خارطة الطريق (إغتيال أمة)
11 ربيع الثاني 1424

<center>بسم الله الرحمن الرحيم </center><BR>"خارطة الطريق" كلمة تحمل في طياتها الشيء الكثير من المعاني والمبادئ والرؤى المستقبلية لكل فئة على حدى، فاليهود بعد تأمل لها وإدخال شروطهم عليها قد قبلوها راجين منها أن تؤتي أكلها في تحجيم المعاناة اليهودية والمتمثلة في القلق الشعبي والصراعات الداخلية السياسية وانهيار المعنويات العسكرية وتخبط الاقتصاد في الدولة اليهودية جراء العنف الفلسطيني والانتفاضة التي حار الجميع في حصارها وترويضها. أما الجانب الأمريكي فينظر إلى خارطة الطريق التي وضعها على أنها المخرج الوحيد للصراع العربي الإسرائيلي والتمهيد السياسي لسنوات السلم الأمريكي القادم في المنطقة والذي من خلاله تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد جمعت بين تاج العرش السياسي وتاج العرش الاقتصادي في العالم. أما دول المنطقة فتجد نفسها مضطرة للقبول بهذه الخارطة أملاً في انفراج سياسي تخرج به من الحرج أمام الجماهير العربية الغاضبة وتداري به عجزها التام على أن تكون عنصراً فاعلاً في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي عسكرياً وسياسياً واقتصاديا،ً وإن كان هذا حال الأنظمة السياسية العربية فلا شك أن حال السلطة الوطنية الفلسطينية أشد حرجاً أمام شعبها حيث فشلت على مدى سنوات عملية التفاوض السلمية ولم تفلح من خلالها أن تكون شيئاً أكثر من سوط في يد الجلاد الإسرائيلي وورقة توت لإسرائيل تقنن الوجود الإسرائيلي وتساعد الاحتلال. <BR>إن المتأملين لخارطة الطريق ستتكشف لهم ما تحتويه من الجرعات السامة التي تعمل على تقويض مفهوم الأمة العربية وتوريط هذه الأمة في تيه العملية السلمية لتجد نفسها في نهاية المطاف خالية الوفاض عاجزة عن أي استقلال فكري أو سياسي أو اقتصادي لا يدور في فلك الهيمنة الأمريكية أو وكيل أعمالها في الشرق الأوسط ((إسرائيل)). <BR>إن المرحلة الأولى من خارطة الطريق تقتضي إجماعاً كاملاً بين دول المنطقة العربية على محاربة المقاومة المسلحة الفلسطينية والحد من قدراتها وتجفيف الروافد الشعبية التي تغذي استمرارها كما تركز على انتقال دور الجلاد إلى السلطة الفلسطينية لإنقاذ الكيان اليهودي من الحرج الإعلامي والسياسي في العالم، ويقتضي ذلك تنسيقاً وثيقاً بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية بل بين أجهزة الأمن العربية على وجه العموم مع شركائها في العملية السلمية المتمثلين في أجهزة الأمن الأمريكية واليهودية على حد سواء. ونتيجة ذلك، إقحام الشعب الفلسطيني فيما يشبه حرب أهلية طويلة المدى تشغله بنفسه وتكون متنفساً لدولة الكيان اليهودي لاستعادة عافيتها وسيطرتها على زمام الوضع الداخلي في فلسطين، والمرجح أن تستمر هذه المرحلة لسنوات طويلة تتجاوز ما تم النص عليه في خارطة الطريق، بل والمتوقع أن تكون هذه المرحلة هي الوحيدة من بين مراحل خارطة الطريق التي ستشرع جميع الأطراف في العمل على تطبيقها والتأكد من تفعيلها. ولن يترك ذلك الأمر إلا المزيد من المرارة والحرج لدى الأنظمة الحاكمة العربية حيث ستظهر أمام شعوبها بالقامع لإرادتهم وانتفاضتهم وجهادهم على أرض فلسطين من خلال مبررات عديدة تنادي بها هذه الأنظمة والتي لن يتحقق أي منها على أرض الواقع. إن المرحلة الأولى من خارطة الطريق هي مرحلة قمع الانتفاضة ووأد فكر المقاومة المسلحة وحلول فكر القبول بالأدنى. وبنهاية المرحلة الأولى من خارطة الطريق تكون الأنظمة العربية المعنية قد بلغت نهاية عمرها الافتراضي والذي سيختم بتطبيع كامل مع الدولة اليهودية وانفتاح اقتصادي معها تحت غطاء منطقة التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية. <BR>أما المرحلة الثانية والتي تعتبر مرحلة وسيطة وانتقالية، فلن تكون أكثر من مرحلة إعادة إخراج للكيانات الحاكمة العربية حيث تتم إعادة صياغتها في ضوء الكيان الشرق أوسطي والتوجه الجماعي نحو هذا الكيان والإنهاء الكامل لجامعة الدول العربية في شكلها الحالي. إن المراد من هذه المرحلة هو إيجاد أنظمة بديلة تبرر تعاملها مع الكيان الإسرائيلي على أساس الأمر الواقع وعلى أساس الالتزام السياسي الذي وضعت فيه الدولة من قبل الأنظمة السابقة ليرفع عن كاهل النظام الجديد تبعات الماضي ومسئولياته. وفي هذا الإطار الملائم للعولمة الأمريكية يمكن الإعلان عن دولة فلسطينية أو بالأحرى دولة للشعب الفلسطيني في أي مكان أو بأي شكل، هي الأقرب لصيغة الممالك الأفريقية الصغيرة داخل دولة جنوب أفريقيا في محيط نظام سياسي وعسكري قوي من شأنه أن يكون ذا أثر مباشر على سيرها ومقومات استمرارها. وسوف توضع معايير لنجاح المرحلة الثانية تكون على الأغلب معايير ذات بعد اقتصادي متمثلة في الانفتاح والتبادل التجاري ومعايير ذات بعد ثقافي تتمثل في اطراد السياحة والإعلام والتعليم وغيره.<BR>أما المرحلة الثالثة والنهائية والتي يظن كثيرون أنها المرحلة الأخطر فهي مرحلة الإذعان للرؤية المستقبلية الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة فالقدس وحق عودة اللاجئين والإفراج عن الأسرى، كل هذا لن يكون تحقيقه متاحاً بأيدي المعنيين من عرب ومسلمين، فالقدس العربية في حقيقتها ضاحية بعيدة من ضواحي القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين سوف يظل معلقاً تنادي به السلطة الفلسطينية وترفضه الدولة اليهودية إلى أن يتم توطين اللاجئين في الدول العربية المجاورة كلبنان وسوريا والأردن ومن ثم تخفت الأصوات المطالبة بحق العودة وتعلق المسألة لتخرج عن كونها محور رئيسي من محاور التقييم للعلاقات العربية الإسرائيلية. والمتوقع أن يعطي الفلسطينيين طريقا للعبور الى القدس محاطاً بالسياج الحديدية ليرتحلوا من خلاله إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة وهو المسجد الذي سوف يتحول على يد السلطة اليهودية إلى دار عبادة للديانات الإبراهيمية الثلاث بحيث يصبح الوجود اليهودي في منطقة الحرم الشريف أمراً مقبولاً أو غير قابل للدفع من قبل أي دولة عربية أو إسلامية إذ أن المتوقع حينها أن ينخفض الحس الديني إلى أدنى مستوياته ويخلي الساحة الفكرية للمفهوم الشرق أوسطي والعولمة وتسامح الأديان والحقوق المتساوية مما يسمح للفئات الأخرى بتدنيس الأقصى الشريف. <BR>إن المرحلة القادمة تعد أخطر المراحل على الإطلاق فهي ليست خارطة طريق ولكنها الشكل النهائي لإعلان وفاة العرب وصيغة العمل الجماعي العربي والإسلامي وعلى شعوب المنطقة وأنظمتها أن تعي ما يحاك لها وبأن خارطة الطريق قد أُسقط منها وصفها عنوة، فهي ليست خارطة طريق فحسب ولكنها في الحقيقة خارطة طريق للقضاء النهائي على مقومات البقاء السياسي والثقافي والديني في العالمين العربي والإسلامي وما ذلك إلا تمهيداً عملياً لإقامة إسرائيل الكبرى تحقيقاً لنبوءات التوراة والإنجيل ولظهور دجال إسرائيل. <BR><center>والله من وراء القصد،،،</center><BR><BR>-------------------------------</br> الدكتور : باسم عبد الله عالِم - محامِ ومستشار قانوني – صاحب زاوية صناعـة الحيـاة في جريدة المدينة السعودية.</br>وقد كان من المفترض ان تنشر هذه المقاله في زاويته في يوم 04 ربيع الآخر 1424&#65259; الموافق 04 يونيو 2003م لولا انها منعت من النشر . ونحن هنا نتيح لها فرصة النشر في موقعنا و بدون أي تعديل.<BR><br>