إلى ولدي .. (1)
3 صفر 1429

[email protected]
خطاب إليك يا ولدي , فاحفظه عني , لعل يوما آخر لا يؤذن لي فيه بالنصيحة , أو تتزاحم الآلام على أبيك فينسي أن يترك لك شيئا من الذكرى , ولا ذكرى لدي أتركها لك غير ذكرى نصحك ..
أي بني : ما كانت الأيام لأبيك دوما هنيئة , بل دارت بين اليسر وبين العسير , وتراوحت بين السعادة و الأحزان , واكتسى وجه أبيك يوما ببسمة , واكتسى أياما غيرها بلون بالبكاء ..

ودارت الأيام – كما تشعرها - يوما بيوم وعاما بعام , فخدعني عددها وتعدادها حتى ساقني إلى حتم ألوف منها , فإذا بي أجد السنين قد فاتت والعمر يعد العدة ليوم الرحيل ..

لكم أردت الخير , وأملت الرخاء , وتسارعت خطاي على أبواب الحياة تطرقها بساعد الجهد الشاب , راجيا من كل يوم أفراحه وباحثا في كل وقت عن سعادته , حتى تزاحمت الآمال والطموحات على عقل أبيك , فثقل عبئها عن كثير من منطلقات العمل والجد , وتزاحمت الحسرات كثيرا في منتهى كل ليلة , حتى غاب عن ليالي كثيرا نومها وتداعت إلى الأرق فأسلمت له قوتها ..

وكم تعالت بصوت أبيك مجالس , وجفت بقلمه أحبار كتابات , وتعبت بسيره مسارات طريق , ولم يبق له من كل ذلك إلا ما صدق الله فيه , ورجاؤه رحمة من ربه يغفر له غفلاته ..
وهأنذا أستبق موعد النصح لك , وأبادر إلى ترك كنزي إليك , فأنت وارثه وإخوانك الذين سلم لي منهم الوفاء , وسلم لهم مني تعليمهم حرفا في كتاب :

احفظ الله يحفظك :
أي بني : كثيرا ما تأملت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينصح عبد الله بن عباس فيقول له " احفظ الله يحفظك " , ولكم وددت لو أني نصحتك بمثل تلك النصيحة , فاحفظ يا بني ربك في جوارحك يحفظك فيها , ولا تعصه بها يرعاها لك , واعلم أنها شاهدة يوم القيامة , فياخسران من شهدت عليه , وياثواب من شهدت له .

فرَبّ جوارحك يا بني على الطاعة , وأدبها بالأدب تتأدب لك , واكبح جماح هواها ينكبح , وإن رامت فسوقا أو عصيانا فقيدها بذكر الله والتعوذ من الشيطان وخطاه , فإنك عندئذ تجدها ذلولا منقادة للخير , فإن الجوارح إن قيدتها للخير انقادت , وذُلولها ذكر الله والتعوذ من الشيطان , وإنما هي تتأبى عليك ببعدك عن استخدامها في الطاعة , فإن الجارحة إن تعودت الطاعة ألفتها , وإن تربت على الذنب انقادت له , فاحذر الذنب فإنه قاتلها ومهلكها وُمذهب نفعها , فكم من عين لا خير فيها من كثرة ذنوبها , إذ صارت لا ترى الإيمان والهدى , وكم من أذن لا خير فيها إذ صمت عن سماع الحق والعلم , وكم من قدم لاخير فيها إذ شلت عن السير في طرقات الطاعة , وقاك الله يا ولدي شر الجلود إن شهدت على صاحبها " وفالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شىء " ..

إن حفظ الله يا بني هو السند المتين إن أنت بحثت عن سند لك في دنياك , وهو الكنز الوفير إن أنت رغبت في الغنى , وهو الحافظ إن أنت رجوت الحراس , فلا أمل إلا به ولا سبيل إلا له ولا رجاء إلا منه سبحانه , ولا نسب سيعجل بك يوم يبطىء بك عملك .