التداوي بالرقى دراسة فقهية معاصرة (2)
16 محرم 1429
د. عبود بن على بن عائض درع

التداوي بالرقى دراسة فقهية معاصرة (2)
د. عبود بن على بن عائض درع

المبحث السادس: الضوابط الشرعية للرقى.
أولاً: الشروط والضوابط في الرقية نفسها:
أن تكون موافقةً لكتاب الله تعالى أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى ألا تعارض أي أصل من أصول التضرع والتوسل والدعاء في استجلاب الخير والشفاء والعافية، أو دفع الضرر والبلاء. والأولى من ذلك أن تكون بشيء من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يستشفى به ويتعوذ به ويرقى به على وجه الخصوص، كقراءة بعض الآيات أو السور، أو بشيء من أسماء الله وصفاته، أو بذكر ودعاء ورد في الكتاب والسنة في مثل هذه الأحوال. سئل الإمام الشافعي رحمه الله عن الرقى فقال: "لا بأس أن يُرقى بكتاب الله وما يُعرف من ذكر الله"(1). ويستفاد هذا أيضاً من قوله صلى الله عليه وسلم: "أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شركٌ"(2)
فالأصل مجانبة الرقية للشرك ووسائله، ثم المحرمات من الأقوال والأفعال التي يطلبها الراقي من المسترقي، أو أن تتضمن دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن أو بالخلق فيما هو حق الله تعالى وحده، ولا تكون بعبارات محرمة كالسب والشتم واللعن؛ لحديث: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواءً فتداووا ولا تداووا بحرامٍ"(3).
وكذلك رقى اليهود والنصارى المخالفة لهدي الكتاب والسنة، فضلاً عن استعمال أمور تخالف العقل والشرع معاً مما هو شائع عند الناس: الخرزات الزرقاء والخضراء وغيرها، أو حلقات الحديد والنحاس، أو الخيوط والأشعار، أو تربات وطينات القبور وبعض البلاد والبقاع، أو الدماء، فضلاً عن الأبوال والنجاسات، سواءٌ التي تشرب أو تخلط بغيرها، أو غير ذلك من أنواع الخرافات وترهات الجاهلية، مما لا يعرف له أصل في الشرع، ولم يثبت نفعه عند أهل العقل والعلم والفضل.
وكذلك يجب مراعاة مجانبة الرقية وبراءتها من السحر الذي هو الاستعانة بالجن والشياطين بعد التقرب إليها بما يغضب الله تعالى، أو تكون من كاهن أو عراف لحديث: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقو؛ فقد كفر بما أنزل على محمد"(4) كالرقى المشتملة على العقد والنفث فيها، والعزائم، والطلاسم، والحروف المقطعة، والأسماء الغريبة التي يزعمون أنها أسماء ملوك الجان وزعماء قبائلهم، أو أسماء بعض الكواكب ومنازل النجوم المزعومة المرتبطة بمردة الجن، التي عن طريقها يكون التأثير من محبة أو كره وبغض وافتراقٍ وغيره، أو ربما ظهور بعض الخوارق، أو جلب لبعض المنافع.
ولا شك أن هذا كله محرم لدخوله في السبع الموبقات، كما ثبت ذلك في حديث رسول الله: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله! وما هنّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر..." الحديث(5).
وربما – في بعض الأحيان – يستعملُ السحرة شيئاً من القرآن، أو أسماء الله تعالى وصفاته ونحوه، ولكن يخلطون ذلك بباطلهم وسحرهم، وربما أتوا بالقرآن والذكر على صفة مقلوبة معكوسة والعياذ بالله، وهذا يزيدُ الأمرَ تحريماً وإثماً.
يقول الإمام ابن حجر رحمه الله في معرض ذكره الحكم والعلل من منع مثل هذه الرقى وتحريمها: "يدّعي تسخيرَ الجنّ له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل، يجمعُ إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم"(6).
ولا يخفى أن في مثل هذا تضليلاً وتلبيساً على الناس والعامة على وجه الخصوص، وصرفاً لهم عن الدين الحق، وعن الأسباب الشرعية في جلب المنافع ودفع المضار، ومعلوم أيضاً أن الشياطين والجن لا يأتمرون لأحد ولا يطيعونه إلا بعد الكفر والانحراف عن دين الله تبارك وتعالى.
ويجب كذلك ألا تكون بهيئة محرمة، كأن يتعمد الرقية في الحمام أو أماكن النجاسات، أو أن يكتب فيها حروف (أبا جاد)، أو أن يعتمد على النظر في النجوم؛ قال ابن عباس – في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم -: "ما أدري من فعل ذلك له عند الله خلاقٌ؟"(7).
وقد قال رسول الله: "من اقتبس علماً من النجوم؛ اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"(8).
ويلحق بما تقدم؛ مجانبة الرقية للعجمة والإبهام، والألغاز، والغرائب، مما لا يعقل معناه، ولا معنى له أصلاً، كالتركيبات المعهودة عند كثير من أهل الدحل والشعوذة مثل: (طالوش – عالوش – يالوش) ونحو ذلك(9).
قال الإمام الخطابي رحمه الله: "ما كان من الرقى مفهومَ المعنى، وكان فيه ذكر الله تعالى؛ فإنه مستحب يُتبركُ به"(10).
قال الإمام النووي رحمه الله: "الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة؛ لا نهيَ فيه، بل هو سنة"(11).
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يُفقه معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك"(12).
وقال الإمام ابن حجر رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى، واختلفوا في كونها شرطاً، والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة"(13).
ثانياً: الشروط والضوابط في الراقي:
- أن يكون مسلماً.
- عدلاً تقياً.
- عالماً خبيراً، مراعياً آداب التوكل، جامعاً بين بذل الأسباب وعدم الاعتماد عليها وبين تعلق القلب في حصول نتائج الأسباب على الله تعالى متوكلاً عليه.
أما الإسلام؛ فلأنه الأصل، ولأنه حريّ به مراعاة الشروط والضوابط المتقدمة في الرقة، ومجانبة المحظورات الشرعية فيها. ولأن غير المسلم من أهل الكتاب وغيرهم من أهل الديانات الوضعية أبعدُ عن مراعاة ذلك، بل يجهلونها، فضلاً عن اعتقاد النفع فيها، ثم إن ما يعتمدون عليه من توراة وأناجيل وغيرها قد دخلها التحريف والتغيير واختلط فيها ما هو من كلام الله تعالى بكلام غيره، بل لعلهم ممن يمارس السحر ولا يرى تحريمه عناداً وكفراً وتمرداً على حكم الله الذي يجدونه مكتوباً عندهم، ويمارسون غيره مما هو مخالف للشرع الذي بين أيديهم كالاستعانة والاستغاثة بغير الله تعالى.
