صراع الأجندات الإسرائيلي لا يجد مستثمرين عرب
15 رجب 1425

إن الذي يحدث داخل دولة الكيان الصهيونية بلا شك هو عملية انهيار تدريجية للدولة، فالنظام السياسي الذي يحكم تعتريه حالة من التفتت والتفكك لا مثيل لها، سواء على مستوى حكومة الكوكتيل التي يقودها شارون، أو على مستوى الأحزاب الفسيفسائية التي تتصارع فيما بينها وداخلها، والشيء الآكد هنا في سياق الحديث عن الانهيار هو أن الجميع أصبح لديه أجندته الخاصة التي يريد أن يطبقها من خلال تأسيس أو المشاركة في الحكومة، كما أن الجميع بدءاً بشارون على استعداد تام لتغيير ثوابته ومبادئه من أجل البقاء في حلبة الصراع أطول مدة ممكنة، والشيء الذي ينبغي أن تستوعبه السياسة العربية – ولا تفعل إلى الآن – هو أنه لا يوجد شيء اسمه سياسة ثابتة لإسرائيل حتى على مستوى الحكومة الواحدة أو الحزب الواحد أو الشخص الواحد، وبالتالي فإن التحول إلى مجرد جوقة تردد ما تطرحه الرؤية السياسية الإسرائيلية سوف يزيد من مظاهر الهوان والانتكاس السياسي العربي.<BR>وعلى مستوى الأحزاب الإسرائيلية طرح آرئيل شارون مضطراً فكرة الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العمل المنافس ضمن أحزاب أخرى، وكان شارون قد أقال وزيرين من الاتحاد اليميني المتطرف من أجل تمرير خطة فك الارتباط أحادي الجانب في غزة، ثم استقال وزير الإسكان المنتمي لحزب المفدال بعد ذلك احتجاجاً، كما عرض حزب شينوي العلماني أن يشارك في الائتلاف مع حزب يهودت هاتوراه الديني المتشدد، وهذه ردة عكسية للحزب، وفي نفس الوقت يبدو حزب شاس الديني مستعداً للمشاركة أيضاً في الحكومة، وكل حزب يطرح شروطاً وأجندة خاصة به يريد تمريرها من خلال مشاركته.<BR>وعلى المستوى الشخصي، يبدو شيمون بيريز (زعيم حزب العمل) متطلعاً إلى منصب وزير الخارجية كمطلب رئيس، بينما يتمسك الوزير الحالي سلفان شالوم بالمنصب ويكشر عن أنيابه، ويبدو شارون عاجزاً عن وضع وزير من العمل في وزارتي الدفاع أو المالية التي يشغلهما موفاز ونيتانياهو، وتكونت داخل العمل والليكود جبهتا معارضة لانضمام الأول إلى حكومة الثاني، فعضوة الكنيست كوليت أبيتال تقود جبهة معارضة ضد بيريز وترفض تماماً شراكة مع الليكود، بينما تقوم عضوة أخرى هي جيلا جيلمائيل جبهة الرفض الليكودي، وتهدد التيارات الرافضة بانقسامات خطيرة داخل الحزبين حذر منها نيتانياهو.<BR>وعلى مستوى المبادئ والثوابت، فقد تنازل شينوي عن شرطه بعدم المشاركة في حكومة يوجد فيها حزب ديني، وشارون بدا مفرطاً في ثوابت كثيرة، بدءاً بتمسكه بالجدار العازل الذي كان من معارضيه، ثم الانسحاب من غزة والاستعداد لتفكيك مستوطناتها، وعلى مستوى خطة فك الارتباط نفسها اضطر شارون من أجل تمريرها إلى تقرير أمور تجعلها خالية تماماً من أي إغراء سياسي للفلسطينيين، فقد وافق على إقامة خندق مائي على الحدود مع مصر، وعلى الحضور العسكري الجوي والبحري، وعلى اتخاذ مواقع عسكرية قريبة لتأمين القطاع، وعلى التمسك بحق التدخل العسكري بعد الانسحاب إذا لزم الأمر، وغير ذلك.<BR>إذن لا شيء يغري، ولا شيء يفسر قبول بعض الدول العربية لهذه الخطة الهلامية التي تبدو غير قابلة للتنفيذ حتى في صورتها العرجاء، فعلى أي شيء إذن يراهن الساسة العرب بدعمهم لهذه الخطة، لا أحد يدري ولا تبقى غير حقيقة واحدة، هي أن المواقف العربية من القضية الفلسطينية أصبحت لا علاقة لها بتاتاً بالقضية الفلسطينية.<BR><BR><BR><BR>*بالتزامن مع ( المحايد )<br>