أنت هنا

مشاهدات جديدة في معرض الكتاب
17 صفر 1429

لم أستطع حضور المعرض في أول أيامه، ولما بلغني ما يعج به من كتب الإلحاد والزندقة، وسُميت لي بعض الدور التي أعرفها من قبل في معارض القاهرة وبيروت والشارقة والكويت فتر حماسي لزيارة المعرض؛ لكثرة المنكرات وضعفي في الإنكار.
ولكن أحد الإخوان الفضلاء زارني بالأمس صباحا وألح علي بالذهاب معه لمصلحة رآها، فمكثنا في المعرض ساعتين لاحظت خلالها ما يلي:
أولا: أن ما كتبه كثير من الإخوة الفضلاء في الساحات وغيرها من وجود العشرات بل المئات من كتب الإلحاد والزندقة والبدعة، وروايات الفجور والفحش والشذوذ وغيرها صحيح، ولا مبالغة فيه البتة، وأقول وأنا مسئول عما أقول: إن هذه الكتب المنحرفة تعدت في أسلوب عرضها واستفزازها وكثرتها ما يوجد في معارض القاهرة وبيروت، ولقد شاهدت فيه من الكتب المنحرفة ما لم أشاهده في معرض القاهرة الفائت قبل شهر.
ثانيا: يبدو أنه لا يوجد شيء ممنوع من كتب الإلحاد البتة إلا كتب عبد الله القصيمي فلم أرها ولا أدري هل نفدت أو منعت؟ وهل منعها كان لاسم صاحبها وكونه معارضا سابقا أم لغير ذلك؟ مع أنه وجد في المعرض ما يوازيها وما هو أصرح كفرا منها.
رابعا: سالت عن كتاب في مصر قبل خمس سنوات فأفادني ناشره بأنه ممنوع في مصر، فلما رأيت بالأمس الدار التي نشرته سألت صاحبها فأخبرني بأنه لم يحضر الكتاب لأنه قديم، ولو علم أني أريده لأحضره، فقلت: أليس ممنوعا هنا؟ قال: لا شيء ممنوع هنا، قلت: وفي مصر؟ قال: لا زال ممنوعا. وهذا مثال واحد ولو فتشت لعثرت على عشرات الكتب كذلك.
ثالثا: ظهر لي أن عرض كتب الإلحاد والزندقة كانت بطريقة مقصودة لاستفزاز مشاعر الدعاة والمصلحين، وفرض الفكر المنحرف على عموم المسلمين، وأن المنظمين للمعرض قصدوا ذلك وأظهروه في تحد سافر للدين وأهله وللدستور الذي قامت عليه البلاد.
وبهذه الخاصية فاق هذا المعرض في قبحه واستفزازه كل المعارض التي نزورها خارج المملكة وإن كان فيها ما في هذا المعرض الآثم من كتب الإلحاد والشهوات، وذلك لما يلي:
1- اقتصر هذا المعرض على نشر الكتب والروايات المثيرة للجدل في هذا المجال - أعني مجال الزندقة والإلحاد والشهوات- ولم يسمح بكثير من الكتب الأخرى المثيرة للجدل سواء فيما يتعلق بالفكر أو السياسة أو غيرها، بل علمت أن كتبا شرعية لمشايخ فضلاء في العقيدة وغيرها قد منعت. بينما في المعارض الخارجية يسمح بالجميع وتصح هناك مقولة أنهم يسمحون بذلك من باب توسيع الحريات. فإن كان المنظمون لمعرضنا قد أخذوا بمبدأ توسيع الحريات كما يزعمون فلم يمنعون مثل تلك الكتب؛ لأن باب الحرية يشملها جميعا، وهذا ما يجعلني أقول: إن القصد في نشر كتب الإلحاد كان مبيتا وليس من قبيل توسيع الحريات كما يصيحون.
2- في الدول الأخرى التي حضرت معارضها تمنع بعض الكتب التي حدث لها ضجة ومنعتها المؤسسات الدينية مراعاة لمشاعر الناس، وأخذا بحكم القضاء في ذلك أو برأي المؤسسة الدينية، وأما في معرضنا فلم يمنع شيء من ذلك ولو احترما للعلماء.
3- أن دور النشر المشهورة بنشر كتب الإلحاد والشهوات قد أحضرت لبلادنا كل ما لديها في هذا الباب ووضعته في واجهة المحل أمام الناس، وهناك كتب أخرى لديهم ليس فيها من السوء ما في هذه المعروضة ولم تحظ بما حظيت به تلك من العرض والإظهار، بينما في المعارض الأخرى تعرض الكتب على حد سواء، وتكون الأولوية لكتاب جديد أو كاتب مشهور.
وهذا ما يجعلني أقول: إن المعرض لم يكن هدفه توسيع الحرية فيما ينشر ويقرأ الناس، وإنما تمالأ بعض القائمين عليه مع دور النشر المنحرفة على إظهار التحدي للبلاد وعلمائها وأنظمتها، بل ولعموم أفرادها بنشر الإلحاد والشهوات في أوساطهم، والإعلان بها، وإظهارها بهذا الأسلوب السافر المستفز الذي هو أبعد ما يكون عن الحرية والحيادية التي يزعمونها، وهو من أبين الدلائل على الإقصائية والاستئصالية التي يتصفون بها.
أخيرا : أسأل الله تعالى أن يعامل كل المتسببين في إظهار هذا المعرض بهذا الشكل المخزي بما يستحقون، وأن لا يبلغهم مرادهم من الفساد والإفساد، وأن يحفظ البلاد والعباد من شرهم ومكرهم إنه سميع مجيب.

_______________
(*) نشره باسم الكاتب في الساحات الأدبية.