر لماذا لجأ الأقباط إلى أسلوب لي ذراع الحكومة المصرية وإجبارها على تسليمها المهندسة وفاء إليهم؟ ولماذا استجابت الحكومة المصرية لهذه الضغوط؟<BR> <BR>و الإجابة على هذا السؤال لابد فيه من عدم إغفال العامل المهم في هذه المسألة، وهو المتعلق بالدور الخارجي.<BR> <BR>فمع نهاية الحرب الباردة وانفراد أمريكا بالهيمنة في العالم بدأت بإتباع أساليب جديدة تحاول بها فرض عولمتها ومناهجها وثقافتها واقتصادها وإعلامها على العالم، فكانت سياسة أوراق اللعب وهي سياسة تقوم على البحث عن نقاط الضعف في الطرف أو الدولة التي تحس منها أمريكا أنها تريد أن يكون لها دور إقليمي أو عالمي على حساب الهيمنة الأمريكية؛ ونقاط الضعف تلك قد تكون اقتصادية كالديون والعجز المالي، وقد تكون حيوية كالمياه والتحكم فيها، وقد تكون مصدراً للطاقة لا غنى عنه للصناعة والتدفئة وغيره كالنفط ، وقد تكون نقطة الضعف دفاعية كدولة تحتاج للأسلحة أو قطع غيار لها أو تخشى جاراً طامعاً فيها أو صوَّرته أمريكا طامعاً فيها وفي ثروتها، وقد تكون نقطة الضعف أيضاً وجود أقليات عرقية أو طائفية داخل الدولة.<BR><BR>وعن طريق أوراق اللعب هذه والتحكم فيها تعيد الولايات المتحدة الدول الشاردة إلى حظيرتها لتدور في فلكها ولا تخرج مرة أخرى عن الدور المنوط بها من قِبَل الهيمنة الأمريكية.<BR>وأدرك أقباط المهجر هذه الخاصية فسارعوا إلى استثمارها؛ ولكن كيف السبيل إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة للتأثير عليه؟<BR><BR>إن الطريق الميسر لكل صاحب فكرة في أمريكا يريد أن يصل بفكرته إلى الأجهزة التنفيذية هناك هو الجماعات الضاغطة؛ وليس أسهل من الالتقاء بقوى اللوبي الصهيوني المعروف بعدائه التقليدي لكل ما يمت للإسلام والعرب بصلة؛ وهنا لا يفتأ هذا اللوبي باحثاً عن كل وسيلة وسلاح ليحارب به الإسلام والمسلمين وعندها يجد ضالته في أقباط المهجر عند ذلك تتقاطع المصالح: مصالح الإدارة الأمريكية، ومصالح الأقباط، ومصالح اللوبي الصهيوني.<BR><BR>وتتعدد جماعات الضغط التي تحالف معها الأقباط، ومن أهمها:<BR><font color="#0000FF"> 1 - التحالف المسيحي: </font> وهو منظمة أمريكية تضم 60 جماعة دينية معظمها من الأحزاب اليهودية الأمريكية، ويضم في عضويته اتجاهات اليمين المسيحي برئاسة جيري فويل، وهو مبشر بروتستانتي يؤمن بعودة اليهود إلى فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان وهدم المسجد الأقصى كمقدمة لعودة المسيح، ومن أبرز أعضاء هذا التحالف فرانك وولف صاحب مشروع أول قانون لمناهضة اضطهاد الأديان وهو بروتستانتي متشدد، وقد أصدر هذا التحالف تقريراً جاء فيه: "إن الحكومة المصرية تساعد وتساهم في بناء المساجد التي وصل عددها إلى 700 ألف مسجد؛ بينما تضع العقبات أمام بناء الكنائس، كما تقوم الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تناضل ضد الحكومة بأعمال عنف ضد المسيحيين؛ والكنيسة القبطية تجد نفسها في وضع معاناة وهجمات من جانب المسلمين، وتتعرض السيدات المسيحيات للإجبار على الزواج من مسلمين".<BR><BR><font color="#0000FF"> 2 - رابطة مناهضي التمييز: </font> وهذه تتحالف مع الاتحاد القبطي وتدعمه معنوياً ومادياً، ولها اتصالات كبيرة مع الكونجرس الأمريكي، ونجحت هذه الرابطة في تنظيم اجتماع بين (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق) نتنياهو وأعضاء الاتحاد القبطي، واستخدم نتنياهو هذه الورقة أيضاً في محادثاته مع المسؤولين الأمريكيين عندما قال لهم: "إن معاملة العرب في إسرائيل أفضل من معاملة الأقباط في مصر".