وقد صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ بتعويذات مختلفة، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما"، فإن كان رسول الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم ترك من التعويذات ما كان يراه مقبولاً عنده – وهي بلا شك ليست منافية للتوحيد وأركانه – فإن ترك ما عليه أهل الديانات المحرفة المبدلة والمنسوخة، فضلاً عن الوضعية؛ أولى وأحرى. ولأن ما كان من القرآن وكلام الله خيرٌ وأنفع مما سواه، والأصل عند العقلاء والفضلاء عدم استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وأما العدالة والتقوى فلأنها صفات تحمل صاحبها على مراقبة الله في جميع أمره، والعمل بطاعته، ومجانبة المعاصي والمخالفات – من شرك وكبائر وبدع وغيرها – في جميع شأنه؛ فتكون رقيته وقراءته أنجع وأنفع بإذن الله، ويكون دعاؤه وطلبه مستجاباً بتوفيق الله عز وجل.
وما زال الناس – قديماً وحديثاً – يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء ورقية وقراءة الصالحين الأتقياء في كل زمان، كما كان الشأن في الصحابة الكرام يفزعون في أمورهم وأمراضهم وعاهاتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقرأ ويرقي ويدعو الله تعالى لهم، وأولئك القدوة لمن رام الخير والفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-.
يقول ابن التين: "الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى الحسنى هي الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل..."(14).
ويقول المازري: "اختلف في استرقاء أهل الكتاب فأجازها قومٌ، وكرهها مالك لئلا يكون مما بلدوه"(15).
فإن كان هذا في أهل الكتاب في رقاهم من التوراة والإنجيل من جهة أصله؛ فكيف بغيرهم ممن لا يعتمدون شيئاً من الكتب المنزلة ومن كلام الله، بل لا يعرفونها أصلاً!!
ويقول الإمام الخطابي: "الرقية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما يكون بقوارع القرآن، وبما فيه من ذكر الله تعالى على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس، وهو الطب الروحاني، وعليه كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله، فلما عز وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة؛ مال الناس إلى الطب الجسماني، حيث لم يجدوا للطب الروحاني نجوعاً في الأسقام؛ لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة"(16).
فالعدالة والتقوى من أولويات صفات الأبرار من الخلق، ولا أظن يصح وصف غير أهل الإسلام والإيمان والتقوى بكونهم أبراراً، وبكون نفوسهم طاهرة، وأنهم صالحون، فإنهم موطن الخُرافات والشركيات والوثنيات فضلاً عن النجاسات وغيرها.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السلاح تاماً لا آفة فيه والساعد قوياً والمانع مفقوداً؛ حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلف التأثير"(17).
وأما كون الراقي عالماً خبيراً؛ فلأن الأصل أن يرجع في كل أمر إلى أهله من ذوي الخبرة والاختصاص والعلم فلا بد من أن يكون عالماً بما ورد من نصوص الرقية وأدعيتها وآدابها، وأن يكون خبيراً بطرق المعالجة بها، بصيراً بموانع حصول النفع والشفاء من شركيات وبدع ومخالفات، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر عن علم ومعرفة وبصيرة، وينصح بكل ما يتحقق به الغاية من الرقية، من طاعة الله، وتعلق به، وتوكل عليه، ومجانبة الموانع كلها، خاصة إنْ رأى في المرقي أو ظهرَ من حاله شيءٌ من المعاصي والمنكرات، أو التعلق بالشركيات ووسائلها، أو ضع تعلق قلبه بالله والاتصال بمولاه، فيرشده إلى حسن الاعتقاد، وحسن الظن بمولاه في السراء والضراء، ثم يدعوه إلى التوبة والاستغفار، ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه وقلبه، فإن ذلك أنجع في صلاح بدنه وزوال علته وبلائه.
هذا ومن العلم والمعرفة الواجب على الراقي الاتصاف بها، مراعاة تحقيق التوكل على الله تعالى، والاعتقاد بأن الله تعالى هو النافع الشافي، وأن الرقية لا تؤثر بنفسها، وأنها من الأسباب، فيباشر الأسباب الشرعية بشروطها وآدابها، ويعلق قلبه على الله تعالى في حصول نتائج هذه الأسباب، فإن الاعتماد على الأسباب والتعلُّق بها قدحٌ في التوحيد، وبابٌ من أبواب الشرك، وترك الأسباب قدح في الشرع وفي العقل معاً، فلا بد من الجمع والموازنة بين مباشرة السبب والاعتماد على رب السبب في حصول المنافع ودفع المضار، وقد صح عن رسول الهدى والرحمة قوله: "من تعلق شيئاً وكل إليه"(18) وفي رواية: "من علق تميمةً فقد أشرك"(19)، وفي رواية أخرى: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعةً فلا ودع الله له"(20)، وفيه الدلالة الواضحة على أن التمائم والرقى لا تؤثر بذاتها في جلب المنافع ودفع المضار، وأن الاعتماد عليها بابٌ من أبواب الوقوع في الشرك – والعياذ بالله – كما بين ذلك جماعة من أهل العلم.
يقول الإمام ابن حجر رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى، واختلفوا في كونها شرطاً، والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة"(21).
وفي قول الإمام ابن القيم رحمه الله المتقدم: "والمانع مفقوداً"، إشارة إلى هذا الشرط العظيم المتعلق بالاعتقاد الجازم بأن الرقية لا تؤثر بذاتها، فإن اعتقاد تأثيرها بذاتها والتعلق بها مانع من حصول التأثير؛ لما فيه من خطورة الوقوع في الشرك الذي هو أعظم الموانع.
ويقول أيضاً رحمه الله: "ومن جرب هذه الدعوات والعوذ – أي الرقى الشرعية – عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه واستعداده، وقوة توكله وثبات قلبه، فإنها سلاح، والسلاح بضاربه"(22).
