عبد القادر "ما خان" .. فمن "خان" باكستان ؟!
15 ذو الحجه 1424
أمير سعيد

القضية المعروفة اليوم بتسريب العالم الباكستاني الكبير عبد القادر خان لتكنولوجيا الأسلحة النووية تنم عن حالة من اللاوعي لنظام برويز مشرف ـ على أفضل الظنون ـ بمشكلات باكستان الاستراتيجية والأخطار المحدقة بها على مرمى رمح منها ، فما عاد سراً أن الولايات المتحدة قدمت إلى باكستان قبل أكثر من عامين، وهي تضمر للنشاط النووي الباكستاني الشر بغض النظر عن تطلعاتها الاقتصادية في بحر قزوين، وأطماعها العسكرية في وسط آسيا، وملفاتها الأمنية في أفغانستان.

فمن المعلوم أنه بانتهاء الحرب الباردة لم تعد باكستان تمثل الحليف القوي للأمريكيين في صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، فلم تعد روسيا تمثل خطراً كبيراً على مصالح الولايات المتحدة ، كما أمكن للولايات المتحدة أن تمد جسور العلاقات بينها وبين روسيا مباشرة دون الحاجة لأحد.

نفس الشيء ينطبق على الصين التي كانت دائماً تمثل حليفاً استراتيجياً لباكستان ؛ ما أدى دائماً لحاجة الولايات المتحدة للأخيرة لبناء الثقة مع الصين، غير أن الولايات المتحدة ما عادت الآن للتواصل مع الصين عبر باكستان. وبعد فشل باكستان في إقامة نظام موال للغرب في أفغانستان إثر انسحاب الروس من أفغانستان في العام 1989م، أضحت باكستان لا تمثل حليفاً متميزاً للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن تغلغل التيار الإسلامي داخل أجهزة الدولة المختلفة.

دولة مسلمة لا قيمة لها استراتيجياً بعد أن تقاربت الولايات المتحدة الأمريكية مع خصمها الهندي قمينة بأن تنظر الدولة العظمى من جديد في مجمل ملفاتها التي تحتاج إلى "معالجة"، دون هوادة أو رحمة.. وكان أن قدمت الولايات المتحدة بصولجانها فأثبتته في باكستان، وقدمت إليها طلباتها تترى :

1 ـ مساندتها في إسقاط نظام طالبان الإسلامي، والعمل على استبداله بآخر موال للغرب.

2 ـ التضييق على المدارس الدينية الباكستانية للحيلولة دون تكرار تجربة طالبان.

3 ـ حظر نشاط عدد من الأحزاب الإسلامية مسؤولة عن (نشاطات إرهابية) في كشمير، ودعم تحركات (المتمردين الكشميريين).

4 ـ منع جمع التبرعات للجهاد الكشميري.

وثمة مطلب خامس كان الإعلام يذكره على استحياء كل مدة طويلة، وهو تصفية البرنامج النووي الباكستاني الذي ألمح إليه تقرير "آسيا 2025م"، وقدم خلال ندوة عقدت تحمل اسمه في العام 1999م شاركت في إعداده مؤسسة راند والعديد من خبراء الاستراتيجية في البنتاجون وفق سيناريو يرى أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها باكستان ستدفع بالتيار الإسلامي إلى الواجهة واضعاً يده على السلاح النووي الباكستاني ما يستدعي تدميره بواسطة قاذفات B 2. وتجاسر الأمريكيون بعد 11 سبتمبر 2001م في المطالبة به علانية بعد أن تمركزت قواتهم في باكستان إبان العدوان على أفغانستان في نفس العام.