<BR><BR><font color="#0000FF"> 3 - لجنة مسيحيي الشرق الأوسط: </font> وهو تحالف يضم بالإضافة إلى أقباط مصر موارنة لبنان، ونصارى شمال العراق، ونصارى جنوب السودان. وأعلنوا صراحة: "أن هدف هذا التجمع هو التصدي للسيطرة العربية والإسلامية على الشرق الأوسط"، وفي بيان لها قالت: إن إيجاد دولة إسرائيل يعد تطوراً إيجابياً عظيماً في أعين غير العرب، فالمسيحيون في الشرق الأوسط يدركون أن إعادة ولادة "إسرائيل" وتجميع الشعب اليهودي في أرضهم التاريخية بمثابة بشرى لتحريرهم في المستقبل.<BR><BR><font color="#0000FF"> 4 - بيت الحرية: </font> وهو مؤسسة يهودية أمريكية يرأسها مايكل هوروفيتز، وهو محامٍ يهودي عمل في إدارة (الرئيس الأسبق) ريجان، وهو أول من أطلق فكرة ضرورة تدخل الولايات المتحدة لإنقاذ المسيحيين الذين يتعرضون للاضطهاد والموت في العالم، وقد بدأ هوروفيتز حملته من القاعدة بإنشاء شبكة من التحالفات مع عشرات الكنائس الأمريكية في عام 1995م؛ حيث أرسل خطابات إلى 150 كنيسة طلب من مجلس إدارتها أن يقوم المصلون بإرسال خطابات إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي لحثهم على تولية عناية أكبر لقضية اضطهاد المسيحيين. ثم انطلق في تكوين تحالفات معقدة ومختلفة مع التجمعات الكنسية، والتجمعات اليهودية، وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي لحثهم ومنظمات سياسية معظمها ينتمي إلى اليمين المسيحي الإنجيلي في أمريكا، وفي يناير عام 1996م انضم هوروفيتز إلى نيتاتشي رئيسة برنامج حقوق الإنسان في جماعة بيت الحرية، ومؤلفة كتاب: (في عرين الأسد) الذي يتناول اضطهاد النصارى في العالم، وقد أدلت بشهادتها أمام الكونجرس الأمريكي، ومن ذلك قولها: ".. وفي مصر تتلاشى الأقلية المسيحية تحت وطأة الاضطهاد والعنف؛ حيث أجبر آلاف ألأقباط على الفرار وترك وطنهم خشية ورغبة في عدم اعتناق الإسلام قسراً بعد أن دمرت الجماعات الإسلامية قراهم في صعيد مصر في عام 1996م".<BR><BR>وغير هذه المنظمات كثير، مثل: منظمة مجلس أبحاث العائلة، ومنظمة تقوية أمريكا، ومعهد الدراسات المسيحية، ومنظمة التضامن المسيحي الدولية، والرابطة الدولية لليهود والمسيحيين في شيكاغو، ومنظمة الدفاع عن حقوق المسيحيين ضد الأسلمة.<BR><BR>وأسهم هذا التحالف القبطي الصهيوني البروتستانتي من خلال وصوله إلى صانعي القرار الأمريكي في صدور قانون الاضطهاد الديني؛ فقرب نهاية عام 1997م تم وضع خطوط أساسية لمشروع القانون هذا، وتضمن أسماء 15 دولة من بينها مصر، وفيها اتهام كل دولة بإساءة استخدام أدواتها القمعية لاضطهاد أقلية دينية ما على أرضها مع فرض العقوبات عليها، ووافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع القانون بأغلبية ساحقة بعد أن نجح الرئيس الأمريكي في إضافة بند إليه يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل أو منع فرض عقوبات على أية دولة إذا كان فرض العقوبات سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية.<BR>وتبع ذلك زيارة وفد من الإدارة الأمريكية إلى قرية الكشح المصرية في صعيد مصر، ومقابلته للقس المتعصب (ويصا) ثم زيارة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي وولف ممثلاً للكونجرس الأمريكي وإجراؤه تحقيقاً للمذابح التي يزعم أنها تمت للأقباط هناك.<BR> <BR>و في المدة الأخيرة ونتيجة لعوامل ضعف كثيرة أصابت الحكومة المصرية نجح الأقباط في استغلال ذلك الظرف ليحصلوا على كثير من المكاسب التي طالما كانوا يحلمون بها، وهذا يفسر إلى حد كبير سر الضغوط التي مورست لتحقيق تلك الأحلام، والتي كان أبرزها تمكين الكنيسة من ممارسة قدر كبير من الضغوط على معتنقي الإسلام من الأقباط و"استتابتهم" داخل الكنيسة بصورة رسمية ومقننة، والتمتع بقدر عال من الحرية في التظاهر والتجمهر وإمكانية التأثير على القرار الرسمي بشكل لم يسبق له مثيل.<BR><br>