تعذيب العراقيين : المستور بين السطور
22 ربيع الأول 1425

مرت صور التعذيب المهينة للعراقيين على أيدي رسل الحرية والديمقراطية الأمريكيين كما تمر غيرها من المشاهد على المواطن العربي المشدوه مما يحدث، والذي أصبح يتابع عظائم الأمور بعقلية المشاهد لفيلم سينمائي، قد يتأثر، قد يصيبه الاكتئاب، ولكنه في النهاية يظل جالساً مشلولاً في انتظار المزيد من المشاهد مع تغيير المحطة التي يتابعها أو مع تغيير الأبطال !<BR> ونســــتطيع أن نلمح بين الكم الهائل من سطور المرارة التي تنشرها وســـائل الإعلام بعض المخفي- المعلن والمنشور – المستور في الآن نفسه بين السطور، والذي يمكن تلخيصه فيما يلي : <BR><BR>1- لم يبلغ (وزير الدفاع) رامسفيلد رئيسه بوش وبقية المسؤولين الكبار بفضيحة التعذيب ؛ لأنه فشل في تقدير "مدى أهمية المسألة"!<BR>2- أعلن وزير الدفاع الأمريكي أنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات التي تعرض لها السجناء العراقيون، ولكنه أكد أنه لن يستقيل إذا كانت استقالته ستتحول إلى " مسألة سياسية "!<BR>3- أعلن الوزير أنه يشعر بحزن مروع إزاء ما حدث لهؤلاء السجناء فهم بشر، وكانوا في حماية الولايات المتحدة الأمريكية، وبلاده ملزمة بمعاملتهم بشكل حسن، وهذا لم يحدث وهو شيء " خاطئ" !<BR>4- أشار وزير الدفاع إلى أن الحراس الأمريكيين مدربون على الحراسة وليس على الاستجواب، وأن التعليمات الصادرة إليهم كانت تقضي بتطبيق اتفاقية جنيف لمعاملة أسرى الحرب .<BR>5- قال رامسفيلد بالنص :" أبحث عن وسيلة لتقديم تعويضات مناسبة لهؤلاء المعتقلين الذين عانوا من معاملة بهذه الوحشية والقسوة من جانب بعض عناصر القوات المسلحة "، مضيفاً : " هذا ما ينبغي القيام به "!!!<BR>6- قال رامسفيلد: إن لديه الكثير من الصور الأخرى وشرائط الفيديو التي لم تنشر بعد، والتي تظهر الأعمال الوحشية والسادية التي قام بها الجنود الأمريكيون .. مؤكداً أنه شاهد صوراً " أكثر بشاعة " يوم الخميس الماضي، ويأمل ألا تتسرب لوسائل الإعلام أبداً؛ لأنها ستؤدي إلى المزيد من الضرر للولايات المتحدة .<BR>7- تعهد رامسفيلد بأن يتيح لأعضاء الكونجرس الاطلاع على تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول الأوضاع في السجون العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان وخليج " جوانتانامو " ومناطق العالم الأخرى .<BR><BR> لقد فجر استجواب وزير الدفاع الأمريكي مفاجأة، فقد كشف الاستجواب أن الوزير الهمام تلقى تقارير حول التعذيب منذ يناير الماضي ولم يحرك ساكناً، وتكشف الوقائع التي أعلنها الرئيس الأمريكي بنفسه أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بعمليات التعذيب حتى قبل يناير، وكل ما حدث أن الوزير رامسفيلد لم يجد الوقت ولا السبب الذي يدعوه للاهتمام بالتقارير التي رفعت إليه عن وقائع التعذيب.<BR> <BR> والوزير نفسه يؤكد تحمله المسؤولية كاملة، ولكنه لا يرى أن الأمر يستحق الاستقالة، وأنه لا يقبل تحويل الأمر إلى " مسألة سياسية ".<BR> نحمد الله أن أمريكا ممثلة في صقورها ما زالت تعد العراقيين " بشراً "، وهو أمر يدل على مدى إنسانية هؤلاء الذين تعاملوا مع " بشر " بهذه الوحشية، والوزير يعرف أن بلاده المبشرة بالحرية كان من المفروض أن توفر الحماية لهؤلاء البشر الذين هم تحت سلطتها .. ويعد الوزير ما حدث " شيء خاطئ".. أي أن الأمر برمته مجرد خطأ !<BR> وعندما يحاول رامسفيلد تبرير هذا الخطأ الذي حدث يتبجح بأن جنوده تم تدريبهم على "الحراسة " ، وليس على " الاستجواب " ..أي أن هؤلاء ربما مارسوا أدواراً لم يتقنوها، ومن ثم من حقنا أن نتساءل : إذا كان التعذيب الصادر عن ضباط ذوي رتب رفيعة يتم بهذه القسوة وهم غير مدربين على الاستجواب ، فماذا عن خبراء التعذيب المدربين على انتزاع الاعترافات !!