ثالثاً: الشروط والضوابط في المرقى:
سواء أكان مسترقياً طالباً من غيره أن يرقيه أم لم يطلبها؛ فالواجب عليه أن يعتقد أولاً اعتقاداً جازماً أن الشافي هو الله تعالى، وأن يحسن الظن بربه عز وجل مستحضراً أن البلاء والابتلاء من الله تعالى لعباده، وأنه محل الأجر والثواب، ورفع الدرجات، وتكفير الخطايا ومرضاة رب العباد، والفوز بالوعود الجميلة للصابرين المحتسبين، وما ثبت في حديث رسول الله: "ما من مسلم يصيبه أذى مرض فما سواه إلا حط الله له سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"(23)، بل هو حصول محبة الله لعبده وعلامةٌ عليه، لما ثبت في الحديث: "إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع"(24)، وكفى بمحبة الله تعالى منزلة وثمرة تتحصل للعبد.
فعليه في ذلك أن يتأدب ويتأسى بأهل الفضل والكمال في المصائب من الصبر والاحتساب وعدم الجزع والتسخط، وأن يعلم أن من رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، وأن يعلم أن ربه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأن يتوسل إليه بما يحب ويرضى، فيجتنب المعاصي والمخالفات، وأن يعلق قلبه بالله تعالى في طلب الشفاء وزوال البلاء، فإن ذلك كله من أنفع ما يستشفى به.
ثم ليعلم أن مولاه إنما يريد به الخير، وأعلم بما فيه خيره وصلاحه، مع الحذر من الاعتقاد أن الرقى تؤثر بذاتها، أو إنكار شيء منها وإنكار تأثيرها فضلاً عن السخرية منها والاستهزاء بها وأهلها، أو قبول رقية الراقي له من باب التجربة، فإن هذه موانع تمنع حصول الأثر في جلب المنافع ودفع المضار.
ويجب عليه صيانة الرقية وحفظها إن كانت مكتوبة في أوراق بعد غسلها وشرب مائها، أو كانت مقروءة في ماء أو نحوه بقصد شربها، فعليه صيانتها لما تتضمن من آيات القرآن وأسماء الله وصفاته عن الامتهان ومحال النجاسة وغيرها.
وحري بالمرء أن يتقرب إلى الله تعالى بطاعته، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وبذل الصدقات، والإحسان إلى الخلق، وملازمة الذكر والتضرع إلى الله تعالى، وإظهار الافتقار إليه – عز وجل – فإن ذلك مما يستجلب به النفع ودفع الضر، وحصول الشفاء بإذن الله تعالى.
عموم الرقية وخصوصها:
يقول الإمام النووي رحمه الله في شرحه حديث أنس، ولفظه: قال: "رخص في الحمة، والنملة، والعين" قال النووي: "ليس معناه تخصيص جوازها بهذه الثلاثة، وإنما معناه أنه سئل عن هذه "الثلاثة"، فأذن فيها، ولو سئل عن غيرها لأذن فيه، وقد أذن لغير هؤلاء، وقد رقى هو صلى الله عليه وسلم في غير هذه الثلاثة"(25).
ويقول الإمام ابن حجر رحمه الله في الإذن في الرقية من الحمة والأذن: "وأما رقية الأذن: فقال ابن بطال: المراد وجع الأذن، أي رخص في رقية الأذن إذا كان بها وجع، وهذا يرد على الحصر الماضي في الحديث المذكور في باب من اكتوى، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة"(26)، فيجوز أن يكون رخص فيه بعد أن منع منه، ويحتمل أن يكون المعنى: (لا رقية أنفع من رقية العين والحمة)، ولم يرد نفس الرقى عن غيرهما"(27).
وقال أيضاً في شرحه حديث ابن عباس في المرأة التي كانت تصرع وتتكشف: "وفيه: أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية..."(28).
ونقل صاحب الفتح الرباني عن الإمام النووي في حديث أبي سعيد عند قوله: "وما يدريك أنها رقية؟"(29): فيه التصريح بأنها رقية، فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسائر أصحاب الأسقام أو العاهات"(30).
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في بيان هدي النبي في العلاج العام لكل شكوى بالرقية الإلهية: "فإن قيل: فما تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود: "لا رقية إلا من عين أو حمة"، والحمة ذوات السموم كلها؟ فالجواب: أنه لم يرد نفي جواز الرقية في غيرها، بل المراد به: لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمة، ويدل عليه سياق الحديث، فإن سهل بن حنيف قال لما أصابته العين: (أو في الرقى خير؟) قال: "لا رقية إلا في نفس أو حمة". ويدل عليه سائر أحاديث الرقى العامة والخاصة"(31).
وقد عقد رحمه الله أيضاً فصلاً في "الطب النبوي" فقال: "فصل في هديه في العلاج العام لكل شكوى بالرقية الإليهة" ثم ذكر فيه حديث أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتُك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاءً من شفائك على هذا الوجع فيبرأ"(32).
ويقول محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تعليقه على (باب ما جاء في الرقى والتمائم) من كتاب "التوحيد" للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "وظاهر كلام المؤلف: أن الدليل لم يرخص بجواز القراءة إلا في هذين الأمرين (العين، والحمة)، ولكن ورد بغيرهما، فقد كان النبي ينفخ على يده في منامه بالمعوذات ويمسح بهما ما استطاع من جسده، وهذا من الرقية، وليس عيناً أو حمة، ولهذا يرى بعض أهل العلم الترخيص في الرقية من القرآن للعين والحمة، وغيرهما عامة. ويقول: إن معنى قول النبي: "لا رقية إلا من عين أو حمة" أي لا يطلب الاسترقاء إلا من العين والحمة، فالمصيب بالعين "العائن" يطلب منه أن يقرأ على المعيون"(33).

هل الرقية تنافي التوكل؟
يتساءل البعض هل الرقية تنافي التوكل أم لا؟ وهذا الاستفهام منشؤه حديث (عرض الأمم على النبي)؛ الذي رواه ابن عباس عن النبي قال: "عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننتُ أنهم أمتي فقيل لي: (هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق). فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: (انظر إلى الأفق الآخر). فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.. الحديث وفيه "هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون"(34).
رأى بعضهم أن الحديث يفيد التنافي بين الرقية والاستشفاء والعلاج، وبين التوكل على الله تبارك وتعالى. والحق أن الأصل هو جمع النصوص الشرعية وعدم ضرب بعضها ببعض، ثم الرجوع إلى أقوال أهل العلم والفضل من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وفهمهم وتطبيقهم وجمعهم بين النصوص الشرعية والتوفيق بينها.
إن الرقية قد ثبتت مشروعيتها، وأنها من الأسباب التي جعلها الله عز وجل نافعة بإذنه في التداوي والاستشفاء من الأمراض. والأسباب: إما أن تكون شرعية، أي: مقررة في الشرع الحنيف ومنصوصاً عليها، وإما أن تكون حسية مادية مجربة عند أهل الحل والعقد والاختصاص.
