هل الديموقراطية سبب تقدم الغرب ؟
25 شعبان 1424

تتردد على مسامعنا وبشكل متكرر ادعاءات تصف الإسلام بالعجز وأنه في أزمة ، وتتضمن تلك الادعاءات دائماً مقارنة الإسلام مع شيء آخر، مع أن هذا الشيء الآخر غير واضح، فإذا كان عجز الإسلام يعني أنه لم يجار الغرب فإن الإسلام قد فشل بالفعل، وهذا ينطبق على كل ثقافة أخرى باستثناء تلك التي قبلت بالفكر الغربي، وإذا كان فشل أي ثقافة يكون عندما تتخلف تلك الثقافة في الجوانب الاقتصادية والتقنية عن الدول المتقدمة ، فإن الثقافة الإيطالية قد فشلت مقارنة بالثقافة اليابانية أو الأمريكية. </br>أما إذا كان المقصود بالفشل شيء آخر ، فما هو إذن ؟ يقول برنارد لويس: " لقد بدا خلال القرن العشرين وبشكل لا يقبل الشك أن الأمور قد ساءت كثيراً في منطقة الشرق الأوسط، بل في جميع بلاد الإسلام، فعند مقارنة الإسلام بالمسيحية ، الدين المنافس له منذ أكثر من ألف سنة، نجد أن العالم الإسلامي أصبح فقيراً وضعيفاً وجاهلاً "، ثم يقول: " إن دول العالم العربي تقبع في مؤخرة ما أسماه مقياس " الحرية الاقتصادية " ، وحتى لو علمنا أن المقارنة تتم بين الغرب أو العالم المسيحي من ناحية والشرق الأوسط أو العالم العربي أو العالم الإسلامي من ناحية أخرى فإن عبارات المقارنة تظل غير واضحة وغير محددة. </br>يبدو أن أي مقياس للمقارنة سيكون مناسباً مادام أن هذه المقارنة ستجعل الإسلام في المؤخرة، هل علي أن أشعر بالفخر والسعادة عندما أسمع أن بلدي يمتلك قدراً كبيراً من الحرية الاقتصادية " يبدو أحياناً أن الإسلام قد عجز تماماً في أمور لا يوجد إجماعاً على نجاحه فيها، هل على المصريين أن يغبطوا الأمريكيين على نظام الحكم الانتخابي وعلى القادة الأفذاذ الذين ينجبهم هذا النظام ؟ هل يجب على التونسيين تعلم الحكم الجنائي من المحاكم والسجون الأمريكية؟! هل على الإيرانيين أن يحلموا بالخدمات الصحية التي يحصلون عليها في أمريكا ؟ </br>علينا ألا نكون نسبيين عندما نقارن الحضارات، فعندما نصر على تطبيق القيم الغربية على بعض الممارسات، مثل: الرق وختان النساء فهذا أمر، ولكن الأمر مختلف تماماً عندما نفترض أن القيم الغربية هي تلك التي تمليها الأيديولوجيات المعاصرة، غير أن الأمر مختلف أيضاً عندما نقارن الواقع الإسلامي ليس مع الغرب ولكن مع أمريكا . </br>لنفترض إذن أننا أخذنا القيم الغربية ، وأغفلنا الأفكار الأيدلوجية البراقة للديموقراطية والحرية الاقتصادية. أعتقد أن هناك مبدأً غربياً جديراً بالتطبيق، وهو أن نتحرى الموضوعية عند مقارنة الثقافات : فإذا لم يستطع المرء تماماً أن يتفادى إسقاط مبادئه الخاصة به على الآخرين فلا أقل عندئذٍ من تحري أن تكون تلك المبادئ هي الأقل مجالاً للاختلاف والتأويل ، وهذا يعني مثلاً تجنب مصطلحات، مثل " متوسط الدخل السنوي " . على هذا التدريج ترى أيهما أهم متوسط الدخل أم الدخل الأدنى ؟ ماذا لو ارتفع متوسط الدخل فقط ؛ لأن الغني ازداد غنى رغم وجود معاناة كبيرة في أسفل هذا التدريج ؟ بهذه الطريقة فإن القيم الغربية تلجئنا لقياس نجاح المجتمع لاعتبارات أخلاقية وليس حسب أفكار أيدلوجية. </br>وإذا كان لابد من محاكمة حضارة بأكملها فإن هناك ثلاثة قيود قد تحد من نزعتنا تلك .الأول: ينبغي أن ننظر إلى الأساسيات : مستوى الفقر ، الوضع الصحي ، العنف ، فبالنسبة لمنتقدي الإسلام فإن الحرية والديموقراطية تقدم برهاناً على الأساس الأيدلوجي للتفوق المزعوم على قدرة المجتمعات غير الإسلامية على توفير تلك الأساسيات الضرورية . ثانياً: ينبغي أن نقيس نجاح أي مجتمع بالنظر إلى الأمور الواقعة في أدنى السلم الاجتماعي بمعنى أن توفير الأمور الأساسية لا يعني كثيراً إذا لم تكن تلك الأساسيات متوافرة لكل شخص ، ولذلك فإن أي حضارة باهرة لا يمكن أن تعد ناجحة إذا تأسست على الفقر والبأس والعوز. ثالثاً : إن أي حكم نتخذه يجب أن يكون نسبياً ، فليس الأمر ما إذا كان الإسلام قد عجز في بعض الأمور، ولكن السؤال هو ما إذا كان الإسلام أعجز من النصرانية. <BR>وبهذا فإن المقارنة بهذه الصورة تحدد حضارتين طبقاً لمدى تمسك كل منهما لهذين الدينين، فعادة يتم مقارنة الإسلام ليس مع الغرب وليس مع بلد ما ، بل مع العالم النصراني حسب ما اختاره برنا رد لويس، كما يمكننا ، وهذا صحيح أيضاً ، أن نقارن الشرق الأوسط المسلم مع أوربا الغربية وأمريكا، وهذه المقارنة ستقود إلى نتيجة ليست مستغربة، وهي: أن الغرب ( الذي استعمر واحتل الشرق الأوسط لعدة سنوات) قد حقق نجاحاً أكبر من الإسلام، كما يمكننا أن نصل إلى نفس النتيجة تماماً فيما لو كانت المقارنة بين الغرب وأمريكا اللاتينية أو مع أفريقيا أو مع شبه الجزيرة الهندية، ولكن المقارنة بين بلدان معينة لا يعني المقارنة بين حضارات كما اختيار منطقة إسلامية متخلفة، في حين أن هناك مناطق كثيرة غير مسلمة متخلفة هو بكل تأكيد ضرب من عدم الأمانة، ولذلك فإن مبدأ لويس في مقارنة بلاد الإسلام مع بلاد النصرانية ، والذي يركز على الحضارات وليس على مناطق معينة، قد يؤدي بصورة غير منطقية إلى تخطي عيوب وامتيازات كل منطقة، <BR>ولعقد تلك المقارنة سنأخذ بعض المؤشرات العددية لمستوى المعيشة وأحداث التاريخ القريب، إذ لا يمكن الحكم على المستوى المعيشي لثقافة أو مجتمع دون الأخذ بعين الاعتبار الحروب التي مر بها ذلك المجتمع، وفكرة هذه المقارنة، هي: أن نعرف ما إذا كان الإسلام أسوأ من النصرانية في حماية الناس، وسوف أبني تلك المقارنة الأولية على إحصاءات الأمم المتحدة، والتي تبدو أفضل الإحصاءات المتوافرة، إلا أن هناك عيباً في هذه الإحصاءات، وهو: أن لكل مؤشر فإن الأرقام الإحصائية تشير إلى معلومات عن رقعة مختلفة نوعاً ما من البلدان ، وهناك ما يقارب ألف مؤشر حول المستوى المعيشي بما في ذلك المستوى الصحي، ( وإجمالاً فهناك 48 مؤشراً بما في ذلك حالات الإيدز والملاريا والمؤشرات التعليمية والتجارية واستخدام الإنترنت...