الجرأة السياسية على طريقة مهاتير
17 رمضان 1424

قامت الدنيا و قعدت على تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد بينما يودع الحياة السياسية برمتها ، و هذا يعني أن ما يقوله لم يعد له وزن أو معنى من الناحية العملية ، <BR>و يبدو أن مهاتير أراد بتصريحاته الاستعراضية التي انتقد فيها الاستسلام العالمي لليهود أن يرسل للرأي العام الإسلامي رسالة مختصرة : ستفتقدوني ، مجرد مجد شخصي و شغب محسوب يليق أن يختم به حياته السياسية الطويلة .<BR><BR>و القضية برمتها لا جديد فيها و لا بريق في رأيي المتواضع ، و لكن الملفت هنا أمران ينبغي تسليط الضوء عليهما ،<BR> أما الأول : حجم التأييد الذي لقيته تصريحات مهاتير في الأوساط الإسلامية ، حتى أن كثيراً من المراقبين الإسلاميين عدها علامة فارقة ، و حدثاً ينبغي التوقف عنده ، و هذه إشكالية عظمى ، <BR>فمفهوم الجرأة السياسية لدينا يبدو أنه تدهور إلى مدى كبير ، فأصبح مقتصراً على الكلمات لا الأفعال ، و حتى الكلمات ليس فيها جديد ، بل هي تكرار لما يعلمه كل الناس ، يعني كل ما في الأمر : مجرد رفع للصوت ، و في بعض الحالات يكون الكلام الذي يستحق وصف الجرأة ، هو في حد ذاته إعلان استسلام ، كما في إعلان التوسل القطري الشهير .<BR> و بالأمس قرأت عن زيارة مفاجئة لرئيس دولة عربية هامة ، إلى دولة عربية محاصرة من قبل أمريكا و " إسرائيل "، و كان هدف الزيارة : تقديم الدعم ، كيف سيتحقق ذلك ؟ و كيف تستفيد هذه الدولة من دعم كهذا ؟ لا أحد يدري ، لقد أصبح الدعم بالتصريحات، و بالزيارات ، و بالنصح في اللحظات الأخيرة ، هو المعتمد عربياً، و بعد أن تقع الكارثة ، تنطلق تصريحات أخرى على شاكلة : الصورة سوداء .. لقد نصحته .. لقد حذرته .. وبذلك يحق لمشاغب مثل مهاتير أن يصبح عملاقاً كلامياً في عصر التقزم السياسي .<BR><BR>الأمر الثاني: يتجلى في تطور رد الفعل " الإسرائيلي " و أمر طبيعي أن توجه الانتقادات اللاذعة إلى شخص مهاتير ، و لكن العجيب أن نقداً آخر وجه إلى الدول العربية ذات العلاقة مع الدولة الصهيونية؛ لأنها قبلت أن تسمع لهذا الكلام - في مؤتمر القمة الإسلامي - دون أن تصدر عن مسؤوليها أي دلائل استنكار ، يعني كان المطلوب من ممثلي هذه الدول أن يردوا فوراً على هذه التصريحات دفاعاً عن سمعة اليهود ، و إلا فهم يستحقون اللوم ، و هذا تطور غير مسبوق ، و إن كان يعد تطبيقاً – إسرائيلياً – لمبدأ بوش " من ليس معنا فهو ضدنا " .<BR><BR>لقد تردى الأداء السياسي العربي و الإسلامي إلى دركات غير مسبوقة ، و المحزن أن هذا التردي بات يتم بالقصور الذاتي في كثير من الأحيان ، حتى بدون ضغط فعلي أصبحت هناك رغبة عارمة في تقديم التنازلات ، بل يصح القول إنه أصبح هناك سباق لتقديم التنازلات ، و تقرر في النظام العربي حقيقة اقتران مشروعية النظام في الساحة الدولية بحجم ما يتنازل عنه من ثوابت الأمة ، أما عن شارة النهاية لهذا السباق فالله وحده يعلم أين وضعها " منظمو السباق " الأمريكيون. <BR><BR>* تنشر بالتزامن مع جريدة ( المحايد )<BR><br>