وأما التوكل على الله عز وجل عند أهل السنة والجماعة؛ فهو بذل الأسباب المشروعة في جلب المنافع ودفع المضار عن النفس والغير، مع اعتماد القلب في حصول نتائج هذه الأسباب على الله سبحانه وتعالى وحده، إذ هو رب الأسباب وبيده الخير كله، وهو النافع وحده لا إله إلا هو تبارك وتعالى.
بهذا يتبين أنه لا منافاة بين بذل الأسباب والسعي في تحصيلها بما هو مشروع، وبين التوكل على الله تعالى، واعتقاد القلب واطمئنانه إليه جل وعلا في حصول المنافع ودفع المضار بل إن في بذلها كمال التوكل على الله وامتثال أمره فقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تأمر ببذل الأسباب والسعي الجاد في تحصيلها.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه حديث ابن عباس: "تمسك بهذا الحديث من كره الرقى والكي من بين سائر الأدوية، وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما، وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:
(أحدها): قاله الطبري والمازري وطائفة، أنه محمول على من جارى اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.
وقال غيرهم: الرقى التي يحمد تركها؛ ما كان من كلام الجاهلية ومن الذي لا يعقل معناه؛ لاحتمال أن يكون كفراً، بخلاف الرقى بالذكر ونحوه.
وتعقبه عياض وغيره؛ بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفاً مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة، ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى الجاهلية ونحوها؛ فليس مسلماً، (قال الحافظ): فلم يسلم هذا الجواب.
(ثانيها): قال الداودي وطائفة: (إن المراد بالحديث؛ الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا) (قال الحافظ): وقد قدمت هذا عن ابن قتيبة وغيره في "باب من اكتوى"، وهذا اختيار ابن عبد البر، غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء.
(ثالثها): قال الحليمي: (يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعهودة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة، ولا يحسنون من ذلك شيئاً، والله أعلم).
(رابعها): أن المراد بترك الرقى والكي؛ الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك، لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب، وإلى هذا نحا الخطابي ومن تبعه. قال ابن الأثير: هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهؤلاء هم خواص الأولياء. ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وأمراً، لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله؛ لأنه كان كامل التوكل يقيناً، فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئاً، بخلاف غيره"(35).
وقال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ذكر قول الخطابي: "والظاهر من معنى الحديث: ما اختاره الخطابي ومن وافقه كما تقدم، وحاصله: أن هؤلاء كمل تفويضهم على الله عز وجل.."(36).
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله بعد ذكره حديث ابن عباس: "فهؤلاء من أمته، وقد مدحهم بأنهم لا يسترقون، والاسترقاء: أن يطلب من غيره أن يرقيه، والرقية: نوع من الدعاء، وكان يرقي نفسه وغيره، ولا يطلب من أحد أن يرقيه..."(37).
ونقل الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله عن الإمام ابن القيم رحمه الله ما نصه: "فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحرّ والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في مباشرة التوكل نفسه، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع؛ فلا يجعل عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً"(38).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله في شرحه حديث ابن عباس: "إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلاً على الله، كالاسترقاء والاكتواء، فتركهم لها ليس لكونها سبباً، ولكن لكونها سبباً مكروهاً، لا سيما المريض يتشبث بما ظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت. أما مباشرة الأسباب نفسها، والتداوي على وجه لا كراهية فيه، فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعاً كما في الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء(39)"(40).
فالحاصل؛ أنه يتعين على الإنسان أن يبذل الأسباب التي شرعها الله ورسوله، أو التي نصبها الله قدراً في تحصيل منافعه ودفع المضار عن نفسه وعن غيره، وذلك لا ينافي التوكل، بل يحققه ويكمله. وأما ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه فحاصل كلام العلماء فيه:
أولاً: التفريق بين الذين يرقون أنفسهم أو غيرهم، وبين الذين يسترقون، أي يطلبون الرقية من غيرهم.
ثانياً: أنه بيان ووصف لطائفة من هذه الأمة بقوة اعتمادهم وتعلقهم بالله تعالى وحده في حصول المنافع ودفع المضار، وبعزة نفوسهم ودعم التذلل وسؤال غير الله تعالى، وبكمال إيمانهم وتعلق قلوبهم بالله، ومخافة التعلق بغيره من الأسباب والأشخاص، وبكمال استسلامهم لقضاء الله وقدره وتلذذهم بالبلاء في جنب الله تعالى. وهذا كله لا يعني ولا يلزم منه ترك التداوي وترك الإحسان إلى الناس بإيصال الخير لهم، ودفع الشر عنهم.

واقع التداوي بالرقى وحال الرقاة في الواقع المعاصر:
إن بلاء الأمة – قديماً وحديثاً – يكمن في سوء فهم التنزيل ونصوص الوحي، ومن ثم سوء التطبيق الذي هو فرع لازم لسوء الفهم. إن التنزيل كان وما زال غضاً طرياً محفوظاً من كل تحريف وتبديل وزيادة ونقصان " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر:9). غاية في الوضوح بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
وإن الناظر في حال الأمة عبر تاريخها يرى بوضوح وجلاء أن منشأ كل مخالفة وبدعة ظهرت في الأمة وفشت فيها؛ قد انطلقت من أصل شرعي واجب أو مستحب، ثم تعتريها الشوائب مما تستحسنه العقول والأهواء من أفعال وإضافات وكيفيات وهيئات تدور بين الإفراط والتفريط في الأمر العتيق، فتلتبس تلك الأصول بالمحدثات وما لم يثبت في أفعال وأحوال الصدر الأول من هذه الأمة، ثم تبدأ مسيرة البعد عن الحق ومجانبة أهله، ويختلط الحق بالباطل، وتلتبس الأمور على الخلق والعباد، فيتعذر التمييز بين السنة والبدعة – والعياذ بالله-.
يقول الإمام البربهاري رحمه الله: "واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغير البدع يعود حتى يصير كبيراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة، كان أولها صغيراً يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها، فعظمت وصارت ديناً يدان بها، فخالف الصراط المستقيم، فخرج من الإسلام"(41).
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "فالبدع تكون في أولها شبراً، ثم تكثر في الاتباع حتى تصير أذرعاً وأميالاً وفراسخ"(42).
وإن من يستحضر المثال الذي ضربه رسول الله ليبين صراط الله المستقيم ويحذر من البدع والمحدثات، وهو ما رواه عبد الله بن مسعود، قال: خط لنا رسول الله خطاً، ثم قال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: "هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (الأنعام:153)(43).