إلخ، وقد اخترت بعض المؤشرات الوثيقة الصلة بالمستوى المعيشي، ويمكن للقارئ التأكد أن هذا الاختيار لم يكن على أساس تفضيل الإسلام ) ، وسوف أقدم تلك الإحصاءات مع معلومات عن دين البلدان الواردة في القائمة، والتي تم جمعها من<BR>Information Please Almanac and the CIA World Factbook)).<BR>في البداية لنأخذ معدل الوفيات بين الأطفال في عام 2000م حسب أحدث الإحصاءات المتوافرة.<BR>هل تظهر هذه الأرقام أن الإسلام أسوأ حالاً من المسيحية.<BR>تبين الأرقام التالية معدل الوفيات عند الأطفال في 27 دولة، وهذه الأرقام مخيفة، حيث تبلغ 10% أو أكثر، أي 100 على الأقل.<BR>معدل الوفيات : ( من 0 إلى سنة) بين كل ألف مولود (حسب تقديرات اليونيسيف) للعام 2000م. <BR>سيراليون 180 ( المسلمون 40% ،المسيحيون 35% ، أخرى 20% )<BR>أنجولا 172 ( كاثوليك 47%، بروتستانت 38% ، غير ذلك 15% ) <BR>أفغانستان 165 (مسلمون ، وقد بلغ معدل الوفيات 167 عام 1990م تحت حكم نجيب الله العلماني) .<BR>النيجر 159( مسلمون 80% ، مسيحيون وآخرون 20% ) <BR>ليبيريا 157 (مسلمون 20%،مسيحيون 40% ، غير ذلك 40%)<BR>مالي 142 (مسلمون)<BR>الصومال 133 ( مسلمون)<BR>غينيا بيساو 132 ( مسلمون 30%،مسيحيون 5% ، غير ذلك 65%).<BR>الكونغو-كينشاسا 128 ( مسلمون 10%، مسيحيون 70%، غير ذلك 10% )<BR>موزنبيق 126 ( مسلمون 10% ، مسيحيون 30% ، غير ذلك 60% )<BR>موريتانيا 120 ( مسلمون)<BR>تشاد 118 ( مسلمون 44% ، مسيحيون 33% ، غير ذلك 23% )<BR>إثيوبيا ( إحصاء 1993م ) 117 ( مسيحيون)<BR>مالاوي 117 ( مسلمون 20% ، مسيحيون 75% ) <BR>جمهورية أفريقيا الوسطى 115 ( مسلمون 15% ، مسيحيون 50% ، غير ذلك 35%)<BR>بورندي 114 ( مسيحيون 67%، غير ذلك 32%)<BR>غينيا 112 ( مسلمون 85%، مسيحيون 8% ، غير ذلك 7% )<BR>زامبيا 112 ( مسلمون وهندوس 24-49% ، مسيحيون50-75%، غير ذلك 1%)<BR>نيجيريا 110 ( مسلمون 50%،مسيحيون 40%، غير ذلك 10%)<BR>بوركينا فاسو 105 (مسلمون 50%،مسيحيون 10 %، غير ذلك 40 %) <BR>العراق 105 (مسلمون )<BR>تنزانيا 104 ( مسلمون 33% ، مسيحيون 40% )<BR>غينيا الإستوائية 103 (مسيحيون في الأغلب )<BR>كوت ديفوار 102 ( مسلمون 23%،مسيحيون 17% ، غير ذلك 60%)<BR>جيبوتي 102 مسلمون في الأغلب)<BR>سواسيلاند 101( مسيحيون 60% ، غير ذلك 40%)<BR>رواندا 100( مسلمون 1%، مسحيون 74%، غير ذلك 25%) <BR>من الواضح أن البلدان التي تحتوي نسبة مسلمة تقع في الغالب ضمن البلدان ذات معدلات وفيات عالية ، ولكن الحضارة الإسلامية ليست كذلك، فسيراليون مثلاً لم تكن بين 1808 و1961م مستعمرة بريطانية فحسب ، ولكنها كانت مركزاً إدارياً وثقافياً بريطانياً في المنطقة، ولذلك فإن وضعها الحالي البائس ما هو إلا إرث من عهد الإرهاب والخوف الذي خلفه المسيحي جوني كوروما المتشبع بالثقافة الكاثولوكية، وفي أفغانستان، فإن معدل الوفيات كان أسوأ في عهد نجيب الله العلماني الغربي والمدعوم من قبل روسيا، أما في العراق فيرجع سبب ارتفاع نسبة الوفيات إلى سياسة الحصار وإلى حكم صدام حسين العلماني الغربي، أما فيما عدا ذلك فإن كل دولة على القائمة السابقة، والتي تحوي نسبة كبيرة من المسلمين فهي إما مستعمرة مسيحية وإما تحت الوصاية أغلب تاريخها، أما الدول الإسلامية الخالصة، مثل: إيران والمملكة العربية السعودية وليبيا فغير موجودة على القائمة إطلاقاً، وبالتالي فلا يوجد هنا ما يدعو إلى افتراض أن معدل الوفيات في العالم الإسلامي أعلى منها في العالم المسيحي.