صدمة الاستسلام الوديع لصدام حسين
27 شوال 1424

أصابت العراقيين والعرب صدمة وخيبة أمل كبيرة عند سماعهم خبر استسلام الرئيس العراقي السابق صدام حسين للقوات الأمريكية بكل الخضوع الذي أكده الجنود الأمريكيون، وإن كان هذا الخبر قابلاً للتزوير والتحريف، فإن دهشة أكبر ارتسمت على وجوه المتابعين في كل مكان وهم يرون مشاهد مصورة تظهر الرئيس العراقي الذي أرهب العراقيين لسنوات طويلة وأرهب جيرانه وأعداءه، وهو يخضع بكل ليونة، وينقاد بكل سهولة، لعمليات الفحص الطبي، يفتح فمه ويحرك رأسه ويتحسس عنقه، ثم يصمت طويلاً وهو يداعب لحيته الكثيفة.<BR><BR>هذه الصورة لم تَرُق للكثيرين، ابنته رغدة التي ظهرت ذات مرة على فضائية عربية كأول فرد من أفراد عائلة صدام يجري لقاءً على شاشات التلفزيون، أعلنت بعد يوم واحد من ظهور والدها أسيراً، أن من رأته على شاشات التلفزيون لم يكن يشبه والدها من حيث التصرفات والأفعال والحركات، لذلك قالت: إن القوات الأمريكية لا بد قد خدرت والدها لتسلبه إرادته الحديدية الصلبة في مواجهة سجانيه!!<BR><BR>وإن كانت رغدة حسين استطاعت أن تبرر لوالدها ظهوره السلمي على شاشات التلفزيون، وصدقها من صدقها من الناس، إلا أنها لن تستطيع أن تفسر استسلام والدها للقوات الأمريكية دون أي مقاومة.<BR>إحدى المظاهرات التي خرجت فرحاً في العراق باعتقال صدام حسين حملت لافتات منددة به كتب على إحداها عبارة "صدام بطل الحفر المظلمة" في إشارة إلى وضاعة المكان الذي كان صدام يختبئ فيه، كما تشير أيضاً بسخرية إلى الأنباء السابقة التي قالت: إن صدام حسين كان يقود عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية.<BR><BR>أحد زعماء القبائل في مدينة تكريت قال لوسائل الإعلام: إنه "صُدم" بالاستسلام المهين لصدام حسين، مشيراً إلى أن صدام كان ينبغي عليه أن "يستخدم مسدسه ويقتل جنديين أمريكيين على الأقل قبل أن تقتله القوات الأمريكية".<BR>ولم ينس رئيس عشيرة الناصرية قرب تكريت أن يشير إلى الطريقة "المشرفة" التي قاوم بها أبناء صدام (قصي وعدي) و"استشهادهما" دفاعاً عن أنفسهم ضد القوات الأمريكية، وأضاف "كان يجب على صدام حسين أن يفعل ما فعله أبناؤه".<BR>ويضيف الشيخ محمود بأن مسألة تخدير صدام حسين غير مقنعة، وهو يفضل أن يصف صدام بأنه كان "محبطاً"، وقال: إن الاستسلام كان إهانة شخصية له، وللقبيلة التي ينتمي إليها، وإن تلك الإهانة ستتكرر عندما يمثل أمام القضاء.<BR><BR>وربما استطاع الشيخ نظام الدين شامزاي (المفتي في مدينة كراتشي الباكستانية) أن يصف حالة صدام حسين واستسلامه عندما قال: إن صدام كان يعمل من أجل ذاته، وكان يخاف على نفسه لا على غيره، وكان يبحث عن المجد لنفسه لا لبلده أو لأفكاره، لذلك فإن خوفه واستسلامه كان منطقياً، ولم يأت بجديد.<BR>العراقيون الذين عاشوا زمن صدام حسين بكل جبروته وغطرسته، من الصعب عليهم جداً أن يصدقوا بأنه نفسه قد استسلم وهو يحمل مسدساً (وهو ما تقوله الرواية الأمريكية)، وكانوا يعتقدون بأن الطلقة الأخيرة التي كان يحتفظ بها دائماً ستكون من نصيبه قبل أن يتمكن "الأعداء" منه.<BR>...إلا أن من يرى صدام من الخارج، ويستطيع قراءته من الداخل، يعرف أنه كان يخاف على نفسه ويحرص على سلامته وأمنه أكثر من سلامة وأمن كل العراقيين، لذلك فهو لم يكن ليبالي أن يجوع ملايين الأطفال أو يموت الآلاف منهم بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على بلده، كي يبقى رئيساً للعراق، كما لم يكن يهمه أن يموت مئات الآلاف من العراقيين دفاعاً عنه لا عن العراق، في حروب لم يكن لواحدة منها تبريراً أو منطقية.<BR><BR>ولعله منذ نشأته الأولى في الدولة كان حريصاً على سلامته الشخصية، لذلك استطاع أن يبني نظاماً أمنياً خاصاً به قبل أن يكون رئيساً للعراق.<BR>وكان يحرص وهو رئيس للدولة على ألا يحمل أي شخص يقابله أي سلاح، وهو ما يؤكده كبار قادته..<BR><BR>إن شخصاً كهذا من غير المعقول أن ينهي حياته بمواجهة مع أي عدو، مهما كان صغيراً أو كبيراً، ومن غير المعقول أن تضغط يده على زناد مسدس يمكن أن يقابلها سكيناً، فكيف بـ 600 بندقية ومسدس.<BR><BR>ورحم الله الشاعر الذي وصف عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ حينما شاهده رسول كسرى نائماً في الطريق وهو خليفة للمسلمين، فقال: <BR>سلمت لما أقمت العدل بينهم فنمت قرير العين هانيها<BR><BR>أما حال صدام حسين فكانت عكس ذلك تماماً؛ لأنه ظلم أكثر من أن يتسع قلبه مكاناً لقرة العين، وبطش فوق ما يحتمله قلبه من رحمة، فأصبح أسير الخوف من عذاب الدنيا والآخرة.<BR><br>