وإن من يستحضر هذا المثال النبوي، ليدرك هذه الحقيقة كما شرحها وبينها جماعة من علمائنا، فالسبل هي البدع خرجت وابتدأ أمرها من أصل الصراط، ثم فارقت يميناً ويساراً، وكلما استمرت فيا لمضي ازداد بعدها، واتسع بونها عن الصراط المستقيم ومنهج الله تعالى القويم.
وإن حال الرقية والرقاة كحال بقية أبواب الدين والإيمان، مما فارق فيه كثير من الناس الحق الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله، واتبعوا غير سبيل المؤمنين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في تحقيقه وتطبيقه، فتنكبوا عن الصراط، وابتعدوا عن نور الوحي وأسباب العصمة حتى تحكمت فيهم الأهواء وابتدعوا ولم يتبعوا، بل إن الأمر في الرقى والرقاة ربما يزيد في ذلك على غيره من أبواب الدين والإيمان، لما فيه من ألوان الفتن، والمكاسب العاجلة، وحظوظ النفس مع ما يكون فيه المرء من حال الضعف زمن المرض والبلاء مما يحمله على التعلق بكل ما يظنه أو يوصف له بأنه الشفاء ورفع البلاء، وقد يكون فيه العطب والهلاك في الدنيا والآخرة.
والحق أن هذا الأمر على ما استقر عليه حال الرقاة اليوم: من فتح عيادات ودور للرقية، وتخصيص أوقات ومواعيد، وساعات خاصة للرجال، وأخرى للنساء، واجتماع النساء في ساعتهن حتى تغص بهن الأماكن والدور، وتزدحم جماعات المرضى والمتمارضين على تلك العيادات، الأمر الذي حمل وأعان الرقاة على التفرغ والاحتراف والامتهان لهذا الأمر، لما صاحبه من التكسب سواءٌ بأخذ الأموال على مجرد القراءة، أم بما كان بسبب بيع المياه والزيوت وعسل النحل وغيرها مما سبق لهم القراءة عليه، فاستغنوا بذلك عن الوظائف والأعمال الأخرى.
إن هذا الواقع قد فتح أو كان سبباً وباباً عظيماً من أبواب الشر والفساد والفتنة التي أفسدت العقائد والأديان، وربما الحياة والدنيا والأبدان.
وإن أعظم هذه الفتن والشرور تعلق المرضى والمحتاجين من العامة، ممن لا يميزون بين الحق والباطل، ولا بين السني والبدعي، ولا هم لهم إلا ما هم فيه من أوهام وأمراض بغير الله، خاصة فيمن يكثر الزحام عليه – من الرقاة – مع مدح الناس له، وانتفاع بعضهم، أو حصول منفعة للبعض وقت القراءة عليهم، فيظن أنها بسبب القراءة، والحقيقة أنها مما قدرها الله تعالى لهم في هذا الوقت، مما أدى إلى الغلو في ذلك القارئ، ولربما عاد الشر والفساد على القارئ نفسه إذا رأى ازدحام الناس عليه، وسمع عن انتفاع البعض بعد زيارته له، أو بما يتلفظ به بعض الجن والشياطين على لسان من به مس أو صرع، فيعلن خوفه وفزعه من هذا القارئ صادقاً أو كاذباً.
ولا ريب أن في هذا كله فساداً للقلب، وانحرافاً عن الاعتقاد الصحيح، وسبباً للافتتان وحصول العجب في نفسه أو من قبل غيره، وهذا باب هلاك وفساد، والأصل في شرع الله سد الذرائع ودرء المفاسد، وتقديمها على جلب المنافع وإن كانت متحققة، فضلاً عن أن تكون مظنونة.
ولله در عمر بن الخطاب حينما قال لأبي ذر – لما رأى جماعة من أتباعه-: "أما علمت أنها فتنة للمتبوع ومذلة للتابع". وهنا والله نقول: إنها فتنة للقارئ الراقي، وفساد اعتقاد ومنافاة كمال التوحيد في المرقي. وإن قصص السلف في حب الخمول والهروب من الشهرة والظهور لكثيرة، وللعاقل عبرة في قصة (أويس القرني)(44) واختفائه وهروبه من الناس جميعاً لما علموا بمكانته وإجابة دعوته.
ومن أعظم الفتن والشر والفساد: دخول الراقي على النساء وإن كن جماعةً في غرفة فضلاً عن الخلوة، ولا يخفى بعضهن يأتين بزينتهن، ثم يخاطبهن الراقي بما يأملن في إقناعه بمرضهن والاعتناء بهن أكثر من غيرهن، ويتمايلن في القول والخطاب بغية حصول المأمول، مع استحضار الأصل في النفس البشرية، وتزيين الشياطين، مع ما يصاحبه – غالباً – من قبل غالب الرقاة من وضع اليد والملامسة لجسد المرأة بغية بلوغ المنتهى في التأثير بزعمهم أو تحديد مكان الجن، والضغط عليه والتضييق بهدف إخراجه منها، ولا يتردد عاقل مريد للخير والنجاة والسلامة في خطورة هذا الباب. كيف؛ وقد قال رسول الله: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(45). وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أولى فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"(46).
وأما في الخلوة فالأمر أشد؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء"(47)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"(48).
ومن أعظم الفتن والمفاسد: ما تقرر عند العامة والدهماء أن ما استقر عليه أمر الرقي: هو المشروع، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه – أعني الدور والتفرغ وكيفيات القراءة الجماعية للرجال فضلاً عن النساء – الأمر الذي رافقه هجر الناس للسنة في الرقية ومخالفة ما كان عليه الصدر الأول، فما أحدث الناس شيئاً إلا وتركت سنة ثابتة، فها هم العامة ما أن يصابوا بشيء إلا فزعوا بحثاً عن راق له أثر واضح وعيادة معروفة، لا هم يمارسون القراءة بأنفسهم على أنفسهم، ولا يستعينون بأهل الصلاة والتقوى ممن لا عيادة لهم، ولم يتفرغوا للرقية ولم يشتهروا بها.
ثم إن في هذا الذي استقر عليه الأمر اليوم: مخالفة لما كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان من العلماء وأهل الفضل في القرون الأولى، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، والخير كل الخير في اتباع من سلف، وفي الإحسان إلى خلق الله تعالى، والسعي في نفع الناس وبذل النصيحة لهم بلا مقابل، بل ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى مما يكون أحرى في حصول المأمول، واستجابة الله تعالى لما فيه من إخلاص العمل لله، لا طلباً لسمعة ولا شهرة ولا مال ولا كسب.