<BR>دعنا ننظر إلى جانب آخر من جوانب الحياة الأساسية وهو التغدية ، وبالتحديد نسبة الذين يعانون من سوء التغذية إلى عدد السكان الكلي، وللاختصار فسوف نذكر فقط أسوأ عشر دول، ومرة أخرى يمكن للقارئ الرجوع إلى المصدر السابق للتأكد أن هذه القائمة المختصرة لا تخل بالمقارنة. <BR>التغذية : نسبة الذين يعانون من سوء التغذية إلى عدد السكان الكلي ( تقديرات الفاو 1998م-2000م) .<BR>الكونغو-كينشاسا 73 ( مسيحيون)<BR>الصومال 71 (مسلمون)<BR>أفغانستان 70 (مسلمون)<BR>بورندي 69 (مسيحيون)<BR>طاجيكستان 64 (مسلمون 80% )<BR>إرتريا 58 ( المسلمون ليسوا الأغلبية : حكم مسيحي منذ أمد بعيد) <BR>موزمبيق 55 (المسلمون ليسوا الأغلبية : حكم مسيحي منذ أمد بعيد)<BR>أنغولا 50 (مسيحيون )<BR>هايتي 50 ( مسيحيون )<BR>زامبيا 50 ( غالبية مسيحية ) .<BR>ولايوجد في هذه القائمة ما يوحي أن الإسلام على وجه الخصوص لا يهتم بتغذية أتباعه. <BR>ماذا عن خط الفقر ؟ تمثل إحصاءات الأمم المتحدة الآتية نسبة السكان الذين دخلهم اليومي أقل من دولار واحد. ( هذه إحصاءات عام 1998م ، بينما تشير * إلى عام 1999م ).<BR>زامبيا 63.7 ( الأغلبية مسيحيون)<BR>غامبيا 59.3 (مسلمون)<BR>مدغشقر 49.1 * ( مسلمون 7%، مسيحيون 41% ، غير ذلك 52% )<BR>غانا 44.8* ( مسلمون 30%، مسيحيون 24% ،غير ذلك 38%) <BR>الهندوراس 24.3 ( مسيحيون)<BR>فنزويلا 23 ( مسيحيون )<BR>السلفادور 21 ( مسيحيون)<BR>كولومبيا 19.7 ( مسيحيون)<BR>باراغواي 19.5 ( مسيحيون)<BR>الصين 18.8* ( البوذية )<BR>مرة أخرى فإن هذه القائمة لا تؤيد بأي حال من الأحوال فرضية عجز الإسلام. <BR>كذلك تمثل الخدمات الصحية والوقاية من الأمراض مؤشر آخر واضح على مدى تقدم مجتمع ما ، وفي هذه المرة سوف نذكر أسوأ 12 دولة فقط؛ لأن بقية الدول على القائمة متقاربة جداً، ويمثل هذا المؤشر نسبة السكان الذين يتمتعون بخدمات صحية جيدة إلى إجمالي السكان حسب ما ورد في (تقرير اليونيسف لعام 2000م ).<BR>رواندا 8 ( مسيحيون)<BR>أفغانستان 12 ( مسلمون)<BR>إثيوبيا (إحصاء 1993م ) 12 ( مسيحيون)<BR>إرتريا 13 ( أغلبية ليست مسلمة : يحكمها مسيحيون)<BR>كمبوديا 17 ( بوذية)<BR>النيجر 20 ( مسلمون)<BR>الكونغو-كنشاسا 21 ( مسيحيون)<BR>بينين 23 ( مسلمون 15% ، مسيحيون 15%، غير ذلك 70%)<BR>جمهورية أفريقيا الوسطى 25 ( مسلمون 15%، مسيحيون 50%، 35%)<BR>هايتي 28 (مسيحيون)<BR>الهند 28 (هندوس )<BR>نيبال 28 (هندوس)<BR>وبكل تأكيد فإن الإسلام لا ينتمي إلى هذه القائمة المخزية. <BR>لاحظ أن دولاً، مثل: هايتي، وبورندي، وأفغانستان، والصومال، وإثيوبيا، وكما هو متوقع