هل يتحول الجهاد الفلسطيني إلى اقتتال داخلي ؟!
3 جمادى الثانية 1425

إحباط من نوع جديد بدأت ترتسم ملامحه على وجوه العرب والمسلمين، نكسة أخرى من نوع خاص ذات طعم مر، ونكبة أخرى في طريق "النصر أو الشهادة" الذي رفعته منظمات عديدة.<BR><BR>ليلة أمس، نام الفلسطينيون على أصوات رصاص المقاومة المسلحة، ونام العرب والمسلمون على أنباء الرصاص، الذي لم يحمل هذه المرة تكهنات وآمال بإيقاع إصابات بين صفوف الإٍسرائيليين المحتلين، ولكن حمل مخاوف من أيام قادمة أشد سواداً.<BR><BR>من منا كان يصدق أن تتحول رصاصة خارجة من بندقية فلسطيني لا يزال يجاهد في أرض الجهاد، إلى صدر أخيه الفلسطيني، الذي يشاركه الألم والحصار ومرارة الاحتلال، ومن منا كان يصدق أن يستقبل مستشفى رفح مصابين وقتلى فلسطينيين بنيران فلسطينية، بعد أن استقبل عبر سنين طويلة آلاف الشهداء والجرحى بنيران الاحتلال الإٍسرائيلي.<BR><BR>عمليات اختطاف، استقالات بالجملة، مظاهرات ضد الرئيس الفلسطيني، إحراق مبانٍ حكومية، مواجهات مسلحة بين فصائل مسلحة وقوات الأمن، مصابون وجرحى.. <BR>و الخوف من القادم أن يكون أكبر.<BR><BR>من أين بدأ الصراع ؟ وإلى أين قد ينتهي ؟<BR><BR>عندما بدأت أجهزة الأمن الفلسطينية بالتشكل بعد اتفاقية "أوسلو" مع إٍسرائيل (والتي أصبحت ثاني أهم محطة لاختراق الدول العربية بعد كامب ديفيد) ظهرت بعض الأخبار المحلية التي تداولتها أوساط شعبية في فلسطين والدول المجاورة لها أن معظم قيادات قوى الأمن الفلسطينية ورجال الشرطة هم من الشخصيات الفاسدة، ولم تأتِ عن خلفية مقاومة مسلحة أو جهاد سابق، وإنما وصلت إلى هذه المناصب نتيجة وساطات ودس !!<BR><BR>اليوم تبدو الصورة أكثر وضوحاً، بعد سنوات مريرة أحسها الفلسطيني لوحده، وغابت عن الحضور الإعلامي وسط زخم الأخبار القادمة من فلسطين حول الجهاد والاستشهاد.<BR><BR>وقبل مدة بسيطة، بدأت الأزمة في التطور لتأخذ طابعاً أكثر احتداماً، فبعد خطة فك الارتباط التي تكلمت عنها بعض الأوساط السياسية والصحفية الإٍسرائيلية بأنها ستحول الصراع الفلسطيني الإٍسرائيلي إلى صراع فلسطيني –فلسطيني، ظهرت أولى بوادر الأزمة.<BR><BR>إٍسرائيل اشترطت ألا تدير حركات المقاومة المناطق التي ستنسحب منها، وأن تؤول ولايتها للسلطة الفلسطينية، في وقت أكدت فيه القوى الفلسطينية أنها أولى بإدارة المنطقة، بعد أن قدمت الشهداء والدماء ثمناً للنصر القادم بالانسحاب.<BR>ظهرت فكرة "الانتخابات" التي قد يحدد فيها الشعب الفلسطيني الجهة التي ستدير المنطقة، إلا أن استطلاعات الرأي الفلسطينية، وتقارير صحفية إٍسرائيلية تحدثت عن ترجيح كفة "حماس" في حال حدوث انتخابات قادمة.<BR><BR>لم ترى الحكومة الإٍسرائيلية بأساً في أن تقع صراعات داخلية فلسطينية، فهذا أفضل الخيارات المطروحة.<BR><BR>ومن أجل تأزيم الموقف أكثر، وزج دول عربية أخرى في الصراع بحال حدوثه، عرضت حكومة شارون على الرئيس المصري حسني مبارك بأن تتولى قوات مصرية تدريب القوات الفلسطينية التي ستنتشر في الأراضي التي ستنسحب منها، وأن تساهم القوات المصرية في استتباب الأمن في تلك المناطق، كما عرضت على الأردن مشاركة مماثلة.<BR>الرئيس مبارك الذي يواجه أزمات سياسية واقتصادية (وصحية) داخلية، وجد في هذا العرض فسحة للتهدئة وإطلاق "العمل من أجل فلسطين المحتلة" من جديد، بعد التنديدات الداخلية والخارجية لوقوفه إلى جانب الاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق.<BR>فنشطت دبلوماسيته وخارجيته واستخباراته لتحصيل هذه المنحة الإٍسرائيلية.<BR><BR>بغض النظر عن أسباب ودوافع التدخل المصري في فلسطين، إلا أن هذا التدخل جاء عبر طلب إٍسرائيلي، ولم يأت عبر طلب فلسطيني أو قناعة مصرية بضرورة عمل ذلك.<BR>وهذا ما ينبئنا بمن "سيستفيد أكثر" من هذا التدخل.<BR><BR>ووسط هذه الأنباء، اشتعلت أزمة فلسطينية داخلية، بدأت في قطاع غزة ظهر الجمعة الماضية، باختطاف (القائد العام للشرطة الفلسطينية) اللواء غازي الجبالي.<BR>وتلا ذلك بساعات قليلة اختطاف العقيد خالد أبو العلا (مدير الارتباط والتنيسق في المنطقة الجنوبية للقطاع)، ومن ثم قيام فصيل مسلح آخر تابع لحركة "فتح" باختطاف خمسة أشخاص، بينهم أربعة فرنسيين، واحتجازهم في مقر الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة خان يونس.<BR>وتوجت حالة الفلتان الأمني غير المسبوقة بإصابة 18 فلسطينياً، في اشتباكات مسلحة بين نشطاء من كتائب شهداء الأقصى وعناصر من الاستخبارات الفلسطينية!!<BR><BR>إن أزمة كهذه لا يمكن استبعاد يد الإسرائيليين منها، خاصة وأنهم قد ساهموا بقصد في زرع الفتنة الداخلية، وخلق نزاعات بالإصرار على بعض التعيينات والإقصاءات لتهيئة الوضع الداخلي الفلسطيني في أي لحظة للنزاع.<BR><BR>كما لا تستبعد أيدي أركان الجهاز الأمني الفلسطيني الذين يعينون وفقاً للانتماء العقائدي وليس للانتماء النضالي، وهو ما يعرفه جميع الفلسطينيين.<BR><BR>إن لم تتدخل قوى سياسية تعمل على المصالحة الوطنية بين السلطة والفصائل الأخرى، وإن لم تؤمن السلطة بضرورة إحداث تغييرات تتلاءم مع متطلبات العمل الفلسطيني الجهادي وليس (الشخصي)، فإن الأمور قد تتأزم أكثر في فلسطين لنسمع عن "معارك حقيقية" بين الفلسطينيين، وعن استغلال إسرائيلي لهذه الأزمة في استهداف شخصيات وجماعات معينة.<BR><BR>إلا أن الأمل يبقى معقوداً على فصائل ذات وزن وكفاءة وحكمة كحماس والجهاد الإسلامي في تسيير المركب الفلسطيني المشحون إلى بر الأمان، والعمل على وفاق وطني يجدد العمل المشترك ضد العدو الحقيقي وليس الوهمي.<BR><br>