ومن أعظم الفتن والمفاسد أيضاً: أنها فتحت باباً للمشعوذين والدجالين الذين يمارسون هذه المهنة بأنواع الدجل والشرك والاستعانة بالجن والشياطين، إلى غير ذلك من أساليبهم وترهاتهم وخرافاتهم، مما يزيد في صد الناس عن الحق، واللجوء إلى الله تعالى، والاطمئنان إليه، والتعلق به سبحانه وتعالى، وبالمقابل يحملهم على التعلق بالشركيات والوثنيات وجميع المحرمات، طلباً للاستشفاء ورفع البلاء عن أنفسهم ومحبيهم، دون اعتبار المشروع أو التمييز بين ما يحل ويحرم، الأمر الذي ينافي أو يقدح في توكلهم على الله تعالى، ومن ثم ينقص من توحيدهم أو ينقضه – والعياذ بالله-.
كما فتح الباب لأصحاب النفوس المريضة ممن تستهويهم مخالطة النساء، والاطلاع على العورات، وممارسة الأهواء والشهوات، وربما مقارفة الفواحش والرذائل والموبقات، كل ذلك بحجة القراءة وطلب الشفاء، وفتح الباب أيضاً لطلاب الكسب الحرام والمحتالين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، فيضربون لهم الموعد تلو الموعد والجلسة تلو الجلسة بحجة أن الداء قد تمكن، وأن العلاج والشفاء يحتاج إلى طول القراءة وكثرة الجلسات والتردد، كل ذلك بغية الاستزادة في الكسب – والعياذ بالله-.
هذه هي أهم المفاسد التي تعاني منها المجتمعات وتعايش مرارتها، ولا أظن أن أحداً ينكر شيئاً من ذلك، ففسادها وسوء آثارها عظيمة وكثيرة، مع أن الواحدة منها تكفي في كشف وجه الشر والفساد فيها ومنها، فكيف وهي مجتمعة تفسد الدين والدنيا والآخرة، وتفسد العقائد، وتنافي التوحيد، وتوقع في الشرك والوثنيات، والتعلق بغير الله تعالى. وتفسد الحياة الاجتماعية وتقوض تماسك الأسرة، وتشيع الفاحشة، وتقرب الناس إلى حبائلها ووسائلها، وتفرق بين المرء وزوجه، وتفسد حياة الأزواج والزوجات، وتفسد الجوانب الاقتصادية في المجتمع، فتستباح الأموال في غير وجهها، وتؤكل أموال الناس بالباطل، ويكثر الكذب والغش والاحتيال، مما يوغر في النفوس الحسد والبغضاء والتشاحن.
كل هذا وغيره كثير؛ من تعلق الناس بما لا ينفعهم في أمراضهم، مع صرفهم عما ينفعهم ويكون فيه صلاحهم، وكذلك ما يورثه في العامة من تسلط الجن والشياطين على بني آدم، وأن جل الأمراض منهم وبسببهم مما يثير في نفوسهم الخوف من الجن، ومن ثم الاستعانة والاستعاذة بهم من سفهائهم دفعاً لأذاهم، الأمر الذي يزيدهم سفهاً وطغياناً كما قال الله تعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً" (الجـن:6).
وكذلك ما ينتج من عدم الاكتفاء في حصول النفع ودفع الضرر بكلام الله تعالى وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعف الاعتقاد والإيمان بالانتفاع بالوحي وبوعد الله وخبره في ذلك، فيترك الأسباب الشرعية جرياً وراء السراب الذي يظنه ماءً أو منفعة، وليس كذلك، بل لا يجني من ذلك إلا الفساد في الدين والدنيا والآخرة.

بعض بدع الرقاة ومحدثاتهم:
وسنذكر شيئاً مما شاع واشتهر من حال الرقاة، وأما ما خفي وتستر فعله أعظم وأكثر، والله تعالى وحده المستعان وعليه التكلان في رجوع الناس إلى الهدى والرشاد، ومجانبة طرق الزيغ والضلال فنقول:
منهم: من توسع في تقنين العيادات بتحديد المواعيد وإعطاء تذاكر الدخول، وتحديد الأسعار والتكاليف، وعدد الجلسات اللازمة ومدة العلاج، وكيفيات استعمال الدواء وأوقاته وأحواله، وإعطاء الوصفات من: مياه وعسل وزيوت وأعشاب وحبوب وملح وغيرها من الأشياء، وتوزيع الجداول لأنواع القراءات والأمراض.
ومنهم: من يجمع العشرات وربما المئات من المرضى والمتمارضين في المكان الواحد، ثم يقرأ ما زعموه (القراءة والرقية الجماعية) مستخدماً مكبر الصوت، وربما عن طريق جهاز التسجيل، خاصة إن كان لا يحسن القراءة والحفظ، أو بحجة أن حسن الصوت والأداء أوقع في الأثر على الجن والأرواح الشريرة.
ومنهم: من يذكر تقسيماً وتحديداً لمواطن خروج الجن من الإنس، وتحديد الأضرار الناتجة من ذلك، فيزعم مثلاً: أنه إن خرج من فتحة الأذن أصمها، أو خرج من عين المريض أعماها، أو من جهة رأسه أصابه الخبل، أو من دبره فكذا وكذا.. إلخ، ثم يقوم هو بتحديد موقع خروجه، فيأمره أن يخرج من جهة قدميه أو قدمه اليسرى، ولا أدري لماذا لا يصاب بالعرج أو الشلل من جراء ذلك، قياساً على تقسيماته السابقة.
ومنهم: من يستخدم مواد كيميائية وأحماضاً حارقة، أو تركيبات وخلطات من مواد يحتفظ بعناصرها لنفسه كبعض الأعشاب والزيوت والحبوب وغيرها، أو أنياب بعض الوحوش أو جلودها أو محنطاتها، كل ذلك يزعمون أنه طارد للجن، قاهر له وقاتل.
ومنهم: من توسع كثيراً بإجراء حوارات مع بعض الجن ومقابلات يتجاذب فيها أطراف الأحاديث عن الأمور الغيبية، وأسئلة خاصة عن أحوالهم، وربما عن كيفية إصابتهم الإنس، ثم أمرهم بالخروج وتهديدهم، وأخذ العهد عليهم بما يزعمونه عهد سليمان النبي عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك من الهراء الكثير، والأخبار الغيبية، وتحديد الساحر والعائن والحاسد الذي تسبب بهذه الأمراض، ومصدره في ذلك؛ إخبار الجن له، ومعلوم أن الأصل عدم تصديقهم.