أسوأ حالاً من بريطانيا وفرنسا وسويسرا وأمريكا، وبالتالي فإن أي شخص بغض النظر عن الدين أو الثقافة يوافق أن الدول ذات الأرقام الأقل أسوأ من ذات الأرقام العالية، ولكن إذا قارنا الديموقراطية أو الحرية أو الجهل فليس بمقدورنا أن نحصل على نفس الإجماع ، فمثلاً كوبا أو السعودية بالتأكيد أقل ديموقراطية من المكسيك أو الأرجنتين، ولكن سيكون من الصعوبة بمكان أن نحدد أي من هذه المجتمعات مجتمعات متخلفة. <BR>وعلى هذا وبناءً على تلك المعايير غير الأيدلوجية لمستوى الحياة والرفاهية فإن الإسلام لا يعد عاجزاً بالنسبة للمسيحية، بل على العكس من ذلك فإن العالم المسيحي رغم سيطرته الاقتصادية وتفوقه التقني قد يكون أكثر عرضة للنقد والتوبيخ لعجزه عن تقديم خدمات إلى الفقراء . <BR>وهناك مظهر آخر محايد نسبياً ولكنه أقل أهمية من المعايير السابقة وهو درجة العنف في مجتمع ما، وأحد المؤشرات في هذا الخصوص هو عدد حالات القتل ، والدول ذات نسبة القتل المرتفعة هي دول مسيحية، ولكن حيث إن الإحصاءات في هذا الخصوص مثيرة للجدل والاختلاف، فقد يكون من المناسب أن نستعرض نزعة كل من الحضارتين في توليد الحروب. <BR>ففي العصور المتأخرة إذا كان هناك من فشل فهو في جانب المسيحية، وليس ذلك لأن " العالم المسيحي " قد تسبب في قيام حربين عالميتين وفي ظهور هتلر فحسب ، بل إن مدة ما بعد الحرب ليست أحسن حالاً من قبلها، فهناك الحرب الكورية التي لعب المسيحيون وليس المسلمون الدور الأساسي في إذكائها ، وهناك حرب فيتنام التي راح ضحيتها ما يقرب من أربعة ملايين إنسان ، وهناك الحروب الأهلية أو الاستعمارية المرعبة في موزامبيق وأنغولا، كما أن هناك حرب الأسلحة التقليدية المفزعة في راوندا والآن في الكونغو، وهما حرب غذتها المسيحية، أما بالنسبة للإسلام فهناك الحرب الإيرانية العراقية التي أشعل شرارتها العراق العلماني الغربي، وهناك حرب لبنان الأهلية التي شارك فيها المسيحيون والمسلمون، وكذلك الحال في حرب ما بعد الاستعمار الجزائرية. إذن فعند مقارنة الإسلام مع الغرب أو مع المسيحية فإن نسبة القتل في الضمير الإسلامي أقل بكثير من تلك عند المسيحيين. <BR>ماذا عن القهر والظلم؟ فنجد مثلاً أن القتل الجماعي للشيوعيين في إندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة لم يحدث بسبب وجود حملة تطرف ضدهم، ولكنه حدث ضمن التدخل الأمريكي المستمر خلال مدة الحرب الباردة، أما في سوريا والعراق فإن برنارد لويس نفسه، يقول: إذا نظرنا مثلاً إلى نظام صدام حسين في العراق ونظام حافظ الأسد السابق في سوريا لوجدنا أن هذين النظامين ليسا من الأنظمة الإسلامية ولا حتى التقاليد العربية، وإنما هما في حقيقة الأمر نتيجة للسيطرة الأوربية و" أوربة " الشرق الأوسط، والتي تسمى أحياناً تحديثاً أو تغريباً.