ويبدو أن أولى حلقات مسلسل تصفية المشروع النووي الباكستاني قد بدأت باعتقال عشرة من أكفأ العقول الباكستانية المتميزة، إضافة لوضع أبي القنبلة الباكستانية ؛ بطل باكستان عبد القادر خان قيد الإقامة القسرية، والزج بهم جميعاً في تحقيق حول مزاعم بالتواطؤ لتسريب تكنولوجيا الطاقة النووية إلى كل من إيران، وكوريا الشمالية، وليبيا. وبرغم صدور عفو رئاسي عن خان بعد اعترافه المتلفز بالمسؤولية عن هذا التسريب المزعوم (الذي تتردد معلومات عن أنه قد تم بمعرفة أركان وقيادات الدولة الباكستانية) إلا أن مجرد إرغام البروفيسور عبد القادر خان على إصدار مثل هذا الاعتراف بهذا الشكل يعد لوناً من ألوان إذلال أحد أبطال باكستان، الذين أفنوا أعمارهم في سبيل تحقيق طموح بلدهم المسلم بإنتاج السلاح النووي الباكستاني، الذي يمثل عاملاً هاماً من عوامل الردع الباكستاني للجارة الهندية المتربصة.

ومهما يكن من أمر ؛ فإن الولايات المتحدة بهذا الإجراء الذي قامت به مرتدية القفاز الباكستاني (برويز مشرف) تكون قد هزت بعنف ثقة العلماء الباكستانيين بالدولة الباكستانية ومقدرتها على حمايتهم في الوقت المناسب، هذا إذا لم تقم باكستان بتضييق هامش الحرية البحثية لجهابذتها العلميين، وهو ما يتوقعه بعض المراقبين على خلفية التغلغل الأمريكي في القرار الباكستاني، وهو أيضاً ما حدا بالجماعة الإسلامية الباكستانية إلى أن تسير تظاهرات ضخمة للتعبير عن غضب الشعب الباكستاني المسلم مما وصفته بـ"إذلال النظام للعلماء الباكستانيين"، داعية جيش باكستان لـ"الخيار بين الحفاظ على مصالح باكستان ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية".

هذا إذا ما أخذنا بالاعتبار نقطة بالغة الأهمية، وهي تواتر معلومات تفيد بأن الرجل يحارب بالأساس لميوله الإسلامية التي تتعانق مع ألمعية علمية لافتة ـ معلومات ـ كتلك التي أوردتها صحيفة زويد دويتشه تسايتونج الألمانية (4/2/2004) في مقال لها جاء فيه : " ... لخان عدد من الأنصار في الدوائر المتطرفة، فهو عضو أحد الأحزاب الدينية الوطنية التي تم حظرها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلى جانب كونه يحظى بدعم عدد من الأشخاص المهمين داخل القوة العسكرية الباكستانية"، وكمثل ما صرح به برويز هودبهوي (أستاذ الفيزياء في جامعة القائد الأعظم في إسلام آباد، وأحد خبراء الذرة الأكثر شهرة في البلاد) بأن عبد القادر خان "يعتقد أن القنبلة الذرية أساسية للدفاع عن الإسلام في وجه أعدائه"، واصفاً ما قام به خان بـ"أسلمة" أوساط الأبحاث الذرية في باكستان.

وأخيراً ما قاله روبرت ايهورن الذي كان مساعد وزير الخارجية الأميركي للحد من انتشار الأسلحة الذرية في عهد الرئيس بيل كلينتون في يناير من العام الماضي أنه "لو كانت الولايات المتحدة تملك لائحة للأشخاص الذين يجب ملاحقتهم في مجال انتشار الأسلحة الذرية لكان خان يحتل المرتبة الأولى منها"، وهو ما يعني ـ إلى جانب إبعاده من قبل الجنرال برويز مشرف تحت ضغط الولايات المتحدة في أكتوبر 1999م من إدارة مركز الأبحاث الذي يحمل اسمه، وعينه مستشاراً خاصاً، وهو المنصب الذي أقيل منه منذ أيام ـ أن النية كانت مبيتة لقتل الرجل علمياً على الأقل حتى قبل أن تتفجر قضية التسريب المزعومة.