ومنهم: من اشتهر بين الناس ببعض الأوصاف والألقاب المثيرة، ترويجاً لعيادتهم وجذباً للعامة والمرضى لهم دون غيرهم، مع فرحهم بتلك الألقاب والأوصاف التي لا تخلو من تزكية للنفس، فضلاً عن الكذب والدجل مثل: طارد الجان، قاهر الشياطين، وملك الرقاة... إلخ.
ومنهم: من يجالس النساء في ساعات متأخرة، ويتلمس مواضع المرض بزعمه ويتحسس تحرك الجن في جسدها، أو يضع يده على رأسها وربما مع التحريك. ومنهم من يطلب من المرأة أن تضع عينها في عينه لا تفارقه بحجة التأثير على الجني أو تخويفه، أو يضغط بيده على بطنها أو صدرها أو موضع عفتها بحجة التضييق على الجني وغيره، فضلاً عن تكشف العورات حين اضطراب كثير من النساء وتحركهن بفعل الجن بزعمهم، مما هو من دواعي الفتنة ومقدمات الوقوع في المحرمات – والعياذ بالله – هذا كله، عدا ما يسلكه بعضهم من تعمد الخلوة ببعضهن، ولعل بعض هذه الأمور تكون أمام محارمهن وذويهن ولا يحركون ساكناً.
ومنهم: من يتفنن ويجتهد في زيادة الوهم عند المرضى باستعمال الخنق بالضغط على الأوداج، الأمر الذي يحبس الدماء عن المخ حتى يفقد المريض وعيه لثوان معدودة، وأهل المريض أو المرضى الآخرون يرون ذلك فيؤمنون بأنه الجن، وأنه الصرع، ولحظات المس والدخول والخروج، أو الاتصال بالعالم الآخر إلى غير ذلك من الخرافات والأوهام، ثم ما يلبث أن يعود إليه وعيه فيكبر ويهلل الراقي، ويهلل الجميع وسط ذهول المريض الذي يصاب بصدمة ويتساءل عما حدث له، فيطلب منه الراقي التهليل والتكبير والتحميد وكأنه قد سلك به أول طريق العلاج والخلاص من آثار الجن وغيره.
ومنهم: من يستعمل أساليب أخرى توهم المرضى وتزيد أهل الوهم وهماً وأهل الوسوسة وسوسةً، فيشعرون بالحاجة الماسة للراقي والقارئ، وأنه لا غنى لهم عنه، وعن حضور مجالسه والدفع له، ومن أساليبهم في ذلك إخبارهم بالمغيبات وادعاء الخوارق مثل: حرق الجن المتلبس، أو صرعه، أو قتله، أو رد السحر على الساحر بإصابته، أو بالتفريق بين الجن وأهله وعشيرته بحبسه أو نفيه، والأغرب أن بعض هؤلاء يستخدم مشرطاً أو إبرة يؤخز بها مريضه أو مريضته في جهة أصابع القدمين أو أنامل اليدين أو غير ذلك لإخراج شيء من الدم ليستدل به على قتل الجني أو جرحه!!
ومنهم: من يستعمل الضرب – بحجة مشروعيته – فيتوسع بالضرب في أماكن متفرقة من جسد المرأة متلمساً عوراتها ومفاتنها، ومتحسساً على ما يستحسنه من جسدها، إشباعاً لرغبته وكبحاً لجماح شهوته.
ومنهم: من يستعمل الصعق الكهربائي بكشف مواطن من جسد المرأة وربط الأسلاك بها استعداداً لتمرير التيار بها للتضييق على الجن أو إحراقه بزعمهم.
وهذه نماذج من المفاسد والمخالفات الشرعية التي ساهمت في فساد كثير من العقاد، وصدت عن الطرق الشرعية في انتفاع الإنسان بالقرآن والأذكار، والأمر في ازدياد، وأن نظرةً سريعة ومراجعة في دواوين الفتاوى التي وردت على أهل العلم والفضل، وكذلك دواوين القضاء والمحاكم، ومخافر الشرطة ومضابطها في البلاد الإسلامية تكفي في معرفة الشر، والقضايا والجرائم التي تتفطر لها القلوب وتتحسر لأجلها النفوس من كثرة هذه الممارسات، وما يزيد المرء حزناً وكمداً أنها تمارس باسم الدين، ورجال الدين، وأهل القرآن، والعيادات الروحية القرآنية، والعلاج الرباني، والروحاني أو غير ذلك من الأسماء الشرعية التي لا يريدون منها إلا ترويج باطلهم وزيادة كسبهم وقبول الناس لهم(49).

الخاتمة:
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد بن عبد الله ، إمام البشرية، وبعد:
ففي ختام بحثي ألخص أهم النتائج التي توصلت إليها وهي:
- إن موضوع التداوي بالرقى من الموضوعات المهمة في هذا العصر، التي يحتاج إليها كثير من الناس، وبخاصة بعد أن انتشرت مراكز العلاج بالرقى، وكثر من أقحم نفسه في معالجة الناس بها دون أن يعرف أصول التداوي بها والضوابط الشرعية لها. وكثر المترددون على تلك المراكز حسب ما نقرأ ونشاهد في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فيحتاج لبيان الحكم الشرعي .
- إن مداواة الإنسان نفسه من الأمراض والعلل يعد إصلاحاً وقواماً لها في أمور الدين والدنيا معاً؛ فالمريض لا يقدر على كسب رزقه ورزق ولده، والمريض لا يؤدي واجباته الدينية مثلما يؤديها السليم في نفسه، وهذه المداواة إن لم تكن من الواجبات - على رأي من يقول ذلك - فهي من المقاصد الشرعية؛ لأن الإنسان ملزم بحفظ نفسه، ومن حفظها مداواتها عندما تتعرض لعارض وعلة.
- قد اتفق الفقهاء على حرمة التداوي بالمحرم أو النجس في حال الاختيار، بأن لم تكن ثمة ضرورة إليه، لوجود الدواء المباح الذي يقوم مقامه في علاج الداء، أو لعدم تعينه في معالجته.
- الرقية الشرعية هي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء.
- قد رقى رسول الله نفسه وغيره وأقر أصحابه عليها.