<BR>( Truman News, The Hebrew University of Jerusalem, Volume V, Issue 1 March 1, 2003) <BR>أما إيران فهي بالتأكيد دولة إسلامية غير أنها ورثت شرطتها السرية القمعية من نظام الشاه السابق الغربي والمدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع أن هناك ولاشك أعمالاً وحشية مروعة حدثت في العالم الإسلامي إلا أن ما أحدثته المسيحية في العهد القريب - حتى لو أغفلنا ما فعله هتلر- يوازي وبسهولة تلك الأعمال الوحشية، ومن ذلك ما حدث في هايتي واليونان وتشيلي والبرازيل والأرجنتين والبارغواي والسلفادور وغواتيمالا وجنوب أفريقيا والبيرو وإثيوبيا، وفي عدد من الأنظمة المسيحية والتي لا تختلف في دكتاتوريتها كثيراً عن غيرها، ورغم أن أياً من هذه "الأنظمة المسيحية" لا يصدق عليها وصف المسيحية إلا أن الجرائم التي حدثت فيها هي نتاج الحضارة المسيحية ، وعلى الجانب الآخر فإن للجرائم التي حدثت في العالم الإسلامي ارتباطاً بالسيطرة والتدخل المسيحي، وبذلك فعند مقارنة الإسلام بالعالم المسيحي لا يبدو أن الإسلام قد فشل في تحقيق أهدافه، ولكن ماذا لو قارنا الإسلام بالغرب ؟ بالتأكيد وفيما يتعلق بمستوى المعشية والرفاهية( باستثناء العنف) فإن الغرب متقدم في هذا الجانب، ولكن لا يمكن لأي شخص أن يزعم أن المسيحية هي التي جعلت الغرب قادراً على أن يتبوأ مكان الصدارة ، وذلك لأن صعود الغرب تزامن مع تشرذم وانحسار الدور المسيحي ومع شيوع الفكر العلماني.<BR>وقد يحلو لبعض الخبراء والنقاد عزو السيطرة الغربية إلى الديموقراطية، ولكن الغرب لم ينصب نفسه في المقدمة، ولكنه سبق بسبب التقدم العلمي والتقني، ولذا يبدو من العجيب جداً النظر إلى تقدم الغرب على أنه فشل وعجز في جانب الإسلام، كما لو كان المسلمون قد أصيبوا بمرض عقلي غريب، وفي هذا الجانب يمكن القول: إن جميع الحضارات الأخرى قد فشلت وتقهقرت، وعلى حال هل يمكن عزو تقدم العالم الغربي إلى الديموقراطية ؟ والجواب، هو على الأرجح: لا ؛ لأن تقدم الغرب العلمي والتقني كان سابقاً للديموقراطية. <BR>فلقد شملت الخطوات العلمية الأولى التي وضعت الغرب في المقدمة على مساهمات في علم الفلك قام بها كل من كوبرنيكوس، وتايكو براهي، وجاليليو، وكبلر ، كما شملت اكتشافات كولومبس وماجيلان، كما شملت كذلك اكتشافات باسكال وفيرمات في الرياضيات . كل تلك الاكتشافات حدثت قبل أن يكون هناك أي ذكر للديموقراطية، كما نجد أن الإنجليز قدموا دفعة قوية لموجة ثانية من الاختراعات والاكتشافات ، ولكن وبكل تأكيد قد تم كل هذا قبل أن يمكن تسمية إنجلترا ديموقراطية، ذلك لأن التصويت في ذلك الوقت استبعد المرأة وفئة كبيرة من الطبقات الدنيا، وكان في جميع الأحوال فاسداً ومزوراً لدرجة أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون ممثلاً لفئات المجتمع، ولم يبدأ الإصلاح في هذا الشأن إلا مع عام 1832م ، ومع ذلك فحتى العام 1867م لم يكن سوى 10% من السكان البالغين قادرين على التصويت، ولم تأت الديموقراطية الحقيقية إلا مع بداية القرن العشرين، ورغم ذلك فقبل 1832 م كان هناك لوغاريثمات نابير وقانون سنل في الانكسار، واكتشاف هارفي للدورة الدموية، وحساب التفاضل والتكامل الذي اكتشفه نيوتن