<BR> <BR> وقد يسيل لعاب البعض وهم يتصورون مدى العقاب الذي سيلحق بزبانية بوش ورامسفيلد في العراق .. ولكن الوزير حسم المسألة بقوله: إنه يبحث عن وسيلة لتقديم تعويضات !! ويزيد الوزير المسألة وضوحاً عندما يتحدث بالنص عن أن هذا هو" ما ينبغي القيام به ".. فالمسألة لا تتعدى دفع بعض التعويضات، وحتى كتابة هذه السطور لم نسمع عن اعتقال أي من المسؤولين عن التعذيب السادي الذي تعرض له " البشر " العراقيون، ويهمس بعض المراقبين : وهل قبلت أمريكا دفع تعويضات جراء ما تعرض له المرتزقة الأمريكيون في الفلوجة !! وهل يقبل رسل الحرية الأمريكيون أن يسلموا زبانيتهم للعراقيين لمحاكمتهم كما أصروا أن يسلم أهل الفلوجة العناصر المتهمة بالتمثيل بجثث المرتزقة الأمريكيين !<BR> <BR> وأخيراً .. ماذا عن الصور وشرائط الفيديو التي شاهدها رامسفيلد، والتي هي _على حد قوله_ أكثر بشاعة، هل هناك أكثر بشاعة من الاغتصاب والتعذيب بالكهرباء وانتهاك الأعراض، بل والتبول على المعتقلين والتلذذ بتصويرهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم أمام جلادتهم التي _ وللأسف _ هي من " الجنس اللطيف " !! وهل كل ما يشغل الوزير وغيره من رسل الحرية والديمقراطية هو أن نشر هذه الصور سيؤدي إلى المزيد من الضرر لسمعة الولايات المتحدة الأمريكية.<BR> وفي الختام يكشف الوزير عن الدور المشبوه الذي لعبته وتلعبه هيئة الصليب الأحمر الدولي المفروض أنها مسؤولة عن تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع لضمان الحقوق الدنيا في معاملة أسرى الحرب والمعتقلين، ويتساءل المراقبون عن تخاذل الهيئة في الكشف عن هذه الجرائم، رغم أن وفود الصليب الأحمر أعلنت مراراً أنها زارت سجن " أبو غريب "، وأنها زارت صدام حسين في سجنه للاطمئنان عليه، وعندما انفجرت تفاصيل عمليات التعذيب بادرت الصليب الأحمر إلى القول: إنه أرسلت تقارير إلى القيادة الأمريكية في واشنطن حول ملاحظاتها عن معاملة المسجونين العراقيين .. <BR><BR>ولكن _ على حد تعبير سلامة أحمد سلامة في عموده اليومي بجريدة " الأهرام " المصرية _ هل يكفي ما تتخذه منظمة الصليب الأحمر من إجراءات شكلية تقف عند حدود إبلاغ الجهة المسؤولة عن ارتكاب جرائم التعذيب بأنها تنتهك القانون الدولي دون أن تفعل شيئاً أكثر من ذلك ؟! لا سيما بعد أن أعلن مسؤول كبير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر هو بيار كرينبول (مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر) يوم الجمعة الماضي أن اللجنة اكتشفت أن سوء المعاملة التي يتعرض لها العراقيون في السجون الأمريكية " منهجي ومنظم " وليس حالات فردية، وقال: "اللجنة لا تعد الأمر بمثابة حالات معزولة، بل نظام واسع النطاق "، وأشار إلى أن مخاوف الصليب الأحمر لا تقتصر على سجن أبي غريب . <BR> <BR> ويترافق ذلك مع ما أعلنه لي برونلي (القائم بأعمال وزير الجيش الأمريكي) مؤخراً من أن الجيش الأمريكي يجري تحقيقات حالياً حول 42 حالة انتهاك للقوات الأمريكية ضد المدنيين العراقيين خارج السجون .<BR> <BR> وبمناسبة الحديث عن رد فعل منظمة كـ " الصليب الأحمر " يبرز موقف الفاتيكان الباهت في أول تعليق علني على القضية، حيث وصف الأسقف جيوفاني لاجولا (وزير خارجية الفاتيكان) الانتهاكات الوحشية بأنها " تغضب الرب "، وأنها تتناقض مع " القيم المسيحية "، وهي " أسوأ إذا كان الذين قاموا بها من المسيحيين ".<BR><BR>وبعيداً عن رد فعل الدول العربية وشعوبها التي تناولت الأمر وكأنه فضيحة تخص الأمريكيين وحدهم، وليست فضيحة العرب أنفسهم الذين أغرت سلبيتهم وعجزهم أعداءهم على استباحتهم من الوريد إلى الوريد، ورد الرئيس الأمريكي بوش الذي اعتبر أن صور تعذيب العراقيين " لطخت شرفنا "، ووزيره الأسود قلباً وقالباً باول الذي اعتبر أن " الفضيحة أساءت للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط "، والجنرال مايرز الذي أعلن أنه طلب تأجيل بث صور الانتهاكات حتى لا يتعرض الجنود الأمريكيون والرهائن في العراق للخطر " ..<BR> يبقى التساؤل مشروعاً بمنتهى الصراحة ـ وكما تساءل الكاتب المعروف سلامة أحمد سلامة ـ .. هل اشترك محققون من جنسيات عربية في مساعدة الأمريكيين على تعذيب العراقيين وانتهاك آدميتهم بغية انتزاع اعترافات منهم، خصوصاً بعدما كشفت صحيفة الزمان العراقية عن شواهد على هذه الفضيحة ؟! هذا ما ستحمل الأيام القليلة المقبلة الإجابة عنه .<BR><br>