- يشترط أن تكون الرقية موافقةً لكتاب الله تعالى أو لسنة رسول الله بمعنى ألا تعارض أي أصل من أصول التضرع والتوسل والدعاء في استجلاب الخير والشفاء والعافية، أو دفع الضرر والبلاء. والأولى من ذلك أن تكون بشيء من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله مما يستشفى به ويتعوذ به ويرقى به على وجه الخصوص، كقراءة بعض الآيات أو السور، أو بشيء من أسماء الله وصفاته، أو بذكر ودعاء ورد في الكتاب والسنة في مثل هذه الأحوال. سئل الإمام الشافعي -رحمه الله- عن الرقى فقال: "لا بأس أن يُرقى بكتاب الله وما يُعرف من ذكر الله".
- والأصل مجانبة الرقية للشرك ووسائله، ثم المحرمات من الأقوال والأفعال التي يطلبها الراقي من المسترقي، أو أن تتضمن دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن أو بالخلق فيما هو حق الله تعالى وحده، ولا تكون بعبارات محرمة كالسب والشتم واللعن.
- يجب مراعاة مجانبة وبراءة الرقية من السحر الذي هو الاستعانة بالجن والشياطين بعد التقرب إليها بما يغضب الله تعالى، أو تكون من كاهن أو عراف.
- كذلك ألا تكون بهيئة محرمة، كأن يتعمد الرقية في الحمام أو أماكن النجاسات، أو أن يكتب فيها حروف (أبا جاد)، أو أن يعتمد على النظر في النجوم.
- وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى.
- الشروط والضوابط في الراقي:
- أن يكون مسلماً.
- عدلاً تقياً .
- عالماً خبيراً، مراعياً آداب التوكل، جامعاً بين بذل الأسباب وعدم الاعتماد عليها وبين تعلق القلب في حصول نتائج الأسباب على الله تعالى متوكلاً عليه.
- لا منافاة بين بذل الأسباب والسعي في تحصيلها بما هو مشروع، وبين التوكل على الله تعالى، واعتقاد القلب واطمئنانه إليه - جل وعلا- في حصول المنافع ودفع المضار. بل إن في بذلها كمال التوكل على الله وامتثال أمره. فقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تأمر ببذل الأسباب والسعي الجاد في تحصيلها.

__________________
(1) انظر: فتح الباري (10/195 شرح الحديث 5735).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه (4/1727 رقم 220/64).
(3) أخرجه أبو داود في سننه (ح 3874)، وضعف إسناده العلامة الألباني في ضعيف أبي داود، ولكنه في الصحيحة (ح 1633) حسن إسناده لشواهده. فالحديث مقبول.
(4) أخرجه أحمد في المسند (2/429)، والحاكم في المستدرك (1/8) وقال: "صحيح على شرطهما"، والترمذي (ح 135)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (ح 116) والإرواء (ح 2006).
(5) متفق عليه، صحيح البخاري (ح 2766)، صحيح مسلم (1/92 الحديث 145/89). وتتمة الحديث: "وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
(6) فتح الباري (10/196 شرح الحديث 5735).
(7) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/26 الحديث 19805).
(8) وأبو داود في سننه، كتاب الطب: باب في النجوم (ح 390)، وحسّن إسناده العلامة الألباني في صحيح السنن (ح 2305).
(9) للاستزادة انظر: الإبداع في مضار الابتداع (ص 425).
(10) معالم السنن (5/362 تحت الحديث 3883).
(11) شرح النووي على مسلم (14/169 شرح الحديث 2186).
(12) إيضاح الدلالة، لابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (2/103).
(13) فتح الباري (10/195 شرح الحديث 5735).
(14) فتح الباري لابن حجر (10/196، شرح الحديث 5735).
(15) نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/197 شرح الحديث 5735).
(16) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (17/403).
(17) انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم (ص 25).
(18) أخرجه الترمذي في السنن، كتاب الطب، باب: ما جاء في كراهية التعليق برقم (2079)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، برقم (1691).
(19) أخرجه أحمد في المسند (4/156)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/103): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (الحديث 492).
(20) أخرجه أحمد في المسند (4/156)، قال الهيثمي في المجمع (5/103): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم ثقات.
(21) فتح الباري (10/195) شرح الحديث (5735).
(22) الطب النبوي (ص 133).
(23) متفق عليه: صحيح البخاري كتاب المرض، باب: شدة المرض (ح 5660)، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب: ثواب المؤمن (ح 5271).
(24) أخرجه أحمد في المسند (5/428).
(25) شرح النووي على مسلم (14/185 شرح الحديث 2196).
(26) صحيح البخاري، كتاب الطب (ح 5378).
(27) فتح الباري، لابن حجر (10/173 شرح الأحاديث 5719، 5720، 5721).
(28) المصدر السابق (10/115 شرح الحديث 5652).
(29) متفق عليه.
(30) الفتح الرباني، للساعاتي (17/184 شرح الحديث 142).
(31) زاد المعاد، لابن القيم (4/175).
(32) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب باب كيف الرقى (ح 3892)، وضعفه الألباني في المشكاة (ح 1555).
(33) القول المفيد على كتاب التوحيد، لمحمد بن صالح العثيمين (1/184).
(34) متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب الطب: باب من لم يرق (ح 5752)، صحيح مسلم – واللفظ له -: كتاب الإيمان: باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (ح 216).
(35) فتح الباري، لابن حجر (10/211، 212 شرح الحديث 5752).
(36) شرح النووي على مسلم (3/91 شرح الحديث 374).
(37) مجموع الفتاوى لابن تيمية (1/328).
(38) تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (111).
(39) أخرجه البخاري في كتاب الطب: باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء (ح 5678).
(40) تيسير العزيز الحميد (ص 110-111).
(41) شرح السنة، للبربهاري (ص 67).
(42) مجموع الفتاوى (8/425).
(43) أخرجه أحمد في المسند (1/435)، وابن ماجه في السنن (ح11)، وصححه المحدث الألباني في صحيح السنن (ح 11) وظلال الجنة في تخريج السنة (ح 16-17).
(44) انظر قصة أويس واختفائه وهروبه من الشهرة: صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة (ح 2543)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي (4/19).
(45) متفق عليه: صحيح البخاري (ح 5232)، صحيح مسلم (ح 2172).
(46) صحيح مسلم (ح 2742).
(47) متفق عليه: صحيح البخاري (ح 5232)، صحيح مسلم (ح 2172).
(48) متفق عليه: صحيح البخاري (ح 5233)، صحيح مسلم (ح 1341).
(49) الرقى الشرعية بين التنزيل والتطبيق، د. فلاح مندكار، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة مجلس النشر العلمي جامعة الكويت العدد 67 سنة 21 – 1427هـ.