ونظريات آدم سميث في علم الاقتصاد، واكتشاف هيرشل لكوكب أورانوس، واكتشاف بريستلي للأوكسجين، واكتشاف جينر للقاح الجدري وقوانين دالتون، وفي مجال التقنية كان هناك مغزل هارغريف الآلي، وآلة وات البخارية، واختراع كارترايت لأول نول آلي ومحلاج ويتني، وسفينة فولتون البخارية، وقاطرة ستيفنسن وأول سكة حديد، وقد اكتملت هذه الاكتشافات التي حدثت في أوروبا والتي لم تكن حتى اسماً ديموقراطية بجهود برنولي في الاحتمالات، وميكانيكا الموائع ، ومنضاد ميشيل ومونغولفييه ، وتسمية برثوليه للعناصر الكيميائية، وبطارية فولتا ، وأعمال كل من أمبير في الكهرباء وجاوس ولوباتشيفسكي في الرياضيات وأفوجادرو في الكيمياء، كما أن جميع التقدم العلمي الذي حدث في القرن التاسع عشر وما بعده بما في ذلك النظرية النسبية قد تمت قبل إنشاء أول قانون يبيح التصويت للمرأة ( 1919) و (1928 )، وبالتالي قبل وجود أي شكل من أشكال الديموقراطية بالمعنى الحديث ، ( وهذه الحقيقة تقوض ادعاءً آخر مفاده أن معاملة الإسلام للمرأة قد أسهم في تخلف المسلمين ). <BR>ومن الجدير ذكره أنه عندما تم تغلبت إنجلترا على مشكلة المجاعة عام 1620م، وفي فرنسا حوالي عام 1709م فإن هاتين الدولتين كانتا في قبضة الحركة المطلقة، ( أما بالنسبة للأدب والحركة الثقافية فلا يستطيع أحد أن يزعم أن الغرب لم يزدهر إلا في العهد الديموقراطي ). <BR>إذن فعند مقارنة الشرق الأوسط والغرب فإنه قد يكون أكثر قبولاً أن نعزو تقدم الغرب إلى تكوين اتحاد دول متجانسة غير ديموقراطية أكثر من كون هذا التقدم قد نتج بسبب كون تلك المجتمعات ديموقراطية، وتنطبق هذه الرؤية بكل تأكيد على قصة تطور ألمانيا ، التي تعد عملاقاً علمياً وتقنياً خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع فشلها الواضح في المجال الديموقراطي.<BR>وعلى هذا فإذا كان الإسلام قد تأخر عن الغرب فإن ذلك ليس بسبب المسيحية أو الديموقراطية ، والإسلام في هذا السياق مثل الثقافات الأخرى غير الغربية التي تأخرت عن الغرب، ومهما يكن السبب في التقدم التقني المذهل الذي أحرزه الغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر فإن هذه الأسباب لابد أن تكون كبيرة ومعقدة وليست أمريكية. <BR>ولكن لنفرض أننا عملنا المقارنة كما يريد منا لويس بين الشرق الأوسط المسلم وبين الغرب ، ثم دعنا ننظر ليس فيما إذا كانت الديموقراطية هي سبب تقدم الغرب، ولكن فيما إذا كان الإسلام قد نجح مقارنة بالغرب، فهل يمكن عندئذٍ القول: إن الإسلام قد فشل؟ هذا ممكن فقط فيما إذا عمد إلى تحوير مصطلح الغرب، فإذا اقتصر تعريف الغرب على أوروبا الغربية والولايات المتحدة فإن الإسلام متأخر بدرجات كثيرة عن الغرب في مستوى الحياة والمعيشة، ولكن ليس في مستوى العنف، أما أوروبا الشرقية فيمكن استبعادها من هذا المصطلح؛ لأنها عاشت ردحاً من الزمن تحت حكم الاتحاد السوفيتي غير الغربي، ولكن هناك جزء آخر من العالم لابد أن يدخل ضمن مصطلح الغرب وهو أمريكا اللاتينية، ذلك أنها كانت تحت السيادة الغربية( بشكل خاص أسبانيا والبرتغال ) ولعدة قرون، كما أنها أصبحت تحت النفوذ الأمريكي منذ عام 1823م، وكانت محل اهتمام الاستثمار البريطاني في القرن التاسع عشر، كما أنها منطقة مسيحية بكاملها كما أنها المستفيد من اتحاد كينيدي للتقدم والازدهار، ومع أن أغلب دول أمريكا اللاتينية كانت في زمن ما تاريخها ديموقراطية ومع أن حضارتها غربية وكذا لغاتها ، إلا أنه عند ضم هذه الدول إلى مصطلح الغرب فإن المعادلة تتغير تماماً بالنسبة للغرب، فالحد الأدنى لمستوى المعيشة في دول الشرق الأوسط بشكل عام أعلى منه في دول، مثل: كولومبيا، وهايتي، وفنزويلا، ونيكاراغوا، والبيرو، والإكوادور، وبوليفيا، وغواتيمالا، والأرجنتين حالياً، أما بالنسبة للعنف والاضطهاد فإن دولاً، مثل: كولومبيا، وتشيلي، والأرجنتين، وهايتي، والباراغواي، والبرازيل، والسلفادور، وغواتيمالا تضاهي دولاً، مثل: الجزائر، والعراق، وإيران ، وتفوق بكثير في درجة العنف دولة، مثل: مصر، وحيث إننا نتحدث عن الشرق الأوسط المسلم فيجب ملاحظة أن جميع دول الشرق الأوسط ذات السياسة القمعية كانت ولزمن طويل تحت سيادة قمعية غربية، فهناك نظام صدام حسين في العراق ، والجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية، وتركيا ذات الطابع الغربي ، وحليف أمريكا السابق إيران، ونفس الشيء يقال عن أفغانستان، والتي ربما تكون أسوأ دول الشرق الأوسط من حيث المستوى المعيشي المادي، أما دول الخليج الخالصة والأكثر تديناً فإن مستوى المعيشة بها أفضل بكثير منها في الغرب ( بما في ذلك أمريكا اللاتينية) حتى عندما ننظر إلى متوسط المستوى المعيشي وليس الحد الأدنى له، ومرة أخرى فإن الإدعاء أن الإسلام قد فشل لا يقوم على أساس صحيح. <BR><BR>قد تكون الحضارة الإسلام مثلها مثل الحضارة المسيحية قد فشلت لأسباب أخرى موضوعية، أما على المستوى النسبي المقارن فلم تفشل، فالحضارة الإسلامية ليست أسوأ حالاً من الحضارة المسيحية في توفير المستوى المعيشي لأتباعها، كما أن تاريخها خال من الوحشية التي ارتكبها غيرها من الحضارات في أرض الألمان وفي هيروشيما، وإذا كانت المقارنة بين تقدم الغرب التقني وتخلف المسلمين النسبي فليس هناك ما يوحي أن القيم الديموقراطية أو المسيحية هي سبب هذا التفوق. <BR>وقد يكون من المحتمل أن الحضارة الإسلامية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من فيينا في 1683م قد اعتورها نوع من الزهو والإعجاب فركنت إلى ثروتها ومجدها حتى فات الأوان. <BR>إن زعم أن الإسلام قد فشل في بعض الجوانب الحياتية الهامة بالمقارنة مع غيره ما هو إلا دعوى مضللة وخادعة لا تظهر إلا في أذهان الدهماء الذين ينظرون للعالم لمجرد التسلية أو لاكتساب نفوذ سياسي. <BR><BR><BR>---------------<BR> (*) - صحيفة ( كاونتر بنش ) في 13 مايو 2003 . والمقال للدكتور : مايكل نويمان -أستاذ الفلسفة بجامعة ترنت في كندا- وترجمه الى العربية الدكتور: علي أحمد الكاملي - جامعة الملك خالد -.<BR><BR><br>